من سلسلة أحاديث رمضان حديث: إن الله اختار أصحابي على العالمين

[ابوالوليد المسلم]

من سلسلة أحاديث رمضان حديث: إن الله اختار أصحابي على العالمين
عصام الدين بن إبراهيم النقيلي

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ اختارَ أصحابي على العالَمينَ سوى النَّبيِّينَ والمرسلينَ، واختارَ لي من أصحابي أربعةً يعني أبا بَكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليًّا - رحِمَهمُ اللَّهُ - فجعلَهم أصحابي، وقالَ: في أصحابي كلُّهم خيرٌ. واختارَ أمَّتي على الأممِ، واختارَ أمَّتي أربعَ قرونٍ الأوَّلُ والثَّاني والثَّالثُ والرَّابعُ[1].

الشرح:
هذا الحديث آية في الدلالة على فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضل أتباعهم وأتباع أتباعهم، فمن المعلوم أنَّ أقوال وأفعال وتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم كله وحي من الله تعالى، وأن كل شأنه بأمر من الله تعالى، فعلى هذا لا يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا باختيار من الله تعالى، فقد اختار له أصحابه من بين العصور والأزمان وجمعهم له في عصره؛ كي يكونوا سنده والمبلغين عنه من بعده، فيقول صلى الله عليه وسلم: إن الله اختار لي أصحابي على العالمين؛ أي: مميَّزين، اختارهم من رحام الطاهرات وأظهر الشرفاء، رجال مخلصون عاملون مؤمنون أنصار ومهاجرون، وقال صلى الله عليه وسلم: سوى الأنبياء والرسل؛ أي: ولم يكن هذا للأنبياء والرسل من قبلي، وهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصحابه خيرُ خلق الله من بعد الأنبياء والرسل، وقال صلى الله عليه وسلم: واختارَ لي من أصحابي أربعةً يعني أبا بَكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليًّا، أي: ميَّزَ هؤلاء الأربعة من جملة أصحابي، وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم خيرة أصحابه، وقالَ: في أصحابي كلُّهم خيرٌ، وهذه شهادة منه صلى الله عليه وسلم أنَّ كل أصحابهم هم خير الناس؛ لكيلا يظن السامع أنَّ تخصيص الأربعة بالذكر يمحو فضل البقيَّة، ولذلك ذيَّل رسول الله قائلًا: في أصحابي كلُّهم خيرٌ، ثمَّ قال: واختارَ أمَّتي على الأممِ، وهو من قوله تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، فهذه الأمَّة اختارها الله تعالى كي تكون أمَّة حبيبه صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: واختارَ أمَّتي أربعَ قرونٍ الأوَّلُ والثَّاني والثَّالثُ والرَّابعُ، وهنا يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم التابعين وأتباعهم بالفضل، فعلى هذا فإنَّه يقصد بالقرن الأول قرنه صلى الله عليه وسلم، والقرن الثاني أصحابه، والقرن الثالث التابعين، والقرن الرابع أتباع التابعين، وهذا الذي عليه الجمهور، وهو أنَّ تبع أتباع التابعين ليسوا من القرون الذهبية، ولكن إن عددنا القرن الأوَّل هو قرنه هو وأصحابه، والقرن الثاني للتابعين، والقرن الثالث لأتباعهم، فإن القرن الرابع يدخل فيه تبعٌ أتباع التابعين، ونرجو من الله ذلك، ولكنَّ معظم أهل العلم أنهم ليسوا منهم، ولكننا ندعو الله تعالى أن يكونوا منهم.

وفي الحديث: أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختُيروا لهُ بأمر من الله تعالى، وفيه: أنَّ هذه المزية لم تكن لأحدٍ من قبله من الأنبياء والرسل، وفيه: أنَّ الله تعالى اختار له أمَّته وأنَّ من أمته أربعة قرون ليس لها مثيلٌ، وفيه: فضل الصحابة والتابعين وأتباعهم.

[1] حسن أخرجه البزار في الأحكام الشرعية الكبرى 4 /468، وقال: لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وأخرجه القرطبي في تفسيره وصححه 19 /348، وعبدالحق الإشبيلي في الأحكام الصغرى 905، أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد، والهيثمي في مجمع الزوائد 10 /18 وقال: رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف، وضعفه الألباني.