الأم بين البيت والعمل

[ابوالوليد المسلم]

الأم بين البيت والعمل
أ. مروة يوسف عاشور


السؤال:

♦ الملخص:
معلمة وأم لطفلة، تجد صعوبةً في التوفيق بين العمل والبيت، ومديرتها صارمة في التعامل معها، وهي لا تريد الاستمرار في هذا العمل، وتسأل عن حلٍّ.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة والله وبركاته:
أنا امرأة متزوجة، لديَّ طفلةٌ، أعمَل مدرسةً، كنتُ متحمسة جدًّا للعمل، إلا أني وجدتُ فيه سلبيات كثيرة أحزنتْني، ومن ذلك أن المدرسة أجبرتنا على أن نتواصل مع أهل الطلاب عبر الواتساب، ومِن ثم فلا خصوصية لي، فدائمًا يتصلون عليَّ وأنا مع زوجي في المنزل، فأكون متوترةً وقلقة؛ لأني زوجي يغضب من ذلك كثيرًا.


ثم إن مديرة المدرسة قاسية؛ إذ إنها لا تقف أبدًا مع المعلم، فكل همِّها إرضاء أهل الطلاب، وهي أيضًا تنتقد كلَّ كبيرة وصغيرة، وإن مدح أحدُ أهالي الطلاب معلمًا، تتجاهل هذا المدح وتركِّز فقط على السلبيات!


شخصيتي ضعيفة ولا أتحمَّل النقد، وأحزن جدًّا على زوجي وطفلي؛ لأني أشعُر أني مقصرةٌ في حقهما، لذا أجدُني دائمًا متوترة!


بعد شهور قليلة سينتهي عقد العمل، ولا أريد تجديدَ العقد؛ لأني أريد العودة إلى بيتي وزوجي، وسؤالي هنا: كيف أقضي هذه الشهور المتبقية دون توتُّر وقلق؟ لا أريد أن أُثقل على زوجي، أريد أن يراني سعيدة.



الجواب:

وعليكم السلام ورحمة والله وبركاته:
ابنتي الكريمة، حيَّاك الله، ومرحبًا بكِ وبكل مَن يَحُطُّ رِحالَه في شبكة الألوكة.

قد يكون من النادر خُلو مجال العمل من المنغِّصات والمشقة، وقد يكون من الصعب على فتاة في عمركِ تقبُّل النقد واستشعار التحكُّم، خاصة إن لم يَسبق لكِ العمل.

إن كنتِ تنوين إنهاء عقدكِ مع المدرسة للبحث عن مكان أفضل، وتعامُلٍ أرقى، أو مكان يكون العمل فيه أخفَّ وأيسر، بحيث تجدين الوقت الكافي للجلوس مع زوجكِ والاعتناء بطفلتكِ، أو مكان تمتدح فيه صاحبةُ العمل ميزاتكِ، وتُثني عليكِ من باب التشجيع أو الشكر، فأخشى أن البحث سيشق عليكِ, وأما إن كنتِ تنوين البقاء في البيت بدون عمل، فأنصحكِ بمناقشة الوضع المادي مع زوجكِ، ومدى احتياج الأسرة لعملكِ، مع الأخذ في الاعتبار ظروف عمل زوجكِ ودخْله، مقارنةً باحتياجات البيت ومتطلبات الأسرة حاليًّا ومستقبلًا إن شاء الله.

أيتها العزيزة، لا أتفق مع مديرة المدرسة في تعامُلها وتجنِّيها على المعلمات، لكن - ولكي نكون أكثر صراحةً مع أنفسنا - فإن كثيرًا من أرباب العمل في المدارس ينظرون إلى أولياء الأمور نظرةَ تبجيل، ويَستجلبون رضاهم لأنهم يدفعون لهم المصروفات، ويغضون الطرف عن حاجات المعلمين والمعلمات، وهو أسلوب مادي، هذا مع الإقرار بوجود الكثير ممن يحق الحقَّ ويَنسبه إلى أهله دون إفراطٍ ولا تفريط، ولهذا أقول لك: إن تلك الشخصية لا بد من الحذر في التعامل معها، وإظهار القوة والثقة بالنفس، وعدم استجلاب رضاها الذي لن تَناليه مهما بذلتِ، بل تحدَّثي بقوةٍ، وتكلَّمي عن مجهودك باعتزاز أمامها وأمام الجميع، وبيِّني لها أنكِ راضية عن أدائكِ، وأنكِ لا تنتظرين شكرًا من الناس، حاولي كسْبَ قلوب الطالبات بالمعاملة الطيبة والتعاون الدائم، واجعَلي للمدرسة وقتًا ولبيتكِ وقتًا، وكوني حازمةً في التواصل مع أولياء الأمور، وذلك أن تُخصِّصي لهم ساعة أو ساعتين فقط من اليوم تُخبرينهم أنكِ ستكونين معهم فيها، وتُجيبين على تساؤلاتهم، وسارعي بإرسال الواجبات أو الملاحظات فورَ وصولكِ إلى المنزل، ثم أغلقي الجوَّال أو صوت الوسائط حال وجود زوجكِ في البيت.

ومع الوقت سيتغير الحال، وتتأقلمين وتكسبين خبرةً في التعامل مع المديرة، وتفرضين شخصيتكِ بأدبٍ، وتفرضين احترامكِ على الجميع.

واحتسبي عند الله رسالتكِ العظيمة، واستغلي عملكِ في غرس كلِّ نافعٍ وطيبٍ في تلك الأنفس الغضَّة التي تتلقى من المعلم أكثر مما تتلقى من الوالدين؛ كأن تذكِّريهم بالمحافظة على الصلاة وبر الوالدين وأجره، وحُسن الخلق، وحُسن استغلال الوقت، واعلمي أن كل ما تزرعينه في نفوسهم، سيكون مصدرَ حسناتٍ لك لا ينقطع بإذن الله.

وفَّقكِ الله وأعانكِ، وكتَب أجركِ أيتها المعلمة الفاضلة، والله الموفِّق وهو الهادي إلى سواء السبيل.