نحو إتقان الكتابة باللغة العربية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 629 - عددالزوار : 114792 )           »          المخدرات دمار للعقول والمجتمعات كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          القلقاس: خضار لذيذ بفوائد عديدة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          10 أسباب للدوخة والغثيان عند النساء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الدعم النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة: دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          7 نصائح للتعامل مع مريض الذهان: طرق بسيطة وعملية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          علاج حساسية الوجه: دليلك الشامل للتغلب عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كيف أحمل بولد: طرق طبيعية وطبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          قصور الغدة الدرقية أثناء الحمل: كا ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الأعراض والتحديات النفسية لقصور الدرقية، تعرف عليها | الطبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-12-2022, 02:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(1)


د. مكي الحسني


القسم الأول

تمهيد:

ترمي هذه الحلقات إلى تحسين أداء الكاتبين باللغة العربية. فهي تتحدث عن الوسائل التي يمكن أن تساعدهم على ذلك، وتنبِّه على الأخطاء النحْوية واللغوية الشائعة في الكتابات المعاصرة، وتبيِّن وجه الخطأ والصواب فيها، وتذكِّر بأهم القواعد النحوية والصرفية واللغوية التي تشتدّ حاجة الكاتبين إليها.

وسأتحدث بين يدي هذه الحلقات بتمهيد يتناول:

1 - أهمية اللغة للأمة، وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها.

2 - أسباب تَدَنّي مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين.

3 - سُبُل التمكّن من اللغة العربية: كيف ترتقي بلُغتِك؟

4 - الوسائل المساعدة.

* * *

1 - أهمية اللغة للأمة وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها:

اللغة هُوُية الأمة، وأعظم مقومات وجودها، ووطنها الروحي. والأمم الحية تحافظ على لُغاتها حفاظها على أوطانها. والعلاقة بين مكانة الأمة ومكانة لغتها وثيقة جداً، فاللغة هي الأمة!

هل يكفي أحدنا أن يعرف شيئاً من العربية ليقول أنا عربي؟ لقد قال طه حسين: ((إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم، ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومُهين أيضاً)).

إن هذا القول هو أَنَّةُ عربيّ تألّم جداً من تقاعس الكثيرين عن الذَّود عن العربية، ومن استخفافهم بهذا الأمر الخطير.


قال أبو الريحان البيروني (362 -440 للهجرة) العالِمُ الشهير، الفارسي الأصل: ((والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية!))

ولا داعي هنا للحديث عن عبقرية اللغة العربية وخصائصها الفريدة، فقد كُتب عن ذلك عشرات الكتب والدراسات والمقالات، وانحنى لعظَمتها العرب والمستشرقون، حتى لقد قال أحدهم: ((ليس على وجه الأرض لغةٌ لها من الروعة والعظمة ما للّغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أُمة، تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية!))


وأودّ أن أذكّر بأن اللغة العربية كانت في الماضي لغة عالمية - وبأنها اليوم - باعتراف العالم كله - اللغة الرسمية الدولية السادسة: في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، وفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

لقد أدركت القيادات السياسية الواعية في كثير من الدول أهمية اللغة الوطنية، وأنّ تعزيزها هو مسألة كرامة، كرامة الأمة، أي واجب قومي. فعزّزت كورية وفيتنام وفنلندة ورومانية وغيرها، لغاتِها الوطنية، وجعلت التعليم بها في جميع مراحله؛ بل أحيا الكيان الصهيوني لغةً ميتة! واستجاب المواطنون، خصوصاً المثقفين، لرغبات قياداتهم، وآزروها وساعدوها على تطوير اللغة الوطنية وازدهارها وسيادتها.

وما أعمق ما قاله الدكتور عثمان أمين في كتابه (فلسفة اللغة العربية): ((مَن لم ينشأ على أن يُحب لغة قومه، استخف بتراث أمته، واستهان بخصائص قوميته. ومن لم يبذل الجهد في بلوغ درجة الإتقان في أمر من الأمور الجوهرية، اتسمت حياته بتبلّد الشعور وانحلال الشخصية، والقعود عن العمل، وأصبح دَيْدنه التهاون والسطحية في سائر الأمور)) .

إن السعي لإتقان العربية لا يعني أبداً التخلي عن تعلُّم اللغات الأجنبية الحية، بل من المهم جداً أن يتقن العالِم العربي لغة أجنبية واحدة على الأقل! هذا ما يفعله علماء البلاد المتقدمة، والأحرى أن يفعله علماؤنا. وليس مقبولاً أن يسعى العربي لإتقان لغة أجنبية، فيبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن، وأن يهمل في الوقت نفسه لغته العربية! ليس مقبولاً أن يأخذ بالحَزمْ في تعلُّم الإنكليزية - مثلاً - وبالتضييع في تعلّم العربية. تراه إذا خالف قاعدةً وأخطأ التعبير بالإنكليزية، ونُبِّه على ذلك، أبدى أسفه وعبّر عن احترامه وخضوعه للقاعدة: لأنه يتمنى أن يكون من المتقنين للإنكليزية فيتباهى بذلك…



أما إذا نُبِّه على خطأ بالعربية وقع فيه، فهو - في الأغلب - لا يبدي أسفه! وقد يقول لك غير مُبالٍ ولا شاعر بخطورة تقصيره (أنا لا أحْسِن العربية!). ولا تلمس منه - غالباً - رغبة في إتقانها كرغبته في إتقان الإنكليزية. وقد يقول لك: (كثيرون يقولون هذا). فإذا ذكرت له أن هذا الشائع خطأ، رأيته يدافع عن الإبقاء عليه! وأود هنا أن أذكر أن صديقنا الأستاذ الدكتور مازن المبارك، عقد في كتابه (نحو وعي لغوي) فصلاً عنوانه:


((السُّخف المأثور، في أن الخطأ المشهور، خيرٌ من الصواب المهجور!))

إن رغبة الكثيرين في تجاوز مضمون العنوان المذكور، وتقاعسهم عن استدراك ما ينقصهم من معلومات في العربية - إضافة إلى عقدة الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، التي تعانيها نسبة غير ضئيلة من العرب - هو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار: التسييب اللغوي. بل أكاد أقول: (الإباحية اللغوية!) وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة.


انظروا إلى الإعلانات واللافتات، في الطرقات والمجلات، تجدوا طوفاناً من كلمات أجنبية بحروف عربية! أو عبارات (عربية) مملوءة بالأخطاء! ثم لماذا يسمح كثير من الناس لأولادهم أو لأنفسهم أن يرتدوا ملابس يسيرون بها متباهين فرحين، وقد صارت صدورهم وظهورهم دعايات متحركة للإنكليزية؟!! من غير أن يشعر أحدٌ بالمهانة، أو أن يحرك ساكناً إزاء هذه المهانة؟! أليس من واجبنا جميعاً أن نكافح هذا المرض النفسي الذي استشرى، وهذا الانحلال في الشخصية، ومظاهر الانتماء إلى الغرب، وأن ندافع عن كرامتنا بدفاعنا عن لغتنا؟

وأودّ هنا أن أذكر أمراً مقرَّراً، وهو أن الخطأ الشائع ليس ضرباً من التطور! وأن شيوعه لا يعطيه أيَّ حقٍ في البقاء. فليس من التطوير ما كسر أصلاً أو هدم قاعدة سارت عليها العربية من القديم حتى يومنا هذا.

جاء في مقدمة (المعجم الوسيط) الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة:


((وأدخلتْ لجنة إعداد المعجم في متنه ما دعت الضرورة إلى إدخاله من الألفاظ المولَّدة أو المحْدَثة أو المعرَّبة أو الدخيلة التي أقرّها المجمع، وارتضاها الأدباء، فتحركت بها ألسنتهم وجَرَتْ بها أقلامهم. واللجنة على يقين من أن إثبات هذه الألفاظ في المعجم، من أهم الوسائل لتطوير اللغة وتنميتها وتوسيع دائرتها)).


وجاء أيضاً: ((فرأى المجْمع، وهو الجهة اللغوية العليا، أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة بتحقيق الأغراض التي من أجلها أنشئ، وذلك بإنهاض اللغة العربية وتطويرها، بحيث تساير النهضة العلمية والفنية في جميع مظاهرها، وتَصْلُحُ موادُّها للتعبير عما يُستحدث من المعاني والأفكار)). هكذا إذن يجب أن يُفهم التطوير! أي ضمن الحدود المذكورة!

يقول الرافعي - وهو من أئمة البيان والبلاغة في عصرنا - ((إن فصاحة العربية ليست في ألفاظها، ولكن في تركيب ألفاظها، كما أن الهِزَّة والطرب ليست في النغمات، ولكن في وجوه تأليفها)). (تحت راية القرآن /19).

ويقول: ((وليس عندنا في وجوه الخطأ اللغوي أكبر ولا أعظم من أن يظن امرؤٌ أن اللغة بالمفردات، لا بالأوضاع والتراكيب)). (تحت راية القرآن /59)



ويقول: ((ومتى وُفِّق كاتبٌ في ألفاظه ونَسْقِ ألفاظه، فقد استقامت له الطريقة الأدبية، وجاء أسلوبه في الطبقة العالية من الكتابة. وأكثر كلام العرب يخرج على هذا الوجه، فتراه بليغاً في أدائه، رصيناً في ألفاظه، متيناً في عبارته، ولا طائل من المعنى وراء ذلك)). (على السفود /93).

تركيب الألفاظ إذن، وحُسن استعمالها، هو ما يجب السعي لتعلُّمه. وضَمُّ الكلمات بعضها إلى بعض، ضمّاً سليماً يراعي خصائص العربية وسَنَنَها، هو ما يجب العمل على إتقانه.

ولقد أساء إلى العربية في هذا القرن - جهلاً بها أو تجاهلاً - كثير من المترجمين: فنشروا عشرات التراكيب التي لا توافق قواعد اللغة؛ وقلّدهم في ذلك آلاف الكاتبين (ولا أقول الكتّاب!).



2 - لماذا تدنّى مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين؟


ثمة عدة أسباب: ففي مطالع العصر الحديث كان المتعلمون قِلّة، ولكن كان معظمهم جيد المعرفة بالعربية. لأنه كان يأخذ علمه عن معلمين مقتدرين، ومن الكتب الشائعة آنذاك، وأكثرها مَصُوغ بلغةٍ عربية جيدة، أو سليمة على الأقل.

ثم زادت نسبة المتعلمين، خصوصاً في النصف الثاني من هذا القرن، زيادةً كبيرة في معظم البلاد العربية. ورافق هذه الزيادة هبوطٌ ملحوظ في مستوى التعليم والمعلمين والمتعلمين، والكتب التي يكتبونها ويقرؤونها. وساهم في هذا الهبوط:



أولاً: التوسُّع السريع جداً في التعليم الابتدائي والإعدادي في كثير من البلدان العربية، وإناطة التعليم في هاتين المرحلتين الحساستين، بأشخاص معظمهم غير مؤهل تأهيلاً يكفي للنهوض بهذه المهمة العظيمة الشأن: تكوين النشء.



ثانياً: انتشار ما صار يسمى (وسائل الإعلام): المقروءة (الصحف والمجلات)، والمسموعة (محطات الإذاعة)، والمرئية (محطات التلفزة). ومن المؤلم أن هذه الوسائل كلها، تنشر فيما تنشر، لغةَ العامة، والخطأ اللغوي، وتُرسّخه. فيتأثر بها بحكم انتشارها الواسع، عشرات الملايين من المتعلمين وغيرهم. وقد يتخذونها قدوةً لهم، علماً بأن القائمين على هذه الوسائل غير مؤهلين التأهيل الكافي. ويؤيد ما أقول، أننا لم نكن نسمع قبل نحو 40 سنة الأخطاء الفادحة الآتية، وأمثالها، والتي أشاعتها الصحف والإذاعات:


* سوف لن أحضر‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! والصواب لن أحضر‍‍‍‍‍!

* على الراغبين التواجد في الساعة كذا… والصواب: الحضور في الساعة…

* مبروك! والصواب: مبارك!

* وانتشر أخيراً التعبيران الشنيعان: هاتف خِلْيَويّ! والصواب: خَلَوِي!

* إن هكذا أشياء غير مقبولة… والصواب: إن أَشياء كهذه …


ثالثاً: استخفاف المتعلمين - فضلاً عن بقية الناس - باللغة العربية، والنظرُ إلى الجهل بها على أنه أمرٌ لا يعيب صاحبَه… وكيف يعيبه ومحطات الإذاعة والتلفزة العربية، بقنواتها التي لا تحصى، تقدم أغلب برامجها بلغة العامة، أو بلغة كثيرة الأغلاط؟قال الدكتور محمد خير الحلواني في مقالة له: ((الجيل الناشئ لا يعيش في محيط لغوي سليم)).

وقال الدكتور محمد أحمد الدالي في محاضرة له: ((إذا كانت لغة أكثر من يتولى التعليم والإعلام ليست عربية الوجه في غير جانب من جوانبها، فما حال مَن يتلقّى هذه اللغةَ عن ضَعَفَةٍ لا يتجاوز معجمهم اللفظي أُليفاظاً لا يتجاوزونها في العبارة عن أغراضهم، لا يراعون فيما يتولّون قواعد اللغة وأساليبها؟))



3 - ما السبيل إلى التمكن من العربية؟


أودّ ابتداءً أن أقول إن الحد الأدنى المطلوب هو التمكن من العربية السليمة، ويمكن بعد ذلك السعي للتضلّع من الفصيحة، ثم الفصحى في المرحلة الأخيرة.

قال ابن خلدون في مقدمته (ص 561): ((إن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله [الضمير عائد لمن يبتغي هذه الملكة] المِنوالُ الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسجَ هو عليه، ويتنَزَّلَ بذلك مَنْزِلةَ مَن نشأ معهم، وخالط عباراتهم في كلامهم، حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم)).

وأشار إلى هذا المعنى الدكتور إبراهيم مدكور - الرئيس السابق لمجمع اللغة العربية بالقاهرة - فقال: ((ملكة اللغة تُكتسَب بالحفظ والسماع، أكثر مما تُكتسب بالضابط والقاعدة)).

وهذا يعني أن المعوَّل عليه في المقام الأول هو الحفظ والسماع، وبعد ذلك يأتي دور كتاب القواعد. ولهذا السبب كان الأوائل يرسلون أبناءهم صغاراً إلى البادية، ليسمعوا اللغة الصافية ويحفظوها، فتنشأ لديهم السليقة.

ومن المهم أن ندرك أننا جميعاً - في العصور الأخيرة - لا نملك سليقة لغوية سليمة، للأسباب التي ذكرتها في الفقرة السابقة. وهذا يعني أن علينا اكتساب العربية السليمة، مثلما نكتسب الإنكليزية السليمة. كيف؟

أ - بقراءة الكثير من النصوص الفصيحة قراءةً متأنِّيةً مُتَرَوِّيَة، مع إنعام النظر في المفردات والتراكيب لحفظها واستعمالها والقياس عليها. وحبذا تعويدُ أولادنا، منذ الصغر، قراءةَ هذه النصوص. أما السماع فنفتقر إليه: إذ أين يمكنك في هذه الأيام أن تسمع لغة عربية عالية، يمكن الاقتباس منها؟


ب - بالرجوع المتكرر إلى معجم لغوي جيد.

جـ - بالاستعانة بكتاب جيد في قواعد العربية.

د - بالاطلاع على بعض معاجم الأخطاء الشائعة.
وللموضوع تتمة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-12-2022, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(1)


د. مكي الحسني



3 - ما السبيل إلى التمكن من العربية؟


أودّ ابتداءً أن أقول إن الحد الأدنى المطلوب هو التمكن من العربية السليمة، ويمكن بعد ذلك السعي للتضلّع من الفصيحة، ثم الفصحى في المرحلة الأخيرة.

قال ابن خلدون في مقدمته (ص 561): ((إن حصول ملكة اللسان العربي إنما هو بكثرة الحفظ من كلام العرب حتى يرتسم في خياله [الضمير عائد لمن يبتغي هذه الملكة] المِنوالُ الذي نسجوا عليه تراكيبهم، فينسجَ هو عليه، ويتنَزَّلَ بذلك مَنْزِلةَ مَن نشأ معهم، وخالط عباراتهم في كلامهم، حتى حصلت له الملكة المستقرة في العبارة عن المقاصد على نحو كلامهم)).

وأشار إلى هذا المعنى الدكتور إبراهيم مدكور - الرئيس السابق لمجمع اللغة العربية بالقاهرة - فقال: ((ملكة اللغة تُكتسَب بالحفظ والسماع، أكثر مما تُكتسب بالضابط والقاعدة)).

وهذا يعني أن المعوَّل عليه في المقام الأول هو الحفظ والسماع، وبعد ذلك يأتي دور كتاب القواعد. ولهذا السبب كان الأوائل يرسلون أبناءهم صغاراً إلى البادية، ليسمعوا اللغة الصافية ويحفظوها، فتنشأ لديهم السليقة.

ومن المهم أن ندرك أننا جميعاً - في العصور الأخيرة - لا نملك سليقة لغوية سليمة، للأسباب التي ذكرتها في الفقرة السابقة. وهذا يعني أن علينا اكتساب العربية السليمة، مثلما نكتسب الإنكليزية السليمة. كيف؟

أ - بقراءة الكثير من النصوص الفصيحة قراءةً متأنِّيةً مُتَرَوِّيَة، مع إنعام النظر في المفردات والتراكيب لحفظها واستعمالها والقياس عليها. وحبذا تعويدُ أولادنا، منذ الصغر، قراءةَ هذه النصوص. أما السماع فنفتقر إليه: إذ أين يمكنك في هذه الأيام أن تسمع لغة عربية عالية، يمكن الاقتباس منها؟


ب - بالرجوع المتكرر إلى معجم لغوي جيد.

جـ - بالاستعانة بكتاب جيد في قواعد العربية.

د - بالاطلاع على بعض معاجم الأخطاء الشائعة.


4 - ما هي الوسائل المساعدة؟


أ - واضح إذن أن (إدمان) القراءة الواعية للنصوص الفصيحة هو الأساس. فأين نجد هذه النصوص؟

أقترح البدء بأعمال كتَّاب مُجِيدين معاصرين، مثل:

* مصطفى صادق الرافعي (وحْيُ القلم؛ كتاب المساكين؛ إعجاز القرآن).

* طه حسين (الوعد الحق؛ الأيام؛ على هامش السيرة).

* علي الطنطاوي (فِكَر ومباحث،…).

* ديوان أحمد شوقي؛


وبعد ذلك يَحْسُن الاطلاع على بعض أعمال القدامى، مثل:


* ابن المقفع (الأدب الصغير؛ الأدب الكبير؛ كليلة ودمنة…)

* الجاحظ (البيان والتبيين؛ الحيوان؛ البخلاء…)

* ابن قتيبة (عيون الأخبار).

* المُبَرِّد (الكامل).

* سيرة ابن هشام.

* أبو الفرج الأصبهاني (الأغاني).

* ديوان الفرزدق…

أكرر القول: لا بد من القراءة بِرَوِيّةٍ وإنعام نظر، وحفظ التراكيب والمفردات، كما نفعل عند تعلُّم لغة أجنبية.


ب - فإذا صادفتَ أثناء القراءة مفردةً غير مألوفة، فافتح المعجم لتطّلع على معانيها واستعمالاتها المختلفة.


وأقترح هنا الرجوعَ-بالدرجة الأولى-إلى (المعجم الوسيط) (صدرت طبعته الثالثة سنة 1985) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة. ولهذا المعجم مزايا عديدة تفتقر إليها المعاجم الأخرى: فهو ((أوضح، وأدق، وأضبط، وأحكم منهجاً، وأحدث طريقةً. وهو فوق كل هذا مجدِّد ومعاصر، يضع ألفاظ القرن العشرين إلى جانب ألفاظ الجاهلية وصدر الإسلام)). [هذا بعض ما قاله الدكتور مدكور في تصدير الطبعة الأولى سنة 1960]. وهناك لمن شاء أن يعود إلى معاجم أخرى:

* (معجم مَتْن اللغة) للشيخ أحمد رضا.

* (القاموس المحيط) للفيروزبادي.

* (لسان العرب) لابن منظور.

* (محيط المحيط) لبطرس البستاني.


ج - أقترح الاستعانة بكتاب (جامع الدروس العربية) للشيخ مصطفى الغلاييني، فهو - في نظري - أفضل كتاب جامع في الوقت الحاضر (صدرت طبعته الأولى سنة 1912، وصدرت حديثاً الطبعة 34!)، وكتاب (الكفاف) للأستاذ اللغوي الكبير يوسف الصيداوي، وقد أعاد فيه صوغ قواعد اللغة العربية صوغاً يناسب غير المتخصصين والناشئين الراغبين في معرفة قواعد لغتهم صافية نقيَّة من شوائب النقاش والجدال النحوي.



د - وأقترح الاطلاع على:


* معجم الأخطاء الشائعة؛ محمد العدناني؛ مكتبة لبنان، الطبعة الثانية، 1980.

* معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة؛ محمد العدناني؛ مكتبة لبنان، 1984.

* اللغة والناس؛ يوسف الصيداوي؛ دار الفكر، 1996.

* معجم أخطاء الكتَّاب، صلاح الدين الزعبلاوي، دار الثقافة والتراث؛ دمشق، 2007.

* مسالك القول في النقد اللغوي؛ صلاح الدين الزعبلاوي؛ الشركة المتحدة للتوزيع، 1984.

* أضواء على لغتنا السمحة؛ محمد خليفة التونسي؛ الكتاب التاسع من سلسلة (كتاب العربي)؛ الكويت، 1985.

* دليل الأخطاء الشائعة في الكتابة والنطق؛ مروان البواب، وإسماعيل مروة؛ سلسلة الرضا الأدبية؛ دمشق؛ 2004.

* مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً (نحو 250 قراراً)، صدرت عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1984.





وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-12-2022, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(1)


د. مكي الحسني



1- الخطأ في قولنا: (سوف لن أذهب)



السين وسوف لا تدخلان إلا على جملة مُثْبَتة (لا تدخلان على المنفية). ثم إن (لن) هي لنَفْي المستقبل، فلا حاجة إلى (السين) و(سوف) اللتين هما أيضاً تدلان على المستقبل.

قل إذن: لن أذهب.

ولا تقل: (سوف لن أذهب!)، ولا: (سوف لا أذهب)..


2- الخطأ في استعمال: (تَواجَدَ)


تَواجَدَ فلانٌ: أرى من نفْسه الوجْدَ (أي: تظاهر أو أَوْهَمَكَ بالوجد). والوجْد: هو الحُب الشديد أو الحزن (على وَفْقِِ السياق).

قل إذن: على الطلاب الحضور إلى المُدرَّج الأول في الساعة كذا.

ولا تقل: (على الطلاب التواجد...).

وقل: يوجد الحديد في الطبيعة بكثرة.

ولا تقل: (يتواجد الحديد في الطبيعة...).

وقل: يُستخرج الحديد الموجود...

ولا تقل: (يستخرج الحديد المتواجد...!).


3- الخطأ في استعمال: (مبروك)


جاء في (المعجم الوسيط): ((بارك اللهُ الشيءَ وفيه وعليه: جعل فيه الخيرَ والبركة)) فهو مبارَك. [الأصل: مبارَكٌ فيه، ولكن الأئمة تَجَوَّزوا حيناً فحذفوا الصلة في كثير من أسماء المفعول، اصطلاحاً، وهذا مثال على تجوزهم].

وجاء في (الوسيط): ((بَرَكَ البعيرُ: أناخَ في موضعٍ فَلَزِمَه)). (فعلٌ لازم). ((برك على الأمر: واظب)) فالأمر مبروك عليه!! أي مُواظَبٌ عليه.


قُلْ إذن: نجاحك مبارك.

ولا تقل: (نجاحك مبروك).

وقل: بيتُك الجديد مبارك؛ وزواجك مبارك.

ولا تقل: (مبروك).


4- الخطأ في قولنا: (هاتف خليوي)


إذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بتاء التأنيث، حذفتَها وجوباً. فتقول في (فاطِمة): فاطِميّ، وفي (مَكَّة): مكِّي.

وإذا نَسَبْتَ إلى ما خُتم بياء مُشَدَّدة مسبوقة بحرفين، مثل: عَدِيّ؛ نَبِيّ؛ خليّة؛ أُميّة، حذفتَ الياء الأولى وفتحت ما قبلها وقَلَبْتَ الثانية واواً، فتقول: عَدَوِيّ؛ نَبَوِيّ؛ خَلَوِيّ، أُمَوِيّ…

قُلْ إذن: هاتف خَلَوِيّ.

ولا تقل: (هاتف خليوي).


5- الخطأ في قولنا: (إنّ هكذا أشياء)


هكذا = ((ها)) التنبيه + كاف التشبيه + ((ذا)) اسم الإشارة.

فمن يقول: ((إنّ هكذا أشياء …)) كمن يقول: ((إن مِثل ذا أشياء!)) والعربي لا يقول هذا!!

وواضحٌ جداً لمن يلمُّ بالإنكليزية أو الفرنسية أن هذا التركيب الشنيع هو ترجمة حرفية للتركيبين:

«Such things are…» و «de telles choses sont…»

قُلْ إذن: إن مثل هذه الأشياء، أو: إن أشياء كهذه.

ولا تقل: (إن هكذا أشياء).

وفيما يلي نماذج من استعمال كلمة (هكذا) استعمالاً صحيحاً:

- هكذا قالت العرب….

- … فإذا كانت (لا) للنهي، كان المعنى هكذا:…

- هكذا فَلْيَقُلْ مَن يقول وإلا فَلْيسْكُت!

- ولكنه مع ذلك يجيء فهمُهُ خطأً، لأنه لا يريد أن يجيء إلا هكذا!

- وهكذا دواليك…


6- (كلما) لا تكرر في جملة واحدة


من أخطاء المترجمين استعمالهم (كلّما) مرتين في جملة واحدة، على غرار التركيب الفرنسي أو الإنكليزي، نحو قولهم: ((كلما تعمقتَ في القراءة والاطلاع، كلما زادت حصيلتُك من المعرفة)). والصواب حذْف (كلما) الثانية. وفي التنْزيل العزيز: {كلما دخل عليها زكريّا المحراب وَجَدَ عندها رِزقاً}.

يقال: كلما زاد اطلاعُك، اتسعت آفاقك.

ويقال: كلما زاد عِلمُ المرء، قلَّ انتقادُه للآخرين!

وقال أحمد شوقي يصف العروبة ولسانها:



أُمَّةٌ ينتهـي البيـانُ إليهـا وتؤول العلـومُ والعلمـاءُ
كلما حثَّت الرِكابَ لأرضٍ جاور الرشدُ أهلَها والذكاءُ




7- مِن ثَمَّ؛ لذا؛… (لا: بالتالي!)



(بالتالي) شبه جملة ركيكة جداً شاعت شيوعاً واسعاً. وقد تبين لي من اطلاعي على كثير من المقالات العلمية أن الصواب أن يحلّ محلّها ما يناسب المقام مما يلي:

مِن ثَمّ؛ لذا؛ وعلى هذا؛ وبذلك؛ إذن؛ أيْ؛ ومِن ثَمَّ يتّضح / نجد / نرى أنَّ؛ الخ…

وللفائدة أقول: (ثَمَّ) اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هناك، وهو ظرف لا يتصرف، وقد تلحقه التاء فيقال (ثَمَّةَ) ويوقف عليها بالهاء.

أما (ثُمَّ) فهو حرف عطف يدل على الترتيب مع التراخي في الزمن. وتلحقه التاء المفتوحة فيقال: ثُمَّتَ، ويوقف عليها بالتاء.

8- ولمّا كان … (لا: وبما أنّ!)



مِن أَوجُه استعمال (لمّا) مجيئها ظرفاً تَضَمَّن معنى الشرط، وشرطه وجوابه فِعْلان ماضيان، نحو: لمّا جاء خالدٌ أكرمته.

فإذا كان الجواب جملة اسمية، وجب اقترانها بالفاء. وعلى هذا يمكن القول:

* ولما كنا أنجزنا العمل، وجب إعداد تقرير عنه.

* ولما كنا أنجزنا العمل، فَعَلينا إعداد تقرير عنه. ولا يقال: (بما أننا أنجزنا…)

* ولما كان التابع ع مستمراً، كان بالإمكان…

* ولما كان التابع ع مستمراً، استنتجنا / فإننا نستنتج…

* ولما كان التابع ع مستمراً، وجب أن يكون / فإنه يجب أن…

* ولما كان التابع ع مستمراً، فكلٌ من التابعين المذكورين…

ولا بدّ من الفاء في جواب (لمّا) إذا كان جملة اسمية.

ولا يقال: (بما أن التابع ….)، لأن هذا التركيب دخيل على العربية، وركيك جداً، ولا مُسَوِّغ له.


9- مهما


(مهما) اسم شرط يجزم فعلين: الأول فعل الشرط والثاني جوابه، نحو:

* مهما تفعلوه تجدوه. (علامة الجزم: حذف النون. الأصل: تفعلونه، تجدونه).

* مهما تَقُلْ أستفِدْ منك. (حذف حرف العلة في الفعلين منعاً لالتقاء ساكنَيْن).

* مهما يكن الطفل مشاغباً يكُن محبوباً…

فإذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب اقترانها بالفاء، نحو:

* مهما يكن س فلدينا…/ فكلُّ تابع…

* مهما يكن ع فإننا نستطيع …/ ففي وسعنا…

10- أيُّ (الشرطية)


هي اسم مبهم تضمَّن معنى الشرط، وهي مُعْربة بالحركات الثلاث لملازمتها الإضافة إلى المفرد. وهي تجزم فعلين. وإذا كان جوابها جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء.

* أيُّ امرئٍ يخدُمْ أُمَّته تخدُمْه.

* أيُّ الرجالِ يَكثُرْ مزحُه تَضِعْ هيبتُه.

وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، نحو: {أيّاً ما تدعوا فَلَهُ الأسماء الحُسْنى}.

إذ التقدير (أيَّ اسم تدعوا). والفعل هنا مجزوم بحذف النون: الأصل تدعون!

* {أيَّما اَلأَجَلَينْ قضيتُ فلا عُدوان عليّ}.


* بأيِّ شيءٍ تَسْتعِنْ تكُنْ مستفيداً / تَسْتَفِدْ

* أيّاً كان س، كان ع…/يكنْ ع…

* أيّاً كان س، فلدينا…/ فإن…/ فالتطبيق…


* أيٌّ كان س جزءاً من ج، كان…




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-12-2022, 02:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(2)


د. مكي الحسني
القسم الثاني
11- تَمَّ
هذا الفعل معناه (كَمُل، اكتمل). يقال على الصواب:
* تَمَّ بناءُ هذه المدرسة في 12/4/1990.
* يحتاج فعل الشرط إلى جوابٍ يتمُّ المعنى به.
* ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
* إذا تَمَّ أمرٌ بدا نقصُهُ تَرَقَّبْ زوالاً إذا قيل تَمّ


ونلاحظ أننا لو وضعنا (اكتمل) بدلاً من (تمّ) لَمَا فسد المعنى ولا تغيَّر.
ومن الشائع أن يقال: ((يتم جلب الفحم من المناجم، ويتم تخزينه في المستودعات، ثم يتم حرقه في الأفران)). ويكفي ليتضح فساد التركيب وسوءُ استعمال (يتم) أن يستعاض عنه بـ (يكتمل)!!
والصواب أن يقال: يُجلب الفحم… ويُخزن… ثم يُحرق… (بالبناء للمجهول).
ويمكن أحياناً استعمال فعل (جرى) أو (حَدَثَ) عوضاً عن البناء للمجهول.
جاء في كتاب رسمي: ((نذكّر بأن اجتماع المجلس سيتم في الساعة 12 من يوم الأحد 18/12/1994، وسيتم تحديد مكان الاجتماع قبل نهاية دوام يوم السبت في 18/12/1994)).
والصواب: … الاجتماع سيُعقد في الساعة … وسيُحدّد مكانه قبل…

12- الشكل

جاء في (المعجم الوسيط): ((الشكل: هيئة الشيء وصورته)). وجاء: ((تشاكَلاَ: تشابَهَا وتماثَلاَ)).
وجاء في (لسان العرب): ((الشكل: الشِّبْه والمِثْل. هذا على شكل هذا: أي على مثاله. فلانٌ شكلُ فلان: أي مثله في حالاته. هذا مِن شكل هذا: أي من ضَرْبه ونحوه)).
وجاء فيه أيضاً: ((تشاكل الشيئان: شاكل كلٌّ منهما صاحبه)).
وجاء في (أساس البلاغة) للزمخشري: ((هذا شكله: أي مثله)). ((هذا من شكل ذاك: من جنسه)).
وفيما يلي أمثلةٌ على استعمال كلمة (شكْل) استعمالاً صحيحاً:
جاء في (المعجم الوسيط):
((المسحوق (في الكيمياء): صفة للمادة الصلبة عندما توجد على شكل دقائق صغيرة)).
((الصَّمُولة: قطعة من الحديد مستديرة أو ذات أضلاع، جوفها مُسَنَّن في شكلٍ حلزوني)).
((الكُبَّة من الغزْل: ما جُمع منه على شكل كرة أو أسطوانة)).
وجاء في كتاب (البخلاء) للجاحظ:
* ... والناعم من كل فنٍّ واللّباب من كل شكل (ص 23).
* ... وليس هذا الحديث لأهل مرو، ولكنه من شكل الحديث الأول (ص 31).
* ... وليس هذا الحديث من حديث المراوزة؛ ولكنا ضممناه إلى ما يُشاكله (ص45).
ولْنتأمّل الآن النماذج التالية، وهي من فصيح الكلام أيضاً.
* الأصل في الكلام أن يكون منثوراً، لإبانته مقاصد النفس بوجهٍ أوضح وكلفة أقل. (لم يقل: بشكل أوضح!).
* … إرسال التخيّل على وجهٍ قلّما يخرج عن الإمكان العقلي والمادي. (لم يقل: على شكلٍ قلما…)
* … وكان أكثر ما يستعمل في الخطابة والأمثال و… والكتابة التي من هذا الوجه.
* … إن حياة الغنيّ على هذا الوجه لا تكون إلا موتاً على طريقة الحياة. (المساكين للرافعي /33)
* … ليس في الأرض شيء من خير أو شر غير ما يلزم لبناء هذا التاريخ الأرضي على الوجه الذي يتفق مع بناء الإنسان. (المساكين للرافعي/220)
* … ثم يسعدهم بهذه النية على الوجه الذي يعلم أنه من سعادتهم. (المساكين للرافعي /211)
* … لو فهموه على الوجه الذي يفهم منه. (تحت راية القرآن للرافعي /52)
والآن، ما الرأي في قول بعضهم: (فلان يقرأ الإنكليزية بشكل مقبول)؟ أللقراءة شكل؟‍‍!! الواقع أن كلمة (شكل) تستعمل في أيامنا هذه استعمالاً (جائراً):
فيقول بعضهم: والصواب: غُيِّر المخطط بشكل كامل غيّر المخطط تغييراً كاملاً عُدِّلت الخطة بشكل مدهش عدلت الخطة تعديلاً مدهشاً … تتباين بشكل ملحوظ تتباين تبايناً ملحوظاً / بدرجةٍ ملحوظة … ازداد المعدّل بشكل ملحوظ ازداد المعدل ازدياداً ملحوظاً / بقدْرٍ ملحوظ يعمل بالشكل المطلوب / الصحيح يعمل على الوجه المطلوب / الصحيح يعمل بشكل سريع / بطيء / جِدِّيّ يعمل بسرعة / ببطء / بِجِدّ بشكل موضوعي / دائم بموضوعية / دائماً / على الدوام بشكل سلس / ذكي بسلاسة / بذكاء يؤكد بشكل قوي يؤكد بقوة بشكل عام بوجهٍ عام / عموماً / على العموم بشكل رئيسي في المقام الأول / بالدرجة الأولى بشكل جيد/ خَفِيّ/ واسع جيداً / خِفْيَةً / على نطاق واسع بشكل مستقل على حِدَة / على حِدَتِهِ / على حِدَتِها بأي شكل من الأشكال بأي وجه من الوجوه حلّ المشكلة بالشكل المناسب حل المشكلة على الوجه المناسب كان مشغولاً بشكل مكثف كان مشغولاً جداً تعديل الخطة بشكل ينسجم مع الحاجات تعديل الخطة بحيث تنسجم مع الحاجات تتمثل فيه الأصالة بشكل أقلّ … بدرجةٍ أضعف / بنسبة أقلّ ينبغي معالجتها بشكل فعّال … بفعالية يمكن بشكل نموذجي… يمكن نموذجياً… تعمل بشكل كامل على الوقود المذكور تعمل كليّاً على … تفحَّص الشجرة بشكل يدعو للاستغراب … الشجرة بكيفيةٍ / بطريقةٍ تدعو… يمكن أن نصوغ ذلك على الشكل التالي: … ذلك كما يلي:

‍وقد تبين لي من مراجعتي كثيراً من المقالات العلمية أنه في حالاتٍ أخرى (غير الأمثلة الكثيرة المذكورة) كان الأصوب - بحَسَب المعنى المراد - أن توضع محل (بشكل) إحدى الكلمات الآتية: بطريقة، بأسلوب، بصفة، بصيغة، بوجه، بدرجة، بكيفية، الخ….

ملاحظة: أجاز مجمع القاهرة، سنة 1973، قولَ الكتَّاب: ((مَشَى بصورة جيدة، أو سار بشكل حسن))، لأنه يتضمن بياناً لهيئة الحَدَث. وعلى هذا، للكاتب أن يختار بين هذا القول، والقول المألوف: ((مشى مشياً جيداً؛ سار سيراً حسناً)).

13- شَكَّل وتَشَكَّل

لهذين الفعلين صلة وثيقة بكلمة (الشكل). جاء في (المعجم الوسيط): ((شَكَّل الشيءَ: صَوَّره؛ ومنه: الفنون التشكيلية)).
وجاء فيه أيضاً: ((تَشَكَّل: مُطاوع شَكَّله، وتَشَكَّل الشيءُ: تَصَوَّر وتَمَثَّل)). ولكن:
يقول بعضهم: والصواب: هذه القواعد تشكل محور البحث هذه القواعد هي محور البحث وهي في الحالتين تشكل أدوات هامة وهي في الحالتين أدوات هامة. تشكل هذه الطريقة إنجازاً… تُعدّ هذه الطريقة إنجازاً … الوقود الذي يُشَكِّل المصدر …الوقود، وهو المصدر… بصرف النظر عن تَشَكلُّه في المفاعلات بقطع النظر عن تكوّنه… إن الحقن لا يشكّل خطراً كبيراً إن الحقن ليس بالخطر الشديد / العظيم

14- من خلال

جاء في (المعجم الوسيط): ((الخَلَلُ: مُنْفَرَجُ ما بين كل شيئين، والجمع خلال)).
وجاء في التنْزيل العزيز: {الله الذي يُرسِل الرياحَ فتُثيرُ سحاباً فيبسُطُه في السماء كيف يشاء ويجعلُه كِسَفاً فترى الوَدْقَ يخرجُ من خلاله}. الوَدْق: المَطَر.
وقال البحتري يصف طلوع الشمس:
حتى تَبَدَّى الفجرُ من جنباتِه كالماءِ يلمعُ من خلال الطُّحْلُبِ


(الضمير في "جنباته" عائد لِلَّيل، و"الطحلب": الخضرة على وجه الماء الآسِن).
هذان نموذجان من استعمال (من خلال) على الحقيقة:
وفيما يلي أمثلة على استعمال (من خلال) على المجاز:
* قال أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان:
((وإنما ألْمحُ من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء الوقت مَنْزِعاً…))
* وقال الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي:
((نتابع نشر مستدركات الأب الكرملي على (محيط المحيط): إما مباشرةً، وإما من خلال نَقْد الكرملي لمعجم (البستان) )). (مجلة التراث العربي، افتتاحية العدد 54)
* وقال الأستاذ محمد المبارك في كُتيِّبه (عبقرية اللغة العربية، ص 31):
((وإن في دراسة العربية وتفهّمها تفهّماً عميقاً، كشفاً عن شخصيتنا وترسيخاً لعروبتنا، بل لإنسانيتنا، لأننا من خلال ألفاظها وقوالبها عرفنا أنفسنا وعرفنا الإنسانية، بل عرفنا الكون والله)).
* وقال الدكتور مازن المبارك في كتابه (نحو وعيٍ لغوي، ص 58):
((… إنه لا بدّ مع الصمود، من البحث الموضوعي الذي يتناول خصائص اللغة، ويكشف - من خلالها - عن محاسن ما يقال، أو مساوئ ما يراد)).
* وقال الدكتور صبحي الصالح، في مقدمته لـِ (نهج البلاغة /25):
((وما أردت بتعليقاتي هذه نقداً ولا تجريحاً، ولكني وددتُ - من خلالها - أن يميط القراء اللثام عن سرّ اهتمامي الشديد بالفهرس الأول)).
وفيما يلي نماذج مأخوذة من كتابات علمية، استُعمل فيها (من خلال) استعمالاً جانَبَه التوفيق:
* لابد من أن يمرّ حلّ هذه المشكلة بإدارة أفضل للمصادر، ومعالجةٍ جيدة للضحايا المحتملة، من خلال البدء (‍‍!) بتشخيص سريع.
أقول: … المحتملة، بدءاً بتشخيص سريع.
* تقوم هذه الوكالة من خلال برنامجها الموضوع لعشر سنوات بتخطيط شامل من خلال إجراء تقويمٍ مقارن لمصادر الطاقة.
أقول: تقوم هذه الوكالة في برنامجها… بتخطيط شامل نتيجة إجراء تقويمٍ…
* سيتيح هذا القانون للمنشآت الروسية، من خلال نشاطها في هذا المجال، أن تدرّ نحو 6 ملايين دولار في السنة.
أقول: … الروسية، بممارسة نشاطها في هذا المجال، أنْ…
* إنها مُعْطَيَاتٌ مهمة، ولكني لست متأكداً (كذا) بأنك (كذا) تستطيع من خلالها الادعاء صراحة بأنها…
أقول: … ولكني لستُ متحققاً أنك تستطيع بناءً عليها / استناداً إليها / الادعاء صراحة…
* وقد تأكد هوفمان (كذا) وزملاؤه من خلال أعمالهم أن الكائنات الحية اختفت تقريباً.
أقول: تأكد لهوفمان وزملائه، نتيجة أعمالهم (أو: من أعمالهم) أن…
وقد تبين لي من اطلاعي على مقالات علمية كثيرة أن الأصوب أن يُختار - عوضاً عن (من خلال) - ما يناسب المقام مما يلي:
بـ، في، من طريق، بواسطة، أثناء، باستعراض، انطلاقاً من، باستعمال، بممارسة، بفضل، بسبب، نتيجة لـِ، بالاستفادة من، وذلك أن، بإجراء، بالرجوع إلى، الخ...




وللموضوع تتمة


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-12-2022, 02:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(2)


د. مكي الحسني




15- أكَّد وتأكَّد

جاء في (المعجم الوسيط): ((أكَّد الشيءَ تأكيداً: وثَّقه وأحكمه وقرَّره فهو مؤكَّد.
تأكَّد: مطاوع أكَّده، وتأكَّد: اشتد وتَوَثَّقَ)).
إذن: لا يقال: (أكَّد على الشيء)، وإنما يقال: (أكَّد الشيءَ! فتأكَّد الشيءُ).
وعلى هذا لا يصح أن نقول مثلاً: (يجب أن نتأكّد من حدوث كذا)، لأن الصواب هو: (يجب أن يتأكَّد لنا حدوث كذا) أو (يجب أن نتحقق حدوث كذا، أو نتيقَّن أو نستَيْقِنَ حدوثَ كذا، أو نَتَوثَّق من كذا أو نستوثق منه).
ولا يصح أن تقول: (هل أنت متأكّد؟)، لأن الصواب هو: (هل أنت متحقق؟ / متيقن؟ / مستيقن؟).

16- على الرغْم

جاء في (المعجم الوسيط): ((الرَّغْم: الرَّغام (أي التراب). ويقال: فعله على رغمه، وعلى الرغم منه، وعلى رغم أنْفِهِ: على كُرْهٍ منه)).
يقال في العربية: (على رغم كذا، وعلى الرغم مِن كذا، وبرغم كذا، وبالرغم من كذا).
ويقال مثلاً: (ما كنت أحبّ أن أحضر، ولكني حضرتُ رغْماً).
ولا تستعمل كلمة (الرغم) في غير هذه التراكيب التي - لدى استعمالها - يكون معنى الكُرْهِ وعدم الرغبة أو القَسْرِ أو المُغالَبَة أو المعاناة ملحوظاً غالباً، نحو: (أخذ الأب طفله إلى المدرسة على الرغم منه...).
وفيما يلي نماذج من استعمالاتٍ جانَبَها التوفيق:
* على الرغم من أن هذه المسألة ليست جديدة، هنالك ملاحظات حديثة أثارتها الأبحاث العلمية.
أقول: ومع أن هذه المسألة ليست…
* ورغم أن المغنيتارات كانت منذ عام 1992م مجرد فكرة نظرية، لم يتمّ (كذا) تَعَرُّف أول مغنيتار إلا مؤخراً (كذا).
أقول: ومع أن… نظرية، لم يُتَعَرَّف (أو: لم يَحْدث تَعَرُّف)… إلا أخيراً / حديثاً.
* العجيب أن خالداً على الرغم من فقره كريم!
أقول: العجيب أن خالداً على فقره كريم!
قال الشاعر:
ما سَلِمَ الظبيُ على حُسْنِه كلاّ ولا البَدْرُ الذي يوصف
الظبْيُ فيه خَنَسٌ بَيِّنٌ والبدر فيه كَلَفٌ يُعرف

* على الرغم من كون البلوتونيوم مادة سامة… فإنه لا يُعدُّ المادة الأكثر (كذا) سُميَّةً…

أقول: مع أن البلوتونيوم… فهو لا يُعَدُّ أكثر المواد سُمِّيَّةً على الأرض.

17- لا تَقُل: (أعلاه)، (الآنف الذكر)، (مُسْبقاً)‍!

إذا أدرج مؤلِّفٌ في مقاله العلمي مخططاً مثلاً، فَلَهُ أن يقول: ((يبين الشكل مخطط الجهاز المستعمل، ويلاحَظ في أعلاه وجودُ…))
الضمير في كلمة (أعلاه) هنا عائدٌ إلى المخطط، والجملة سليمةٌ معافاة.
أما في العبارة: ((أعلنت أمريكا أنها سوف تتبع الخيار المذكور أعلاه))، فالهاء ضمير لا مَرْجِع له! وهذا خطأ. وقبل أن نذكر وجه الصواب نورد ما جاء في معاجم اللغة:
ففي (لسان العرب): ((وفعلتُ الشيءَ آنفاً: أي في أول وقت يقرب مني، وجاؤوا قُبَيْلاً)) بضمّ القاف وفتح الباء على صيغة التصغير.
وفي (المعجم الوسيط): ((يقال: فَعَله آنفاً أو قريباً)). وفي (أساس البلاغة): ((أتيته آنفاً)).
ونرى أن (آنفاً) جاء في كلام العرب ظرف زمان، ولم يشتق من فِعل (أَنِفَ) الذي يعني استنكف وتَنَزَّه (واسم الفاعل منه آنِف). وعلى هذا من الخطأ أن نقول: ((الخيار المذكور أعلاه، أو الآنف الذكر))، والصواب أن يقال: (المذكور آنفاً، أو المتقدم ذكره، أو المذكور قريباً) (أي المذكور من قريب). وفي التنْزيل العزيز: {كَمَثَلِ الذين من قَبْلِهم قريباً ذاقوا وَبالَ أمرِهم ولهم عذاب أليم}.
ويقال: (قلت كذا آنفاً وسالِفاً. وجاؤوا آنفاً) (المعجم الكبير - مجمع القاهرة).
وهناك خطأ شائع آخر، نحو قولهم: (فَعَل ذلك مُسْبقاً)! ذلك أنه جاء في (لسان العرب)، وفي (المعجم الوسيط - الطبعة الثالثة): ((أَسْبَقَ القومُ إلى الأمر: بادروا))، فالأمر مُسْبقٌ إليه! (لا بد من ((إليه)) بعد ((مسبق)) لأن ((أسبَقَ)) فِعلٌ لازم لا يتعدى بنفسه وإنما بالحرف!).
وليس بين المعنى المعجمي والمعنى المراد بالخطأ الشائع المذكور أي صلة.
والصواب أن نقول: فعل ذلك مُقدَّماً وَسَلَفاً. أو - في سياق آخر - فعل ذلك سابقاً/سالِفاً/ قَبْلاً (إذا أردتَ قَبْليَّةً غيرَ معيَّنة)/ مِن قَبْلُ (إذا كنتَ تعني قَبل شيء معيَّن).
ولنا أن نقول مثلاً:
* يجري تجميع المباني السابقة الصُّنْع (أو: القَبْلِيَّة الصنع) بسرعة.
* كان يَتوقع حضورَه فهيأ له سلفاً بعض الأسئلة.
* لا ترتجل محاضرتك (درسك/ خطبتك)! حَضِّرها/ أَعِدََّها مُقدَّماً…
* يحتاج هذا الجهاز إلى تسخين قَبليٍّ ليكون أداؤه جيداً…
* يتطلب هذا الأمر إذناً سالفاً/ قبليّاً.

18- لا تقُل: (يَتَوجَّب)!

جاء في (المعجم الوسيط): ((تَوَجَّب فلانٌ: أكل في اليوم والليلة أكلةً واحدةً)).
ومن معاني الوجبة: الأكلة الواحدة.
وقد شاع أخيراً استعمال (يتوجَّب) بدلاً من (يجب)، وهذا خطأ صريح يجب علينا مكافحته!
ولا يفرّق بعض الناس بين (يجب) و(ينبغي) من حيث المعنى والتعدية، فيقولون: ينبغي علينا (!) أن نفعل كذا. ولكن، جاء في (المعجم الوسيط):
((يقال: ينبغي لِفلانٍ أن يعمل كذا: يَحْسُن به ويُسْتَحبُّ له. وما ينبغي لفلانٍ أن يفعل كذا: لا يليق به ولا يحسُن منه)).
وفي التنْزيل العزيز: {ما كان ينبغي لنا أنْ نتخذَ مِن دونِك مِن أولياء}.
يقال إذن: (يجب على فلان، وينبغي لفلان). والفرق بين التركيبين والمعنيين واضح وكبير.

19- تَعَرَّفَه - تَعَرَّف به / إليه - مسألةٌ مُتَعارَفة

* عَرَّف الشيءَ: حدَّده بذكر خواصّه المميِّزة، فَتَعَرَّفَ الشيءُ: صار معروفاً (فعل لازم: مطاوع عَرَّف).
يقال: عَرَّفتُك أخباري وبأخباري: أعلمتُك بها؛ جعلتُك تعرفها.
عَرَّفتُك صاحبي وبصاحبي: جعلتُك تعرفه، فأصبحتَ تقف على حاله وشأنه.
لذا يصّح أن نقول: التعريف بالمعلوماتية؛ التعريف بالأدب العربي...
* تَعَرَّف الشيءَ وبالشيءِ: أصبح يعرفه بعد طلب. يقال: تعرَّف الطريقَ؛ تَعَرَّف حقيقةَ الأمر.
* تعرَّف الرجلَ وبالرجلِ: أصبح يقف على حاله وشأنه؛ صار معروفاً عنده.
ولا يقال: تعرَّف على كذا!
* تَعَرَّف الموظفُ إلى المدير وللمدير: جَعَلَ المديرَ يعرفه؛ عّرَّفه بنفسه؛ أعلمه مَنْ هو.
وفي الحديث: ((تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يَعرفْك في الشدة)) أي: اِجعلْه يعرفك بطاعته في الرخاء يُسعفْك في الشدة.
* تعارَفَ القومُ: عَرَفَ بعضُهم بعضاً (فعل لازم)
* تعارف فلانٌ وفلان، صار كلٌ منهما يعرف الآخر (من أفعال المشاركة).
* تعارفوا الشيءَ (فعل متعدّ): عرفوه فيما بينهم. وعلى هذا يقال: هذه عاداتٌ متعارفة! أي معروفة شائعة. ولا يقال: (متعارف عليها!!)

20- ما زال - لا يزال

* تدخل (ما) النافية على الفعلين الماضي والمضارع، نحو: ما خرجت، ما كلّمته، ما أريد، ما أدري. وعلى هذا يقال على الصواب: ما زال، ما يزال، فيُدَلُّ بهما على الإثبات وعلى الاستمرار، نحو: ما زال الهواء بارداً. ما يزال الهواء بارداً.
* تدخل (لا) النافية على المضارع، نحو: لا أريد، لا أدري، لا يزال. ولا تدخل على الماضي لإفادة النفي. فلا يقال: (لا جاء فلان) بل: (ما جاء فلان). ولا يقال: (لا زال الهواء بارداً) وهذا خطأ شائع جداً، والصواب: لا يزال الهواء بارداً، أو ما زال الهواء بارداً.
* ولكن تستعمل (لا) مع الماضي لتكرار النفي، نحو: {فلا صدَّق ولا صلَّى}.
* تدخل (لا) على الفعل الماضي لتفيد الدعاء، لا النفي. فيقال:لا سمح الله؛ لا قدَّر الله؛ لا أراك الله مكروهاً؛ لا عدِمتُك؛ لا زال بيتُك عامراً.
* وتدخل (لا) على الفعل المضارع لتفيد الدعاء أحياناً. ويَستَبين هذا من السياق، نحو:
لا تزال عناية الله تحرسُك!
لا تزال سَبَّاقاً إلى الخير!
لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ / فاهُ…
ملاحظة: يستعمل تركيب (لم يَزلْ) بمعنى (لا يزال/ ما يزال).
وفيما يلي نماذج من أفصح الكلام:
{فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين}.
{ولقد جاءكم يوسف من قَبْلُ بالبيّنات فما زلتم في شكٍ مما جاءكم به}.
{ولا تزال تطَّلع على خائنةٍ منهم إلا قليلاً منهم}.
{لا يزال بنيانهم الذي بَنَوا ريبةً في قلوبهم}.

{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَردُّوكم عن دينكم إِنِ استطاعوا}.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18-12-2022, 02:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(3)


د. مكي الحسني






القسم الثالث

21- حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما

مّما جاء في (المعجم الوسيط): ((حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل)).

وجاء في (أساس البلاغة): ((الأجرُ على حَسَبِ المصيبة)).

وجاء في (محيط المحيط): ((حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه)).

وجاء أيضاً: ((ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده)).

ويقال على الصواب: على حَسَبِ ما يقتضيه المقام.

كما يقال: على قدْر الحاجة، وبحَسَب الضرورة.

* ويُغْفِل كثيرٌ من الأدباء حرفي الجر (على) و (الباء)، فيقولون: الأجر حَسَبَ العمل.

* وقد لاحظتُ في الكتابات العلمية المعاصرة، أن (حسب) كثيراً ما تُستعمل في غير محلّها المناسب، وأن من الأصْوَب أن يوضع بدلاً منها، ما يلائم السياق مما يلي:

تَبَعاً لـِ، طِبْقاً لـِ، وَفْقاً لـِ، بمقتضى، بمُوْجب، بناءً على، استناداً إلى، عملاً بـ ، انطلاقاً من، الخ…


22- بينما


جاء في (المعجم الوسيط): ((بينما: تكون ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ولها صدر الكلام)).

إذن، (بينما) لها الصدارة في الجملة، أي يجب أن تكون في بدء الكلام.

يقال: بينما زيدٌ جالس، دخل عليه عمرو.

ولا يقال: أحسنَ إليك زيد بينما أنت أسأت إليه.

وإنما يقال: أحسنَ إليك زيد، على حين/ في حين أسأت أنت إليه (أو: أمّا أنت فأَسأْت إليه).


23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ


جاء في (المعجم الوسيط): ((نفِدَ الشيءُ يَنْفَدُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهب)). وفي التنْزيل العزيز: {قل لو كان البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي}.

وجاء في (المعجم الوسيط): ((نَفَذَ الأمرُ يَنْفُذُ نُفُوذاً ونَفاذاً: مضى. يقال: نَفَذَ الكِتابُ إلى فلانٍ: وصل إليه؛ وهذا الطريق ينفُذُ إلى مكان كذا: يصل بالمارّ فيه إلى مكان كذا؛ ونفَذَ فيه ومنه: خرج منه إلى الجهة الأخرى)).

فهل يجوز - بعد هذا - الخلط بين الفعلين؟!


24- حافَة حافات


تُلفظ كلمة (حافَة) بالتخفيف، أي بفاءٍ غير مشدَّدة، وتُجمع على (حافَات)، كما تُجمع ساعة، ودارة، وطاقة، على: ساعات، ودارات، وطاقات. ولا يجوز جمعُها على حوافّ، كما تجمع حاسّة على حواسّ، لأن هذه تلفظ بالتشديد، مثل مادّة (موادّ)، خاصّة (خواصّ)، دابّة (دوابّ)، عامّة (عوامّ)...

وتُجمع (حافَة) جمع تكسير على: حَيْف، وحِيَف.


25– السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى


جاء في (المعجم الوسيط): ((السَّويُّ: المستوي؛ المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط؛ العاديّ لا شذوذ فيه؛ الوسط)). يقال: فلانٌ إنسانٌ سَوِيّ (وهم أسْوِياء). وفلانةُ إنسانةٌ سَوِيّة. وامرأةٌ سَوِيّة: أي تامّة الخَلْق والعقل.

وجاء في (الوسيط): ((السَّويّة: الاستواء والاعتدال؛ العدْل والنَّصَفَة)) (أي الإنصاف).

يقال: هما على سويةٍ في هذا الأمر: أي على استواء، أي هما مستويان فيه: متماثلان!‍ وقسمتُ الشيءَ بينهما بالسّويّة: أي بالعدل. وأرضٌ سويّةٌ: إذا كانت مستوية. وجاء فيه: ((السطح المستوي: هو الذي إذا أخذتَ فيه أيَّ نقطتين، كان المستقيم الواصل بينهما منطبقاً عليه)). فهو إذن كسطح الماء الراكد. ويجمع على: مستوِيات.

يقال: هذا سطحٌ مُسْتَوٍ. رسمتُ سطحاً مُسْتوِياً. كتبتُ على سطحٍ مستوٍ.

وجاء في الطبعة الثالثة من (المعجم الوسيط): ((المُسْتوى: الدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيءُ)).

ومن معاني فِعْل ((استوى: استقر وثبت)). ويُجمع المستَوى على مُسْتوَيات. فالصواب أن يقال: يجب رفع مستوى الطلاب (لا: سوية الطلاب!).

حساب مُستوَيات الطاقة في الذَّرَّة (لا: سويات الطاقة؛ وهذا خطأٌ وقعتُ فيه قديماً!).

هذا مستوىً رفيعٌ، بلغ مستوَىً رفيعاً، انطلق من مستوىً منخفضٍ!


26- بـ / بواسطة / بوساطة


إذا أراد الكاتب إبراز وسيلة إيقاع الفعل، عَدَّاه بـ (باء الاستعانة):

* الداخلة على الأداة أو الآلة التي أوقعت الفعل، نحو: كتبت بالقلم؛ سافرت بالسيارة؛ حفرت بالمِعْوَل.

* الداخلة على مصدر فعلٍ آخر، نحو: نجحتُ بفضل الله؛ أنجزت العمل بعَون الله؛ حدث الصلحُ بيني وبينهم بتَوَسُّط فلان؛ سقيتُ الأرض بوساطة النواعير.

* جاء في (المعجم الوسيط) وفي غيره: ((وَسَطَ الشيءَ يَسِطُهُ وَسْطاً وسِطَةً [ووُسُوطاً]: صار في وَسَطه. يقال: وَسَطَ القومَ والمكانَ فهو واسط (وهي واسطة). ووَسَطَ القومَ وفيهم وساطةً [أي وَسَطَ الرجلُ قومَهُ وفي قومِهِ]: توسَّطَ بينهم بالحقّ والعدل)).

* فالوساطة مصدر، وكذلك التَوَسُّط. والواسِطَ هو المتوسِّط.

* وجاء في (المعجم الوسيط): ((واسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها)).

* وجاء في (أمالي المرتضى): ((ذكر فلانٌ أن أباه كان الواسطة بينهما)).

والواسطة في الأصل صفة. لكنها انقطعت أحياناً في الاستعمال عن موصوفها، فغَلَبَت عليها الاسمية، وأُنزلت مَنْزلة الأسماء بتقدير (أداة واسطة)، واستعملها النحاة بهذا المعنى.

فالأصل في ((واسطة القلادة)): ((الجوهرة أو الدُّرة الواسطة للقلادة)) أي: المتوسّطة.

والتقدير فيما جاء في (الأمالي): ((أي كان أبوه الوسيط أو الأداة الواسطة بينهما، وهذا مجاز)).

* يقول ابنُ مالك في ألفيَّته:



التابعُ المقصود بالحُكم بلا واسطةٍ هو المسمى بَدَلاْ





* ويقول ابن الخشّاب: لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه، لم يتعدَّ إلى غيره إلا بواسطة.

* واستعمل أبو البقاء الكفويّ في (كُلّيّاته) كلمة (بواسطة) كثيراً. وأبو البقاء مَنْ تَعْلم تبسّطاً في العربية واستبحاراً وسَعَةَ اطلاع. من ذلك قوله في الجزء الخامس ص 235: الفعل المنفي لا يتعدى إلى المفعول المقصود وقوع الفعل عليه إلا بواسطة الاستثناء.

وفي ص244: النصب على الاستثناء إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول لا بالأصالة، وبواسطة (إلا)، وأما إعراب البدل فهو بالأصالة وبغير واسطة.

وقال الإمام ابنُ قُدامة (في مختصر منهاج القاصدين، ص 280): أخبرهم الله تعالى بكلامٍ سمعوه بواسطة رسوله.

* وقد أورد (المعجم الوسيط) تعريف (الواسطة) كما وضعه مجْمع القاهرة فقال: ((الواسطة: ما يُتَوصَّل به إلى الشيء)).

والخلاصة: إذا أمكن الاكتفاء بباء الاستعانة لأداء المعنى بوضوح، فهذا هو الأفضل! وإذا دعت الحاجة إلى إبراز الأداة أو الوسيلة التي حدث وقوع الفعل بها، استُعملت الواسطة أو الوساطة.


27- الفَتْرة


جاء في (المعجم الوسيط): ((فَتَر يفْتُر فُتُوراً: لانَ بعد شدة، أو سَكَنَ بعد حِدَّةٍ ونشاط)). وفي التنْزيل العزيز: {يُسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون}. أي لا يَضعُفون عن مداومة التسبيح.

وجاء في (الوسيط) أيضاً: ((الفترة: الضعف والانكسار. والفترة: المدة تقع بين زمنين أو نَبِيَّيْن)). وفي التنْزيل العزيز: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّنُ لكم على فَتْرةٍ من الرُّسُل}. أي انقطاع من الرسل.

وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ((فَتْرة: مُضِيُّ مدةٍ بين رسولين)).

وجاء في (أساس البلاغة /فتر) للزمخشري: ((أجِد في نفسي فَتْرةً وفُتُوراً إذا سَكَن عن حِدّته ولانَ بعد شدته. وتقول: فلانٌ عَلَتْهُ كَبْرَه، وعَرَتْهُ فَتْرَه)) أي: ضَعْف.

وفي (الوسيط): ((فترةُ الحُمّى: زمن سكونها بين نوبتين)).

فالفترة إذن مُدةٌ تتميز بالفتور وانقطاع الجِد أو النشاط فيها. وكل حال للسكون أو الانقطاع تتوسط بين حالين من الحِدَّة أو الجِدّ أو الاجتهاد فهي فترة، طالت أم قَصُرَت. وكل حال من الشدة أعقبتها حال من الضعف أو اللين فقد آلت إلى فترة.

ومن الخطأ حسبان الفترة زماناً كأيّ زمانٍ من الأزمنة‍!

* قال ابن مسعود: ((كونوا جُدَدَ القلوب)). وشرح هذا القول الإمام ابن قُدامة فقال: ((كِناية عن عدم الفترة في العبادة)). ونقل ابن قُدامة قول بعضهم: ((كنتُ إذا اعتَرتْني فترةٌ في العبادة، نظرتُ إلى وجه محمد بن واسع وإلى اجتهاده)).

* وقال الشيخ علي الطنطاوي: ((… كان الشابان يتحادثان وهما يمشيان … وتكون فترةٌ يصمتان فيها فلا يُسمع إلا وَقْعُ أقدامهما)).

* وقال مصطفى صادق الرافعي في (كتاب المساكين /146): ((ثم لتعلمنَّ أنه إن كانت للقَدَرِ فَتْرةٌ عن رجلٍ من الناس، فقيراً أوغنياً أو بين ذلك، فما هي غَفْلةٌ ولا مَعْجِزَة، ولعلّ الرجل إنما يُمدُّ له في الغيّ مدّاً طويلاً…)).

* ولنا أن نقول: كانت السنوات ما بين الحربين العالميتين فترةً للمتحاربين.

- وكان عقد الثلاثينيات المنصرم فترةً للاقتصاد العالمي، أصابه فيها رُكود.

- أمضى فلانٌ على شاطئ البحر فترةً استراح فيها من عناء العمل.

- تتضمن السنةُ الإنتاجية في معظم الشركات فترةً مخصصة لاستجمام العاملين.

- توقفت السفينة في المرفأ فترةً للتزود بالوقود والأغذية الطازجة.


وقد شاع استعمال (الفترة)، في غير ما وُضعت له، شيوعاً واسعاً؛ فيقولون، مثلاً:


1 - سيُعقد المؤتمر / يستقبل المعرض زوّاره / تجري مقابلة المرشحين… في الفترة من 1-5 /6/1999.

أقول: سيعقد المؤتمر، إلخ… في المدة من 1-5 /6/1999.


2 - يجب مراقبة ذلك في فترة إزهار النبات…


أقول: مراقبة ذلك في طَوْر إزهار النبات. [من معاني الطور: التارة، أي: المدة والحين].


3 - لا تسطع النجوم إلا لفترة محدودة.


أقول: لا تسطع النجوم إلاَّ حِقْبة / برهة / مدة محدودة (تكون خلالها في حالة ثَوَرَان لا فتور!).


4 - الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن فترات وجودها تأتي من تفاعلات اندماج نوى الهدروجين.


أقول: الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن أوقات / أطوار / مراحل وجودها…


5 - والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل بشكل (كذا) كثيف إلى نجوم في فترة قصيرة.


أقول: والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل متكاثفاً بشدة إلى نجوم في مدةٍ / زمنٍ قصير.


6 - على الطلاب بذل الجهد أثناء فترة الدراسة (!) وإيلاء الفترات التدريبية عناية خاصة.


أقول: على الطلاب بذل الجهد أثناء الدراسة / مدة الدراسة، وإيلاء الأوقات التدريبية / أوقات التدريب عناية خاصة.


7 - حدث من فترة أن اكتشف أحد الباحثين…


أقول: لا معنى لـِ (حدث من فترة/ أو من مدة …) لأن مجرد استعمال الفعل الماضي يعني أن الحدث جرى قبل زمن التكلم. فإذا أراد المتكلم / الكاتب مزيداً من التحديد، وجب عليه تعيين الزمن المنصرم بعد الحدث (حدث قبل 3 أيام مثلاً…) أو إضافة كلمة مُعبِّرة: جرى قديماً / حديثاً / قريباً / قبل أيام قليلة / قبل مدة قصيرة، إلخ…


8 - زارني منذ فترة قصيرة...


أقول: زارني قبل مدة قصيرة... زارني حديثاً / قريباً…


9 - يجب العناية بذلك في فترة الشباب على الأقل!


أقول: أتتميز مرحلة الشباب بالفتور أم بالحيوية والنشاط؟! [الشباب مرحلة من العمر تلي الطفولة وتسبق الرجولة. والشُّبّان والشَّوابُّ (الشابّات) هم الذين يعيشون مرحلة الشباب]. ويُجمع الشابّ على شباب أيضاً.


ولعل من المفيد أن أُورِد شيئاً مما جاء في مقال الدكتور البدراوي زهران (مجلة مجمع القاهرة، العدد 72 لعام 1993):


((... بل لهذا وُجدت للأوقات كلمات مختلفة على حَسَبِ الطول والقِصَر في المدة:

فالمدة شاملة لجميع المقادير من امتداد الزمن، وتنطوي فيها اللحظة أو اللمحة للوقت القصير، والبرهة والرَّدَح للوقت الطويل، والفترة للمدة المعترضة بين وقتين، والحين للزمن المقصود المعيَّن، والعهد للزمن المعهود المقترن بمناسباته، والزمن للدلالة على جنس الوقت كيفما كان، والدهر للمدة المحيطة بجميع الأزمنة والعهود والأحيان)).

أقول: جاء في (المعجم الوسيط): ((البُرهة: المدة من الزمان)). (لم يَصِفْها بالطول!) وجاء في المعجم الكبير (الذي أصدره مجمع القاهرة): ((البَرْهة: المدة الطويلة من الزمان، أو هي أعمّ. البُرْهة: البَرْهة. يقال: أقمتُ عنده بُرهةً من الدهر)).

وجاء في (الوسيط): ((الهُنَيْهة: القليل من الزمان. يقال: أقام هنيهةً)).

وجاء فيه أيضاً: ((الحِقْبة من الدهر: المدة لا وقت لها. أو السنة. (ج) حِقَبٌ وحُقُوبٌ.

وجاء فيه أيضاً: ((الحُقْبُ والحُقُبُ: المدة الطويلة من الدهر (80 سنة أو أكثر). (ج) حِقاب / أحقاب)).

وجاء فيه أيضاً: ((المَرْحلة: المسافة يقطعها المسافر في نحو يوم، أو ما بين المنْزِلَيْن)).

وتستعمل المرحلة الآن بمعنى (قَدْرٍ محدَّد من الشيء) وعلى الخصوص (قدْرٍ من الزمان).

يقال: مرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، مرحلة الرجولة، مرحلة الكهولة، مرحلة الشيخوخة…

ويقال: مرحلة الدراسة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية/ الجامعية…

وجاء في معجم (متن اللغة): ((السَّبَّة من الدهر: كالبرهة والحقبة، وهي السَّنْبة)).

وجاء في (الوسيط): ((الأَوانُ: الحِيْنُ. يقال: جاء أوانُ البرد. والجمع آوِنَة)).


28- حَذْف الجارّ – النصبُ


حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.

* فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).

يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: {لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ}. أي: لا جرم من أن لهم النار.

تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.

أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.

وفي التنْزيل العزيز: {فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما}، أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...

وفيه أيضاً: {وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم}، أي: عجبوا لـِ / من أنْ جاءهم…

وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي: أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.

ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.

ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:

إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:

سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!

قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء…).

ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل…

تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.

ومن السماعي: ((نَزْعُ الخافِض)) مع ظروف مكان مختصة.

والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.

وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ. ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ… فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:



تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامكم عليَّ إذن حرامُ





فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.

وقولُ ساعِدة:



لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ





فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].


وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:


* الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية. فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: {فجاسوا خلالَ الديار}.


* طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.


ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.


* واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:




‌ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول





وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:

قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام…

وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.

وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.


* الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن): وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.



* الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: ما لاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.


ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة / وَفْقَ المصلحة.


* الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ / بحَسَبِ / حَسَبَ العمل.


ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.

وللموضوع تتمة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-12-2022, 02:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(3)


د. مكي الحسني




29- راوَحَ - تَراوَحَ



* ((راوَحَ)) فعلٌ لازم. يقال: راوح الرجُلُ بين العملين: عمِلَ هذا مرة وهذا مرة. راوَحَ بين رِجْليه، وبين جنبَيْه وأمثال ذلك: يُعمِل هذا مرة وهذا مرة. ومنه الإيعاز العسكري: ((مكانَكْ، راوِحْ!)) إذا أُريدَ أن يَلزَمَ الجنديُ مكانَه، ويحركَ رجليه بالتناوب فِعْلَ الماشي.
ويمكن - مجازاً - أن يقال: راوَحَ الضغطُ بين 50 و 60 كغ/سم2، (بار) وعندئذ يُفهم أن الضغط كان تارةً 50، وتارةً أخرى 60!.
أما إذا أُريدَ التعبير عن أن الضغط كان متغيراً في المجال 50-60، فيمكن القول: تَقَلَّب الضغط بين 50 و60، أو كان الضغط واقعاً في المجال 50-60.

* ((تراوَحَ)) فعلٌ من أفعال المشاركة (أي يشترك فيه اثنان فصاعداً). وهو يأتي متعدياً فيقال: تراوَحَ الرجُلان العملَ: تعاقباه؛ تراوَحَتْه الأحقابُ: تعاقبت عليه. ويأتي لازماً: فلانٌ يداه تتراوحان بالمعروف: تتعاقبان به.

ومع ذلك، أجاز (!) مجمع القاهرة أن يقال: (تراوح الجوُّ بين الحَرِّ والبَرْد)، والفاعل هنا واحدٌ فقط: الجوّ! والمعنى أنه كان تارةً حاراً، وتارةً بارداً؛ وأن يقال: (تراوح السِّعرُ بين الارتفاع والانخفاض)، والفاعل هنا أيضاً واحدٌ فقط: السعر! والمعنى أنه كان تارةً مرتفعاً وتارةً منخفضاً.
فهل تؤدي العبارة: (تراوحت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ) ما يؤديه قولنا: (كانت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟!! أو: تَقَلَّبتْ درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
ثُم ألا يُغْني قولُنا: (تقع درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)، عن القول: (تتراوح درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
أو حتى قولنا: (درجة الحرارة هي بين كذا وكذا)؟

30- التقويم والتقييم

جاء في معاجم اللغة:
1- قوَّم الشيءَ: ثقَّفه: جعله يستقيم ويعتدل (متن اللغة).
: عدَّله (محيط المحيط).
قوَّم المُعوجّ: عدَّله وأزال عِوَجه (الوسيط).
قوَّم السِّلعة: سَعَّرها وثَمَّنها (الوسيط).
قوَّم السلعة: قدَّر ثمنها وسعَّره (متن اللغة / مجاز!).
قوَّم السلعة واستقامها: قدَّرها (لسان العرب).
قوَّم المتاعَ واستقامه (أساس البلاغة).

وعلى هذا يكون معنى التقويم:

أ - التعديل، نحو: تقويم الأسنان …
إن الغصون إذا قَوَّمْتها اعتدلتْ ولا يلين إذا قوَّمْته الخشبُ


ومن هذه البابة استعمال (التقويم) في بعض التعابير، نحو: تقويم الأخلاق، تقويم اللسان (أي اللغة)، تقويم التيار الكهربائي المتناوب.
ب - التقدير: ومنه:
التقويم: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام (الوسيط + محيط المحيط).
تقويم البلدان: تعيين مواقعها وبيان ظواهرها (الوسيط) - بيان طولها وعرضها (محيط المحيط).
ما قوَّمَتك ملوكُ أرضٍ قيمةً إلا ارتفعْت وقصَّر التقويمُ


(العباس بن الأحنف)

2- القيمة: ثمن الشيءِ بالتقويم (اللسان).

قيمة الشيء: قدْره؛ قيمة المتاع: ثمنه (الوسيط).
ثمة قاعدة صرفية مطّردة [انظر كتاب (أضواء على لغتنا السَّمْحة)، محمد خليفة التونسي /212]: إذا وقعت الواو ساكنةً بعد حرف مكسور، قُلبت ياءً لتُناسب الكسرة التي قَبْلها.
فنصوغ من (وَزَن، وَقَت، وَعَد) أسماءً على وزن مِفْعال بقولنا: ميزان، ميقات، ميعاد. ولا نقول: مِوْزان، مِوْقات، مِوْعاد!
ونقول: قام يقوم قوماً؛ دام يدوم دوماً؛ عاد يعود عوداً. ثم نقول - طِبْقاً للقاعدة الصرفية السابقة - قِيْمة، دِيْمة (المطر يدوم طويلاً)، عِيْد. ونجمعها على؛ قِيَم، دِيَم، أعياد. والمطّرد في الاشتقاق من هذه الألفاظ ونحوها، الرجوع إلى أصل الحرف في الفعل الثلاثي. فإذا اشتققنا من (قيمة) نقول: قوَّمت الشيءَ تقويماً؛ بإعادة الياء واواً كالأصل. ونقول: دوَّمَتِ السماءُ، بمعنى أنزلت مطراً دام طويلاً.
ولكن العرب أهملوا أحياناً النظر إلى أصل حرف العلّة هذا، فقالوا: (دَيَّمتِ السماء) أخْذاً من (ديمة)، مثلما قالوا: (دوَّمتِ السماء). وقالوا: (عيَّد الناسُ) إذا شهدوا العيد، ولم يقولوا: (عوَّدَ الناسُ) [وذلك دفعاً لتَوَهّم أنها من (العادة) لا من (العيد)].
وعلى هذا جوَّز مجمع القاهرة سنة 1968 استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وأورد في معجمه (الوسيط): قيَّم الشيءَ تقييماً: قدَّر قيمته.

31- خاصةً، خصوصاً، خِصِّيْصى، الخِصِّيْص

مصادر الفعل الثلاثي سماعية، تُعرف بالرجوع إلى المعاجم وكتب اللغة [بخلاف مصادر الرباعي (المجرد والمزيد) والخماسي والسداسي، فهي قياسية؛ وشذّ بعضها عن القاعدة وخالف القياس].
والفعل اللازم (خصَّ الشيءُ يَخُصُّ خُصوصاً وخَصوصاً: ضِدُّ عَمَّ) له - كما نرى - مصدران.
والفعل المتعدّي (خَصَّهُ) بمعنى فَضّله دون غيره ومَيَّزه، له أحد عشر مصدراً! أهمها:
خصَّه يَخُصُّه خَصّاً وخُصوصاً وخُصوصِيَّةً وخِصِّيصَى وخاصةً. ويرى بعض اللغويين أن (خاصة) اسم مصدر، أو مصدر جاء على (فاعلة) كالعافية.
تقول: أُحبّ الفاكهة (و) خصوصاً العنبَ. [بالواو أو بلا واو]. (ينصب خصوصاً على أنه مصدر نائب عن فعله، وما بعده مفعول به: سُرَّ الأولادُ باللَعِب خصوصاً الأطفالَ الصغار)
وتقول: أُحبّ الفاكهة (و) خاصَّةً العنبَ. [بالواو أو بلا واو].
وتقول: أُحبّ الفاكهة وبخاصّةٍ العنبُ [العنب: مبتدأ مؤخر].
وجاء في (اللسان / خصّ): ((سُمع ثعلب يقول: إذا ذُكر الصالحون فَبِخاصّةٍ أبو بكر، وإذا ذُكر الأشراف فبخاصةٍ عليٌّ)).
ويقولون: (فعلتُ هذا خِصِّيصاً لك)، وهذا خطأ صوابه: (فعلتُ هذا خِصِّيصَى لك، أو خاصاً، أو خصوصاً، أو خَصّاً). ذلك أن المصدر (خصيصى) لا يُنَوَّن لأن أَلِفَه زائدة وليست من أصل الكلمة (خَصَّ).
وكذلك (سلمى) لا تنون لأن ألفها ليست من الأصل (سلم).
على أن في اللغة كلمة أخرى هي: (الخِصِّيْصُ: مَن هو أخَصُّ من الخاصّ)، وهذه تُنوّن! فمثلاً: جاء في الصفحة 10 من كتاب (أسرار الحكماء) لمؤلفه جمال الدين ياقوت المستعصمي البغدادي (توفي 698 هـ): ((وقال عنه ابن تغري بردي: وكان جمال الدين ياقوت خِصِّيْصاً عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العباسي))، أي: كان جمال الدين أثيراً عند الخليفة، ومن أخصّ خاصّته.
وهناك مصادر أخرى على وزن فِعِّيلى، منها:
بَزَّ قرينَهُ يَبُزُّه بَزّاً وبَزَّةً وبِزِّيزَى: غَلَبَه.
ترامى القومُ ترامياً ورِمِّيَّا: رَمى بعضُهم بعضاً. [تكتب الألِف في (رِمِّيّا) قائمةً لأنها مسبوقة بياء!].
ويقال: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم صاروا إلى حِجِّيزَى: تَرامَوْا ثم تحاجزوا (انفصل بعضهم عن بعض).

32- المختصّ والاختصاصيّ - المُشِعّ والإشعاعي

* إذا تأملنا بعض أسماء الفاعلين والمنسوبات إلى المصادر، كالواردة في القائمة التالية:
الفعل اسم الفاعل المَصدر المنسوب إلى المصدر عَلَّم مُعلِّم تعليم تعليميّ أدار مدير إدارة إداريّ دَرَّب مدرِّب تدريب تدريبِيّ قضى قاضٍ قضاء قضائيّ ابتدأ مبتدئ ابتداء ابتدائيّ اختص مختص اختصاص اختصاصيّ تَخصّص مُتخصِّص تَخصُّص تخصّصيّ أَشَعَّ مُشِعّ إشعاع إشعاعيّ

نجد أنه لا يجوز - غالباً - استعمال المنسوب إلى المصدر في مقام اسم الفاعل. فلا أحد يقول: فلانٌ تعليميّ، بدلاً من معلّم! ولا: قضائيّ، بدلاً من قاضٍ!
وإذا قيل: فلانٌ خبير اقتصادي، فالمقصود أنه ذو صلة بعِلْم الاقتصاد، لا أنه مُقتصِد! وإذا قيل عن شخصٍ أو شيءٍ (منهجٍ، أسلوبٍ، …) إنه إحصائي، فالمعنى أنه ذو صلة بعِلم الإحصاء، أو قائم عليه، أو يرمي إليه، أو... لا أنه مُحْصٍ يُحْصي!
يقال على الصواب: كتاب / تدريب/ معهد / مَشْفى تخصّصيّ.
ويقال: تعليم تخصصي؛ الفرع التخصصي [الذي ينتمي / ينتسب إليه الطالب].
فهل ثمة مُسَوِّغ لاستعمال (اختصاصيّ) بدلاً من (مختصّ بـ/في) أو (متخَصّص في/بـ)؟
قال القفطي في تراجمه: (وعليٌّ هذا من المتخصصين بعِلْم النجوم).
* جاء في المعاجم: خَصَاه - خَصْياً وخِصاءً: سَلَّ خُصْيتَيه؛
وجاء في بعض المعاجم (القاموس المحيط؛ تاج العروس؛ متن اللغة):
أخْصَى الرجلُ: تَعَلَّمَ علماً واحداً (مجاز!).
ومَصْدر أخصى هو (إخصاء)، والنسبة إليه (إِخْصائيّ) (لا أَخِصّائي!!!).
فما بالُ قومٍ يتركون المتخصص والمختص، بل والاختصاصي، ليستعملوا الإِخْصائي، وهو لفظٌ يُذَكِّر بالخِصاء؟!!
* يُستعمل المنسوب إلى المصدر - أحياناً - مع اسم الفاعل، نحو: منبعٌ مُشعّ، منبع إشعاعي، مع اختلاف في المعنى لا يخفى على المتأمل. ذلك أن كلمة (إشعاع) وإن كانت في الأصل مصدراً، تَخْرُجُ غالباً في الاستعمال عن مَصْدريتها (الدلالة على الحَدَث) وتنجذب إلى الاسمية. وبالفعل: (الإشعاع هو الطاقة التي تنتشر في الفضاء أو في وسط ماديّ، على هيئة موجاتٍ أو جسيمات).
فالمقصود، إذن، بالمنبع الإشعاعي هو، في الواقع، منبع الإشعاع!.

33- كيلو واط ساعة (لا: ساعيّ!)

حدثني الأستاذ وجيه السمان رحمه الله (وكان عضواً في مَجْمع اللغة العربية بدمشق) أنه أدخل قبل نحو 50 سنة مصطلح (كيلو واط ساعيّ) مقابل (kilowatt-heure أو kilowatt-hour) حين وضع كتاب الفيزياء لطلاب شهادة الدراسة الثانوية. وأبدى لي أسفه لذلك، لأنه رأى بعد مدة أن الصواب هو: كيلو واط ساعة. وأنا أوافقه في هذا الرأي، لأن kWh هو الطاقة المنتَجة أو المستهلكة بجهازٍ استطاعته كيلو واط واحد خلال ساعة واحدة. وأقترح استعمال هذا المصطلح (كيلو واط ساعة) وإشاعته في الكتب والمقالات العلمية.

34– ال
نسبة إلى (الطاقة)

الصواب أن يقال: (تخطيطٌ طاقِيّ) (لا: طاقَوِيّ!)، لأن النسبة إلى الطاقة كالنسبة إلى الساعة (ساعيّ).
والقاعدة الكلية في النَّسَب هي: تُحذف تاء التأنيث، ويَلْحق آخرَ المنسوب - إذا كان حرفه الأخير صائتاً - ياءٌ مشددة مكسور ما قبلَها. وبعبارة أخرى، إذا تحقق الشرط المذكور، لا تظهر الواو قبل ياء النَّسَب.

35- مئة / مائة

لا يزال العدد (100) يُكتب هكذا: (مائة)، ويَنْطِقه بعضهم (ماءه) بفتح الميم، كأنّه مؤنث (ماء)! وسبب الخطأ في النطق هو زيادةُ الألِف (لأسباب تاريخية) وعدمُ وضع كسرة تحت الميم. والصواب أن تكتب هكذا (مئة)، فهذه الكتابة تقتضي كسر الميم، على وزن ((فئة، رئة))، ولا مجال عندئذٍ لتشويه لفظها. وقد أقرّ مَجْمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1963 حذْف ألِفِ (مائة) والتزامَ ذلك. وأجاز المجمع فصل الأعداد من (ثلاث) إلى (تسع) عن (مئة). تقول: خَمسُ مئة، أو: خَمسُمئة.

36- إذَنْ

رُسِمتْ هذه الكلمة في المصحف بالألِف، هكذا: (إذاً). ولكن رَسْم المصحف لا يقاس عليه، كما يقول صاحب (جامع الدروس العربية) الشيخ مصطفى الغلاييني، الذي يقول أيضاً: إن ((الشائع أن تكتب بالنون)). والمازنيّ والمُبرِّد يكتبانها نوناً ويقفان عليها بالنون، مثل: لن. وقد أوردها (المعجم الوسيط)، الذي أصدره مَجْمع اللغة العربية بالقاهرة، بالنون: إذنْ!

37- المصدر الصناعي: الشفافية…

المصدر الأصلي هو اللفظ الدال على الحدث، مجرداً عن الزمان، مثلُ: عَلِمَ عِلْماً، نهض، نهوضاً… وقد ذكرنا في الفقرة 31 أن مصادر الفعل الثلاثي سماعية، بخلاف مصادر بقية الأفعال، فهي قياسية.
والمصدر قد يراد به الاسم لا حدوث الفعل، كما تقول: العِلْمُ نُورٌ. (وفي هذه الحالة يجوز جمعه، فيُجمع عِلم على علوم).

أما المصدر الصناعي فهو قياسي، ويطلق على كل لفظ (جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم) زِيد في آخره حرفان هما: ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة، ليصير بعد هذه الزيادة اسماً دالاً على معنىً مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. فهو يدل على صفة في اللفظ الذي صُنع منه، أو على ما فيه من خصائص، أو على أشياء أخرى كما سنرى.

وقد ورد عن العرب بضع عشرات من المصادر الصناعية، منها: الجاهلية، الأريحية، الفروسية، العبقرية، العبودية، الألمعية، الألوهية، الربوبية، الوحدانية...
وكثير من المصادر الصناعية قد تحوّلت في الأصل عن أسماء منسوبة أُنزلت منْزلة الصفات المشتقة للدلالة على حال الموصوف وهيئته، واستُعملت كذلك، نحو قولك: (إنسانيّ، حيوانيّ، كَمِّيّ، كيفيّ، جزئيّ، كلّيّ…). فإذا أُريد التعبير بها عن جوهر حال الموصوف ومجرّد حقيقته، أُحيل الوصف إلى (مصدر صناعي) بإلحاق تاء ((النقل من الوصفية إلى الاسمية)) نحو: الإنسانية، الحيوانية، الكمية، الكيفية، الجزئية، الكُلِّية…
وقد أكثر المولَّدون من هذه المصادر بعد ترجمة العلوم بالعربية. وقرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة قياسيّة صوغ هذا المصدر، لِسَدِّ حاجة العلوم والصناعات إلى ألفاظ جديدة تعبِّر عن معانٍ جديدة.
ولكن متى نصنع مصدراً من المصدر الأصلي؟ أو من اسم المعنى عامةً؟
الجواب: لا معنى لإلحاق الياء والتاء بالمصدر إذا كنت تبغي معنى المصدر، أو الاسم، وحَسْب. فإن اتخاذ (العدلية) بمعنى العدل، و(الخيرية) بمعنى الخير، غير سائغ، واللغة تأباه، والعرب لم تَجْرِ به وإنما قالت: فَعَلَ ذلك على جهة العدل، وعلى جهة الخير… ولم تقل: على العدلية، ولا على الخيرية… لذلك كان الأصل في إلحاق الياء والتاء بالمصدر أو اسم المعنى عامةً، أن تزيد في معناه شيئاً، أو تبتغي خصوصية في دلالته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18-12-2022, 02:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

* فـَ (الإنتاج) مثلاً مصدر. فإذا قلت (الإنتاجية)، فلابد أنك أردت به شيئاً آخر لا يمكن التعبير عنه بمجرد لفظ (الإنتاج). والإنتاجية في الاقتصاد: العائد من سلعة أو خدمة في مدةٍ مّا، مقدّراً بوحدات عينية أو نقدية، منسوباً إلى نفقة إنتاجه.
* وَ(الاتفاق) مصدر، وهو ما تَمَّت الموافقة عليه، ويقابله agreement. أما (الاتفاقية) فيراد بها صكُّ ما اتُّفق عليه، ويقابلهاconvention.
* و(الاشتراك) مصدر، معناه معروف. أما (الاشتراكية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي القائم على سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وعدالة التوزيع والتخطيط الشامل…
* و(التقدم) مصدر معناه معروف. أما (التقدمية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي الذي يدافع عنه أنصار التطور (التقدميون).
* و(الشيوع) مصدر معناه معروف. أما (الشيوعية) فمذهبٌ يقوم على إشاعة الملكية، وأن يعمل الفرد على قدر طاقته، وأن يأخذ على قدر حاجته..
* و(الرأسمال) اسم، وهو المال المستثمر في عمل ما. أما (الرأسمالية) فتعني النظام الاقتصادي الذي يقوم على الملكية الخاصة لموارد الثروة.
* و(الشخص): كل جسم له ارتفاع وظهور، وغَلَبَ في الإنسان. أما (الشخصية) فهي مجموعة الصفات التي تميز الشخص من غيره. يقال: فلان ذو شخصية قوية.
* و(الإباحة) مصدر أباحه: أَحَلَّهُ وأطلقه. أما (الإباحية) فتعني التحلل من قيود القوانين والأخلاق.
* و(العقل): ما يقابل الغريزة التي لا خيار لها؛ وما يكون به التفكير والاستدلال، وتركيب التصورات والتصديقات. أما (العقلية) فهي مجموعة الصفات المميزة للعقل. يقال: عقلية فلان تختلف كلياً عن عقلية أخيه. [هناك كتاب عنوانه (خطاب إلى العقل العربي). وواضح أنه لا يقال في هذا المقام (خطاب إلى العقلية العربية‍)].
* و(الخاص): خلاف العام. أما (الخاصية) فهي صفة لا تنفك عن الشيء وتُميّزه من غيره.
* و(الإحصاء) مصدر أحصى الشيءَ: عَرَف قَدْره. أما (الإحصائية) فهي إحصاءٌ مبني على منهج علم الإحصاء، لحالةٍ تقع تحت الإحصاء، كإحصائية السكان في بلدٍ ما.
* و(الخصوص) مصدر. ولكن (الخصوصية) تدل على معنى (الخصوص) وزيادة. وقد أشار الأئمة إلى هذا بقولهم: التاء فيه للمبالغة، (المراد: تاء النقل).
ولعل من السائغ أن نكرر قول الأئمة هذا في توجيه بعض المصادر الصناعية التي استُعملت حديثاً، مثل: الاحتفالية والجمالية…

فقد بدأت مجلة (العربي) التي تصدر في الكويت، احتفالها في عدد كانون الأول 1998 بمناسبة مرور 40 عاماً على صدورها. وتوالت الكلمات والمقالات عن هذه المناسبة بلا انقطاع حتى تاريخ كتابة هذه المقالة (آب 1999). وجرى في الكويت (لقاء الأشقاء) دُعي إليه من البلاد العربية، الذين شاركوا في ميلاد هذه المجلة وتابعوا مسيرتها. هي إذن احتفالات استمرت تسعة أشهر (حتى الآن)، وليست احتفالاً واحداً. ولعل هذه المبالغة في الاحتفال تُسوِّغ صوغ (الاحتفالية)! فقد كُتب على غلاف عدد حزيران 1999: (لقاء الأشقاء: احتفالية العربي بأربعين عاماً من عمرها).

* و(المنهج): الخطة المرسومة. أما (المنهجية) فهي نظام طرق البحث.
- ويؤدي المصدر الصناعي أحياناً معنى (القابليّةلـِ…) كما في المصطلحات الآتية مثلاً: التطورية (قابلية التطور) evolvability؛ الصيانيّة maintainability؛ الأدائية performability؛ تَحَمُّليّة الكلفة affordabiltiy، الالتصاقية، النفاذية…
- ويكون أحياناً أخرى مصطلحاً يعبّر عن حالة الشيء واتّصافه بكونه كذا… مثل: مُتاحِيّة الشيء (أي كونه مُتاحاً) availability؛ الموثوقية reliabilty الجاهزية؛ السُّمّيّة؛ الحمضية، القلوية…
- ويستعمل المصدر الصناعي أيضاً للتعبير عن أسماء بعض الفروع أو المقادير المميِّزة العلمية، نحو: المِطيافية spectrometry؛ المِجراعية dosimetry؛ المِضوائية photometry؛ المِحْساسية sensitometry؛ المعلوماتية information technology؛ التأثرية؛ الاستقطابية؛ النفوذية؛ التحريضية؛ المقاومّية، الناقلية، الأنتروبية… البرمجية (الحاسوبية).

وفيما يلي بعض الأمثلة على استعمال المصدر الصناعي:

1- إن ما حدث يؤكد ضرورة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
أما استقلالية القضاء (أي: كون القضاء مستقلاً) فيضمنها الدستور!
2- … وتَفْرض هذه الاتصالية العالمية الواسعة… (أي: قابلية الاتصال العالمية الواسعة…)
3- إن مركزية الإدارة هي السبب في بطء العمل. (أي كون الإدارة مركزية).
4- لا مجال في العمل العام للمجهولية والتستر وراء الأسماء المستعارة (أي: لا مجال لأن يكون الإنسان الفاعل مجهولاً أو مستتراً وراء…).
5- أخرج (كورساوا) السينما اليابانية من إسار المحلّية إلى رحاب العالمية. (أي من كونها محلّية إلى كونها عالمية).
6- إن تمييز السلعة الجيدة من الفاسدة أمر سهل غالباً.
… إن تمييزية هذا الاسم واضحة. (أي: كونه تمييزاً منصوباً من حيث الإعراب).
7- … ويجمع هذا الكاتب بين عصرية التوجّه وجِدّة التعبير. ونلاحظ بسهولة موسيقية أسلوبه النثري البليغ…
8- … ويتميز هذا البحث العلمي بمنهجه الفذ… وكان منهج عمله كما يلي…
… وهذا أمرٌ لا تُقِرِّه منهجية البحث العلمي، ولا ترضاه منطقية التأليف…
(منهجية البحث العلمي: كون البحث العلمي ذا منهج في طرائق إجرائه).
9- جرى افتتاح المؤتمر في جوٍ متوتّر.
كانت افتتاحية العدد (أي المقال الرئيسي في صحيفة أو مجلة) هجوماً موفقاً على الفساد والمفسدين.
10- ما كان هذا الإشكال ليحْدُث لو أن…
من أبرز قضايا الفكر إشكالية الثقافة المعاصرة (أي: كون الثقافة المعاصرة ذات إشكالات).
11- إن ضبابية أفكاره هي التي أدّت إلى هذه الإشكالات…

ومن المصادر الصناعية الشائعة:

* الحرية، الوطنية، الأهمية، الهُوِيّة، الأنانية، الغَيْرية، الماهِيّة، الألفية، الأربعينية، الخمسينية، الآلية، الأولية، الآخرية، الأولوية، الأفضلية، الأرجحية، الأكثرية، الأقلية، الجنسية، البشرية، المفوضية، المندوبية…
* الفردية، الطائفية، القومية، الحزبية، الروحانية، العدوانية، الهمجية، الوحشية…
* الصوفية، الرومانسية، الواقعية، السريانية، التجديدية، الحتمية…
* المسؤولية، المصداقية، المشروعية، المديونية، المعقولية، المفهومية، المشغولية، المحدودية، المجهولية…

* ويستعمل النحاة:

المصدرية، الاسمية، العَلَمية، الفاعلية، المفعولية، الحالية، الوصفية، الظرفية، المعِية…

الشفافية:

أختم هذا البحث بتعليق على كلمة (الشفافية) واستعمالها.
(الشفّافية) مصدر صناعي مصنوع من (الشفّاف). [مثل الحسّاسية المصنوع من الحسّاس، وقد أجاز مجمع القاهرة تخفيف الفاء والسين المشددتين في المصدرين].
والأصل - كما ذكرت في بداية هذا البحث - أن يستعمل المصدر الصناعي لأداء معنىً لا يؤديه المصدر الأصلي.
جاء في (المعجم الوسيط): ((شفَّ الثوبُ ونحوُه يَشِفُّ شُفُوفاً: رَقَّ حتى يُرى ما خَلْفَه)).
تقول، مثلاً: شُفُوف هذا الثوب غير مقبول…

فما المقصود بـ (الشفافية)؟

* يستعمل بعض العلميين (الشفافية) اسماً لرُقاقة لدنة (بلاستيكية، تسمى بالإنكليزية transparency) طُبع عليها نصٌّ أو صورةٌ أو مخطط، تمهيداً لعرضها في قاعة المحاضرات باستعمال جهاز الإسقاط الضوئي، ويجمعونها على (شفافيات).
وأقترح استعمال (شفِيفَة) بدلاً منها (وجمعها شَفائف مقابل transparencies). فقد جاء في المعجم الوسيط: الشفيف: الشفاف. كما أقترح استعمال (شريحة) و(شرائح) مقابل diaslides .
* أما غير العلميين فيستعملون (الشفَّاف) و(الشفافية) عندما يترجمون عن الإنكليزية. جاء في (المورد) لصاحبه منير البعلبكي (وهو من أحسن المعاجم الإنكليزية - العربية):
((transparent:
(1) شفاف.
(2) صريح.
(3) جَليّ؛ واضح.
transparency:
(1) الشفافية: كون الشيء شفافاً.
(2) شيء شفّاف.
(3) صورة أو رسم إلخ، على زجاج أو ورق أو فيلم أو قماش رقيق تُجلى للعيان بنور مُشع من خلفها…)).

أقول: إن هذا المعجم، على جودته، لم يورد جميع المعاني التي تعبِّر عنها الكلمتان الإنكليزيتان. وكان عليه أن يورد المصدر الأصلي (الشُّفوف) قبل الصناعي (الشفافية). ومن الجدير بالملاحظة أن (المورد) شرح المقصود بالشفافية. وشرْحُه سليم لا غبار عليه. ولكن المترجمين (وغيرهم) لا يتقيدون به غالباً…

ويُفترض فيمن يترجم عن الإنكليزية أن يعود إلى المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر…) ليَسْتَلَّ المعنى المناسب للسياق، إذا لم يجد في المعجم الثنائي اللغة معنىً يناسب المقام.
بيد أن الذي يحدث في الأغلب الأعم هو أن المترجم يأخذ من (المورد) المعنى الأول الوارد لكل من الكلمتين الإنكليزيتين، ويكتفي به، ويستعمله كلما صادف اللفظ الإنكليزي المقابل. فتجيء الترجمات (العربية) غريبة عجيبة حقاً:
فقد جاء في نشرة (الاتحاد الأوروبي) الصادرة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، العدد 7، تموز 1999، العبارات الآتية:
- ((اتحادٌ شفافٌ وفعّال))، مقابل: A transparent and efficient Union
((سيكون على فنلندا أن تنشر شفافية أكبر في عمليات الاتحاد)).
Finland will promote greater transparency in Union operations.
- ((… لزيادة فعالية وشفافية وتوافق فعاليات المفوضية والمجلس ككل)).


to increase the efficiency,transparency and coherence of the activities
of the Council and the Union as a whole

هل لهذا الكلام معنى؟‍ أيقوله عربي يدرك ما يقول؟‍‍!!
تقول المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر) إن كلمة transparent يمكن أن تؤدي أحد المعاني الآتية:
((شفّاف، صريح، واضح. ظاهر، مفضوح، مكشوف، لا ريب فيه. غير مكنون، غير مستور، غير خفي. خالٍ من التظاهر، غير مُخاتِل، غير مُخادع، يُظهر ما يُبْطِن…))
ومن هذه المعاني نستخرج بسهولة معاني الكلمة الثانية:
الشفوف، الشفافية، الصراحة، الوضوح… عدم المخاتلة، عدم المخادعة…
والأقرب إلى المعنى المراد أن يقال: اتحاد صريح غير مخاتِل وفعال، إلخ…
وأنكى مما سبق أن تقرأ في مجلة عربية تصدر في الكويت مقالةً (غير مترجمة!) يقول مؤلفها (رئيس التحرير) في العنوان الرئيسي لافتتاحية العدد:
- ((الشفافية مطلوبة عند التصدي لقضايا الهدر المائي وإقامة التوازن الحيوي والترشيد)).
- وتقرأ في هذه المقالة: ((… يجب أن تتوفر رؤية استراتيجية شفافة تقوم على…))
- ((إن الاحتكام إلى الشفافية عند علاج قضية الماء من جوانبها السياسية والجيوسياسية…))
- ((إن صيغة العقد الإنساني القائم على مبدأ الشفافية والمراعاة الإنسانية كفيل بـ…))

هل يُفهم من هذا (الكلام) شيء؟

هذه نماذج من الإباحية اللغوية التي صارت لغتنا تعانيها على أيدي (المتعلمين) من أبنائها، وهي نماذج بشعة من التخريب اللغوي!
ومما جاء في المقالة المذكورة آنفاً ((تعذيب المياه)) بدلاً من ((إعذاب المياه)) أي جَعْلها عذبة بإزالة ملوحتها!

38- أَنْعَمَ النظر؛ أَمْعَنَ في النظر (لا: تَمَعَّنَ!)

تصادف في الكتابات المعاصرة عبارات مثل: ((لابدّ للقارئ المتمعّن أن يلاحظ قصور التعريف المعطى…)) يريد الكاتب: … للقارئ المُتَنَبِّه، المُتَيَقِّظ، المدقِّق…
جاء في (المعجم الوسيط):
((تَمَعَّن: تصاغر وتّذَلَّل انقياداً!
أمعن في النظر: بالغ في الاستقصاء.
أَنْعَمَ النظر في الأمر: أطال الفكرة فيه.
غارَ في الأمر: دَقَّق النظر فيه)).

39 – لَفَتَ
، اللافِتُ؛ بَهَرَ، الباهِرُ

اسم الفاعل من الفعل (لَفَتَ) هو (لافِت). وعلى هذا تقول: (شيءٌ لافتٌ للنظر). ولا يصح استعمال (المُلْفِت للنظر…).
و(الباهر) هو اسم الفاعل من (بَهَرَ) الذي من معانيه أَدْهَشَ، حَيَّرَ، غَلَبَ… أما (المُبْهِر) فهو اسم الفاعل من (أَبْهَرَ) الذي شرحه المعجم الوسيط كما يلي:
أَبْهَرَ:
1 - صار وسط النهار.
2 - تزوَّجَ كريمةً ماجدة.
3 - جاء بالعجب.
4 - تَلَوَّن في أخلاقه.
5 - استغنى بعد فقر.
فَمَن شاء استعمال (المبهر) بهذه المعاني فله ذلك، ولكن لا يصح أن يقال: نجاحٌ مُبهر، أو ضوءٌ مُبهر. والصواب: نجاحٌ باهر؛ ضوء باهر (أي: غامِرٌ غالب).

40- قاس، المَقِيْس؛ باع، المَبِيع؛ أباع، المُبَاع

يُصاغ اسم المفعول من الفعل الثلاثي، على وزن مفعول، نحو: كَتَبَ، مكتوب. فإذا كان الفعلُ أجوفَ (أي ثانيه حرف عِلّة) حذفتَ منه (واو) مفعول غالباً، نحو: صانَ يصُون مَصُوْن (الأصل: مَصْوُوْن)، لام يلوم مَلُومِ؛ صاغ يصوغ مَصُوغ؛ زاد يزيد مَزِيْد (الأصل: مَزْيُود). ولكن يقال: عاب يعيب فهو مَعيب ومَعْيوب؛ مَدِيْن ومَدْيُون…
أما من الفعل غير الثلاثي فيُصاغ اسم المفعول على وزن المضارع، بإبدال حرف المضارعة مِيْماً مضمومة وفَتْحِ ما قبل آخره، نحو: أنزَلَ يُنْزِل مُنْزَل؛ أكرم يكرِمُ مُكْرَمْ؛ أباح يُبيح مُباح؛ أطاع يُطيع مُطاع؛ أراد يُريد مُراد…
وعلى هذا يقال: باع يبيع فالشيءُ مَبيع. أما (مُباع) فمشتق من (أباع الشيءَ: عَرَضَه للبيع). أي إن الشيء المبيع هو الذي بِيْع، أما المباع فهو المعروض للبيع.
ويقال: قاس يقيس فالشيءُ مَقِيْس. أما (مُقاس) فمشتق من الفعل (أقاس)، وهو بمعنى قاسَ، لكنه غير مستعمل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18-12-2022, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية


(4)


د. مكي الحسني



القسم الرابع


41- المَعْقوف والمعكوف:
جاء في (المعجم الوسيط): ((عَقَفَ الشيءَ يَعْقِفُه عَقْفاً: حَناهُ ولَوَّاه. القوسان المعقوفان [ ])).
وأورد (الوسيط) الفعل (عَكَفَ)، وهو لازم ومتعد. ومن معانيه: عَكَفَ فلاناً عن حاجته: حَبَسَه عنها. وفي التنْزيل العزيز: {والهَدْيَ مَعكوفاً أنْ يَبْلغَ مَحِلَّه}.
أوردتُ هذه الملاحظة، لأن بعضهم يقول: (... المطبوع بين معكوفين)، والصواب: بين معقوفين، لأنه يريد هذين [ ].

42- أَنْ لا، ألاّ؛ يجب ألاّ، لا يجب أنْ…

إذا جاءت (لا) النافية بعد (أنْ) الناصبة للمضارع الذي يليها، كُتِبتا متصلتين وأُدغِمتا، نحو: قرَّر ألاّ يسافِرَ، وألاّ يغادرَ البيت ثلاثة أيام...
وإذا جاءت (لا) النافية بعد (أنْ) المخفَّفة من (أنَّ) الثقيلة، كُتِبتا منفصلتين خطّاً، ونُطِق بهما مُدْغَمتين لفظاً، إدغاماً بلا غُنَّة، نحو: ((أشهد أنْ لا إله إلا الله)).
إذا أراد المتكلم (أو الكاتب) إلى بيان وجوب ما يَنهى عنه، قال: (يجب ألاّ…) نحو: يجب ألاَّ تكذبَ، وألاّ تُنافِقَ، وألاّ تتقاعَسَ عن إتقان لغة قومك، وألاّ تقلّدَ الأجانب في كل شيء.
وإذا أراد المتكلم إلى بيان عدم وجوب ما يتحدث عنه، قال: (لا يجب أن؛ لا يجب كذا). وهذا يعني أن ما يتحدث عنه جائز (مسموح به)، لكنه غير واجب، نحو:
لا يجب على المثقَّف أن يتقن أكثر من ثلاث لُغات أجنبية...
لا يجب على الطفل أن يصوم رمضان...

43- بعض

جاء في (المعجم الوسيط):
((بعضُ الشيءِ: طائفةٌ منه قَلَّتْ أو كَثُرت)).
((بعَضَ الشيءَ يَبْعَضُه بَعْضاً: جَعَلَه أقساماً)).
((بَعَّضَ الشيءَ: جَزَّأه؛ تَبَعَّض الشيءُ: تَجَزَّأ)).
وفي التنْزيل العزيز:
{قال لبِثتُ يوماً أو بَعْضَ يوم}.
{… أَفَتُؤمِنون ببعضِ الكتابِ وتكفرون ببعض}.
{ورَفَعَ بعضَكم فوق بعضٍ درجات}.
{تلك الرُّسُل فَضَّلْنا بعضَهم على بعض}.
{وإذا خلا بعضُهم إلى بعض}.
{ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَب بعضُكم بعضاً}.
وجاء في (لسان العرب/رأس): ((وَلَدَتْ وَلَدَها على رأسٍ واحد: أي بعضُهم في إثْرِ بعض)).
وقال أبو البقاء (صاحب الكليات 2/328، 342):
• ((تستعمل هذه الألفاظُ بعضُها مكان بعض)).
• ((لأن جَمْعَ الأشياءِ إدناءُ بعضِها من بعض)).
وقد اختلف النحاة في دخول الألف واللام على ((بعض))، فأجازه بعضُهم، وبعضُهم أنكره! وقد استعمل الجاحظ وابن المقفع كلمة (البعض). قال الجاحظ: ((هذا فَرْقُ ما بين مَنْ بُعِث إلى البعض، ومَن بُعث إلى الجميع)).
ويخطئ كثيرون في استعمال كلمة (بعض):
فيقولون والصواب • انضموا إلى بعضهم البعض
• شكَّ المدعوون ببعضهم البعض
• سأل الناسُ بعضَهم البعض
• غضبوا من بعضهم البعض
• لطباعتها بجوار بعضها البعض
• ليطبعها مفصولةً عن بعضها البعض
• أقواس متداخلةٌ ضمن بعضها البعض
• نستخدم حَرْفي ((سطر جديد)) خلف بعضهما البعض
• جِرْمان سماويان يدوران حول بعضهما • انضم بعضُهم إلى بعض
• شك بعضُ المدعوّين في بعض
أو: شك المدعوون بعضُهم في بعض
• سأل الناسُ بعضُهم بعضاً
• غضب بعضُهم من بعض
• لطباعة بعضِها بجوار بعض
أو: لطباعتها بعضِها بجوار بعض
• ليطبعها مفصولاً بعضُها عن بعض
• أقواسٌ متداخلٌ بعضُها في بعض
• نستخدم حرفي (سطر جديد)، أحدهما خَلْف الآخر
• … يدور أحدهما حول الآخر


44- (مُذَبَّب) لا (مُدَبَّب) - مُؤَسَّل

جاء في (لسان العرب):
1 - ((أَنْفُ الناب: طَرَفُهُ حين يَطْلع
2 - طَرَفُ كلِّ شيء: مُنْتهاه
قال بشار بن برد:
ألا أيها السائلي جاهداً لِيعرفَني، أنا أَنْف الكرم


3 - المُؤَنَّف: المُحدَّد من كل شيء)).
ويستعمل كثيرون كلمة (مُدبَّب) بمعنى المُؤَنَّف، أي المحدَّد (الحادّ) الطَرَف! مع أن: (دَبَّبَه: جَعَلَه يَدِبُّ)، أي: يمشي مَشْياً رويداً. كما جاء في (المعجم الوسيط).
وأرى أن الاستعمال الشائع لكلمة (مُدبَّب) بمعنى (المؤنَّف) خطأٌ نشأ عن تصحيف كلمة (مُذَبَّب)، ولم أُصادِف تنبيهاً على هذا الخطأ!
جاء في (اللسان):
1 - ((ذُباب السَّيْف: حَدُّ طَرَفِه الذي بين شَفْرَتَيْه [بعض السيوف له شفرة واحدة، ولبعضها شفرتان]؛ وما حوله من حَدَّيْه: ظُبَتَاه؛ وقيل: ذُباب السيف: طَرَفُه المتَطَرِّف الذي يُضرب به، وقيل حَدُّه.
2 - ظُبَةُ السَّهْم: طَرَفُه. وظُبة السيف: حَدُّه، وهو ما يلي طرف السيف. ومثلُه: ذُبابُه.
3 - وفي الحديث: رأيتُ ذُبابَ سيفي كُسِر، فَأَوَّلْتُه أن يصاب رجلٌ من أهل بيتي، فقُتل حمزة.
4 - ذُبابُ أسنانِ الإِبِل: حَدُّها. والذُّباب من أُذُنِ الإنسان والفَرَس: ما حَدَّ من طرفها)).
ذُباب السيف إذن هو موضعُ التقاءِ شفرتيه، طَرَفُه، مُنْتهاه؛ وهو القطعة التي ذكر الحديث السابق أنها كُسِرت.
وكل ما له ذُباب، أي طَرَفٌ حادّ، فهو مُذَبَّب.
جاء في (المعجم الوسيط):
1 - الرَّخَمُ: طائر غزير الريش، …، وله جناحٌ طويلٌ مُذَبَّب.
2 - الزُّرْزور: طائر…، وجناحاه طويلان مُذَبَّبان.
3 - الشوكة: أداةٌ ذات أصابع دقيقة مُذَبَّبة كالشوكة، يُتناول بها بعض الطعام.
4 - القَدَمَة: مقياس من المعدن، ثُبّت فيه سِنّان مُذَبَّبتان، إحداهما ثابتة والأخرى متحركة تقاس به الأطوال. (وهو ما نسمّيه في سورية: القَدم القَنَويَّة Pied à coulisse).
5 - القَرَّاع: طائر…وريشات ذيله كَزَّة مُذَبَّبة تساعده في الارتكاز
على الأشجار…

6 - النِّسْر: طائر من الجوارح … وله منقار معقوف مُذَبَّب ذو جوانب مُزوَّدة بقواطع حادّة.
وشبيهٌ بـ (المُذَبَّبِ) (المُؤَسَّلُ)؛ فقد جاء في معاجم اللغة (اللسان، متن اللغة، الوسيط):
الأَسَلَة: طَرَفُ الشيءِ المُسْتَدقُّ. ومنه أسلة النَّصْل أي مُسْتَدَقُّه.
والأسلة: طرف اللسان وطرف السِّنان (أي طرف نَصْل الرمح).
والمؤَسَّل: المُحَدَّد من كل شيء (أي ما له طَرَفٌ حادّ).

45- أَمَّنَ يُؤَمِّنُ - تأمين

جاء في (المعجم الوسيط):
• ((أَمَّن (يؤمِّن تأميناً) فلاناً: جَعَلَه في أَمْنٍ.
• أَمَّن فلاناً على كذا: أَمِنَهُ عليه؛ وَثِق به واطمأن إليه، أو جَعَلَه أَميناً عليه.
• أمَّن على الشيء [لدى شركة التأمين]: دَفَعَ مالاً مُنَجَّماً [أي على أقساط] ليَنالَ هو أو ورثته قَدْراً من المال متفقاً عليه، أو تعويضاً عمّا فَقَد. يقال: أَمَّن على حياته، أو على داره أو سيارته…
• أَمَّن على دعائه: قال آمين)).
وعلى هذا يمكن القول:
• تأمين السلاح: وَضْعُ مسمار الأمان في وضعٍ يجعل السلاح مأموناً.
• تأمين استخدام المبيدات الحَشَرِية: أي جَعْلُ استخدامها مأموناً (لا يقتل الحيوانات مثلاً).
• يؤمِّن شرطي المرور عبورَ التلاميذ للشارع (يجعله مأموناً).
• كان هدف هذا البحث العلمي: توفير الدم النظيف، وتأمين عملية نَقْلِه، ليكونَ عوناً حقيقياً للمرضى، فلا يضيف إلى ما ابتلوا به بلاءً أفدح (إيدز مثلاً).
وكثيراً ما يكون استعمال كلمة (تأمين) غير سليم. وفي هذه الحالات من الأسلم والأصوب استعمال ما يناسب السياق من الكلمات الآتية:
تزويد، تحقيق، توفير، إتاحة، إعداد، تهيئة، الحصول على، تجهيز، بحيث يمكن، تحضير، تدبير…
فيقول بعضهم والأصوب • لتأمين راحة المصطافين
• يُرجى تأمين ما يلي لحاسوب الإدارة:
• قبل البدء بالتجارب يجب تأمين الأجهزة اللازمة
• ذَهَبَ لتأمين مستلزمات الرحلة

• لتأمين سِرِّيَّة الاتصالات

• المواصلات إلى مكان الاحتفال مؤمَّنة • لتوفير الراحة للمصطافين
• يرجى تزويد حاسوب الإدارة بمايلي:
• قبل البدء بالتجارب يجب توفير الأجهزة اللازمة
• ذهب لإحضار/ للإتيان بـ/ لإعداد/ للتزود بمستلزمات الرحلة
• لتحقيق سِرّية الاتصالات
• المواصلات إلى مكان الاحتفال متوفِّرة


46- وَفَرَ؛ وَفَّر؛ تَوَفَّر؛ توافر

جاء في معاجم اللغة وكتبها:
أ- وَفَرَ الشيءُ يَفِرُ وَفْراً و وُفُوراً: كَثُر واتسع فهو وافر (واسم التفضيل أوفر؛ يقال: فلانٌ أوفرُ من فلانٍ حظاً في النجاح).
فالوَفْر مصدرٌ بمعنى الكثرة والاتساع، كالوفرة. ويوصف به فيقال: مالٌ وَفْرٌ ومتاعٌ وَفْرٌ: أي كثير واسع، كالوافر (ومن المولَّد: الوفير بمعنى الوافر‍(
والوَفْر: الغنى. [تستعمل العامة (الوفر) بمعنى ما اقتُصد، ما أمكن استبقاؤه وعدم إنفاقِه/ استهلاكه. ونرى أنْ لا أثَرَ لهذا المعنى في اللغة].
قال الجاحظ (البخلاء/ 264): ((… ومَن كان سبباً لذهاب وَفْرِه، لم تعدَمْه الحَسْرةُ من نفسه، واللائمة من غيره، وقلّة الرحمة وكثرة الشماتة)). [وَفْرِه = سَعَتِه].
أما الموفور (=الوافر) فهو التام من كل شيء. يقال: أتمنى لكم موفور الصحة.
ب- وَفَّرَ الشيءَ توفيراً: كَثَّره.
وَفَّر لفلانٍ طعامه: كَمَّلَه ولم يَنْقُصْه وجَعَلَه وافراً.
وفَّر له الشيءَ توفيراً: إذا أَتَمَّه ولم يَنْقُصه.
جاء في (محيط المحيط): ((والعامة تستعمل (التوفير) في النفقة بمعنى التقتير، وضد الإسراف)). أقول: بل الشائع لدى العامة الآن هو استعمال (التوفير) بمعنى الاقتصاد في النفقة واختصارها (لا التقتير). ويمكن توجيه هذا الاستعمال، باعتبار أن الاقتصاد في النفقة يُوفِّر (يُكثِّر) الباقي في حوزة المنفِق…
ويمكن تخريج التسمية (صندوق توفير البريد) على اعتبار أن الأصل هو (صندوق التوفير البريدي)، لأن الادخار في (مؤسسة البريد) يؤدي إلى توفير المال المدَّخر، أي تكثيره.
قال الجاحظ (البخلاء/22): ((… فلمّا صِرْتُ إلى تفريق أجزائه على الأعضاء [الضمير عائد لماء الوضوء] وإلى التوفير عليها من وظيفة الماء [أي التكثير والإسباغ] وجدتُ في الأعضاء على الماء فضلاً [أي وجد أعضاءً لا ماء لها] فعَلِمتُ أنْ لو كنتُ مَكَّنْتُ الاقتصادَ في أوائله…))
وقال (ص 22) في خطاب إلى بخيل: ((... وإن إطنابَك في وصف الترويج والتثمير وحُسْن التعهد والتوفير [أي التكثير] دليلٌ على خبيء سوء، وشاهدٌ على عيبٍ ودَبَر [أي انتهاء الأمر إلى فساد])).
وقال (ص 223): ((... إلا أنّ المُنْفِق قد ربح المَحْمَدة، وتَمتّع بالنعمة، ولم يُعَطِّل المقدرة، ووَفَّى كلَّ خصلة من هذه حقَّها، ووَفَّرَ عليها نصيبَها [أي أعطاها نصيبها كاملاً فاستوفته] والمُمْسِكُ مُعذَّبٌ بحَصْر نفْسِه، وبالكَدِّ لغيره...))
وعلى هذا يمكن القول: توفير الخدمات/ المعلومات/ المال اللازم للمشروع...
ج تَوَفَّر الشيءُ (مطاوع وَفَّر): إذا تَحَصَّل دون نقص.
ومن المجاز: توفَّر على كذا: صرف هِمَّته إليه. تَوَفَّر على صاحبه: رَعَى حُرُماتِه وبَرَّه. ( ((وأرجو مخلصاً أن يتوفر المؤتمر على حلّ هذه المشكلة)). الكلام موجَّه إلى مؤتمر مجمع القاهرة).
حكى صاحب الأغاني قَوْلَ بشّار: ((إن عدم النظر يُقوِّي ذكاء القلب، ويقطعُ عنه الشغل بما ينظر إليه من أشياء، فيَتَوفَّر حِسُّه)).
وقال المرتضى في أماليه: ((فيتَوفَّرُ اللبنُ على الحَلْب)).
وقال أبو علي المرزوقي في شرح الحماسة: ((وإن العناية متوفّرة من جهتهم)).
وقال أبو حيّان التوحيدي في مُقابساته: ((ولهذا لا تتوفَّر القُوَّتان للإنسان الواحد)).
وبهذا يستبين أن: (تَوَفَّر الشيءُ) يعني وَفَرَ وتَجَمَّع.
لذا يمكن القول: عند تَوفُّر الشروط؛ تَوَفَّر فيه الذكاء/ المؤهلات/ الشروط المطلوبة...

وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18-12-2022, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو إتقان الكتابة باللغة العربية

د- تَوافَرَ الشيءُ: تَوَافُراً: كَثُر واتسع فهو وافر.
جاء في معجم (متن اللغة): ((وهُم متوافرون: هُم كثير، أو فيهم كَثْرة، متكاثرون))
ونلاحظ الفرق بين (توفَّر) و(توافَر). كما نلاحظ في الأقوال (الشواهد) الأربعة التي أوردناها في الفقرة ج، مجيءَ (تَوَفَّر) لا (توافَرَ)!
وفيما يلي نماذج من استعمالات جانَبَها التوفيق:
يقول بعضُهم والأفضل • … وهذا يوفّر الوقتَ والمال

• … وهذا يوفّر الجهد

• وبفضل هذا التعديل في العقد أمكن توفير مبلغ ضخم.
• كان همّه أن يوفر أكبر قدْرٍ من دخله.

• … وهذا الأمر وفّر عليه مصروفات كثيرة.


• هذا المحرك يوفر الكثير من الوقود


• هذه المادة أوفر من تلك (بمعنى أرخص ‍)

• وبفضل ترشيد استهلاك الطاقة صارت نسبة الوفر في الوقود 30 بالمئة





• استطاع أن يوفر هذا المبلغ الضخم في سنة واحدة


• لتوفير إمكان التحليل الإحصائي لِكذا…


• … وبهذا استطاع توفير مبلغ مليون ل.س.
• وفي هذا اقتصاد في الوقت والمال/ وهذا يقتصد في الوقت والمال.
• ... وهذا يختصر الجهد (أي: يحذف الفضول منه).
• وبفضل… أمكن كسْبُ مبلغ… (كسِبَ: ربح)
• كان همه أن يدّخر/ يستبقي/ يستفضل/ أكبر قدر من دخله.
• وهذا الأمر أعفاه من/ أسقط عنه/ أتاح له اختصار/ نفقاتٍ كثيرة.
• هذا المحرك اقتصادي/ يستهلك القليل من الوقود/ يخفض استهلاك الوقود كثيراً.
• هذه المادة اقتصادية أكثر من تلك/ تقتضي نفقةً أقلّ.
• وبفضل… صارت نسبة/ خفْض/ إنقاص/ الإقلال من استهلاك الوقود 30 بالمئة
• … صار الكسْب في الوقود 30 بالمئة مما كان يُستهلك.
• … صار يمكن اقتصاد 30 بالمئة من الوقود الذي كان يُستهلك.
• … انخفض استهلاك الوقود بنسبة 30 بالمئة
• استطاع أن يقتصد/ يدّخر هذا المبلغ الضخم في سنة واحدة
• لإتاحة التحليل الإحصائي لكذا…/ بحيث يمكن تحليل كذا إحصائياً…
• وبهذا استطاع أن يقتصد مبلغ…
• وبهذا استطاع أن يختصر من النفقات مبلغ…
• وبهذا كَسِب بخفض النفقة مبلغ…


47- في اسم التفضيل والخطأ في استعماله

أولاً- وزنه: لاسم التفضيل وزن واحد، وهو (أَفْعَل) ومؤنثه (فُعْلَى) كأَحْسَن وحُسْنى، وأفضل وفُضلى.
ثانياً- تثنيته: يثنّى (أفعل) على (أَفْعَلان/ أَفْعَلَيْن)، نحو: أَعْظمان/ أعظَمَيْن.
وتثنَّى (فُعلى) على (فُعْلَيَان/ فُعْلَيَيْن)، نحو: حُسْنيان/ حُسْنَيَيْن.
ثالثاً- جَمْعه: يُجمع (أفعل) للعاقل جمعَ تصحيح على (أفْعَلُون/ أفْعَلِيْن) أو جمعَ تكسير على (أفاعل)، نحو: أفضَلُون/ أفْضَليْن؛ أفَاضل.
وتُجمع: (فُعْلى) على (فُعْلَيَات)، نحو: فُضْلَيَات، حُسْنَيَات.

ويرى بعض النحاة أن تأنيث أفعل التفضيل المحلَّى بأل (أي: الأفعل) على (الفُعْلى)، وجمعَه على (الأفاعل) مقصور على السماع، ويرى آخرون أن ذلك قياسي. وقد قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1967 جواز جمع (الأفعل) على (الأفاعل) وتأنيثه على (الفُعْلى)، ويلحق به في ذلك المضافُ إلى معرفة، نحو: يا أيها الأفاضلُ؛ يا أفاضلَ الناس.
رابعاً- صَوْغُه: يصاغ اسم التفضيل من الفعل الثلاثي القابل للتفضيل، غير الدّال على عيب (عَوِرَ) أو حِلْيةٍ (كَحِلَ)، فلا يقال: هذا أعورُ من هذا، ولا أكحل منه.
وهناك أقوال مسموعة شاذة، لا يُقاس عليها!
وإذا أريدَ صوغه مما لم يَسْتَوْف الشروط المذكورة، يؤتى بمصدره منصوباً بعد (أشدَّ) أو (أكثر) أو نحوهما. تقول: هو أشد إيماناً، وأبلغ عوراً، وأوفر كحلاً…
ملاحظة: قد يُستعمل اسم التفضيل عارياً عن معنى التفضيل، كقولك: (أكرمتُ القومَ أصغَرهم وأكبَرهم) تريد: صغيرَهم وكبيرَهم.
وكقول العروضيين (فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى)، أي صغيرة وكبيرة.
وكما نقول الآن: (دولة عظمى) أي عظيمة، و(دراسات عليا) أي عالية…
خامساً- أحواله وأحكامه: لاسم التفضيل أربع حالات:
أ - تَجرُّدُه من (أل) والإضافة:
في هذه الحالة، لا بد من إفراده وتذكيره مهما يكن المُفَضَّل، وأن تتصل به (مِنْ) الجارَّة للمفضل عليه. تقول:
خالد أفضلُ من سعيد؛ هذان أفضلُ من هذا؛ المجاهدون أفضلُ من القاعدين.
سلمى أفضلُ من ليلى؛ هاتان أفضلُ من هذه/ هاتين؛ المتعلمات أفضلُ من الجاهلات. وقد تكون ((مِن)) مقدَّرة. وقد اجتمع إثباتها وحذفها في التنْزيل العزيز: {أنا أكثرُ منك مالاً وأعزُّ نفراً}.
ب - اقترانه بأل:
في هذه الحالة يمتنع وصله بـ (مِن)، فلا يقال: فلانٌ الأفضل من فلان!، ويجب مطابقته للمعرفة [اسماً كانت أو ضميراً] التي قبله تذكيراً وتأنيثاً وعدداً (أي من حيث الإفراد والتثنية والجمع). تقول:
هو الأفضل، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون.
وهي الفُضْلى، وهما (الفتاتان) الفُضْلَيَان، وهنّ الفُضلَيَات.
وفي التنْزيل العزيز:
{سَبَّحِ اسمَ ربك الأعلى}.
{اقرأ وربك الأكرم}.
{وجَعَلَ كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا}.
{وكلاً وَعَدَ الله الحُسْنى} أي العاقبة الحسنى (الجنة).
{قل هل تَرَبَّصُون بنا إلا إحدى الحُسْنَيَيْن}.
ويسترعي الانتباه التركيب القرآني الآتي:
{اِدفع بالتي هي أحسن} أي بالخصلة التي هي أحسن (كدفع الجهل بالحلم)
{إن هذا القرآن يهدي لِلَّتي هي أَقْوَمُ} أي للطريقة التي هي أعْدل وأصْوب.
ولما كان كل جَمْع مؤنثاً (ما عدا جمع المذكر السالم) وجب تأنيث اسم التفضيل العائد إليه. ولكن إذا كان الجمع لغير العاقل، جاز في اسم التفضيل الإفراد والجمع. تقول:
هؤلاء الفتيات هنّ الصغريات.
هذه/ هؤلاء الأشجار هي الكبرى/ الكُبْرَيَات.
هذه المباني/ الحدائق هي الكبرى/ الكبريات (ولا يجوز: هي الأكبر!!!).
شاهَدْنا المباني/ الحدائق الكبرى. (ويمكن أداء هذا المعنى بتغيير التركيب واستعمال اسم التفضيل المجرد من (أل): شاهدنا أكبرَ المباني/ الحدائق).
وفيما يلي نماذجُ من أفصحِ الكلام وهو التنْزيل العزيز:
{ولا تَهِنُوا ولا تَحْزنوا وأنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كنتم مُؤْمنين}.
{أنتمُ وآباؤُكم الأَقْدمون}.
{وأَنْذِرْ عَشيرتك الأَقْربين}.
{قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتَّبعَك الأَرْذَلون}.
{لا جَرَمَ أنهم في الآخِرة هُمُ الأَخْسرون}.
{قل هل نُنَبِّئُكُم بالأخْسرين أعمالاً}.
وجاء في (نهج البلاغة) من كلام الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه (ص 497):
… أولئك - والله - الأَقَلُّون عدداً، والأعظمون عند الله قدْراً.
وقال الشاعر:
آلُ الزُّبَيْرِ سَنَامُ المجد قد عَلِمتْ ذاكَ العَشيرةُ والأَثْرَوْنَ مَنْ عَدَداْ


(الأثْرون: الأكثرون ثَراءً، جمع الأَثْرَى، وهو اسم تفضيل من ثَرِيَ)
ج – إضافته إلى نكرة:
في هذه الحالة يمتنع وصْله بـ (مِن)، ويجب إفراده وتذكيره. تقول:
خالد أفضلُ قائد؛ هذان أفضلُ رجُلين؛ المجاهدون أفضلُ رجال.
الخنساء أفضلُ شاعرة؛ هاتان أفضلُ امرأتين؛ المتعلمات أفضلُ نساء.
د- إضافته إلى معرفة:
في هذه الحالة يمتنع وصله بـ (من)، فلا يقال: فلان أفضلُ القوم من فلان، ويجوز فيه وجهان:
الأول: إفراده وتذكيره، كالمضاف إلى نكرة، نحو: هم أفضل الناس.
{ولَتَجِدَنَّهُم أحرصَ الناسِ على حياة}.
الثاني: مطابقته لما قَبْله، كالمقترن بأل، نحو: هم أفضلو الناس.
{وما نرَاك اتَّبَعَك إلا الذين هم أَراذِلُنا بادِيَ الرأي}.
وقد اجتمع الوجهان في الحديث الشريف: ((ألا أُخبركم بأَحبِّكُم إليّ وأَقْربِكُم مني مجالسَ يوم القيامة، أحاسِنُكُم أخلاقاً، المُوَطَّؤون أكْنافاً، الذين يأْلَفُون ويُؤْلَفُون)).
المعنى: ألا أخبركم بالذين هم أَحَبُّكم…
(أَحَبّ وأَقْرب وأَحاسِن: أسماء تفضيل مضافة إلى معارف).
سادساً- صَرْفُه ومَنْعُه من الصَّرْف:
من المعلوم أن الاسم (والصِفة) على وزن (أَفْعَل) يُمنع من الصرف (أي يمنع من التنوين ويُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة). يقال: الجمل ينفع سكان الصحراء في أكثَرَ من وجه.
وفي التنْزيل العزيز: {وإذا حُيِّيتُم بتحيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ منها أو رُدُّوها}.
ويقال: هذا التركيب أَفْصَحُ من ذاك.
ويقال: كان خالدٌ رجلاً عظيماً أمْجَدَ.
ولكن الاسم (والصفة) وِزان (أفعل) يُجرُّ بالكسرة على الأصل في حالتين:
الأولى: إذا اقترن بأل، نحو: تحدثتُ إلى الرجلِ الأمجدِ خالد.
الثانية: إذا أضيف إلى اسم بعده، نحو:
{لقد خَلقْنا الإنسانَ في أحسَنِ تَقْويم}.
{أليس اللهُ بأحْكَمِ الحاكمين}.
سابعاً- وفيما يلي قائمة ببعض أسماء التفضيل، المسموعة والمقيسة، وللقارئ - بناء على قرار مجمع القاهرة - أن يقيس عليها فيملأ الفراغات في القائمة، أو يشتق غيرها من أسماء التفضيل.
المفرد المذكر جمع المذكر
(تصحيح/تكسير) المؤنث المفرد يقال: أعلى الأعلَون(1)/الأعالي عُلْيا(2) أعالي الجبال/الأشجار/البحار أدنى
دُنْيا
أوسط /أواسط وسطى
أقصى /الأقاصي قصوى(3) أقاصي الأرض أكثر الأكثرون/ كثْرى
أقلّ الأقلّون/ قُلَّى
أكرم الأكرمون/ الأكارم كرمى يا أكرم الأكرمين أمثل /أماثل مثلى
أمجد /أماجد مُجْدى(4) أيها السادة الأماجد أوثق
وُثقى
أفصح
فصحى
أسرع
سُرعى
أَوْلى
وُلْيا
أسمى
سُمْيا
أقوى
قُيَّا(5)
أحلى
حُلْوى(6)
أَمَرّ (ضد أَحلى)
مُرَّى


(1) حذفت الألف لالتقاء الساكنين (الأصل: الأعْلاَوْن - الأعلَون).
(2) كتبت الألِف المتطرفة قائمة (لا بصورة الياء مثل فُعلى) لأنها مسبوقة بياء!
(3) هذا البناء شاذ قياساً، فصيح استعمالاً (القياس: قُصْيا: ويستعمله غير الحجازيين!)
(4) استعمل المبَرِّد (النحوي الشهير) هذه الكلمة.
(5) الأصل: القويا: اجتمعت الواو الأصلية الساكنة مع الياء، فقُلبت ياءً وأُدغمت فيها بمُقتضى قواعد الإعلال.
(6) هذا البناء شاذ عند الحجازيين وغيرهم. وغني عن القول أن الحُلوى (صيغة التفضيل) هي غير الحَلوى، وهي كل ما عولج من الطعام بسُكّر أو عسل.
ثامناً- كثيراً ما يستعمل اسم التفضيل في الكتابات العلمية المعاصرة، استعمالاً غير صحيح.
فيقول بعضهم والصواب أ- حصل فلانٌ على النتائج الأفضل

ب – ذرة الهدروجين هي الأبسط


ج – الكونكورد هي الطائرة الأسرع


د- الكونكورد هي الطائرة الأسرع من الصوت!

(هنا خطآن: تذكير اسم التفضيل، واتصاله بـ (مِن) مع أنه محلى بأل).
هـ - … هما الدولتان الأعظم
و- … هي الدولة العظمى والأقوى

ز- الصين والهند هما الدولتان الأكثر سكاناً

ح- هذه الحالات هي الأكثر شيوعاً

ط- ماذا نقول عن الحالات الأكثر شيوعاً؟

ي- أوجد الأعداد التامة الأكبر من 1000
ك- هما العزمان الأكثر استخداماً لمتحول عشوائي

ل- فيما يلي المصطلحات الأكثر تداولاً في الكتاب


م- ما رأيته هو الأماكن الأكثر ازدحاماً
أ- … على النتائج الفُضْلى/
… على أفضلِ النتائج
ب- … هي البُسطى/
… هي أبسط الذرات
ج- … هي الطائرة السُّرعى/
… هي أسرع الطائرات
د- الطائرة التي هي أسرعُ من الصوت هي الكونكورد
دَ- الكونكورد هي الطائرة التي تفوق الصوتَ سرعةً
هـ- هما الدولتان العُظْمَيَان/
هما أعظمُ الدول
و- هي الدولة العظمى والقُيَّا/
هي أعظمُ الدول وأقواها
ز-… هما أكثرُ الدول سكاناً
ح- هذه الحالات هي الكثرى شيوعاً/
هذه هي أكثرُ الحالات شيوعاً
ط- ماذا نقول عن الحالات التي هي أكثرُ شيوعاً؟
ي- أوجد الأعداد التامة التي هي أكبرُ من 1000
ك- هما العزمان الأكثران استخداماً…/
هما أكثرُ العزوم استخداماً…
ل- فيما يلي أكثرُ المصطلحات تداولاً…/
فيما يلي المصطلحات التي هي أكثرُ تداولاً…
م- … هو أكثرُ الأماكن ازدحاماً




وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 281.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 275.42 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]