|
|||||||
| ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
من سمات الشعر الأندلسي محمد حمادة إمام تعدُّ اللغة عنصرًا أساسيًّا في بناء العمل الأدبي، سواء أكان شعرًا أم نثرًا؛ فهي الأداة، التي يستخدمها الأديب في العمل الأدبي، واللغة الشعرية "هي الأداة السحرية لدى الشعراء، والشاعر الماهر هو الذي يستطيع السيطرة على عناصر اللغة، ويتمكَّن من توظيفها لإبراز الإحساس الواحد في قصيدته"[1]. ويجمع الأستاذ أحمد الشايب أهمية مكوناتِ العمل الأدبي بقوله، متسائلًا: "والمسألة هي كيف أبعث في نفسك عاطفة كالتي في نفسي؟ ذلك ممكن بأن أسلم إليك الباعث، الذي أثار عاطفتي، لعله أن يُثير مثلها في نفسك... والعاطفة هي التي تشرح لنا خواصَّ الصورة الأدبية الصالحة للتعبير عنها ولإثارتها، وأول ما يبدو مِن ذلك أن لغة العاطفة يجب أن تكون مألوفة جزلة بعيدة عن المصطلحات العلمية، والكلمات الغريبة، ما دامت الدراسة العلمية أو التحليلية لا تُجدي في بعث الإحساس الأدبي، ولا بد أن يكون القصد إلى العواطف عن طريق غير مباشر، بل اقتراحية رمزية... واختيار الألفاظ وحُسن تأليفها بَعد جمال الفكرة وجدَّتها، وصدْق العاطفة، وحرارتها، وبُعد الخيال وعُمقه، يَسمو بالأسلوب إلى مستوى يَنال حظًّا وافرًا مِن أهل الذوق الرفيع، والصورة الأدبية مثل العواطف تختلف باختلاف الأدباء"[2]. وعلى هذا فالأسلوب: "هيئة تحصل عن التأليفات المعنوية، والنظْم هيئة تحصل عن التأليفات اللفظية"[3]. فالأسلوب إذًا، هو المادَّة الملموسة، التي أبرزَت المعاني، والأفكار وقامت بعرْض الخيال للعيان، فهو ناشرُ المجهول، ومطلِق سراح السَّجين، بلغة، أو طريقة تُثير الوجدان، وتحرِّك المشاعر والأحاسيس، وتجذب الأنظار، وتشدُّ الانتباه. وحافظ الشعراء الأندلسيون على الأسلوب العربي المحكَم البناء، القوي الرصين مُؤْتَمِّين بالقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف. فجاءت صُورُهم حينئذ واضحة الدلالة والمعالم، تعْرض فكْر الأديب في سهولة ويُسر، وهذه هي البلاغة. يقول ابن حزم: "البلاغة ما فهِمَه العامِّيُّ كفهْم الخاصِّيِّ، وكان بلفظ يتنبَّه له العامِّيُّ، لأنه لا عهد له بمثل نظْمه ومعناه، واستوعَب المرادَ كله، ولم يزدْ فيه ما ليس منه، ولا حذفَ ما يحتاج مِن ذلك المطلوب شيئًا. وقرب على المخاطب فهمه، لوضوحه وتقريبه ما بعُد من المعاني، وسهُل عليه حفظه، لقِصَره وسهولة ألفاظه[4]. وتتَّسم ألفاظ وأساليب صُورة الشيب والشباب، في الشعر الأندلسي بـ: السلاسة والسهولة والعذوبة وقوة التأثير: لقد جاء الشعراء الأندلسيون بما يُلائم كل فن ويناسبه: مِن كسوة طيِّبة، ومعرض حسَن، وفي هذا ما يكشف عن الثقافة اللغوية والأدبية الضخمة التي كانوا يتمتعون بها، ناهيك عن هذا الفن، إذ إن صُورَهُ تمس شغاف القلوب، وتصوِّر المشاعر والأحاسيس، السابحة في أغوار النفوس، وحَنايا الضلوع، حتى يستخرج الدفين. ولا يُعارض هذا ما ورد من ألفاظ ذات قعقعة وجلبة بلا طائل معنى، وهذا قليل نادر لدى بعض الشعراء كابن هانئ الأندلسي[5]، في غير هذا الفن، وهو غير موجود في هذه الصورة. ولعل ما ورد عنده – أي: ابن هانئ - يرجع إلى أنه "كان يؤْثر في شعره الألفاظ الفخمة القوية، ذات الجرس العالي، والرنين الواضح"[6]. ولا يُنافي السهولة في شعره ميله إلى التهويل والتفخيم، يقول بعض النقاد: " أما أسلوبه فيميل إلى التفخيم والتهويل، غير أنه يحسب من الأساليب السهلة"[7]؛ فالألفاظ الفخمة القوية كانت وراء تهويله وتفخيمه، إذ إنه كان يحس بأهمية اللغة البدوية، في الوقت الذي أخذتِ الحضارة والمدنية فيه في الزحف على لغة الأعراب الخُلص، فأصابها كثير من الرقة، فكأنه أراد توجيه الأنظار - في ومضات كالبرق الخاطف - إلى لغة الأقدمين، لئلَّا تلين اللغة، التي احتوش أهلها الترَف والنعيم. ومن الملاحظ أن الأندلسيين في هذا الفن عاشوا حالاتهم النفسية، فحاكوا الألفاظ على قدْر المعاني والأفكار، وما تتطلبه مواقفهم. يقول ابن رشيق[8]: "ومن ملَح الكلام على اللفظ والمعنى، ما حكاه أبو منصور " الثعالبي، قال: البليغ مَن يحوك الكلام على حسب الأماني، ويخيط الألفاظ على قدود المعاني. وقال غيرُه: الألفاظ في الأسماع كالصُّور في الأبصار وقال أبو عبادة البحتري[9]: [من الكامل] وكأنَّها والسمع معقودٌ بها ♦♦♦ وجهُ الحبيب بدا لِعَيْنِ مُحِبِّه التلاعب بالألفاظ والقواعد النحوية في الشعر الأندلسي: وهذا يدلُّ على ثقافتهم اللغوية والنحوية، وإلمامهم بمعانيها وتفريعات موادِّها، ونظرهم في القواعد النحوية، وتوليد آراء وقواعد أخرى، وهذا يكشف عن شغفهم الشديد باللغة، وولَعهم بالاختراع والإبداع، بعد أن انطلقتْ في الأندلس النهضة الأدبية والثقافية، التي مهَّد لها ما تمتَّعَت به البلاد من تقدم واستقرار وازدهار. يقول ابن سارة الشنتريني (ت 517 هـ)[10]: [من البسيط]: الخَرْجُ أَحْرج رأسي مِنْ شبيبته ![]() فكلما افترَّ ثَغْرُ الشَّيْبِ فِيه بَكَى ![]() وما الهلالُ بمبيضِّ لدى مُقَلي ![]() كَأَنَّهُ من قَتير الشَّيْبِ قَدْ سُبِكا ![]() أوْ في دَارِهْم قد بَاتَتْ مُنَجَّمَةً ![]() عليَّ كِدْتُ أسُبُّ النًّجْمَ والفَلَكا ![]() فتلاعُب الشاعر بالألفاظ، في مضمار شكوى شيبه أو زمانه، دليل علو شأنه، وتمكنه من لغته، كما يقول ابن بسام: "ملح في شكوى زمانه، ودل بها على علوِّ شأنه". وفي هذا كله دليل على أنهم ليسوا بأقل مِن غيرهم في هذا الشأن، إن لم يكونوا أفضل. ومما ورد في بيان وفرة موادِّ معجمهم الأدبي، وامتلاكهم زمام اللغة، وإحاطتهم بها، ما ورد من تضمينهم لبعض الأفعال المتعدِّية معاني الأفعال اللازمة، فيقول الإلبيري[11]: [من الوافر]: ولا تَحْقِرْ بِنُذْرِ الشَّيْب واعْلَمْ ♦♦♦ بِأَنَّ القَطْرَ يبْعَثُ بالسيول يقول د/ الداية: "ولم أجدْ مَن عدَّى فعل حقر بالباء. ولكن الشاعر ضمَّن فعل حقر معنى فعل ازدرى أو أزرى"، ولعل السبب في ذلك هو الضرورة الشعرية. ومما يدل على امتلاكهم زمام الموسيقى الشعرية، ووقوفهم على اللهجات العربية جنوحهم إلى بعض اللغات، من مثل لغة أكلوني البراغيث[12]. يقول أبو العلا صاعد (ت 417 هـ)[13]: [من البسيط]: رَمَيْنني بسهَامٍ غير طائشةٍ ♦♦♦ حُورٌ زَرَيْنَ عَلَى صُمِّ الأنابيب ويقول ابن الخطيب (ت 776 هـ)[14]: [من الطويل]: يلومنني في الحُبِّ قَوْمي جَهالةً ♦♦♦ وما كان طبعًا فَهَوْلٌ لَيْس يَحُولُ[15] فقد ألحَق الشاعران (رمى، ولام) علامة الجمع، والفعل مسند إلى ظاهر جمع، وكان الأولى أن يوحَّد الفعل، كما يوحد مع المفرد. ميلهم إلى الأسلوب القصصي: وهذا الأسلوب كان وراء تعلُّق القلوب بصُوَرهم، وتشنيف الآذان بها، وجذْب الانتباه إليها، فالنفس تأنس بالقصص، وتألفه، ولأنهم أيضًا كانوا يعالجون، أو يتعرضون لمعالجة الموضوعات، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والفكرية. إيثارهم الأسلوب، الذي يتَّسم باللين والرقة، بخاصة في شكوى هموم المشيب وآلامه، وبكاء الشباب، والحنين إلى أوطانه وذكرياته، ومع هذا لانعدم من أسلوبهم تعنيفًا وتقريعًا، ولومًا وتوبيخًا، للمتصابي، أو الماجن الأشيب الذي كان وراء التقاط تلك الصور، وإذاعتها. مراعاة استعمال الألفاظ الموحية بالمعنى عن قرب، ليقف القارئ أو السامع على ما يقصده منشئ الصورة، ويقف على حقيقة مشاعره وأحاسيسه بسهولة ويسر. يقول ابن دراج القسطلي، في تصوير موقف من مواقف الفراق والوداع، لزوجته، التي تناشده تذكر عهد الوفاء، والحب، وليالي الصفاء، وطفله المحتاج إلى رعاية وعناية، وحنان[16]: [من الطويل]: ولما تَدَانَتْ لِلْوَدَاع وَقَدْ هَفَا ![]() بِصَبريَ منه أَنّةٌ وزَفِيرُ ![]() تُنَاشِدُني عَهْدَ الموَّدةِ والهَوَى ![]() وفي المَهْدِ مَبْغُومُ النِّداءِ صَغيرُ ![]() يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |