آهات الاغتراب في ديوان "حسرة تركمانية" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 121097 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          يكفي إهمالا يا أبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فتنة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حفظ اللسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          التحذير من الغيبة والشائعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كيف ننشئ أولادنا على حب كتاب الله؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قصة سيدنا موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 19-09-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي آهات الاغتراب في ديوان "حسرة تركمانية" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة

آهات الاغتراب في ديوان "حسرة تركمانية" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة
د. محمود قدوم





الدراسة النقديّة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدِّمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أمَّا بعد،
فقد ربط النُّقاد بين الشعر والحالات النفسية الموجبة لقوله، أو ما يصلح لهذه الحالات من الأغراض الشعرية، فقالوا: قواعد الشعر أربع: الرغبة والرهبة والطرب والغضب؛ فمع الرغبة يكون المديح والشكر، ومع الرهبة يكون الاعتذار والاستعطاف والاسترحام، ومع الطرب يكون الشوق ورقة النسيب، ومع الغضب يكون الهجاء والتوعد، والعتاب الموجع. ولعل الاغتراب يثير أكثر ما يثير عاطفتَي الرهبة، والغضب، ولا ننفي أنه قد يثير بقية العواطف.

ويُعد الاغتراب ظاهرة قديمة قِدَم الإنسان في هذا الوجود؛ فمنذ أن تكوّنت المجتمعات الأولى نشأت معها وفي ظلها الأزمات التي كانت تتمخض -بشكل أو بآخر- عن أنواع من الاغتراب عانى منها الفرد، وواجهها وفق طاقاته، فقد تقوده إلى التمرّد والعصيان، مثلما قد تفضي به إلى الاستسلام والانعزال والانكفاء على الذات، وقد تمرّنه على التفكّر والتصبّر في مواجهة الأزمات.

وشِعرُ الاغترابِ ظاهرةٌ بارزةٌ واضحةٌ في شِعْر العرب منذ العصرِ الجاهلي وصولا لقصائد الشعراء العرب المعاصرين؛ فقد غُرِّبَ الشاعر لأنّه هجا، وغُرِّبَ لأنه مدح، وغُرِّبَ لأنه قال شعراً، وغُرِّبَ لأنّه لم يقل، وغُرِّبَ بسبب، وغُرِّبَ بلا سبب إلا لأنّه إنسان ينشد الحياة.

وتزاحَمَتْ أشكالُ المُعاناةِ وصُوَرُ التعبيرِ عنها في قصائدِ شعراءِ الغربةِ المعاصرين أمام عينيَّ، ففي شَكواهُم أنِيْنٌ مُسْتَفِز، وفي حَنِيْنِهِم وَتَرٌ مُقْلِق، وفي اسْتِعْطافِهِم وَجَعٌ قاسٍ، وفي عِتابِهِم دُمُوعٌ دَفِيْنَة، وفي وَصْفِهم أوجاعٌ وعِصِيٌّ ورجالٌ غِلاظٌ شداد، وقبورٌ وصلبان، وفي فَخْرهم حَرارةُ الرُّوح، وفي مَدْحِهِم ذلُّ السؤال وكفُّ الرجاء، وفي رِثائِهم مُواسَاةٌ واسْتِرْحَام.

وقد أيأست أيام الاغتراب الطويلة التي قضاها الشعراء بعيدا عن أهلهم وأوطانهم كثيرا من الشعراء فأصابَ الوَهْنُ عزائِمَهم، وأَوْهَت طوال الليالي هِمَمَهُم فَصَوَّرُوا حالتَهم هذه بقصائد تمتلئ أنفاسُ قائليها بالكمدِ والكبد والحزن والرجاء، بُنِيَتْ على بحر الشَّكوى، وكُتِبَتْ بأحرفِ الخُضُوعِ، فاقترنَ اليأس فيها بالشَّكوى، وانقلب الصبر والجلد والتصبُّر إلى يأس وقنوط وبكاء وتذلل.

وثمة منحى آخر للاغتراب، فيه صفة البطولة والإصرار؛ لأنّ الإنسان يكابد فيه ما يكابد الغريب من حنين وشوق وصبر شديد، وهذا المنحى البطولي هو الذي أضفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من يتمسك بمبادئ الإسلام وقيمه، حين يفسد الناس، وتختل الموازين، ويصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا[1]. وهو الذي نقصده في هذه الدراسة المعنونة بــ"آهات الاغتراب في ديوان حسرة تركمانيّة" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة، ووزّعته وفق الثنائيّات الآتية:
1- الشاعر وثنائيّة الاغتراب/ الحنين.
2- ثنائيّة الآن/ المستقبل.
3- ومضات فنيّة في الديوان.

إن مواجهة الشاعر الغربةَ بصبرٍ وشجاعة ليست هي العنوان الوحيد في سجل المواجهات بين الشعراء المعاصرين والغربة، فهناك من الشعراء من قلَّتْ قدرتُه وضَعف تَحمُّله فسالت دموعه، وانسكبت كلماته تتذلل وتستعطف، فقد عيل صبره، وطال في الغربة مكثه، فوهى جسده وأحرقه إلى أهله شوقُه، فشكا وبكى، يقول بدر شاكر السيّاب[2]:
واهي الكيان كأنّ خطباً هدّه
ذاوي الشفاه لطول ما يتنهّد

وهو المعطَّلُ من قوامٍ فارعٍ
يسبي العيون ووجنةٍ تتورَّدُ


(1)
الشاعر وثنائيّة الاغتراب/ الحنين
شاعرنا اسمه منير مصطفى حسن، يُعرف في الوسط الاجتماعي والثقافي والأكاديمي بـ"الشريف الدكتور منير قوشجوزادة أو القوشجي" ينتسب من ناحية الأب إلى السادة أشراف سامراء، ومن ناحية الأم إلى عائلة عماد الدين زنكي (رحمه الله)، وُلد في مدينة كركوك عام (1969). والتحق بمدارس مدينة كركوك لدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعداديّة، وفي عام 1987 بدأ دراسة العلوم الإسلامية في كلية الشريعة بجامعة بغداد، وفي عام 1991 عُيِّن مدرّسا في المدارس الثانويّة.

ونتيجة لظروف العراق اضطر إلى إكمال دراساته العليا في تركيا، حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة أنقرة في تخصص التفسير وبدرجة امتياز عام 2002.

وتابع دراسته للدكتوراة في جامعة أنقرة أيضا، وحصل على الدرجة العلمية في عام 2008 تخصص التفسير.

وهو الآن أستاذ مساعد في كليّة العلوم الإسلامية في جامعة بارطِن، ورئيس قسم اللغة العربية وبلاغتها في الكليّة.

والدكتور منير كغيره من أبناء بلده عانى من مشاكل جمّة سياسيّة واقتصاديّة...، ولكنّه رغم ذلك حاول الخروج منها دون أن ينال اليأس منه شيئا.

ولميوله الأدبيّة حاول صياغة أحاسيسه على شكل أشعار لم تتوقف عند شرح معاناته الشخصيّة بل كانت معبّرة عن معاناة شعب العراق بأجمعه، وجُمعت هذه الأشعار في ديوان نُشر عام 2005 بعنوان "حسرة تركمانيّة".

وله غير الشعر من الكفاءات ما يجعله متميّزا بأسلوبه، ومنفتحا على ميادين أخرى من شأنها إثراء المعرفة واتساع الأفق، فهو:
مترجم منذ عام 1999: يجيد الترجمة الفوريّة بين اللغتين العربيّة والتركيّة، ويمتاز بدقة ترجمة الكتب والمقالات من اللغة التركية إلى العربية.

نشر مقالاته الدينية في مجلة "المجلة" اللندنية، والمقالات السياسية في مجلة "الوطن العربي" وصحيفة الشرق الأوسط عام 2000.

حاصل على شهادات تقديريّة في مجال الأدب والسياسة.

وقد شغلت ثيمة الاغتراب جانبا كبيرا من ديوانه[3]، حيث كان انعكاس الاغتراب عليه طرديا مع تحوّلات الحياة وتراجع أوضاع المجتمع العراقي السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة... إلخ، فالشاعر أسرع من غيره إلى الإصابة بهذا الداء؛ لأنه يتمتع بقدر عال من الحساسية والتوتر والرهافة، ولهذا فقد عاش في اغتراب مركّب لأنّه "إنسان جمعي يستطيع أن ينقل ويشكل اللاشعور أو الحياة الروحية للنوع البشري" مثلما يقول (يونج).

وأكثر ما استفزّني في تجربة الشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة/ القوشجي جدليّة الاغتراب والحنين لوضوحها في شعره؛ إذ إنّها استولت على أغلب أشعار ديوانه "حسرة تركمانيّة" الذي صرّح في تذييله للعنوان قائلا "أشعار كُتِبَت في ديار الغربة"- حيث تبدّى الحنين عنده بلسما لشفاء عوالج الاغتراب وعذاباته وآهاته، ولذلك ظلّ يتأرجح بين الواقع والوهم، وظلت كل غربة في قصائده تثوي بين طياتها بذور فنائها؛ إذ لا يشعر قارئ هذا الديوان بأنّ الشاعر استسلم للضعف أو التخاذل، بل إنّه تسلح بنفس مؤمنة صابرة حنّكتها التجارب، وحلّمتها مواقف الحياة المتواترة.

صحيح أنّ الغربة -في كثير من الأحيان- سجن، والشاعر فيها كالغريب مليء بعذابات النفس، يُحييه الأملُ، ويَنْهَشُ جَسَدَهُ اليَأْسُ، فلا تنظر إلى آثار النعمة التي يتظاهر بها الشاعر المغترب بل انظر إلى عينَيه، وابحث فيهما عن خوفه واطمئنانه، وطمعه ورجائه، وغده وماضيه، وتعبه وراحته، ابحث في كلماته ومفرداته وأشعاره... إلخ.

يقول الدكتور منير: "كتبتُ الشعر قبل الغربة، لكنّ الغربة حكت مشاعري كثيرا، ففاضت بما بين أيديكم من أشعار ومقطوعات"[4]. ولذلك تجلّت البنية النفسيّة العامّة في قصائده بالاغتراب والحنين، تلك الثنائية التي شكلت عالما قائما بذاته لا تحده حدود معينة، تتداخل أبعاده، وتمتزج ألوانه، وتتشعب دلالاته.

ومن هنا بدأت أتحسّس عُمق تجربته الإبداعية التي رَسَمَتهَا مسيرته الحياتية مثلما قادني ذلك إلى فحص منجزه الشعري بحثا عن الثيمات الاغترابيّة فيه، قصدَ الإحاطة بمكوناتها، ومن ثم الوقوف على المناهج التعويضية التي اعتمدها؛ لأن البحث في قضيّة الاغتراب هو بحث في المشاعر قبا البحث عن الصور والرموز والإيقاع والألوان البديعيّة المختلفة... إلخ، يقول[5]:
سبعون عاما والعراق
يحتضر
والدمع ما انفكّ على الخدّين
ينتثر
والعيش في مقبرة الأحياء قد صار
قدرا

قدر أن أعيش بين
تلال الجماجم
وأنهار الدم
قدر أن أجد على مائدة فطوري
أطباقا من الشظايا والرصاص
تُزيّنها آنية زهور
تفوح منها رائحة البارود

قدر أن أسمع كل يوم
سمفونيّة البنادق
وأن أرقص طربا على أهزوجة
الرشّاشات
قدري أن أعيش قدرا
ولكن
ليت قدري أن أعيش حرا!

والحنين فطرة في الإنسان؛ فإذا ابتعد عن المكان الذي فيه سكنه وهدوؤه واطمئنانه، شدّته إليه أواصر قوية، تتمثّل في الحنين إليه، وتكاد تدفعه دفعا إلى العودة إليه، وأن يفديه بكلّ ما يملك، من مال وبنون، وروح وجسد، يقول في قصيدته "لا أبالي بالموت"[6]:
لو كنت أعلم
أنّك بحاجة إلى روحي
لما تردّدتُ في الفداء بها
لستُ أبالي بالموت
ما دمتُ أقدّم لك
الحياة

ويقول في قصيدته "أرض وآمال"[7]:
يسألوني عن بلادي
وعن أرضي وسمائي
ليتهم تركوني وحالي
ولم ينكأوا الجرح في فؤادي
فديْتُ أرضا بالمال والدماء
رخّصتُ لها الغالي ولم أبالي

والحنين عاطفة إنسانية سامية، فيها الإخلاص، والوفاء والحب، إذ كيف يستطيع الإنسان أن ينسى وطنا عاش تحت سمائه، ودرج فوق أرضه، وشهد آماله وآلامه؟ وكلما عظم هذا التعلق، وكثر ذلك الارتباط كان الإنسان قريبا من السموّ والكمال بمعنى أنّه قريب من تحقيق إنسانيته بمُثُلها العليا.

يقول في قصيدته (اسألوا بغداد)[8]:
عرفت العراق عراقا شامخا
ما لشموخ الجبال بعده شموخ
عرفتُه، ليتني ما عرفتُه؛
عرفتُه أرضا وسماء وهواء

والأرض التي درج الإنسان على ظهرها، وتنسم هواءها، وتغذى بغذائها، وشرب من مائها؛ منها أجزاؤه التي انبنى بها جسمه، وخواطره التي انعقد عليها فكره، فهو من هذه الأرض بجسمه وفكره وعقله وأمله: بلسانها نطق، وبأرضها سعى، وبهذه الأسباب كانت الأرض وطنا والإنسان مواطنا، أوجبت لكل منهما حقا على الآخر.

وترتبط الغربة بالحنين؛ حيث تتواشج المشاعر والأحاسيس، ويصعب الفصل بينهما في أحيان كثيرة؛ فالغربة ألم ومعاناة تفضي بصاحبها إلى الحنين، إذ لا وجود له إلا بها، فهي سابقة عليه، ومشتركة معه، وهي الباعث الرئيس له، لكنّ المشهد السابق الذي رسمه الشاعر عن العراق سرعان ما تحوّل، يقول[9]:
شعلة نار أحرقت الأخضر قبل اليابس
هول أفزع الموتى في قبورهم
فار الفرات من الدموع
لبست النخلة السواد
واحمرّ القمر خجلا

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 139.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 138.07 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.23%)]