|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المعجم العربي محمد البوزيدي مدخلٌ: في الخزانةِ العربيةِ الإسلاميَّة كنوزٌ علمية عديدة، وفي صدارتِها المعاجمُ العربية القديمة؛ إذ مِن خلالها تم الحفاظُ على الثروةِ العربية لقرونٍ من الزمن؛ حيث تُشكِّل المعاجمُ القديمة مرجعًا أساسيًّا للغة العربية عبر العصور، ويتمثل دورُها الأساسي في الحفاظ على هذه الثروةِ اللفظية، وصيانة التراث الحضاريِّ بشتى أنواعه، ولولا هذه المعاجمُ لاندَثَرت هذه الثروةُ؛ لكون علماء اللغة ومستعمِليها لا يستغنون عن الرجوع إلى هذه المعاجم، فهي صناعة لُغَوية، ووسيلة هدفُها جمع اللغة ووصفها. لقد نشأ المعجمُ العربيُّ معتمدًا على مفهوم الفصاحة، ومؤسسًا على معاييرَ ومبادئ محدَّدة، ومصادر متنوِّعة؛ حيث برزتِ المدارسُ المُعْجَمية في التصنيف والتأليف لتحقق الفوائد والثمرات التي يجنيها مستعملُ المعجَم على مرِّ العصور التي قطعها مجال التأليف المعجمي. فما هو تعريف المعجم؟ وما عَلاقة نشأته بمفهوم الفصاحة؟ وما أسباب تأليف المعاجم وفوائدها؟ وكيف بدأت نشأة المعجم العربي؟ وما مصادره المتنوعة؟ وكيف نكشف عن معاني الألفاظ في المعاجم؟ وما أسس تصنيف المدارس المعجمية؟ أولًا: تعريف المعجم: 1/ 1 المعجم لغةً: يتَّضِح من مشتقات كلمة (عجم) أنها لا تفيد الوضوح، بل تدلُّ على الغموض، فكيف يكون المعجم مِن مشتقاتها؟ والمعروف أن من أهدافه الأساسية التيسير والتسهيل[1]؟! وقد أُطلِقت لفظة المعجم على الكتاب الذي يراعَى في ترتيبه وبنائه ترتيبُ الحروف، وهذا كله يقودنا إلى تعريف المعجم في اصطلاح اللُّغويين، فما هو المعنى الاصطلاحي للمعجم؟ 1 /2 المعجم اصطلاحًا: هو كتابٌ يضمُّ ألفاظ اللغة العربية مرتَّبةً على طريقة معيَّنة، مشروحة شرحًا يُزيل إبهامَها، بالإضافة إلى احتوائها على ما يناسبها من المعلومات التي تفيد الباحث وتعِين الدارسَ على الوصول إلى مرادِه، فهو يُعْنَى بالدرجة الأولى بمصطلحات موضوعٍ أو علم معين؛ لذلك تبقى مسألةُ وضع المعاجم عملًا لا ينتهي في أي لغةٍ من اللغات، بهدف مسايرةِ هذه اللغة وقدرتها على تحقيق مطالبِ الفكر والحضارة في شتى المجالات الفكرية والعلمية والاجتماعية...، ويمكن القول: إن المعجم قائمةٌ من المداخلِ المعجمية التي تصنِّف بشكل أو بآخر تجاربَ المجتمع، باعتباره موضوعًا متسلسل الأفكار، يعبر عن فكر المعجميِّ والمنهج الذي اتخذه في ترتيبه أو توضيحه أو تفسيره. كما يُمثِّل "المعجم" مرجعًا يشتملُ على مصطلحاتِ علمٍ ما، مرتبة ترتيبًا خاصًّا، مع تعريف كل كلمة، أو ذِكرِ مرادفها أو نظيرها في لغة أخرى، أو بيان اشتقاقها أو استعمالها، أو معانيها المتعدِّدة. وقد يكون المعجم أحاديَّ اللغة، أو ثنائي اللغة، أو متعدد اللغات، وقد يكون عامًّا أو متخصصًا، وقد يكون وصفيًّا أو تاريخيًّا أو مِعياريًّا، وقد يكون معجم مفردات أو مصطلحات، كما قد يكون معجمَ مترادفات أو ترجمات أو تعاريف، وقد يكون معجمًا كَميًّا مرتبًا حسب حروف الهجاء، أو مخارج الحروف، أو معنويًّا مرتبًا حسب المعاني. ولقد سُمِّيت "المعاجم" باسم "القواميس"، ولا بد من التمييز بينهما، على اعتبار أن هناك نوعًا مِن العَلاقة بين مصطلح "معجم" ومصطلح "قاموس"، ويتمثَّل ذلك في كون المصطلحينِ كثيرًا ما يتم الخلط بينهما، فقد جاء في "لسان العرب" ما يلي: "قمس الرجل في الماء: إذا غاب فيه، وقَمَسَتِ الدَّلْوُ في الماء إذا غابت فيه...، القاموس: البحر العظيم، وكل معجم لُغَوي يدل على التوسع يقال له: قاموس"[2]. وكلمة قاموس تَعنِي وسط البحر أو معظمه، لتعني أخيرًا كل كتاب لُغَوي يحتوي على طائفةٍ من الكلمات المرتَّبة والمشروحة؛ ولهذا فمِن الضروري الفصلُ بين المصطلحين "المعجم والقاموس"؛ لأن القاموس يُستعمل للدلالة على كتاب أو تأليف له هدفٌ تربوي وثقافي، يجمع بين دفَّتَيْه قائمةً من الوحدات المعجمية التي تحقق وجودها بالفعل في لسان من الألسنة، ويخضعها لترتيب وشرح معين، ويقابلها في الفرنسية (Dictionnaire). أما مصطلح "معجم"، فهو أنسب للدلالة على المجموع المفترض واللامحدود من الوحدات المعجمية التي تمتلكها جماعة لُغَوية معيَّنة بكامل أفرادها، بفعل القدرة التوليدية الهائلة للغة، ويقابلها في الفرنسية Lexique)). ثانيًا: الفصاحة ونشأة المعجم العربي: 2/1 الفصاحة في اللغة: خلوُّ الشيء مما يشوبُه، وأصله في اللبن، يقال: فصُح اللبن، إذا ذهب عنه اللِّبَأُ؛ أي: الرغوة التي تُغطِّي سطحه، وأفصح الأعجميُّ بالعربية، وفصح لسانه بها: إذا خلصت لغتُه من اللُّكنة، وأفصح الصبح: إذا أضاء؛ يقال: أفصح الصبي في منطقه: إذا بان وظهر كلامه[3]. فالمعنى اللُّغوي للفصاحة هو البيان والوضوح، فكل ما كان بيِّنًا واضحًا فهو فصيح، سواء أكان كلامًا أم غيره[4]، يقول تعالى: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ﴾ [القصص: 34]؛ أي: أَبْيَنُ مني قولًا. 2/2 المعاني الاصطلاحية للفصاحة: الفصيحُ مِن الألفاظ عبارةٌ عن الألفاظ البيِّنة الظاهرة المتبادرة إلى الفهم، والمأنوسة الاستعمال بين الكتَّاب والشعراء؛ لمكان حسنها، وهي تقع وصفًا للكلمة، والكلام، والمتكلم، حسَب استعمال الكاتب للفظةِ وحدَها، أو مسبوكة مع أخواتها[5]. فالفصاحة اللُّغوية عند النُّحاة واللُّغويين العرب القدماء كانَتْ تعني السليقة؛ أي: التكلُّم باللغة دون تعلُّم. والفصاحة والسليقة والمَلَكة: مصطلحاتٌ استعملها النُّحاة العرب القدماء، وتُطلَق عندهم على معنًى واحد في مَيدان الدراسات اللُّغوية، وتعنِي عندهم تعلُّمَ اللغة من المحيط في الصغر ودون معلِّم، وهي مقابلةٌ للَّحن الذي فشا على ألسنة المولَّدين، ولم تَزَلِ العربُ في جاهليتها وصدرٍ من إسلامها تبرَعُ في نطقِها بالسجية، وتتكلم على السليقة، حتى فتحت المدائن… فوقع الخلل في الكلام، وبدا اللحن على ألسنة العوام. و"الكلامُ الفصيحُ ما كان واضحَ المعنى، سهلَ اللفظ، جيِّدَ السَّبك؛ ولهذا وجب أن تكون كلُّ كلمة فيه جاريةً على القياس الصرفي، بيِّنةً في معناها، مفهومةً عذبة سلسة. وإنما تكون الكلمةُ كذلك إذا كانَتْ مألوفة الاستعمال بين النابِهين من الكتَّاب والشعراء؛ لأنها لم تتداوَلْها ألسنتُهم، ولم تَجْرِ بها أقلامُهم، إلا لمكانِها مِن الحسن باستكمالها جميع ما تقدَّم من نعوت الجودة وصفات الجمال. والذوقُ السليم هو العمدةُ في معرفةِ حسن الكلمات وسلاستها، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأن الألفاظَ أصواتٌ، فالذي يطرب لصوت البلبل، وينفرُ من أصوات البوم والغربان، ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبةً متنافرة الحروف، ألا ترى أن كلمتَي (المُزنة) و(الدِّيمة) للسحابة الممطرة، كلتاهما سهلة عذبة يسكن إليها السمع، بخلاف كلمة (البُعاق) التي في معناهما؛ فإنها قبيحةٌ تصُكُّ الآذان، وأمثال ذلك كثير في مفردات اللغة، تستطيع أن تدركه بذوقك"[6]. ويشترط في فصاحة التركيبِ - فوقَ جريان كلماته على القياس الصحيح وسهولتها - أن يسلَمَ من ضَعف التأليف، وهو خروجُ الكلام عن قواعد اللغة المطَّردة؛ كرجوع الضمير على متأخر لفظًا ورُتبةً، كما يشترط أن يسلم التركيب من تنافر الكلمات المؤدِّي للثقل في السمع، وصعوبة أدائها باللسان؛ كقول شاعر (من الرجز): وقَبْرُ حربٍ بمكانٍ قَفْرٍ *** وليس قُرْبَ قبرِ حربٍ قَبْرُ فمع أن كل كلمة منه لو أُخذت وحدَها كانت غيرَ مستكرَهة ولا ثقيلة، لكن اجتماع كلماته وقُرب مخارج حروفها، يُحدِثانِ ثقلًا ظاهرًا. ويجب أن يَسلَمَ التركيبُ من التعقيد اللفظي، وهو أن يكون الكلامُ خفيَّ الدلالة على المعنى المراد بسبب تأخير الكلمات أو تقديمها عن مواطنها الأصلية، أو بالفصل بين الكلمات التي يجب أن تتجاور ويتصل بعضها ببعض، فإذا قلت: (ما قرأ إلا واحدًا محمدٌ مع كتابًا أخيه)، كان هذا الكلام غير فصيح لضعف تأليفه؛ إذ أصله: (ما قرأ محمدٌ مع أخيه إلا كتابًا واحدًا)، فقدِّمت الصفة على الموصوف، وفُصل بين المتلازمين، وهما أداة الاستثناء والمستثنى، والمضاف والمضاف إليه. ويجب أن يسلم التركيب من التعقيدِ المعنويِّ، وهو أن يعمدَ المتكلِّم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات في غير معانيها الحقيقية، فيُسِيء اختيار الكلمات للمعنى الذي يريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع؛ مثال ذلك أن كلمة (اللسان) تُطلق أحيانًا ويُراد بها اللغة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ [إبراهيم: 4]؛ أي: ناطقًا بلغة قومه، وهذا استعمالٌ صحيح فصيح، فإذا استعمل إنسانٌ هذه الكلمة في الجاسوس، وقال: (بثَّ الحاكمُ ألسنتَه في المدينة)، كان مخطئًا، وكان في كلامه تعقيدٌ معنويٌّ[7]. 2/3 الفصاحة والجنس العربي: مِن المزاعم أن الفصاحة - أو ما يسمى بالسليقة - كان لها عند القدماء ارتباطٌ وثيق بالجنس العربي؛ ولذا كان يُعتَقد أن غير العربي لا يُمكِنه تعلُّم العربية، ولو وُلِد ونشأ في بيئة عربية، وإلى هذا المعنى يُشير إبراهيم أنيس - بعد أن عرَّف السليقة عند المحدثين - بقوله: إن الأقدمين مِن علماء العربية قد سيطَرَتْ عليهم فكرةٌ أخرى، ورأَوا أمر الكلام بالعربية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجنس العربي؛ ولذا يُنكِرون على الفارسي أو اليوناني إمكانَ إتقان هذه اللغة كما يُتقِنها أهلها من العرب، كأن هناك أمرًا سِحريًّا يمتزج بدماء العرب، ويختلط برمالهم وخيامهم، وهو سرُّ السليقة العربية، يورثه العرب لأطفالهم، وتُرضِعه الأمهات لأطفالهن في الألبان؛ ولذا لم يتورَّع الرواة في الأخذ عن صبيان العرب والرواية عنهم[8]. وكيف يمكن للعلماء العرب أن يقولوا بأن الفصاحة طبعٌ عند العربي وهم يُشاهِدون مِن حولهم أعاجم قد صاروا فصحاء، وعربًا يَلحَنون في كلامهم؟ فلو كانوا يعتقدون أن الفصاحة للعرب بالطبع، لحددوها بالجنس العربي، فكل مَن كان عربيًّا فهو فصيح، ولو عاش وسط الأعاجم، ولكن تحديدهم لرقعة الفصاحة لم يكن على هذا الأساس، بل أبعدوا قبائل كثيرةً بحجَّة التأثر بغيرِها من الأمم المحيطة بها. فالفصاحة عادةٌ لا أكثر ولا أقل، كما هو ثابت عند ابن جِنِّي؛ أي: إن السليقة اكتسابٌ وتعوُّد، ولو أنها كانت في نظره طبعًا أو سجيةً - أو (نحيزة) كما كانوا يقولون - لَما جعل ابن جني في أبواب خصائصه بابًا عنوانه (باب العربي الفصيح ينتقل لسانه)، والانتقال في نظره إما أن يكون إلى لغةٍ أخرى فصيحة أو فاسدة؛ فإذا كان الانتقال إلى لغة فصيحة جرى الاحتجاج بكلامِه بها، وإن كان إلى لغةٍ فاسدة لم يحتجَّ بكلامه[9]. 2/4 الفصاحة والأعراب: كل ما يمكن أن نقوله في هذا المجال هو أن العرب - بدوهم وحضرهم - كانوا أمةَ الكلام والخطابة والشِّعر، والتاريخُ يُحدِّثنا أنهم كانوا يهتمون أشد الاهتمام بالشعر وبالكلام عامةً، وكانوا جميعًا في مستوًى متقاربٍ من التذوق وفهم الشعر والخطابة؛ فالفصحى التي نقضي نحن السنين الطِّوالَ في تعلمها كانت لغةَ المنشأ عندهم، والشعر وأنواع الأدب عندهم كانت تعبِّر عن حياتهم اليومية، وكان يفهمها العامة والخاصة، فالشعر عندهم - وهو بالفصحى عندنا اليوم - كان أشبهَ ما يكون بالشعر الشعبي الذي يقال باللهجات العامية. ارتبطت الفصاحةُ عند القدماء ارتباطًا وثيقًا بالأعراب وبالبادية، حتى بدا للكثيرِ من الدارسين المحدَثين أن النُّحاة العرب كانوا يربِطون الفصاحة بالأَعراب لا لشيء إلا لأنهم أعرابٌ. وهناك جوابٌ آخر للتساؤل عن سبب ربط الفصاحة بالبداوة، نجده عند القدماء، يقول ابن جني في الخصائص: "بابٌ في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أُخذ عن أهل الوبر": "علةُ امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل، ولو عُلم أن أهل قريةٍ باقون على فصاحتِهم، ولم يعترض شيءٌ من الفساد للغتِهم، لوَجَب الأخذ عنهم كما يُؤخَذ عن أهل الوبر، وكذلك أيضًا لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغةِ أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها، وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها، لوجَب رفض لغتها وترك تلقِّي ما يَرِدُ عنها، وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا؛ لأنَّا لا نكاد نرى بدويًّا فصيحًا، وإن نحن آنَسْنا منه فصاحةً في كلامه، لم نكد نعدِمُ ما يُفسِد ذلك ويقدح فيه، وينال ويَغُضُّ منه"[10]. أما ربط النُّحاة واللُّغويين الفصاحةَ بالجنس العربي، فلا أساسَ له من الصحة؛ إذ لم نجد نَحْويًّا واحدًا ربط الفصاحة بالجنس العربي، بل ربَطوها بالمنشأ اللُّغوي، وقد وجدناهم أخذوا عن الكثير من العَبيد السُّود. وبالجملة، فمنهج النحاة العرب القدماء منهجٌ علمي تؤيده المناهج اللسانية الحديثة التي تُعنَى بما يسمى بالمدوَّنة المغلقة. ثالثًا: أسباب تأليف المعاجم وفوائدها: يمكن إجمال هذه الفوائد فيما يلي: • العناية بفهمِ آيات القرآن الكريم، من خلال تفسير آياته، بمراجعة المؤلَّفات في غريب القرآن، من خلال تفسير الألفاظ العربية في القرآن وتوضيح معناها، مع ذكر الشواهد الشِّعرية فيها. • تفسيرُ الألفاظ العربية الواردة في الأحاديث المرويَّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين. • معرفةُ المراد بألفاظ بعض الفقهاء في المُتُون، وربطها بالتعريفات الاصطلاحية عندهم، وذلك من خلال المؤلَّفات الخاصة بغريب ألفاظ الفقهاء. • فهم مفرداتِ القصائد الشِّعرية العربية والقِطَع النثرية؛ لتدوين اللغة العربية خشيةَ ضياع شيء من مفرداتها، لا سيما في حياة فصحائها. • ضبط الكلمات، ومعرفة نطقها الصحيح. • بيان أصل الكلمة واشتقاقاتها وتصريفاتها، وجموعها ومصادرها، وتاريخها وتطورها، واختلاف استعمالها. • تحديد أماكن بعض المواقع الجغرافية والمدن التاريخية. • حفظ كمٍّ هائل من الشواهد الشِّعرية، من خلال جمع أشعار بعض الصحابة. • اكتساب ثروة لُغوية كبرى، لا سيما عند تعدُّد مدلولات الكلمة واختلاف معانيها[11]. رابعًا: نشأة المعجم العربي: يعدُّ التأليف في غريب القرآن النواةَ الأولى لتأليف المعاجم، وقد عُرِف عن ابن عباس رضي الله عنه اهتمامَه بتفسير الألفاظ الغريبة في القرآن، وتوضيح معناها، وذكره لبعض الشواهد الشِّعرية، وقد ألَّف بعدَه عددٌ من العلماء في هذا المجال؛ حيث الاقتصار على الألفاظ الغريبة، وذكر بعض الأشعار المؤيِّدة لمعناها. وقد جرى جمع ألفاظ اللغة العربية على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى: عرَفت هذه المرحلة تدوينَ ألفاظ اللغة وتفسيرها بدون ترتيب، وقد جرى هذا الجمعُ بفضلِ ارتباط الرواة والعلماء منذ أواخر القرن الهجري الأول، وكان السماع عن الأعراب من المصادرِ الأساسية التي اعتمدها الرواة في جمع اللغة، ويعدُّ "كتاب النوادر في اللغة" لأبي زيدٍ الأنصاري، من أفضل الكتب اللُّغوية التي تُمثِّل هذه المرحلة؛ ذلك أن المؤلف يُورِد فيه النصوص الشِّعرية والنثرية الغريبة، فيشرحها ويعلق عليها من غير ترتيب. المرحلة الثانية: وهي مرحلةُ تدوين اللغة مرتبةً في رسائل متفرقة صغيرة محدودة الموضوع، مبنيَّة على معنى من المعاني، أو على حرف من الحروف؛ مثل كتاب المطر لأبي زيد الأنصاري، وللأصمعي كتب؛ منها: كتاب الإبل والخيل، وكتاب أسماء الوحوش وصفاتها، وكتاب النخل والكرم، وكتاب النبات والشجر. وهناك رسائل أخرى جُمعت فيها ألفاظ اللغة دون مراعاةِ معانيها، وهي تجمع اسم الحرف الذي يجمع بين هذه الأصول، فيقال: كتاب الخاء، وكتاب الجيم، ومِن أشهر ما وصل إلينا من رسائل هذا النوع كتابُ الهمز لأبي زيد الأنصاري، وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني. وهناك رسائل أخرى جُمِعت فيها الألفاظ التي تربط بينها رابطةٌ أخرى غير رابطة المعاني أو الحروف؛ مثل الكتب التي ألِّفت في الأضداد؛ مثل "الجون" الذي يطلق على الأسود والأبيض، والفعل "شرى" الذي يدل على البيع والشراء. المرحلة الثالثة: وهي مرحلةُ وضعِ المعاجم العامَّة الشاملة المنظمة، وأول مَن وضع المعجم هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان الهدفُ الأساسي من هذا كلِّه هو خدمةَ القرآن ونصوص التشريع، وصون اللغة من الخطأ، وحفظها من الضياع[12]. وتعتبر قضية الترتيبِ من أهم القضايا التي عرَفها تاريخ القاموس العربي القديم؛ إذ هو الطريقةُ أو المنهج الذي يتبعه صانعُ المعجَم لتنظيم الثروة اللفظية المختارة من الكلمات والتعابير الاصطلاحية والسياقية، وعرضها في المعجم، بحيث يستطيع القارئ العثور على مرادِه بكل سرعة ويسرٍ. ويعتبر المعجَميون العرب من السبَّاقين إليه، حتى أصبح اختصاصًا على يدهم دون غيرهم، ونهجًا يُقتَدى من النحاة والمعجميين، على الرغم من افتراض كون الأمم الأخرى - مثل الآشوريين، والصينيين، واليونان - لهم اهتمامٌ باللغة؛ فالآشوريون اهتمُّوا باللغة ومفرداتها وقواعدها، وعرَفوا المعاجم قبل العرب، فقد ابتَكَروا معاجم خاصة بلغتهم ذات ترتيب يُغاير ما عُرِف عند العرب من ترتيب، فتركوا نظام الكتابة الترميزية القديمة، واستبدلوا بها نظام الإشارات المقطعية أو الألفبائية. خامسًا: مصادر التأليف المعجمي العربي: 5/1 القرآن الكريم والقراءات القرآنية: ألفاظ القرآن الكريم هي لبُّ كلام العرب وزُبْدته، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء، والفرقانُ العزيز الذي نزل بلسان عربي مبينٍ في أعلى درجات الفصاحة، فكانت أمةُ العرب في أمسِّ الحاجة إليه؛ إذ استَشْهَدوا به في كثيرٍ من المواطن، وقبِلوا كلَّ ما جاء فيه، وحقيقة الكتاب أنه (ما نقل إلينا بين دفتَي المصحف بالأحرف السبعة المشهورة نقلًا متوترًا). والقراءاتُ القرآنية هي الوجوهُ المختلفة التي سمَح النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقراءةِ نصِّ المصحف بها قصدًا للتيسير، والتي جاءت وَفْقًا للهجة من اللهجات العربية، يقول ابن الجزري: "قد تتبعتُ صحيح القراءةِ وشاذَّها وضعيفها ومنكرها، فإذا هي يرجعُ اختلافها إلى سبعة أوجه، لا يخرج عنها؛ وذلك: إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة، نحو:﴿ بالبُخْل ﴾ [13]؛ بأربعة، ويحسب بوجهين. أو متغير في المعنى فقط؛ نحو: ﴿ فتلقَّى آدم من ربه كلمات ﴾[14]. وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة؛ نحو: ﴿ تبلو ﴾ [15]، و﴿ تتلو ﴾ [16]. أو عكس ذلك؛ نحو: ﴿ الصراط ﴾ [17]، و(السراط). أو بتغيرهما؛ نحو: ﴿ وامضوا ﴾ [18]، (واسعَوا). وإما في التقديم والتأخير؛ نحو: ﴿ فيَقتلون ويُقتلون ﴾ [19]. أو في الزيادة والنقصان؛ نحو: ﴿ وصَّى ﴾ [20]، و(أوصى). فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها"[21]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |