|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جوانب من الأبعاد الصورية للنحو العربي هند نجاري ونحن نتناول جانبَ الأبعاد الصُّورية في النَّحوِ العربيِّ بالدراسة، نكون حينئذٍ بصددِ الحديث عن المنطق وعَلاقته باللغة، فالمنطق يبحَثُ في الفِكر، والفكر يتمُّ بواسطة اللغة؛ لذلك فالمنطق يبحث في لغة الفكر أيضًا. وأستحضرُ هنا قول الدكتور محمد السرياقوسي: "فجميع العمليات الفِكريَّة - مهما كانت درجة تعقيدها - تُمارَس بواسطة اللغة، التي تقوم أيضًا بالتعبير عن نتائج ذلك الفكر، ولا يمكنُ أن تُطبَّق مبادئ التفكير الصحيح لنقدِ ذلك النتاج وتقويمه إلا باستخدام اللغة، وبذلك تكون اللغةُ وسيلةً كليَّةً للفكر، لا يمكِن أن تُنكَر، يستطيع العقل بفضلها وبفضلِ ألفاظها أن ينتقلَ مِن التفكيرِ المحسوس إلى التفكير المجرَّدِ، ويجب على المنطقِ أن يقوم بتحليل تلك الألفاظِ، حتى يستطيع أن يضع القواعد التي ينبغي اتِّباعُها في التعبير؛ ليكونَ الفكر صحيحًا في شكله وفي موضوعه، وهنا يتَّصِلُ المنطق بالنحو؛ لأن النحو هو الآخر يبحثُ في اللغة المعبِّرة عن الفكر ويضع قواعدَ لها"[1]. لذا؛ فنحن عندما نتحدَّثُ عن الأبعاد الصُّورية في عَلاقتها بالنحو نكونُ قد تحدَّثنا عن البحثِ في خصائص اللغة، والتصنيفات المنطقيَّة الناتجة عن تقسيم النحو إلى تصوُّرات ومقولات، ومِن ثمة نكونُ أمام أبحاثٍ لُغَوية ومنطقية في الوقت نفسه. ولعلَّنا لا نختلفُ في كون كلِّ الأنحاءِ قد اعتَمَدت على مجموعةٍ من الأسس لتصنيف قواعدها، والنحو العربيُّ ليس بِدْعًا من ذلك، فالبُعْد التصنيفيُّ للمقولات أو الألفاظ في النحو العربي قائمٌ بالأساس على المعرَبات والمبنيَّات. فالمعرب هو: "ما اختلف آخرُه باختلافِ العوامل، لفظًا أو محلًّا، بحركةٍ أو حرفٍ، فاختلافه لفظًا بحركة في كل ما كان حرفُ إعرابه صحيحًا أو جاريًا مَجْراه؛ كقولك: (جاء الرجلُ)، و(رأيتُ الرجلَ) و(مررتُ بالرجلِ)"[2]. • فالكلمات المعرَبةُ هي التي تتغيَّر بسبب دخول العوامل التي تُؤثِّر فيها رفعًا أو نصبًا أو جرًّا أو جزمًا. • أما المبنيُّ، فيقول العُكْبَرِيُّ: "أما معنى البناء، فهو الثبوت واللزوم كبناءِ الحائط، وحدُّه في النحو: لزوم آخر الكلمة سكونًا أو حركةً، وإن شئت قلت: هو ألّا يختلفَ آخِرُ الكلمة لاختلافِ العامل فيها"[3]. • وأجمع النَّحْويون على أصلٍ لم يختلفوا حوله، وهو أن الأصلَ في الأسماء الإعرابُ، والأصل في الأفعال والحروف البناءُ؛ ليُصبِح على مستوى التجريد: كل مبنيٍّ هو عامل، وكل معرَبٍ هو معمول. ولكن أثناء الممارسة النَّحْوية وجد النَّحْويون من الأسماء ما جاء مبنيًّا، ومن الأفعال ما جاء معربًا، فاحتيج إلى تعليلٍ؛ لأنها خرجت عن أصلِها. يقول العكبريُّ: "والحروف كلها مبنيَّةٌ، وكذلك الأصل في الأفعال، ولا يفتقر ذلك إلى علَّةٍ؛ لأن الكلمة موضوعةٌ عليه، وإنما يُعلَّل الإعراب؛ لأنه زائدٌ على الكلمة، ولَمَّا كان الأصل في الأسماء أن تُعرَب... احتيج إلى تعليلِ ما بُني منها، ولَمَّا كان الأصلُ في كلِّ مبنيٍّ السكون، احتيج إلى تعليلِ ما حُرِّك منه، وإلى تعليل تعيين الحركة دون غيرها"[4]. عندما نقول: إن مقولة المعربات والمبنيَّات هي تصنيفٌ للألفاظ، نكون إذًا أمام التصنيف اللفظيِّ أساسًا، ويتحوَّل هذا التصنيفُ إلى تجريديٍّ، فيصبح المعرب ما له محلٌّ، ويصبح المبنيُّ ما لا محلَّ له على مستوى التجريد. إذًا؛ يجب التمييز بين مستويين: • المستوى التجريديُّ: ونكون أمام المبنيَّات التي لا محلَّ لها، والمعربات التي لها محلٌّ. • المستوى اللفظيُّ: ونكون أمام مُعرَبات أصول، ومبنيَّات أصول، ومعربات فروع، ومبنيَّات فروع. فالجانب التجريديُّ يهتمُّ بما هو نظريٌّ، والجانب اللفظيُّ يهتمُّ بما هو قاعديٌّ. لذلك؛ إن نظرنا إلى الأسماء والأفعال والحروف من الزاوية اللفظية، فسنقول: إن الأصل في الأفعال والحروف البناء، وما جاء معربًا فلشبهِه بالاسم، أما الحروف، فجاءت كلها مبنيَّةً على أصلها، وما جاء على أصله لا يُسأَل عن علَّتِه، ثم ما جاء مبنيًّا من الأسماء فذلك لشبهِها بالحروف، أو تضمُّنِها معنى الحروف، أو وقوعها موقع الفعل المبنيِّ. وبالرغم من كون الفعل المضارع جاء معربًا على مستوى اللفظ، فإنه لا وظيفة نَحْويَّة له؛ أي: إن الفعلَ المضارع وإن كان معربًا، فإعرابه لفظيٌّ فقط، فلا يرقى لأن يكون معربًا أصالةً، فالمعربات أصالةً هي التي لها وظائفُ نَحْوية، أما الفعل المضارع، فيظلُّ على مستوى التجريد لا محلَّ له، ولا وظيفة له كسائر العوامل (الأفعال والحروف). يقول العُكْبريُّ: "الأصل في الفعل البناء؛ لأن الإعراب دخل للفصلِ بين الفاعل والمفعول، وليس في الفعل فاعل ولا مفعول، فصار كالحرف"[5]. ووجدت نصًّا لابن الحاجب يقول فيه: "... قوله: (مبني الأصل)، هذا أيضًا من ذاك؛ لأنه اصطلاح مجدَّد منه، مراد به الحرف والفعل الماضي والأمر، على ما فسّره في الشرح، وإن أخذنا لفظ المبني الأصل على ما يقتضيه اللفظ من المعنى المشهور، دخل فيه مطلق الأفعال وإن كانت مضارعة؛ إذ أصلُ جميعِ الأفعال البناءُ، على ما ذهب إليه البصرية...، بلى إن اختار مذهب الكوفيِّين في كون المضارع أصيلًا في الإعراب كالاسم لتوارد المعاني عليه، كما يجيء في بابه، لم يَرِدْ عليه ما ذكرنا، ولا يَرِدُ على تفسيره المبنيّ الأصل بالحرف والماضي والأمر المصدر في نحو: أعجبني ضربُ زيدٍ عمرًا أمسِ؛ وذلك بأن يقال: المصدر ههنا يشبه الماضيَ لتقديره به، مع أن ضرب يعملُ، فهو مشابهٌ للماضي مع أنه معربٌ؛ لأن مشابهةَ المصدر لمطلق الفعل سببُ عمله، لا مشابهته للماضي، بدليلِ أنه يعمل، وإن كان بمعنى الحال والاستقبال"[6]. فابن الحاجب عقد مقارنةً ذكية هنا؛ فالفعل المضارع الأصلُ فيه أن يكون مبنيًّا، وحتى إن تواردت عليه المعاني، فهو قد يشبه الأسماء من هذا الجانب؛ لكنه لا يصل إلى درجة الإعراب أصالةً كما الأسماء، فقد شابهها في جزءٍ، فلو قلنا: إن الإعراب فيه أصيلٌ، لأدرجناه في خانة المعرَبات، ومنحناه وظيفةً نَحْويَّة، وذلك غير واردٍ، تمامًا كمشابهة المصدر لمطلق الفعل، فمشابهته للفعل الماضي لم تُخرِجه من المعربات إلى المبنيَّات؛ بل ظلَّ معربًا، ولكنه يعمل في الماضي وفي الحال وفي المستقبل. وفي المقابل كلُّ الأسماء في البناء النظريِّ النَّحْويِّ تقعُ في محلَّاتٍ، حتى وإن جاءت مبنيةً، فالأصل أنها تقع في محلٍّ، ولها وظيفةٌ نَحْويَّة. فبعض الجُمَل التي نقول عنها: إن لها محلًّا من الإعراب، نُرجِعُها دائمًا إلى المفردات، فنقول: إما أنها تقع موقع المفرد، أو تُؤوَّل بمفرد، والمفردات يحتلُّها الاسم. لذلك؛ يمكِنُ أن نخلصَ إلى أن الأصل في الأفعال والحروف أن لا محلَّ لها، والأصل في الأسماء أن لها محلًّا، واللامحل يمنح المحلَّات. إذًا؛ يمكِنُنا القول: إن مقولة تصنيف الألفاظ قائمةٌ على مفهومين: مفهومِ الاسميَّة، ومفهومِ الفعليَّة، فالألفاظ التي تتَّصِف بالاسمية يكون فيها البناء فرعيًّا، والألفاظ التي تتَّصف بالفعلية يكون فيها الإعراب فرعيًّا، فالأصالةُ الإعرابية هي للأسماءِ، والأصالة من حيث البناءُ هي للأفعال والحروف. وقد تم تصنيفُ الأسماءِ بحسَب درجاتِ التمكُّن، وذلك ما أشار إليه سِيبَوَيْهِ في تعريفه للاسم بأنه رجل وفرس وحائط، وهذه الأسماء تُشكِّل أعلى درجات التمكُّن في الاسمية؛ حيث إنها تقبَلُ الحركاتِ الإعرابيةَ من رفع ونصب وجرٍّ، وتقبل التنوين أيضًا، فالإعراب + التنوين يساوي أعلى درجات الاسمية. يقول سيبويهِ: "فالرفع والجر والنصب والجزم لحروفِ الإعراب، وحروفُ الإعراب للأسماء المتمكِّنة وللأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين"[7]. وحين بحثتُ عن المقصود بحروف الإعراب وجدتُ ابنَ يعيشَ يقول: "فإن قيل: (قد اشترطتم في الاسم المعربِ بالحركات أن يكون حرفُ إعرابِه صحيحًا، فما تَعْنُون بحرف الإعراب؟)، فالجواب: أن المراد بقولنا: (حرف الإعراب) محلُّ الإعراب، وهو من كل معربٍ آخرُه؛ نحو الدال من (زيد)، والباء من (يضربُ)، وعلى هذا لا يكون للمبنيِّ حرفُ إعرابٍ؛ لأنه لا إعرابَ فيه، وربما سُمِّي آخرُ الكلمة مطلقًا حرفَ إعراب، سواء كانت معربة، أو لم تكن معربةً، فعلى هذا حرف الإعراب من (ضربَ) الباءُ، على معنى أنه لو أعرب، أو كان مما يعرب، لكان محلَّ الإعراب"[8]. هذا يعني أن المقصود بحروف الإعراب هي أواخرُ الكلمات التي تظهر عليها الحركات الإعرابية إما ظهورًا واضحًا أو مقدَّرًا لنُبُوِّ حرف الإعراب عن تحمُّل الحركات. ثم يقول سيبويه في موضع آخر: "واعلَمْ أن بعض الكلام أثقلُ من بعض، فالأفعال أثقلُ مِن الأسماء؛ لأن الأسماء هي الأولى، وهي أشدُّ تمكُّنًا، فمِن ثَمَّ لم يَلْحَقها تنوينٌ، ولحِقَها الجزم والسكون"[9]. إن قول سيبويه: "هي أشدُّ تمكُّنًا" أي الأسماء، هو تصريحٌ ضمنيٌّ لكون الأسماء متمكِّنةً دائمًا على مستوى المحلَّات، في حين أن الأفعال ليست كذلك، حتى وإن كانت معربة أو تامَّة متصرِّفة. لذلك؛ فالقسم الأوَّل من الأسماء هو ما يقبَلُ الحركاتِ الإعرابيةَ بالإضافة إلى التنوين، سواء كان دخولها عليها لفظًا أو تقديرًا، فهذا الضرب من الأسماء هو ما سُمِّي بالمتمكِّن الأَمْكَنِ، والتمكُّن يُقصَد به رسوخ القدم في الاسمية، وهو أكثر تمكُّنًا من غيره؛ لذلك قلنا: إنه أمكن؛ لأنه لم يشبِهِ الحرفَ فيُبنَى، ولم يُشبِهِ الفعل فيسقط عنه الجرُّ والتنوين. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |