
26-08-2022, 08:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,797
الدولة :
|
|
بين مرآتين: المطرقة والسندان
بين مرآتين: المطرقة والسندان
د. محمود عبدالجليل روزن
مما يتصل بالملمح السابق أنَّك إن وضعت مرآتين - أو أكثر - بشكلٍ متقابل تمامًا تحصل على انعكاس لا نـِهائيٍّ.
وهذا - وإن نفع في بعض التطبيقات - إلا أنَّه مضرٌّ - غالبًا - فيما يتعلق بالنصيحةِ، فالإنسانُ إن رأى أنَّه واقعٌ بين مجموعةٍ من الناصحين في الوقت نفسه فربَّما أحسَّ بالضغط العصبيّ الـمُفضي إلى التوتُّر والقلق وما هو أكبر منهما من الأمراض النفسية.
وقد ينتج عن هذه النصيحة (الجماعية) اعتقادُ المرء أنَّ شأنه أصبح (مَشاعًا)، وأنَّ عيوبه أظهَرُ وأكثرُ مِن ألا يتناولها كل الناس، أو أنَّ حاله صارت عصيَّةً على أقلِّ من (مجلس حكماء)! أو على الأقلِّ يحسُّ أنَّه طفلٌ يتناوبه الأبوان والكبار بالتوجيه والإرشاد!
ومما يُستأنسُ به لهذا المعنى؛ أنَّ ملوك اليونان والفرس كان لا يجمعون وزراءهم على أمر يستشيرونهم فيه – والمشورة فرعٌ عن النصيحة، ونوعٌ من النصح الاستباقيّ إن جاز التعبير- وإنَّما كانوا يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به، وهذا لمعانٍ شتَّى:
لئلا يقع بين المستشارين منافسة؛ فتذهب إصابة الرأي، وربما سبق أحدهم بالرأي الصواب فحسدوه وعارضوه، ومن ذلك أيضًا أنَّ اجتماعهم على المشورة يُعرِّض السر للإذاعة؛ لأنَّ المستشار إذا كان واحدًا حافظ على السرِّ إن لم يكن تديُّنًا وأمانةً؛ فلعلمه أنَّ الأمر لم يُعرض على سواه، فهو - حالئذٍ - الـمُتهمُّ الوحيد بإذاعته، أمَّا إن كانوا أكثر من واحدٍ؛ فقد يتهاون بعضهم في حفظ السرّ؛ لأنَّه يعرف أن التهمة ستضيعُ بين المستشارين جميعًا، وساعتها لن يُوجَّه إليه لومٌ مباشر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|