|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الرواية العربية .. بداية وإرهاصات د. إبراهيم عوض تعريف الشعر بين القدماء والمحدثين (36) تتَّسم الروايات المؤلفة في بدايات عصر النهضة بتكدُّس الأحداث، وغلبة السرد على الحوار، وكثرة المصادفات والأحداث الغريبة، والتحليق في عالم الخيال، ووضوح الغرض الأخلاقي أو التعليمي، وتدخُّل المؤلف في سياق الأحداث بتعليقاته المباشرة، والاستشهاد بين الحين والحين بالأمثال والحِكم وأبيات الشعر... إلخ. وفي كل بلد عربي يقف مؤرخو الرواية ونُقَّادها عادةً عند إحدى الروايات، بوصفها البداية الحقيقية للرواية الفنية الجيدة، ففي مصر يُحددون هذه البداية برواية محمد حسين هيكل: "زينب"، التي ظهرت في بدايات العقد الثاني من القرن العشرين؛ لِما فيها من تصوير دقيق للريف المصري بمناظره الطبيعية، وحقوله وطيوره وبيوته، وعاداته وتقاليده، ومعالجتها بعض القضايا المهمة؛ كالعلاقة بين الفلاحين ومالك الأرض، والعلاقة العاطفية بين زينب وحامد ابن المالك الذي كانت تشتغل مع سائر الفلاحين في أرضه، وبينها وبين إبراهيم الذي كانت تحبه ولكن لم يكتب لها الزواج منه، بل تزوَّجت "حسن" رغم أنها لم تكن متعلقةً به، وكذلك التطور الفكري لحامد الطالب المُطَّلع على كُتب الفلسفة والاجتماع وما أشبه، إلى جانب أسلوب القصة العصري البسيط الخالي من السجع والجناس، والزخارف البديعية الأخرى، وإن لم تعد ريادة هيكل لفن الرواية أمرًا يحظى بالإجماع؛ إذ يشير بعض الدارسين إلى أن "زينب" قد سبَقتها قَصص أخرى جيدة فنًّا ومضمونًا؛ كـ"عذراء دنشواي"؛ لمحمود ظاهر حقي، و"فتاة مصر"؛ ليعقوب صروف. وتتجسد البداية الناضجة للفن الروائي في بلاد الرافدين في محمود أحمد السيد وروايته: "جلال حامد" (1928م)، التي تأتي ثالثة في ترتيب ما أصدره من أعمال روائية؛ إذ سبقتها روايتا "في سبيل الزواج" (1921م) و"مصير الضعفاء" (1922م)، وهي تدور حول ثورة العراق عام 1920م، ورحيل البطل إلى الهند وعودته بعد فشل الثورة المذكورة، وتعكس آراء الكاتب السياسية والاجتماعية والأدبية، من مثل: حق العُمَّال في الإضراب لتحسين أوضاعهم، وحق المرأة في الحرية والتعليم، وفي أن يكون لها رأي في زواجها... إلخ، فضلاً عن أنها لا تَهيم في أَوْدية الخيال كما يقول مؤلفها، وإن لم تخلُ من بعض العيوب. أما في سوريا، فتُعد رواية "نهم"؛ لشكيب الجابري الصادرة سنة 1936م، هي البداية الفنية الحقيقية للرواية السورية، وهي رواية ذات اتجاه رومانسي كبقية روايات ذلك المؤلف، الذي كان آخر ما كتَبه في هذا المضمار هو "وداعًا يا أفاميا" (1960م)، ويبرر في حوادثها التي تجري في برلين الانحلال الجنسي، رغم ما تُعالجه من القضايا الوطنية، وتمثِّل رواية توفيق يوسف عواد "الرغيف" (1939م) عند النُّقاد ومؤرخي الرواية - نقطةً متميزةً في حفل الرواية اللبنانية، وموضوعها جهود بعض الشبان الوطنيين في إيقاظ الروح القومية والمطالبة بحق العرب في عيشة كريمة، والكفاح ضد العثمانيين والإقطاعيين المحليين لبلوغ هاتين الغايتين، ويقوم رغيف الخبز بدور مهم في الرواية؛ إذ يمثل المطلب الثاني إلى جانب الحرية، وقد سبَقت رواية عواد أعمالٌ روائية لأمين الريحاني وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وكرم ملحم كرم وغيرهم، وهذه الروايات هي التي مهَّدت السبيل لـ"رغيف" عواد، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تلك الرواية قد خلت من العيوب، فما من نتاج بشري يخلو من الثغرات، وبخاصة إذا كان رائدًا في مجاله. ويتريَّث د. إبراهيم السعافين عند رواية عبدالحليم عباس: "فتاة من فلسطين"، واضعًا إياها في محل الريادة من مسيرة الرواية في الأردن، وهي "تقوم على تمجيد وَحدة الأمة في الشدائد والخطوب العظيمة"، وتعالج مأساة فلسطين، رابطةً "القضية السياسية القومية بالمسألة الاجتماعية"، في إطار قصة حبٍّ بين بطلي الرواية اللذين يُقدمان على الزواج في تحدٍّ لـ "التقاليد السائدة التي تجعل زواج أبناء العمومة مقدَّمًا على زواج الأغراب أو المتباعدين". ويذكر د. سلطان بن سعد القحطاني في كتابه: "الرواية في المملكة العربية السعودية - نشأتها وتطورها"، أن معظم الباحثين والنُّقاد يعدون "ثمن التضحية" (1959م)؛ لحامد دمنهوري، أوَّلَ رواية سعودية جمعت معظم العناصر الفنية للرواية، إن لم تكن كلها، وهي رواية تُصوِّر الصراع الذي يدور في نفس البطل بين بقائه في بلده، مع الاكتفاء بالقدر الذي حصَّله من التعليم، وبين سفره إلى القاهرة؛ لإكمال تعليمه هناك، وكذلك بين حبِّه لخطيبته غير المتعلمة التي خلَّفها وراءه في السعودية، وحبِّه لزميلته القاهرية الجميلة التي تتمتَّع بالجاه والمال والتعليم الجامعي. أما في السودان، فينصب الثناء الحقيقي للدكتور سيد حامد النساج في كتابه: "بانوراما الرواية العربية الحديثة" على "الطيب صالح" وأعماله القَصصية، قائلاً: "إن الرواية العربية تبلغ قمة نُضجها في السودان" على يديه؛ إذ تجمع بين النكهة المحلية ومسايرة التقدُّم العصري في الفن الروائي، كما أن مقدرته على وصْف القرية السودانية؛ بناسها وعاداتها وتقاليدها، والمؤثرات المدنية الوافدة عليها، ومَزْج الوقائع بالخرافة والأسطورة - قد بلغت من البراعة حدًّا بعيدًا، علاوةً على النفحة الصوفية التي يَمسح بها على عالمه. وبالنسبة للرواية التونسية، فإن د. النساج أيضًا في كتابه المذكور لا يعترف من الناحية الفنية بشيء منها قبل رواية "جولة حول حانات البحر المتوسط" (1935م)؛ لعلي الدوعاجي، الذي يؤكد أنه "أبو القصة التونسية الحديثة بلا منازع"، نافيًا أن تكون "الهيفاء وسراج الليل"؛ لصالح السويسي (1906م)، أو "الساحرة التونسية"؛ للصادق الرزوقي (1910م)، أو "فكاهة في مجلس قضاء"؛ لمحمد مناشو (نفس العام) وأمثالها - روايات بالمعنى الفني الصحيح، بل هي - في رأيه - أعمال ساذجة تُعَد أقربَ إلى المقال أو الصورة الفكاهية منها إلى العمل القصصي، وتتناوَل رواية الدوعاجي موضوع الالتقاء بين حضارتي الشرق والغرب، مع الرمز لكل منهما بامرأة يُخصص البطل لأُولاهما جانبه الوجداني، وللثانية جانبه الجسدي، وتدور معظم حواراتها على الجنس ووصْف النساء في أماكن وحالات مختلفة بأسلوب ساخر في كثير من الأحيان. كذلك يؤكد الدكتور النساج أن ظهور الرواية الجزائرية ذات المستوى الفني الجيد، قد تأخر إلى سبعينيات القرن الماضي، حين صدرت لعبدالحميد بن هدوقة روايتا "ريح الجنوب" و"نهاية الأمس" (1971م، 1974م على التوالي)، وللطاهر وطار "اللاز" و"الزلزال" (1974م)، و"الحوات والقصر" (1978م)، ويُعجب الأستاذ الدكتور بالطاهر وطار إعجابًا عظيمًا، عادًّا روايته: "اللاز" نقطة تحوُّلٍ في مسيرة الرواية الجزائرية. وبالنسبة للمغرب، نجد كذلك د. النساج يختص الأستاذ عبدالكريم غلاب باهتمام زائد، مبرزًا تحمُّس هذا الكاتب المغربي للرواية تحمُّسًا يبلغ حدَّ العشق، ذاكرًا الأعمال الروائية التي أبدعتها يراعته: "دفنا الماضي" (1966م)، و"المعلم علي" (1971م)، و"سبعة أبواب"، كما يلفت انتباهنا إلى ما لاحظَه من تشابه بين الكاتب المغربي في شغفه البادي في رواياته بمدينة فاس، والأستاذ نجيب محفوظ في اهتمامه الشديد بقاهرة المعز؛ إذ يحرص كلاهما على تصوير البيئة المكانية، فضلاً عن تشابههما في موضوعات رواياتهما وأحداثها وشخصيَّاتها. •••• والآن إلى بعض نماذج الفن القصصي في القديم وفي الحديث، فمن كتاب "العقد الفريد"؛ لابن عبدربه (246 - 328هـ)، نختار النص التالي: "حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الأجدع الكوفي بهيت، قال: حدثني إبراهيم بن علي مولى بني هاشم، قال: حدثنا ثقات شيوخنا: أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني، لَما أراد أن يُسلم، كتَب إلى عمر بن الخطاب من الشام يُعلمه بذلك، يستأذنه في القدوم عليه، فسُرَّ بذلك عمر والمسلمون، فكتب إليه: أن اقدَم، ولك ما لنا، وعليك ما علينا، فخرج جبلة في خمسمائة فارس من عك وجفنة، فلما دنا من المدينة، ألبسهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة، ولبِس يومئذ جبلة تاجه، وفيه قرط مارية، وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان، وفرِح المسلمون بقدومه وإسلامه، حتى حضر الموسم من عامه ذلك مع عمر بن الخطاب، فبينما هو يطوف بالبيت، إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة، فحلَّه، فالتفتَ إليه جبلة مغضبًا، فلطَمه فهشَّم أنفه، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب، فبعَث إليه، فقال: ما دعاك يا جبلة إلى أن لطَمت أخاك هذا الفزاري، فهشَّمت أنفه؟ فقال: إنه وطئ إزاري، فحلَّه، ولولا حُرمة هذا البيت، لأخذت الذي في عيناه، فقال له عمر: أما أنت، فقد أقررت، فإما أن تُرضيه، وإلا أقَدته منك، قال: أتُقيده مني وأنا مَلِك وهو سُوقة؟ قال: يا جبلة، إنه قد جمعك وإياه الإسلام، فما تَفضله بشيء إلا بالعافية، قال: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعزَّ مني في الجاهلية، قال عمر: دعْ عنك ذلك، قال: إذًا أتنصَّر، قال: إن تنصَّرت، ضرَبت عنقك، قال: واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة، فكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أخِّرني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: ذلك لك، فلما كان جُنح الليل، خرج هو وأصحابه، فلم يَئن حتى دخل القسطنطينية على هرقل، فتنصَّر وأقام عنده، وأعظمَ هرقل قدوم جبلة، وسُرَّ بذلك، وأقطعه الأموال والأراضي والرباع. فلما بعث عمر بن الخطاب رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام، فلما أراد أن يكتب جواب عمر، قال للرسول: ألقيت ابن عمك هذا الذي ببلدنا (يعني جبلة)، الذي أتانا راغبًا في ديننا؟ قال: ما لقيته. قال: الْقَه، ثم ائتني، أعطِك جواب كتابك. وذهب الرسول إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحُجَّاب، والبهجة وكثرة الجمع، مثل ما على باب هرقل، قال الرسول: فلم أزَل أتلطَّف في الإذن حتى أذِن لي، فدخلت عليه، فرأيت رجلاً أصهبَ اللحية ذا سبالٍ، وكان عهدي به أسمر أسودَ اللحية والرأس، فنظرت إليه فأنكرته، فإذا هو قد دعا بسحالة الذهب، فذرَّها في لحيته حتى عاد أصهبَ، وهو قاعد على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسود من ذهب، فلما عرَفني رفَعني معه في السرير، فجعل يسائلني عن المسلمين، فذكرت خيرًا، وقلت: قد أضعفوا أضعافًا على ما تعرف. فقال: كيف ترَكت عمر بن الخطاب؟ قلت: بخير. فرأيت الغم قد تبيَّن فيه لما ذكرت له من سلامة عمر، قال: فانحدرت عن السرير، فقال: لِم تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نقِّ قلبك من الدَّنس، ولا تُبالِ علامَ قعَدت، فلما سمِعته يقول: صلى الله عليه وسلم، طمِعت فيه، فقلت له: وَيْحك يا جَبلة، ألا تُسلِم وقد عرَفت الإسلام وفضله؟ قال: أبعد ما كان مني؟ قلت: نعم، قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعَلت، ارتدَّ عن الإسلام وضرَب وجوه المسلمين بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، وقُبِل ذلك منه، وخلَّفته بالمدينة مسلمًا. قال: ذرني من هذا، إن كنت تضمن لي أن يُزوِّجني عمر ابنته، ويُوليني الأمر من بعده، رجَعت إلى الإسلام. قلت: ضمِنت لك التزوج، ولم أضمن لك الإمرة. قال: فأومَأ إلى خادم بين يديه، فذهب مسرعًا، فإذا خدم قد جاؤوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوُضِعت ونُصِبت موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كُلْ، فقبَضت يدي وقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة، فقال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نقِّ قلبك، وكُلْ فيما أحبَبت. قال: فأكل في الذهب والفضة، وأكلت في الخليج، فلما رُفِع الطعام، جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب، وأومأ إلى خادم بين يديه، فمر مسرعًا، فسمعت حسًّا، فالتفتُّ، فإذا خدَمٌ معهن الكراسي مُرصعة بالجواهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، ثم سمعت حسًّا، فإذا عشر جوار قد أقبلنَ مطمومات الشعر، متكسرات في الحلي، عليهنَّ ثياب الديباج، فلم أر وجوهًا قطُّ أحسن منهن، فأقعَدهن على الكراسي عن يمينه، ثم سمِعت حسًّا، فإذا عشر جوار أُخر، فأجلسهنَّ على الكراسي عن يساره، ثم سمعت حسًّا، فإذا جارية كأنها الشمس حُسنًا، وعلى رأسها تاج، وعلى ذلك التاج طائر لم أرَ أحسن منه، وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر، وفي يدها اليسرى جام فيه ماء ورد، فأومأت إلى الطائر، أو قال: فصفَّرت بالطائر، فوقع في جام ماء الورد، فاضطرَب فيه، ثم أومأت إليه، أو قال: فصفَّرت به، فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يَزل يُرفرف حتى نفضَ ماء ريشه عليه، وضحِك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال: بالله أطْرِبْنَني، فاندفعْنَ يَقُلنَ: لله دَرُّ عصابة نادَمتهم ![]() يومًا بجِلَّقَ في الزمان الأوَّلِ ![]() يَسقون من وَرْد البَريص عليهم ![]() بَرَدَى يُصَفِّق بالرحيق السَّلْسلِ ![]() أَولاد جَفنةَ حول قبر أبيهم ![]() قبرِ ابن ماريةَ الكريم المُفْضلِ ![]() يُغْشَون حتى ما تَهِرُّ كلابُهم ![]() لا يَسألون عن السَّواد المُقبلِ ![]() بِيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابُهم ![]() شُمُّ الأُنوف من الطِّراز الأوَّلِ ![]() قال: فضحِك حتى بدَت نواجذه، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا. قال: قائله حسان بن ثابت، شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم. ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فقال: بالله أبْكيننا. اندفعن يَقلن: لِمَن الدارُ أقْفَرتْ بِمَعَانِ ![]() بَيْن أعلى اليَرموك فالخَمَّانِ؟ ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |