وللسوط أحيانا بريق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 599 - عددالزوار : 70598 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 16815 )           »          بين الوحي والعلم التجريبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          غزة في ذاكرة التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 9119 )           »          حين تتحول الحماسة إلى عبء بين الجاهل والعالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          نعمة الأمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 32318 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2921 )           »          منهجية القاضي المسلم في التفكير: دروس من قصة نبي الله داود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          واجبات الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-08-2022, 05:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,183
الدولة : Egypt
افتراضي وللسوط أحيانا بريق

وللسوط أحيانا بريق
عادل مناع












منذ أن بدأ إدراكي يشقُّ طريقه في الحياة، علمتُ أنني لست كسائر البشر، وأنه ينبغي عليَّ ألَّا أخرج عن إطارِ هذه الحقيقة حتى أستطيع العيش في أمان.







كان سيد القصرِ هو الآمرَ الناهي، ننتظر فُتات طعامه، ونكدُّ ونكدح في أرضه على ملء بطوننا، وأقصى أمانينا أن نجدَ في أحلامنا ما يمسح عن جباهِنا غبار العناء، غير أن الواقع المرَّ لم يتركنا لأحلامنا فيداهمنا ليقرع آذاننا: إنما أنتم عبيد!







عشتُ وصاحبي نتقاسم معًا جرعات المرِّ، نختلس أن تسدل أستار النهار ويكتنفنا الظلام؛ حتى نطلق العنان لأفراح الطفولة.



كل منا قد ألِف مشهدَ أبيه وقد غُلَّت يداه إلى نخلةٍ عتيقة، وسوط سيِّد القصر يشقُّ الهواء إلى ظهره العاري؛ ليمتزج ذلك الصوت المرعب بأنَّاتٍ مكتومة؛ ليتمدَّد على بطنه بعدها تضمده الزوجة المكلومة.







اشتدَّت العيدان، وكأن كلًّا منا قد ورِث عن أبيه ظهرَه العاري في مرمى السوط، وكم مِن مرة شد وثاقي وصاحبي، وكلانا ينظر إلى الآخر والسوط يهوي على ظهره.







كبِرنا وكبر الخوف في أعماقنا، فالسوط يطاردنا حيث وضعنا أقدامنا، غير أني قد نشأ معي حلمي الصغير وترعرع في الخفاء: أن أكون حرًّا!







كثيرًا ما أفضيت به إلى صاحبي، فكانت الفكرة تروقه وتفزعه في آنٍ واحد، يتلفَّت رغم همسي ذعرًا، ويُخِيفه المستقبل المجهول، فاق في حسِّه ألم السوط الذي اعتاده.



تحوَّل حُلمي على مرِّ الأيام إلى همٍّ وعزم، أقنعتُ صاحبي أن هذه الحظائرَ ليست مكاننا، وأننا بشر ينبغي أن نحيا كالبشر.







انطلَقْنا نتنسَّم عبير الحرية، وعدَوْنا بأنفاسنا المتلاحقة ومِن خلفنا رجال سيد القصر ليردُّونا إلى القَيد والرقِّ، ولم أكن أعبأ بذلك الجرح الغائر في قدمي ونزفه.



غِبْنا عن الأنظار، وآوانا بطنُ الجبل إلى أن تهدأ الأمور، ثم نبدأ في بناء حياتنا الجديدة في ظل الحرية.







مرَّ يوم كامل علينا ندافع الهواجس ونفرغ توتُّرنا بضحكات متعاقبة، نرسم بالكلمات معالم حياتنا في عهد الحرية، غيرَ أننا أفقنا من تلك الأحلام على لهيبِ الظمأ وزئير الجوع، فلم يكن بحوزتنا زادٌ لتلك الرحلة المجهولة.







كفاني صاحبي همَّ التفكير في النزول من الجبل، وهو يرى الدماء تغرق تلك الضمادة التي شققتها من ثيابي.



ساعات قضيتُها في انتظار صاحبي، وساورَتْني الشكوك التي قارَبْت حدَّ اليقين من أنه وقع في قبضة سيد القصر من جديد، وحدَّثت نفسي بالنزول، غير أنني أرجأتُ الأمر لساعة أخرى.







أسبلت عينيَّ في إعياء مطلِقًا عنان خيالي ليسبح في عالم الحرية، لم يقطع ذلك الاسترسال سوى تلك الجَلَبة التي جعلتني أنتفض لأرى المشهد الأكثر قسوةً في حياتي.







هو ذاته سيد القصر بملامحه القاسية قد انتفخَتْ أوداجه غضبًا، ومن حوله رجاله يتأهَّبون للانقضاض عليَّ، لكن ما زاد الأمر شدة عليَّ، صاحبي ذاك الذي يقف مرتجفًا مُطرِق الرأس لا تطاوعه عيناه على النظر إليَّ.







حينها أدركتُ أن صاحبي قد استسلم لهواجسه، ورأى أن يقنع بحياة العبودية التي ألِفها واعتاد مشهد السوط فيها، وأبت نفسه دفع ضريبة الحرية.




أُوثِقت يداي إلى النخلة، وظهري العاري يترقب أن يجد السوطُ طريقَه إليه، وبجانبي كان صاحبي الذي لم تشفع له الوِشاية بي لدى سيد القصر!







التقَتْ عينانَا لحظات، قرأتُ في عينيه كلمات صريحة: سامحني، فعلتُها رغمًا عني، لا أستطيع، تلك حياتي التي ألفتُها.



أما أنا، فلم تحمل نظراتي إليه سوى الشفقة على إنسان لم يعِ بعدُ معنى الحرية واستسلم للمألوف، غير أن السوط الذي علا في الهواء ليرتدَّ إلى ظهري لن يقتل حلمي، ولن أفقد الأمل في صاحبي أن يشاركني آمال الحرية.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.66 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]