|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ولقد ظلت محاضرات اللُّغَويين طوال العصر العباسي الأول على غِرار الأمالي التي تتناولُ موضوعاتٍ متعددة جزئية. وقد سبقت البَصرةُ الكوفةَ إلى وضعِ قواعد النحو، وصبَغَتها بالصبغة العلمية، ولقد عاش الخليلُ بن أحمد المؤسسُ الحقيقي لعلم النحو في هذا العصر كما ذكرنا، ويظهر أنه كان يُتقِن المنطق وما يتصلُ به من القياس، كما كان يتقن العلومَ الرياضية، وعلى أساسٍ مِن فهمه للقياس وضَع التَّصريف في النحو واللغة، فتولَّدت له ألفاظ جديدة، وفروضٌ في الصِّيغ التصريفية، كما تمثل تمثلاً دقيقًا فكرةَ المعادلات والتوافيق والتباديل التي هيَّأت عند الخُوَارِزمي لنشأةِ علم الجَبْر، كما وضَع الخليل علمَ العَروض كاملاً، وقد فتَح بما وصفه في علم العَروض الباب واسعًا أمام العباسيين ليجدِّدوا في أوزان الشِّعر. وخلَف الخليلَ بن أحمد على تراثه النَّحوي "سيبويه" تلميذُ الخليل (ت180هـ)، الذي وضَع أشهر كتاب في النحو العربي، وهو المسمَّى بـ: "الكتاب"، حتى لقد أُطلِقَ عليه "قرآن النحو". وقد تلقَّى هذا الكتابَ عن سيبويه من مشاهيرِ علماء اللغة والنحو تلميذُه "الأخفش" الأوسط سعيدُ بنُ مَسْعدة (ت211هـ). وكما كان النحو نشِطًا في البصرة، كذلك كان نشطًا بالكوفة، ومن علماء الكوفة الكِسائيُّ الذي ناظَر "سيبويه "في المسألة الزَّنبورية بحضورِ الرشيد، على أن مذهبَ البصرة في النحو يُعنَى بالقياس مستمدًّا له من استعمال العرب الشائع، أما مذهبُ الكوفة فيُعنى بالسَّماعِ، ويقدِّمه على القياس مهما كان شاذًّا ونادرًا، وبذلك اكتملت في العصر العباسيِّ الأول علومُ العربية، وأكملُها علمَا النحوِ والتصريف، والعَروض. العلوم الدينية والكلامية: نشأت العلوم الدينية في ظلال الحديث النبوي، وقد أخَذ المحدِّثون والرواة يضيفون إليه ما أُثِر عن الصحابة في تعاليم الدين، وفي تفسير القرآن الكريم، وبذلك حمل الحديث كل المادة المتصلة بالتشريع والفقه والتفسير، وقد أخَذ الحديث يُدوَّن تدوينًا عامًّا منذ أوائل القرن الثاني للهجرة، وما نكاد نتقدم في العصر العباسي حتى يتكاثرَ التصنيف فيه، وأول جيلٍ يلقانا في العصر العباسي الأول لمصنفيه منه: عبدالملك بن جريج بمكة (ت 150هـ)، ومَعمَر بن راشد باليمن (ت153هـ)، وسعيد بن أبي عَروبة بالبَصرة (ت156هـ)، والربيع بن صبيح (ت160هـ)، وحمَّاد بن سَلَمة (ت165هـ)، وسفيان الثَّوري بالكوفة (ت160هـ)، وعبدالرَّحمن الأوزاعي بالشام (ت157هـ)، والليث بن سعد بالفسطاط (ت175هـ)، وتبِع هذا الجيلَ جيلٌ ثانٍ، على رأسه: مالك بن أنس بالمدينة (ت179هـ)، وسفيان بن عُيَينة بمكة (ت198هـ)، وعبدالرزاق الصنعاني باليمن (ت211هـ)، وعبدالله بن المبارك بخراسان (ت181هـ)، وهُشيم بن بشير بواسط (ت183هـ)، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ووكيع بن الجراح بالكوفة (ت196هـ)، وعبدالله بن وهب بالفسطاط (ت197هـ). وأهمُّ كتابٍ وصل إلينا من هذين الجيلين كتاب " الموطأ" لمالكِ بن أنس إمام دار الهجرة، وهو مرتَّبٌ على أبواب الفقه، وبه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وفتاوى الإمام مالك نفسه. وفي أواخر القرن الثاني ظهرت المسانيد التي تقوم على تخليصِ الحديث النبوي وحده في التصنيف، ويسند لكل صحابي ما رُوِي عنه من الأحاديث، وممَّن عرفوا بمسانيد في هذه الفترة الربيعُ بن حبيب البصري (ت170هـ)، وأبو داود الطيالسي (ت203هـ)، وأشهرُ المسانيد في هذه الفترة مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ). وأخَذ المحدِّثون في هذا العصر يعرِضون رواة الحديث على نقدٍ شديد، حتى يُحيطوه بسِياج من الصحة والثقة متين، مما أدى إلى نشوء علمِ الرجال والجرح والتعديل، وهو علم مَحَّص مادة الحديث، ونفى عنها الزَّيف والتدليس، وأهمُّ من بدأ التأليف فيه يحيى بنُ مَعين، كما نشأ في هذا العصر علمُ غريبِ الحديث، وهو علمٌ يُعنى بتفسير ما في الأحاديثِ من ألفاظ غريبة. وفي تفسير القرآن الكريم وُجِدت مؤلَّفات فيه مستمدَّة مما أُثِر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من التفسير، ومما أُثِر عن الصحابة، وخاصة أُبَي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس. كما أُثِر تفسير لرجال هذا العصر من مثل سفيان بن عيينة، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، ووكيع بن الجرَّاح، وأبي بكر بن أبي شَيْبة، وقد ضاعت كُتُبهم هم ومن سبَقهم، إلا أن تفسيرَ الطبري قد احتفظ بكثير جدًّا مما جاء في هذه الكُتُب من الثروة المأثورة الغنيَّة. ونشأت بجانب التفسير في هذا العصر علومٌ قرآنية كثيرة، منها: علم نقط القرآن وشَكله، وعلم الوقف والابتداء، وعلم غريب القرآن، وعلم لغات القرآن، وعلم معاني القرآن، وعلم قراءات القرآن، وعلم ناسخ القرآن ومنسوخه، وعلم أحكام القرآن، وقد قام على هذه العلوم رجالٌ يصعُبُ إحصاؤُهم؛ حيث ازدهرت العلومُ الدينية في هذا العصر ازدهارًا عظيمًا. ومما ازدَهَر من هذه العلوم علمُ الفقه؛ حيث فتح الإسلامُ أمام العلماء بابَ الاجتهاد على مصراعيه، فمِن علماء الفقه مَن يرجع إلى نصوص القرآن والسنَّة، يهتدي بهما لا غير، ومنهم من يتوسَّع في الاستنباط والقياس الصحيح، ومن هنا ظهَر أهلُ الرأي مقابل أهل الحديث، وعلى رأس أهل الرأي يجيءُ الفقيه الكبير أبو حَنيفة النُّعمانُ، وينتشر رأيُه في الكوفة والعراق، وعلى رأس أهلِ الحديث يجيء مالكٌ في الحجاز والمدينة. ثم نفذ الإمامُ الشافعي من خلال المذهبين إلى مذهبٍ جديد عُرِف باسمه فيما بعدُ، ثم يجيء بعد الشافعيِّ الإمامُ أحمد بن حنبل بمذهبِه الذي كان يتابعُه فيه عامةُ بغداد، لقد كان العصر العباسي الأولُ بحقٍّ عصرَ الأئمة المجتهدين؛ حيث لم يقفِ الاجتهادُ عند هؤلاء الأربعة، بل كان هناك كثيرون ممن وصَلوا إلى مرتبةِ الاجتهاد في الفقه، وأُثِرت عنهم الأقوالُ في مسائل الفقه المختلفة. وفي هذا العصر أيضًا ازدهر من العلوم الدينية علمُ الكلام، ويراد به الجدلُ الدِّيني في الأصول العقائدية لا عند المسلمين وحدهم، بل عند جميع المِلَل والنِّحَل؛ حيث مضى كلُّ متكلِّم يدافع عن عقيدته في هذا العصر متسلحًا في دفاعه عنها بالفلسفةِ اليونانية وما يتصلُ بها من المنطق وغيره من علومِ الفلاسفة. وأهمُّ فِرَق المتكلمين في هذا العصر فِرقة المعتزلة الذين نصبوا أنفسَهم للدفاع عن عقيدة الإيمان الإسلامية، وما يتصل بها من توحيدِ الله وتنزيهِه عن التشبيه، وحقائق النبوة، والثواب والعقاب في الآخرة أمام المرجئة، والمجبرة، واليهود والنصارى، والدهريين الماديين، والمانويين الثَّنويين. وقد ملأ المعتزلةُ بحجاجهم وجِدالِهم مساجدَ البصرة، وجذَبوا بحُسن بيانِهم وقوتهم في الإقناع وإفحام الخصوم، الشبابَ، شعراء وغير شعراء، ورحَل كثيرٌ منه منذ أواخر القرن الثاني إلى بغداد، فخلبوا الألبابَ ببيانِهم الساحر، وبما أوردوا على الناس في المساجد الجامعة، وإذا بالمأمون يعتنق عقيدتَهم حتى جعَلها عقيدة الدولة، ومن بين مقرراتها مقولةُ خَلْق القرآن التي امتُحِن بسببها العلماءُ من قِبَل المأمون والمعتصم والواثق، محنة عظيمة. ولقد نجَح الاعتزال الذي صبَغ العقول بصبغة فلسفية، ومرَّنها تمرينًا دقيقًا على التعليلِ والمهارة في الاستنباط لخفياتِ المعاني ودقائقها، والبراعة في تفريعها وتشعيبِها وتوليدها، مع القياسِ الناصع والبرهان الساطع. ولقد سَرَتْ أسرابٌ من ذلك الفكرِ في جميع جوانب الأدب العباسي؛ حيث أكب الناسُ على مناظراتهم، وأكب معهم الشعراء، وقلما وُجِد شاعرٌ من شعراء العصر العباسي الأول إلا وتتلمذ لهم، مثل: بشار بن برد، وأبي نواس، والعتابي، والنمري، وأبي تمَّام. وقد عُرِف الاعتزالُ بأصول خمسة، هي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فأما التوحيدُ فيقصِدون به تنزيهَ الله عن مشابهةِ المخلوقين؛ فهو ليس بجسم ولا عَرَض، ولا عنصر، ولا جزء، ولا جوهر، ولا يحصُره المكان ولا الزمان، وقد أوَّلوا الآياتِ التي يُفهَم منها مشابهةُ المخلوقات. وأما العدلُ، فقد بنَوْا عليه فكرةَ خَلق العباد لأفعالهم، وأنهم أحرار في إرادتهم، وهي حرية ضرورية لكي يثابوا على أعمالهم، أو يعاقبوا عليها، دون أن يظلمَهم اللهُ مثقال ذرة؛ ولهذا فقد أوَّلوا الآيات التي يُفهَم منها الجبرُ. وأما الوعد والوعيد، فيعني عند المعتزلة أن اللهَ صادقٌ فيما وعَد به من الثواب، وأوعد به من العقاب، ولا مُبدِّل لكلماته، وهم في هذا الأصل يردُّونَ على المرجئة الذين يُرجِئون الحُكم على مرتكب الكبيرة. وأما القول بالمنزلة بين المنزلتين، فيعني عندهم اعتزالَ رأيِ كلٍّ من الخوارج الذين يرونه كافرًا، ورأيَ الحسنِ البصري الذي يراه فاسقًا؛ ولذا فهم يرَوْنه في منزلةٍ بين المنزلتين. وأما الأصل الخامس فيريدون به الخروجَ على الأئمَّةِ العصاةِ في زعمهم. وهكذا كان هذا العصرُ العصرَ الذهبي لنموِّ علوم الدين، من حديث، وتفسير، وفِقْه، وكذلك العصرُ الذهبي لجدال أهل الكلام في علومهم ومناظراتهم وجدلهم. العلوم الفلسفية وعلوم الأوائل: كان من أهم الأسباب التي ازدهرت معها الحركةُ العلمية والأدبية والثقافية في هذا العصر العباسي الأول اتصالُ الثقافةِ العربية بثقافات الأممِ الأخرى المغلوبة والمستعربة، وما طُوِي بها من معارفَ وعلوم، وكان هذا الاتصال يأخُذَ طريقين، طريقَ المشافهة مع المستعربين، وطريقَ الترجمة، وقد اتَّسع طريقُ الترجمة اتساعًا كبيرًا في العصر العباسي. وقد كانت بيئات المستعربين العلمية تمارسُ نشاطها؛ حيث كانت تمثِّلُها الأديرة، وما بها من حلقات علمية في المدارس متناثرة في جنديسابور بالقرب من البَصرة، وفي "نَصِيبين"، و"حرَّان"، و"الرها"، و"أنطاكية"، و"الإسكندرية"، وكان يغلِبُ على نشاطها جميعًا الثقافةُ اليونانية. ولقد كان الخلفاء العباسيون جميعًا يُعنَوْن بهذا النقل عنايةً شديدة، ويُنفقون عليه من الأموال الطائلة منذ عهد المنصور؛ حيث ترجم له "المجسطي"، وهو كتابٌ في الفلَك والرياضيات، ألَّفه بطليموس، وكتب "أرسطا طاليس" من المنطقيات وغيرها، وكتب "الأرثماطيقي" في الحساب، وكتاب "إقليدس" في علم الأشكالِ الهندسية، وغيرها من كتب اليونان. وتنشَطُ الترجمة في عهد الرشيد نشاطًا واسعًا، وكان مما أذكى جذوتَها حينئذ "دار الحكمة" التي أنشأها الرشيدُ، ووظف بها طائفةً من المترجمين، وجلَب لها الكتُبَ من بلاد الرُّوم. كما عُنِي في "دار الحكمة" بترجمةِ التراث الفارسي؛ حيث نهض جيلٌ كبير في هذا العصر بهذه الترجمة، من بينهم آل نوبخت، وعلى رأسهم: الفضل بن نوبخت، وآل سهل، وعلى رأسهم: الفضل بن سهل، وكان يُترجم للمأمون في حدَاثتِه بعضَ الكتب الفارسية، ويُعجَب بترجمته، وقد نقل أبانُ بن عبدالحميد كتابَ كليلة ودمنة إلى الشِّعر، وأهداه إلى جعفرِ بن يحيى البرمكي. ثم تبلُغ هذه الموجةُ من الترجمة أبعدَ غاياتها في عهد المأمون؛ إذ تحوَّل بخزانة دار الحكمة إلى ما يُشبِهُ معهدًا علميًّا، وقد ألحق بها مرصده المشهور، وجعل الإشراف عليه ليحيى بن أبي منصور، وألحق به طائفةً من نابهي الفلَكيين؛ كعلي بن عيسى الإسطرلابي، ومحمد بن موسى الخُوَارِزمي، والعباس بن سعيدٍ الجوهري. ولقد تحوَّل هذا المرصدُ إلى مدرسةٍ كبيرة للفلك والرياضيات؛ حيث تخرَّج منها العديدُ من علماء الفلك لذلك العصر، وقد أفادت هذه المدرسةُ من الأبحاث الفلكية والرياضية والجغرافية التي سبق إليها الهنودُ والفُرْسُ واليونان، وأضافت إلى ذلك إضافات جديدة باهرة، منها: أبحاث محمد بن موسى الخُوارِزمي الذي يُعَدُّ بحقٍّ منشئَ عصر جديد في التاريخ العلمي للرياضيات؛ إذ يُعَدُّ هو مؤسس علم "الجبر"، بل هو الذي أعطاه اسمه بما كتَبه من بحوث في الجبر والمقابلة، كما أضاف إليه أبحاثًا في حسابِ المثلَّثات، والجداول الفلكية. كما كان مع هذه الترجمات التي تجري كالسيول في هذا العصر ترجماتٌ للفلسفة اليونانية التي مضى العقلُ العربي يُسيغها ويتمثَّلها، ويُضيف إليها إضافاتٍ باهرة، وكان المتكلمون - وعلى رأسهم المعتزلة - أولَ مَن تعمقوا في الفلسفة بجميع شُعَبها ودقائقها، وقد عرَضوها على بِساطِ البحث، واستطاعوا أن ينفُذوا إلى كثيرٍ من النَّظريات والأفكار والآراء التي لم يُسبَقوا إليها. لكل ذلك أصبَح العقلُ العربي في هذا العصر - عصر أبي تمام - عقلاً متفلسفًا، كما أصبح عقلاً علميًّا، لا من حيث فهمُه واستساغته لكل هذه العلوم، بل لأنه أسهَم فيها بنصيبٍ وافر، وأضاف إضافات وعلومًا عُرِفت لأول مرة في تاريخ الحضارة الإنسانية.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |