|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التفكر في الدنيا د. عبدالحكيم الأنيس • روى البيهقي بسنده عن محمد بن معاوية الأزرق قال: "كتبَ عمرُ بن عبد العزيز إلى الحسن [البصري أنْ] عظني وأوجِزْ، فكتب إليه الحسن: أمّا بعد: فإنَّ رأسَ ما هو مُصْلِحُك ومُصْلَحٌ به على يديك الزهدُ في الدنيا. وإنما الزهدُ في الدنيا باليقين، واليقينُ بالتفكُّر، والتفكُّرُ بالاعتبار. فإذا أنتَ تفكَّرتَ في الدنيا لم تجدها أهلاً أنْ تبيعَ بها نفسَك، ووجدتَ نفسَك أهلاً أنْ تكرمَها بهوانِ الدنيا، فإنَّ الدنيا دارُ بلاءٍ، ومنزلُ قُلعةٍ"[1]. *** • وروى الخطيبُ البغدادي بسنده إلى محمد بن هارون الرازي قال: "أنشدنا أبو حاتم الرازي [الإمام الحافظ المتوفى سنة 277هـ]: تفكرتُ في الدنيا فأبصرتُ رُشْدَها ![]() وذللتُ[2] بالتقوى من الله خدَّها[3] ![]() أساتُ بها ظنّاً فأخلفتُ وعدَها ![]() وأصبحتُ مولاها وقد كنتُ عبدَها"[4] ![]() *** وقد شطرتُ البيتين السابقين فقلتُ مُتبصراً مُسترشداً: (تفكرتُ في الدنيا فأبصرتُ رُشْدَها) ![]() وقربتُ مِنْ حرٍّ وباعدتُ وَغْدَها ![]() وألزمتُ فيها النفسَ تَعْرِفُ حدَّها ![]() (وذللتُ بالتقوى من الله خدَّها) ![]() (أساتُ بها ظنّاً فأخلفتُ وعدَها) ![]() وصارمتُ منها هزلَها ثُمَّ جدَّها ![]() بنورِ كتابِ اللهِ أدركتُ سعدَها ![]() (وأصبحتُ مولاها وقد كنتُ عبدَها) ![]() *** • وقال الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري (ت: 449هـ): ما راعَها من قُرى عُمٍّ وجارمِها ![]() إلَّا الأباريقُ يَحمِلْنَ الأباريقا ![]() ومومِساتٌ تُوافيها حَنادِسُها ![]() بطارِقِينَ، يُخالُونَ البَطارِيقا ![]() لم يكفهم ريقُ كَرْمٍ مِنْ شَرابِهِمُ ![]() حتى أضافوا إليهِ مِنْ فمٍ رِيقا ![]() لو عُجّلَتْ لغَويٍّ فاجرٍ سقرٌ ![]() لأُشعِروا جَمَراتِ النّارِ تَحريقا ![]() لقد تفكّرتُ في الدّنيا وساكنِها ![]() فأحدَثَ الفكرُ أشجاناً وتأريقا ![]() قد أغرَقوا في مَعاصيهم، فما لهمُ ![]() لا يُؤنِسونَ من الطّوفانِ تغريقا؟
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() وصيّروا لأُناسٍ في الأذى طرُقاً ![]() وذَلّلُوا الإثمَ إعمالاً وتَطريقا ![]() أعِرْقُ آدَمَ[5] هذا لا يُمازِجُهُ ![]() سواهُ، أمْ مسَّ مِنْ إبليسَ تعريقا؟ ![]() يَخشَى ذُوِيَّ رطيبٍ حاملٍ ثَمَراً ![]() مُؤمِّلٌ مِنْ غُصُونِ اليُبسِ توريقا ![]() كم تَطلُبُ المالَ في سَهلٍ وفي جبلٍ ![]() وتَقطَعُ الأرضَ تغريباً وتَشريقا؟ ![]() وقد شهِدتَ مَخاريقَ الوغَى لعبتْ ![]() مُجيدَةً لدروعِ القومِ تخريقا ![]() فَراقِبِ اللَّهَ إنّ السّعدَ يَتبَعُهُ ![]() نحسٌ، وإنَّ لجمْعِ الدَّهر تَفريقا...[6] ![]() *** • وقال الأجلُّ فخر الدين أبو جعفر مكي بنُ محمد بن هُبيرة أخو الوزير عون الدين [ابن هُبيرة الدُّوري البغدادي] -وقد تُوفي في زمان أخيه[7]- يرثي أخاه أبا الفرج: أمَا عَنْ سبيلٍ للمنيّةِ مَذْهَبُ ![]() ولا عَنْ طِلابِ الموتِ ويحكَ مَهْرَبُ؟ ![]() فكنْ مُسْتعِدّاً للمَنُون فإِنَّها ![]() إذا هجمتْ طاش الشُّجاعُ المُجَرِّبُ ![]() تفكّرتُ في الدّنيا فلم أرَ لذَّةً ![]() تدومُ، ولا مُسْتَحْسَناً ليس يُسْلَبُ ![]() ولا آملاً إِلَّا ويَرْجعُ خائباً ![]() ولا سالماً في النّاس إلّا ويُعْطَبُ ![]() تُرى فَجعتْ مثلي خليلاً وصاحباً ![]() وقرَّة عينٍ كان يُرْجَى ويُرْهَبُ ![]() ومنها: أبا الفرج المسلوبَ من كلِّ ناظرٍ ![]() تعتِّبتَ عَن هَجْري وما كنتَ تعتِبُ ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() عجبتُ لمن خلَّفتَ كيف قرارُهُ ![]() وإنَّ بقائي بعد موتِكَ أعجبُ ![]() فيا ابن الهُبَيْريِّ الَّذي ليس دونهُ ![]() أرى اليومَ خِلاً في البَرِيَّة يُصْحَبُ ![]() لئن غبتَ عن عينيَّ في التُّربِ قسوةً ![]() وكلُّ نفيسٍ في التُّرابِ يُغيَّبُ ![]() فها كبِدي حَرَّى تذوبُ ومُهجتي ![]() تبيتُ على جَمْرِ الأَسى تتقلَّبُ ![]() فلا لذَّ لي مِنْ بعدِ موتِكَ مطْعَمٌ ![]() ولا طابَ لي مِنْ بعدِ فقدِكَ مَشْرَبُ[8] ![]() *** • وقال ابنُ الفُوَطي البغدادي (المتوفى سنة 723هـ) في كتابه "تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب" في ترجمة فصيح الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبدالكريم الرومي الواعظ: "كان من الزُّهاد، والوعاظ الحفاظ، له فضلٌ غزيرٌ، وعلمٌ كثيرٌ، وكان يؤثرُ الخلوات، ويكرهُ الاجتماعَ في المحافل، وإذا وعظَ ينزلُ ويدخلُ بيتَه، ويغلقُ بابه عليه، ولا يُدْخِلُ إليه إلا مَنْ يختاره، وكان مع ذلك يُنشِدُ دائماً: تفكَّرتُ في الدنيا وفي شهواتِها ![]() ولذاتِها حتى أطلتُ التفكُّرا ![]() فلا خيرَ في الدنيا ولا في نعيمِها ![]() لحيٍّ مُقلاً كان أو كان مُكْثِرا ![]() وكيف يلذُّ العيشَ مَنْ هو سالكٌ ![]() سبيلَ المنايا رائِحاً أو مُبكِّرا؟"[9] ![]() *** وقد شطرتُ الأبيات السابقة فقلتُ مُتفكِّراً مُتذكِّراً: (تفكَّرتُ في الدنيا وفي شهواتِها) ![]() وذكَّرتُ نفسي أنْ تُديمَ التذكُّرا ![]() تفكرتُ في أحوالِها وغرورِها ![]() (ولذاتِها حتى أطلتُ التفكُّرا) ![]() (فلا خيرَ في الدنيا ولا في نعيمِها) ![]() لعبدٍ عصى فيها الإلهَ وأدبرا ![]() ولا خيرَ فيها إنْ أضلَّتْ وأشغلَتْ ![]() (لحيٍّ مُقلاً كانَ أو كانَ مُكْثرا)
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() (وكيف يلذُّ العيشَ مَنْ هُوَ سالِكٌ) ![]() طريقَ رحيلٍ صالحاً أو مُوعَّرا ![]() وكيف يُطيلُ اللهوَ مَنْ هُوَ آخِذٌ ![]() (سبيلَ المنايا رائحاً أو مُبكِّرا؟) ![]() [1] الزهد الكبير ص 150. والخبر في "الزهد" لابن أبي الدنيا برقم (321). [2] تحرف في "تاريخ دمشق" إلى: وذلك. [3] في "طبقات الحنابلة" (1/283)، و"تاريخ دمشق": حدَّها. [4] تاريخ بغداد (2/77)، وتاريخ دمشق (52/16)، وتهذيب الكمال (24/389). [5] أي أبناء آدم، ويقصد البشر. [6] ديوان أبي العلاء المَعرَّي. [7] تُوفي الوزير ابن هُبيرة سنة (560هـ). [8] خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصبهاني. [9] تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب، الترجمة رقم (2571). والأبيات في "البحر المديد" (3/387) بلا نسبة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |