أريد أن أتزوجه لأسعده فقط!

[ابوالوليد المسلم]

أريد أن أتزوجه لأسعده فقط!
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أشكركم على هذه الشبكة الرائعة ونصائحكم القيِّمة، فقد أبْهَرَتْني ردودكم العقلانية، وتفهُّمكم لعواطف السائلين؛ ولذلك ارتأيتُ أنْ أُرسلَ لكم مشكلتي التي أرَّقَتْني.


أنا فتاةٌ في منتصف العشرينيات مِن عمري، استخدمتُ الإنترنت لأكثر مِن 6 سنوات، ورغم استخدامي الطويل له، وحذري مِنه، والتعامل معه بما يرضي الله - فإنني وقعتُ في حبِّ رجلٍ متزوِّج من خلاله!


بادئ الأمر كانتْ مُشاركتنا عاديةً، وكان واضحًا اهتمامه الكبير بكلِّ ما أكتبُه، وكانتْ نقاشاتنا حول أوضاع بلدنا أيام الثورة، حتى أحببتُه وأحبني - حسب قوله.


كنتُ أتساءل: إن كان صادقًا فلماذا لم يَطْرَحْ فكرةَ الزواج؟


انزعجتُ مِن أمرٍ ما فكذَّبتُ مشاعره، واتهمتُه بالكذب، واللعب بعواطفي ومشاعري!


بدأ يخبرني عن حياته وعن نفسه، وعرَفْتُ أنه لا يُصَلِّي، وأن مالَه حرام، وعلى علاقات بالنساء في الحرام! صدَمني كثيرًا اعترافُه بذلك، فهو يعيش في بلَدٍ أجنبيٍّ، ومتزوِّجٌ مِن اثنتين؛ كلُّ هذا وغيره جعلني أقول: إن الزواج منه مستحيل، وغير ممكن على الإطلاق، وأهلي لن يقبلوا أبدًا.


هو لا يعرف حقيقةَ مشاعري نحوه، فلم أنْجَرَّ إلى الحديثِ العاطفي؛ لعلمي بأن هذا غير صحيح، وضد مبادئي، لكن تُراودني نفسي بإخبارِه بمدى حبي له، وأتمنى أن أكونَ شريكةَ حياته ولو في الأحلام!


أجاهد نفسي بصعوبةٍ، وأشعر بالحزن الكبير لحاله، فلا يبدو أنه سعيد، ويعتقد أنَّ قلبه أصبح قاسيًا؛ لذلك لا يستطيع أن يتوبَ، فمعيشتُه ضنكٌ كما يقول.


حاولتُ الابتعاد عنه، لكن وجدتُني أُحِبُّه جدًّا، وأشتاق إليه وأبكي مِن بُعْدِه عني.


رفضتُ العديد مِن المتقدِّمين لخطبتي؛ وهذا الشخص أول شخصٍ كانتْ لي نحوه مشاعرُ مختلفة..


يُتعبني الفراق، ولا أريد أن أنجرَّ وراء عواطفي، وقد حاولتُ الابتعاد عنه إرضاءً لله، لكني أضعف أحيانًا، وأتساءل: هل مشاعري كانت مشاعر حقيقيةً؟ أو مجرد وهمٍ؟ وكثيرًا ما أقول لنفسي: أريد أن أتزوَّجه لأُسعده فقط! فكيف أتخلَّص مِن مُعاناتي هذه؟



الجواب:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:


فعجيبٌ أمر الإنسان يُقْبِل على ما يَضُرُّه، ويعلم أنَّ فيه حتفَه، ولا يتوانى، وقد لخص أبو الطيب المتنبي ذلك في قوله:
لَهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ
عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أسْلَمُ



فعلى فرْض أنَّ ذلك الرجل تقدَّم للزواج منك، فلا يحلُّ لك الزواج منه؛ فهو - كما ذكرتِ - لا يُصَلِّي، ومالُه حرامٌ، وصاحبُ علاقات بالنساء في الحرام، يعيش في بلدٍ أجنبي، ومتزوج مِن اثنتين، ولا يستطيع أن يتوب! وهذه أمارةٌ على القنوط مِن رحمة الله، وهو كفرٌ مجردٌ، وفوق هذا أنت تعلمين أن الزواج منه مستحيلٌ، وغير ممكنٍ على الإطلاق، وأهلك لن يقبلوا، فكان ينبغي أن يشعرك كل هذا باليأس منه، والنفس متى يئستْ مِن شيءٍ استراحتْ، وتركتْهُ.

الأخت الكريمة، يظهر على كلامك وطريقتك تمسُّكُك بالإسلام، والقيم العربية بقدرٍ ما، وهذا سِرُّ تفوقك على نفسك بالبعد عن الاسترسال في تلك الحوارات الفارغة، ولكنك لما فتحتِ بابًا مِن أبواب الحرام ولجتِه، فليس الحرام في تلك المحادثات هو الانجرافَ في الكلام الخارج، وإنما الحرامُ يبدأ بمجرد الكلام مع أجنبيٍّ بدون ضرورةٍ أو حاجةٍ مشروعةٍ، ثم الاسترسال معه، فأنت لم تنجري للحديث العاطفي؛ لعلمك أنه غير صحيحٍ، وضد مبادئك، ونسيتِ أن مجرد العلاقة وشغل القلب حرامٌ أيضًا، وضد مبادئنا الإسلامية؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كتب على ابن آدم نصيبه مِن الزنا، مُدركٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظَر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفَرْج ويُكذبه))؛ فدل الحديثُ على أن الكلام مع رجلٍ أجنبي محرمٌ، وكذلك الفكر بالقلب، فكلُّ هذه أنواعٌ مِن الزنا المَجازي.

وهذا ليس حبًّا حقيقيًّا، وإنما هو الميل المرَكَّب في النفوس بين المرأة والرجل، والذي من أجله أخَذ الشرعُ الحنيف الطريقَ على الناس، فمنع كل ما مِن شأنه تأجيج ذلك الميل الفطري، فمنع مِن المحادثة إلا لحاجةٍ، ومنع مِن الخلوة، وغير ذلك مما تكون عاقبَتُه وَخيمةً لمن استرسل ولم يلجمْ نفسه بلِجام الشرع.

فاقطعي علاقتك بذلك الرجل وغيره، وغيِّري حسابك الشخصي، وبريدك الإلكتروني، ولتحذري مِن آفات الإنترنت، وخاصةً آفات مواقع التواصل الاجتماعي، وإن دخلتِ إليها ثانيةً فلْتَقْتَصِري على المجموعات (الجروبات) النسائية.

وفقك الله لكل خيرٍ، ورزقك زوجًا صالحًا