واجبنا تجاه الأوامر الشرعية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيف يصنع من دخل في برجه حمام لا يملكه ولا يعرف صاحبه . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 104 - عددالزوار : 12890 )           »          العيد في وجدان الشعراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حدث في الرابع من شوال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          العيد والعمر وحسن الخاتمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الحكمة بين الطبيب والفقيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 19576 )           »          ختم صحيح البخاري في الجامع الأموي بدمشق‎ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          إسقاط الأحكام الشرعية بالتحايل ممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-05-2022, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,898
الدولة : Egypt
افتراضي واجبنا تجاه الأوامر الشرعية

واجبنا تجاه الأوامر الشرعية
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ لِغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، وَمُهِمَّةٍ جَلِيلَةٍ، وَحَمَّلَهُ أَمَانَةً ثَقِيلَةً، عَجَزَتْ عَنْ حَمْلِهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَهِيَ أَمَانَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَامِ بِدِينِهِ، وَتَحْكِيمِ شَرْعِهِ؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56]، وَكُلُّ الْبَشَرِ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُسْأَلُونَ عَنْ أَدَاءِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ؛ ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 6]، ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْحِجْرِ: 92-93]. وَلِذَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْتَنِيَ عِنَايَةً بَالِغَةً بِأَوَامِرِ الشَّرْعِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُجَدِّدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبْعَ مَرَاتِبَ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَالَ: «إِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَبْدَ بِأَمْرٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ سَبْعُ مَرَاتِبَ: الْأُولَى: الْعِلْمُ بِهِ. الثَّانِيَةُ: مَحَبَّتُهُ. الثَّالِثَةُ: الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ. الرَّابِعَةُ: الْعَمَلُ. الْخَامِسَةُ: كَوْنُهُ يَقَعُ عَلَى الْمَشْرُوعِ خَالِصًا صَوَابًا. السَّادِسَةُ: التَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ مَا يُحْبِطُهُ. السَّابِعَةُ: الثَّبَاتُ عَلَيْهِ».

وَالْأَوَامِرُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرًا جَازِمًا بِفِعْلِهِ، وَهِيَ الْوَاجِبَاتُ، وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرًا جَازِمًا بِاجْتِنَابِهِ، وَهِيَ الْمُحَرَّمَاتُ.

وَلَا سَبِيلَ لِمَعْرِفَةِ تِلْكَ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا بِالْعِلْمِ بِهَا؛ وَلِذَا كَانَتْ مَرْتَبَةُ الْعِلْمِ أُولَى الْمَرَاتِبِ. وَكَيْفَ يَعْمَلُ مَنْ لَا يَعْلَمُ؛ وَلِذَا بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: «بَابٌ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 19] فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ». وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ سَبَبٌ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ وَصِحَّةِ الْعَمَلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ لِتَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الِامْتِثَالِ؛ وَلِيُؤَدِّيَ الْعَمَلَ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنَ الْجَاهِلِ. وَالنُّصُوصُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 43]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فَاطِرٍ: 28]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزُّمَرِ: 9]، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» مُتَفَقٌ عَلَيهِ.

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: مَحَبَّتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يُحِبَّ شَرْعَهُ سُبْحَانَهُ. وَهَذَا مِنْ مُقْتَضَى مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ». وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا امْتَثَلَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ يَكْرَهُهُ فَإِنَّ عَمَلَهُ بِهِ لَا يَنْفَعُهُ، وَكَرَاهِيَتُهُ لَهُ تُحْبِطُ عَمَلَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 9].

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ، فَهُوَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَبَّهُ؛ لِأَنَّهُ يُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَعْزِمُ عَلَى فِعْلِهِ. وَفَائِدَةُ الْعَزْمِ أَنَّهُ يُكْتَبُ بِهِ الْأَجْرُ إِذَا حَالَ مَانِعٌ عَنِ الْعَمَلِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. «وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ طَاعَةً فَمُنِعَ مِنْهَا، وَكَانَتْ نِيَّتُهُ لَوْلَا الْمَانِعُ أَنْ يَدُومَ عَلَيْهَا».

وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: الْعَمَلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا نَفْعَ بِعِلْمٍ بِلَا عَمَلٍ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَهُوَ يَزِيدُ الْإِيمَانَ، كَمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِيمَانِ؛ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، إِنَّمَا الْإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ».

وَالْآيَاتُ كَثِيرَةٌ فِي تَرْتِيبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 14]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 22].

وَالْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ: كَوْنُهُ يَقَعُ عَلَى الْمَشْرُوعِ خَالِصًا صَوَابًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِخْلَاصَ وَالْمُوَافَقَةَ شَرْطَانِ لِقَبُولِ الْعَمَلِ. وَدَلَّ عَلَى الْإِخْلَاصِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزُّمَرِ: 2-3]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزُّمَرِ: 14]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 5]، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَوَادِحُ الْإِخْلَاصِ: الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ وَإِرَادَةُ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا.

وَدَلَّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 21]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الْحَشْرِ: 7]، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَالْمَرْتَبَةُ السَّادِسَةُ: التَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ مَا يُحْبِطُهُ؛ فَارْتِكَابُ نَاقِضٍ لِلْإِيمَانِ يُحْبِطُ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 23]، وَالرِّيَاءُ يُحْبِطُ الْعَمَلَ الَّذِي دَاخَلَهُ، وَكَذَلِكَ إِرَادَةُ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَكْتُبَنَا فِي عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فَاطِرٍ: 28].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَوَامِرُ الشَّرْعِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَوَامِرَ فِعْلٍ؛ كَالتَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَنَحْوِهَا، أَمْ كَانَتْ أَوَامِرَ اجْتِنَابٍ؛ كَاجْتِنَابِ الشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ وَالْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ فِيهَا سَبْعُ مَرَاتِبَ، وَهِيَ: الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ، وَمَحَبَّتُهُ، وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَتَحَرِّي الْإِخْلَاصِ فِيهِ وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ، وَالْحَذَرُ مِمَّا يُحْبِطُهُ، وَالثَّبَاتُ عَلَيْهِ وَهُوَ: الْمَرْتَبَةُ السَّابِعَةُ: فَالثَّبَاتُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَطْلَبَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الثَّبَاتَ؛ لِأَنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 27]. وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ»، وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُلُوبَ تَتَغَيَّرُ بِسَبَبِ الشُّبُهَاتِ أَوِ الشَّهَوَاتِ؛ فَقَدْ تَنْتَقِلُ مِنَ التَّوْحِيدِ إِلَى الشِّرْكِ، أَوْ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى النِّفَاقِ، أَوْ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ، أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي إِحْدَى غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ رَجُلٌ فِي صَفِّ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى أُعْجِبَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِحُسْنِ بَلَائِهِ، فَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا؛ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَلْيَحْرِصْ كُلُّ مُؤْمِنٍ عَلَى الثَّبَاتِ، وَلْيَغُذَّ السَّيْرَ فِي طَرِيقِ الْخَلَاصِ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ خُلُودٌ أَبَدِيٌّ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ؛ ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 185].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.67 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]