|
|||||||
| ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
موسيقا الشعر د. إبراهيم عوض فنون الأدب في لغة العرب (7) إن عنصر الموسيقا في الشعر هو من العناصر الجوهرية التي لا يكون الشِّعر شعرًا بدونها، وعبثًا يحاول المسفسطون إيهامَنا بأن الموسيقا ليست بذات أهمية، وأن الشعر يظل شعرًا حتى في غيابها، وهي دعوى أشبهُ شيء بأن يقول قائل: إن البيتَ يظل بيتًا حتى لو لم يكن له جدران أو سقف، أو إن الإنسان يظل إنسانًا حتى لو لم يكن له رأسٌ أو جذع، إن البيت في هذه الحالة لا يعود بيتًا، والإنسان لا يظل إنسانًا، بل يصير كائنًا آخر مختلفًا، وليست الموسيقا شيئًا مجتلَبًا يُلْصق بالقصيدة، بل هي جزء منصهر مع بقية أجزائها، وتأثيرها تأثير خطير، ودعْك ممن يعمل على أن يُدْخل في رُوعنا أن الشعر بدون وزن وقافية أفضل منه بهما، فهذا خرق محض، أعاذنا الله منه ومما يجره على حياتنا هذا الخرق! إن الموسيقا تخلق للقصيدة جوًّا عجيبًا يعبِّد الطريق إلى قلوبنا تعبيدًا أمام ما تتضمنه من معانٍ وأخيلة وأحاسيس، ويضفي عليها سحرًا وفتنة، فإذا أضيف إلى الوزن والقافية وسوسةُ السينات، أو قرع العَيْنات، أو جَرْش الجيمات، أو بَحَح الحاءات، أو صفير الصادات، أو مدات حروف العلة، أو تجاوب كلمة أو عبارة معينة في البيت الواحد أو في عدة أبيات متتالية أو متقاربة، أو رنين السجع، أو الجناس، أو الطباق، أو الموازنة، أو رد العجز على الصدر مثلاً، وجاء كل هذا في موضعه المناسب، وصرَّفته يدٌ صَنَاعٌ كان السحر أعظم، والفتنة أبلغ وأعجب، الواقع أن شعرًا بدون وزن وقافية - إن صح تسميته في هذه الحالة شعرًا، وهو لا يصح ولا يمكن أن يصح - هو كالأرض الجرداء مقارنةً بالروض النضير تصدح فيه الطيورُ ابتهاجًا بمقدم الربيع الجميل، وقد هب عليه النسيمُ العليل. خذ مثلاً قول المتنبي: ومن جاهل بي وهو يجهلُ جهلَه ![]() ويَجهلُ علمي أنه بي جاهلُ ![]() حيث نحس الجهل مجسمًا جراء تكرار الشاعر للكلمات المشتقة من مادة "ج هـ ل"؛ إذ تكاد تلك الكلمات تسد الأفق على القارئ أينما نظر فلا يجد حوله إلا الجهل، أو قوله من نفس القصيدة: فقلقلتُ بالهمِّ الذي قلقل الحشا ![]() قلاقلَ عِيسٍ كلُّهن قلاقلُ ![]() حيث تتتالى القاف واللام المقلقلتان قلقةً طبيعية بجرسهما ذاته، وهو ما يريد الشاعر بثَّه في نفوسنا، أو قول البحتري في سينيته البديعة حين ذهب مغاضبًا حزينًا قد استولى عليه اليأس بعدما شاهد الموت بأم عينيه في معية الخليفة العباسي المتوكل حين انتفض عليه ابنه المنتصر وأعوانه وقتلوه هو ووزيرَه الفتح بن خاقان، وكاد أن يَضيع البحتريُّ معهما لولا لطف الله؛ إذ يقول في أولها: صُنتُ نفسي عما يدنِّس نفسي ![]() وترفَّعتُ عن جدا كلِّ جِبسِ ![]() وهو البيت الذي تتردد في جنباته حرف السين "ومعه الصاد" بوسوسته العجيبة التي لا أحسبني أخطئ إذا قلت: إنها تلائم ما كان الشاعر يحسه آنئذ من وحشة وخوف في عزلته البعيدة عن دار الخلافة، وكأنه يناجي نفسه، ويوسوس لها بما يريد، أو قول إبراهيم ناجي في مفتتح قصيدة "العودة"، التي لا أظن أن يجد القارئ لها نظيرًا في الشعر العربي منه والعالمي على السواء: هذه الكعبةُ كنَّا طائفيها ![]() والمصلين صباحًا ومساء ![]() حيث يمكن القولُ بأن هذه المدات التي تأخذ علينا السبيل أينما اتجهنا توحي بطول ما أنفق الشاعر من وقت في الطواف حول كعبته والصلاة عندها في الصباح والمساء على السواء لا يتوقَّف عن ذلك لحظة، أما ألوان المحسنات البديعية التي تزيد القصيدةَ إيقاعًا فوق إيقاع فلا أجد قصيدةً تظهر فتنتها وروعتها أحسن من نونية ابن زيدون التي تقطر ترفًا وعبقريةً وحبًّا وألمًا وزهوًا وفخرًا وخوفًا وتوجسًا معًا، وما من مرة قرأتها إلا أحسستها تهصر قلبي هصرًا، والحق أنني لا أتصور وجود قصيدة تضاهيها في حسن تصرُّف مبدِعها بتلك المحسنات، وازديادها بها جمالاً وإبداعًا على ما لها من الجمال والإبداع، ولنجتزئ منها بتلك الأبيات، وكل أبياتها في الواقع قد بلغت غاية السموق التي ليس بعدها من غاية، وإني لأستعجب كيف انقلبت "ولاَّدة" على الشاعر الوزير الشاب، ناظم تلك الدرة العبقرية، التي هي أغلى من كل مَهْر، وأعظم من أية هدية يمكن أن تخلب لبَّ فتاة مثلها، أو كيف بقيت، وقد كانت مثالاً للجمال البديع ببياض بشرتها، وسبائك شعرها الذهبي، وزرقة عيونها، وأناقة ملابسها، وأرستقراطية ثقافتها، ورقَّة ذوقها، وترف سلوكها، وفوق ذلك كله شرف نسبها "أليست بنت الخليفة؟" دون زواج إلى آخر عمرها الذي تجاوز الثمانين رغم وقوع كبار القوم في غرامها، وتدلُّههم في هواها؟ ألا إنه لَلُغز كبير من ألغاز القدر والتاريخ التي لا يمكن فهمُها ولا تفسيرها، يقول ابن زيدون في "ولادة" رافعًا إياها إلى مرتبةٍ تقصر عنها كلُّ المراتب، فقد جعلها فردوسًا من فراديس الجنان، كما جعل تحيتها على البُعد كفيلةً بأن تردَّ عليه الحياة، فضلاً عن أنها مخلوقة من مسك، على حين خلق جميع الناس من طين: بِنتم وبنَّا، فما ابتلتْ جوانحُنا ![]() شوقًا إليكم، ولا جفَّتْ مآقينا ![]() نكاد حين تناجيكم ضمائرُنا ![]() يقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا ![]() حالت لفقدِكم أيامُنا فغدَتْ ![]() سودًا، وكانت بِكُم بِيضًا ليالينا ![]() إذ جانبُ العيش طَلْقٌ من تألُّقِنا ![]() وموردُ اللَّهو صافٍ من تصافينا ![]() لِيَبْقَ عهدُكم عهدَ السرور، فما ![]() كنتم لأرواحنا إلا رياحِينا ![]() لا تحسَبوا نأيَكم عنا يغيِّرنا ![]() إن طالما غيَّر النأيُ المحبِّينا ![]() يا ساريَ البرق، غاد القصر فاسْقِ به ![]() مَن كان صِرْفَ الهوى والودُّ يسقينا ![]() وسل هنالك: هل عنَّى تذكُّرنا ![]() إِلفًا تذكُّرُه أمسى يعنِّينا؟ ![]() يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |