الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1124 - عددالزوار : 129790 )           »          الصلاة مع المنفرد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أصول العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم من أي اعتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3097 - عددالزوار : 369981 )           »          وليس من الضروري كذلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          محرومون من خيرات الحرمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-02-2022, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,797
الدولة : Egypt
افتراضي الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة

الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي



تفسير سورة الأعراف (الحلقة 25)

الاستقواء بغير الله ضعف والاستنصار بغيره هزيمة


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 187 - 198].

أحد أبنائي وقد كان صبيًّا رأى نعجة ترضع خروفها فجاء يسألني: هل الأم تنجب الأطفال مثل النعجة؟ ثم سألني بعد حين عن جده: أين هو؟ فلما أخبرته بوفاته، أخذ يبكي ويمطرني بأسئلة عنه: لماذا مات؟ وكيف مات؟ ومتى نراه؟
ثم انتقل إلى السؤال عن الفاعل الذي يجعل النعجة تنتج خروفًا والمرأة تلد طفلًا، والجد يموت، فلم أرتَحْ من أسئلته، ولم يهدأ فكره ويكف عن التساؤل، إلا بعد أن ذكرت له في ليلة مقمرة بفضاء مفتوح قصة إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ من قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 75 - 79].

هذه الأسئلة من حديثي العهد بوعي الحياة تترجم العطش الإنساني الطبيعي إلى المعرفة، والشغف التلقائي ذا الحمولة الفلسفية التواقةإلى فهم الكينونة في مبدئها ومسارها ومعادها، والاستدراج الفطري إلى أن يعرف المرء خالقه سبحانه، ويتذكر ميثاقه معه في الملأ الأعلى، ويبلور ما يتلامح في وجدانه من الإيمان به منذ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172].

هذه الأسئلة الوجودية المبثوثة في صميم البنية النفسية للإنسان تكون أشد وضوحًا وصفاء وإلحاحًا ما دام المرء أقرب إلى الفطرة؛ بصغر سنٍّ وحداثة عهد بالحياة، ولكنها أحيانًا تضمر بالتدريج أو تختفي ويستبدل بها جفاف روح، وجفاء طبع، وقسوة قلوب، بما تركن إليه النفس من ضجيج الحياة، وصراخ الشهوات، ومشاعر التنافس، وغرائز حب البقاء والصراع الحيواني الدائب على العشب والغلبة، فتحتاج إلى من ينعشها ويذكرها بالسواء الذي خُلقت عليه أول أمرها، ويجيبها عن سؤالها الوجودي الأبدي الكامن في أعماقها.

ذاك حال قريش إذ انطمست فطرتهم واندثرت لديهم عقيدة المبدأ والمعاد وأمر الساعة جسرًا بينهما، وران على قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم ما غشيها من العمه والعمى، والعشى والصمم، وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث فيهم بالقرآن الكريم أول ما جُبلت عليه أنفسهم من الإيمان بالله واليوم الآخر، فأقبل بعضهم على بعض ساخرين مستهزئين؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ [سبأ: 7، 8]، ثم عقب تذكيرهم باقتراب أجلهم وتهديدهم بما ينتظرهم في الآخرة، ودعوتهم للمبادرة إلى الإيمان بقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 185]، هُرعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واجفين مشفقين متسائلين عن اليوم الذي تقضى فيه آجالهم، وتحل فيه ساعتهم؛ فنزل الوحي بقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [الأعراف: 187].

ولئن كان العربي يعرف بسليقته أن الحروف الثلاثة: "السين والواو والعين" تدل على استمرار الشيء ومضيه كما ذكر ابن فارس في معجمه، فيقال مثلًا "جاءنا بعد سوع من الليل؛ أي: بعد شيء من الوقت يمضي ويستمر، فإن منه استحدث أيضًا للجزء من الوقت مصطلح: "ساعة"؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس: 49]، ومنه تقسيمهم اليوم أربعًا وعشرين ساعة، فيقال: استأجرته مساوعةً؛ أي: بحساب الساعة، كما يقال: مياومةً بحساب الأيام، أو مشاهرةً بحساب الشهر، ثم نقل القرآن الكريم اللفظ إلى مصطلحه العقدي الجديد؛ وهو الساعة الشرعية المعرفة في كل سياق، وردت فيه بالألف واللام، خلافًا للساعة الزمنية التي تأتي معرفة ونكرة؛ كما في قوله تعالى وقد جمع بين الساعتين الشرعية والزمنية في آية واحدة هي قوله تعالى:﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم: 55].

ولأن مشركي قريش لم يكونوا يدركون إلا الساعة الزمنية وما تعنيه في لغتهم، فإنهم عندما عرفوا المعنى الشرعي لها، وأنها باقترابها ومجيئها فجأة تؤذن بيوم موت للأحياء وانقضاء لعمر الأرض وفناء للعالم، وقيام لعالم جديد فيه الحساب والجزاء جنة ونارًا، جاؤوا سراعًا زرافاتٍ ووحدانًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوضحون مرتعبين خائفين؛ كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ [الأعراف: 187]، ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ [الأحزاب: 63]، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات: 42، 43]؛ وحُقَّ لهم الانزعاج والخوف والترقب، فالساعة بكل تجلياتها وسياقات ورودها في القرآن لا تبشر المشركين بخير؛ وهي كما قال تعالى يهددهم بها: ﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر: 46]، إن ذكرت مقرونة بحصول جزاء الأعمال يُقصد بها يوم البعث والنشور، والسؤال والجزاء؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم: 12 - 14]، وقوله عز وجل: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]، وإن ذُكر التكذيب بها أو المجادلة في صدق الإخبار بها، كان معناها يوم وقوعها ورسوها في الكون؛ كما في قوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [الفرقان: 11]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل: 77]، كما أنها في كل الأحوال تتم بنفختين عظيمتين في الصور: نفخة الموت، ونفخة البعث؛ قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: 68]، وجاء ذكرها باسمها الشرعي تذكيرًا بها وترسيخًا لها في النفوس نحوًا من أربع وعشرين سورة، وبأسماء أخرى صيغت من صفاتها وأهوالها ومخاطرها؛ فسماها تعالى الزلزلة بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج: 1، 2]، وقوله عز جل: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا [الزلزلة: 1 - 3]، وسماها الصاخة بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس: 33 - 36]، وسماها: الحاقة والقارعة؛ بقوله تعالى: ﴿ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ [الحاقة: 1 - 4]، وسماها الآزفة بقوله عز وجل: ﴿ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم: 57، 58]، وسماها الطامة الكبرى بقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى [النازعات: 34، 35].

وكان طبيعيًّا ومنتظرًا أن يرتعب كفار قريش مما نزل فيها، وأن يتساءلوا عنها فيما بينهم ويسألوا عنها وعن موعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: ﴿ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [الأعراف: 187]، ولفظ "أيان" ظرف زمان مبني على الفتح خبر مقدم للمبتدأ بعدها: "مرساها"؛ أي: "مرساها أيان"، والهاء مضاف إليه، والجملة الاسمية للاستفهام عن الوقت بمعنى: "متى وقتها"، و"مرساها": مصدر ميمي من أرسى، يستعمل ظرف زمان ومكان، ويطلق على مكان وصول السفن إلى الشاطئ وانطلاقها منه أو على وقته، ثلاثيه:رسا يرسو؛ أي: ثبت، والإرساء هو الإثبات، لا يقال إلا للشيء الثقيل؛ نحو: رست السفينة في مرساها؛ أي: ثبتت فيه وتوقفت عن الجري؛ قال الزمخشري: "مرساها إرساؤها، أو وقت إرسائها: أي: إثباتها وإقرارها، وصف وقوعها في الكون بالرسو؛ لعظم خطرها على الناس وثقل وقعها على السماوات والأرض".

وسواء كان السؤال من قريش كما قال الحسن وقتادة، أو من اليهود كما قال ابن عباس، فإن الجواب كان عامًّا لجميع الخلائق؛ بقوله تعالى: ﴿ قُلْ يا محمد ﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي، وحرف "إنما" مركب من "إن" المؤكدة، و"ما" الكافة لها عن العمل، يدل على القصر في الجملة الاسمية بعدها بقوله تعالى: ﴿ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي، والمصدر "علمها" مبتدأ أضيف إليه مفعوله، خبره الظرف بعده أو شبه الجملة في قوله: ﴿ عِنْدَ رَبِّي، ثم تأكد هذا القصر بقوله عز وجل: ﴿ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ؛ أي: لا يكشف عن وقت رسوها، ولا يأتي بها، ولا يوضح أمرها، وما يقع فيها إلا الله تعالى، كل ذلك استأثر الله بعلمه لم يطلع عليه إنسًا ولا جنًّا ولا ملكًا مقربًا.

ثم وصف عز وجل هول الساعة تحذيرًا منها وحثًّا على الاستعداد لها بالإيمان والعمل الصالح؛ فقال سبحانه: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ أي: اشتد على السماوات والأرض وقعها، وثقل على الخلائق رسوها، وأرهقهم ما بها من أهوال موت ودمار، وتبدل أحوال، وتغير حالات؛ كما في قوله تعالى عنها أيضًا: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم: 48]، وقوله سبحانه: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار: 1 - 4]، وكان التعبير عن ذلك بصيغة الماضي: ﴿ ثَقُلَتْ؛ لتأكيد وقوع ثقلها في المستقبل على العالمين؛ لأن من صيغ العربية أن الفعل الماضي يعبر به عن المستقبل إذا أريد تأكيد وقوعه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [يونس: 28].



ثم بين عز وجل أن من مقتضى إخفائها أنها ﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، لا تقع فيكم إلا فجأة وأنتم غافلون؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لتقومن الساعة وثوبهما بينهما لا يطويانه ولا يتبايعانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف بلبن لقحته لا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يلوط حوضه لا يسقيه، ولتقومن الساعة ورفع لقمته إلى فيه لا يطعمها)).

ثم قال تعالى تعجيبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم من أمر السائلين عنها: ﴿ يَسْأَلُونَكَ يا محمد ﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا، ولفظ "الحفي" لغة من حفي يحفى بالشيء وعنه إذا كان معنيًّا به، مبالغًا في السؤال عنه والاهتمام بأمره، واستقصاء أخباره؛ أي: كأنك معنيٌّ بها ومبالغ وملح في السؤال عنها والاهتمام بأمرها أكثر من اهتمامك بتبليغ رسالة الإسلام وهداية الخلق، ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، قل لهم: إنما علم ذلك عند الله، لم يطلع عليه أحدًا من خلقه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187]، لا يعلمون أنها حق ويجادلون فيها، وأن أمرها بيد الله وحده لا شريك له لم يطلع عليهما أحدًا من خلقه، ويسألون عن ميقاتها؛ كما يتضح ذلك من قول جبريل عليه السلام عنها: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سأله: ((فأخبرني عن الساعة))[1].

وإذ أكثروا على الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال عن الساعة وميعادها، أمره تعالى بأن يجعل جوابه لهم تربية إيمانية وتعليمًا لأدب الحديث مع الله وعن الله؛ فقال له: ﴿ قُلْ يا محمد لكل سائل ملحاح عنها: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، ليس في استطاعتي جلب أي نفع لنفسي أو دفع أي ضرر عنها، ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، إلا أن يريد الله لي ذلك، فيقدر وييسره لي، فكيف تسألون عن أمر خطير استأثر الله به كالساعة، ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ، لو كنت أعلم ما غيب عني من خير قد يأتيني في المستقبل أو شر قد يصيبني، ﴿ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾، لعملت بما يضاعف هذا الخير ويكثره، ﴿ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ [الأعراف: 188]، واحترست مما يجلب لي الشر وعملت على دفعه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 48، 49]، وذلك مثلما أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم من سأله عنها، فنبهه إلى ما هو أنفع له من السؤال؛ فيما رواه أنس بن مالك قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فلما قضى الصلاة، قال: أين السائل عن ساعته؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كبير شيء، ولا صلاة، ولا صيام - أو قال: ما أعددت لها كبير عمل - إلا أني أحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب - أو قال: أنت مع من أحببت - قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام مثل فرحهم بهذا)).

ثم واصل صلى الله عليه وسلم جوابه للمشركين بما أمره به ربه تعالى، فقصر رسالته على أمرين؛ هما: النذارة والبشارة على سبيل الحصر والتأكيد؛ بقوله: ﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]؛ أي: ما أنا إلا نبي منذر من سوء عاقبة الكفر والعصيان للكافرين والعصاة، ومبشر للمؤمنين بحسن عاقبة الإيمان والطاعة، وذلك هو التبليغ الجامع الذي يسهل فهمه واستذكاره للسامع والمراجع، كما ورد في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: 28]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الإسراء: 105]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [الأنعام: 48]، ولا شك أن حصر الرسالة النبوية في البشارة والنذارة في منتهى الإيجاز والتركيز؛ لأنه يفيد ضمنًا تبليغ ما يبشر به وما ينذر به، وهو الدعوة إلى الإيمان والعمل بالأحكام؛ إذ باستجابتها أو جحودها تكون البشارة والنذارة مقيدة نتائجها بإرادة الله ومشيئته، وقدرته المطلقة على الخلق والإنشاء، والتقدير والتدبير في قوله:﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف: 188]؛ ولذلك عقب الحق تعالى مذكرًا بالخلق الأول للإنسان، مفطورًا على أصل الإيمان، وطروء الشرك عليه بتلبيس الشيطان؛ فقال عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، هي النفس البشرية خلق منها الذكر الأول من البشر مفطورًا على الإيمان؛ إشارة إلى آدم عليه السلام، ﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وخلق منها الأنثى الأولى من البشر مفطورة على الإيمان؛ إشارة إلى حواء عليها السلام؛ ﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، ليطمئن كل ذكر من بني آدم إلى أنثاه في نواة لأسرة مؤمنة تحفظ النسل، وتكون لبنة فيما يخلقه الله من الشعوب والقبائل والعمران، ثم بالتفات إلى ما قد يستدرج إليه المؤمن أحيانًا من الشرك، وما يوحي به الشيطان لضعاف الإيمان من الفتن، عرض تعالى وصفًا دقيقًا لنشوء الشرك في المجتمع البشري، وضرب له مثلًا حيًّا بأسرة مؤمنة من ذكر وأنثى بقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا، فلما تغشى الزوج زوجته؛ أي: باشرها، من الغشاء والتغشية، وهي أن تلف الشيء بقماش أو ورق يستره، إشارة إلى أن الستر في الحياة الزوجية من مقتضى الفطرة السوية للإنسان خلافًا للحيوان.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.01 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]