الأسماء الحسنى وبناء الفرد المسلم والدولة الشاهدة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1074 - عددالزوار : 127258 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          عظات من الحر الشديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المشي إلى المسجد في الفجر والعشاء ينير للعبد يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          القلب الناطق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الظلم الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من أدب المؤمن عند فوات النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          عن شبابه فيما أبلاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          بلقيس والهدهد وسليمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-01-2022, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,699
الدولة : Egypt
افتراضي الأسماء الحسنى وبناء الفرد المسلم والدولة الشاهدة

الأسماء الحسنى وبناء الفرد المسلم والدولة الشاهدة


الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي






تفسير سورة الأعراف (الحلقة 24)










الأسماء الحسنى وبناء الفرد المسلم والدولة الشاهدة








بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:



فقد قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ * مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف: 180 - 186].








لئن سُئلتُ: بأيِّ آيِ القرآن الكريم وسوره يبدأ المعلم تدريسَه الناشئَةَ؟ لم أتردد في اقتراح البدء بآيات العقيدة من السور المكية؛ لأنها نقطة البدء في دين المرء ودنياه، ولأن أول خطاب من الله تعالى نزل للبشرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكيًّا ومستجيبًا لأشد حاجات الإنسان في الدنيا والآخرة، ولارتكازها على بيان عقيدة التوحيد الخالدة وتبليغها وتربية الناس عليها، وهي نقطة البدء في أي عبادة مبرورة أو عمل جليل، وأول خطاب تلقاه آدم من ربه قبيل وصوله إلى الأرض متضمنًا وعده ووعيده ومنهج دينه؛ بقوله تعالى: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 123، 124]، وقوله عز وجل: ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [الأعراف: 24].








ذلك هو الشعور الذي تملكني وقد كلفت سابقًا من قبل وزارة التعليم في المغرب بمراجعة مناهج التعليم، وما اقترحته برنامجًا عمليًّا للتدريس فلم يكتب له التنفيذ، ونفس الشعور الذي طالما ألح عليَّ، ثم اشتد إلحاحه متدبرًا ومتفكرًا في سورة الأعراف، وقد تكامل فيها بناء النفس المؤمنة الموقنة بربها، العارفة بدورها في الحياة ومآلها بعد الممات، وغطت مسيرة الإنسان في تفاعله مع العقيدة وعمله بأحكامها وثباته عليها وصراعه من أجلها، أو كفره بها وجحوده وتنكره لها، من يوم مولده إلى يوم بعثه ونشوره دخولًا للجنة أو وقوفًا في الأعراف أو ارتكاسًا في الجحيم - أعاذنا الله منها - ومن أول آية كريمة افتتحت بها، فنفت حرجًا، وأنذرت عاصيًا، وذكَّرت مؤمنًا؛ بقوله تعالى: ﴿ المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 1، 2]، إلى آخر آية جمعت بين يدي الله عز وجل عباده من أرباب المقامات السامية والدرجات العليا في طمأنينة سجود محبةٍ وطاعةٍ، وخشوع وخضوعٍ، وتسبيح أبدي يسع الكون وما حوى، إنسًا وجنًّا وملائكة وخلقًا مما لا يعلمون؛ في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف: 206]، وقوفًا على جوهرة التوحيد فيها وواسطة عِقْدها في قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 180]، وهي الآية الكريمة التي نقف على مشارفها في هذا التفسير، يعرِّف بها الله تعالى نفسه لعباده ويعلِّمهم بها أمثل ما يعبدونه به، وأرجى ما به يدعون، لا سيما والعابد الحق لا تستقيم عبادته ما لم يعرف معبوده، والأجير لا ينال أجرهما ما لم يكن مخدومه مليئًا قادرًا على الوفاء بالأجر؛ ولذلك جاءت هذه الآية الكريمة معرِّفة بالله تعالى خالقنا بحق ومعبودنا بيقين، ووصفت أسماءه بالحسنى، ولفظ "الحسنى" تأنيث لاسم التفضيل "أحسن"؛ أي: أحسنها وأجملها وأكملها، وجاءت في الفترة المكية التأسيسية للمجتمع المسلم، وقد ران على البشرية الجهل بربها، أو تصوره على غير حقيقته، أو دعاؤه بغير اسمه، أو إنكار وجوده مطلقًا، والأمة الشاهدة الناشئة في أشد الحاجة إلى ما ترد به على شبهات الجاهلية وأضاليل المعاندين، جاءت مركزة شديدة الإيجاز جامعة مانعة توفر لتاليها ودارسها ومتدبرها التصور الإيماني السليم، وتصرفه بذلك عن كل أبواب الشرك الظاهر والخفي، وعززتها آيتان مكيتان في نفس الفترة المكية هما قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110]، وقوله عز وجل: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه: 8]، ثم نزل تذكيرًا بها وتوسعًا في شرحها، وبيانًا لآفاق ما تشير إليه في الفترة المدنية في سورة الحشر بقوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر: 22 – 24]، فاستنارت بذلك قلوب، وأبصرت أعين، وسمعت آذان، وتمت الحجة البالغة، واجتبى الله من عباده للجنة من شاء، ولم يبقَ مجال لجهل المذبذبين أو المشككين، أو المشبهين أو المؤولين أو الملحدين؛ لأن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ورد جملة اسمية من مبتدأ مؤخر هو: ﴿ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وخبر هو شبه الجملة: ﴿ لِلَّهِ، والواو في أولها حرف عطف أفاد معنى الاستئناف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والأسماء الحسنى بذلك توقيفية تفيد الحصر، لا يدعى الله إلا بها؛ أي: إنها أسماء حسنى له وحده، هو المتصف بحقيقتها ولا شريك له فيها.








كما ورد التعريف بأسمائه تعالى تعقيبًا على قوله عز جل مباشرة: ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179]، في إشارته سبحانه إلى كافة الطوائف الضالة، وهي في كل زمان ومكان ما بين جهل بأن لها ربًّا، أو وصف له بما لا يليق به، أو تسمية له بغير اسمه، كحال عرب الجاهلية إذ أنكر بعضهم وجوده؛ وقال عنهم تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان: 60]، وحرَّف بعضهم أسماءه تعالى: "الله" و"العزيز" و"المنان"، وأطلقوها على أصنام لهم دعوها: "اللات والعزى ومناة"، وحال بعض ضلال الصوفية ومتشيطنتهم من أمثال ابن عربي القائل:






"العبد رب والرب عبد

يا ليت شعري من المكلف"












وابن الفارض الذي يقول:






"أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا"












ومن شايعهما على تفاوت في فساد العقيدة وضلال المسعى، وحال بعض محترفي الحزبية الإسلامية المعاصرين؛ إذ دعا أحد قادتهم إلى تقليد المسيحيين وتسمية الله تعالى مثلهم بلفظ "كود -God "[1]، والقرآن الكريم يرد عليهم جميعًا في سورة الكهف بقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103 – 104]، ويوضح حجر الأساس في العقيدة السوية بتوثيق أسماء الله الحسنى في هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف، ترسيخًا لها في العقول والقلوب، والمهج والتصورات، وتوجيهًا للمؤمن إلى ربه بكليته مشاعر ونوايا، وأقوالًا وأعمالًا.












إن المقصود بالأسماء في هذه الآية الكريمة العظيمة هو الألفاظ الدالة على البارئ تعالى كاسم الجلالة: "الله"، أو الدالة عليه مع صفة من صفاته المشتقة؛ مثل: الرحمن والرحيم والغفور والغفار، أو التي هي مصدر دال عليه مثل: السلام والعدل، وكلها بالغةٌ كمالَ الحسن والجمال؛ قال القرطبي: "وسمى الله أسماءه بالحسنى؛ لأنها حسنة في الأسماء والصفات، تدل على أحسن المعاني وأكمل الصفات، وتدل على توحده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله"، ولئن كان أول اسم فيها هو "الله"؛ فلأنه اسم الجلالة الذي عرف به الحق نفسه لعباده منذ الأزل، والاسم الجامع الذي يدل على جميع أسمائه وصفاته ولم يطلق على غيره؛ فقال عز وجل: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14]، وقال: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النمل: 9]، وقال: ﴿ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: 30]، فإن جميع الأسماء الأخرى الواردة في حقه تعالى راجعة إليه، ليست إلا صفات له وحده لا شريك له فيها، لا يتعدد المسمى بها بتعدد الأسماء، ولا يتعدد الموصوف بها بتعدد الصفات، ونحن نعرِّفه وندعوه سبحانه بهذه الأسماء والصفات التي لا تماثلها صفات غيره؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]، وقال سبحانه: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى [الإسراء: 110]؛ أي: اعبدوه تعالى ونادَوه باسمه الرحمن، أو بأي اسم آخر من أسمائه التي تجدونها في الكتاب والسنة لا غير، فكلها أسماء حسنى له تعالى، انفرد فيها بأحسن صفات الكمال والجمال، ليس كمثله فيها شيء وهو المنزه عن المثال والشبه والشيء؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الكرب: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرَتْ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي))، فدعا ربه تعالى بكل اسم له استأثر به لا يعلمه غيره، أو اسم علمه لأحد من خلقه جنًّا أو إنسًا أو ملائكة أو خلقًا ممن لا يعلمهم إلا هو، مما يبين أن لله أسماء حسنى بعضها في سور القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وغيرها لا يحدها حدٌّ ولا يعدها عد، ولكنه تعالى تخفيفًا عن العباد حصَرَها لدخول الجنة - وذاك غاية مبتغاهم - في تسعة وتسعين اسمًا؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا، لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ، وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ))، وفي رواية: ((مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّة))، إلا أن هذه الأسماء التسعة والتسعين لم ترد مجموعة في نص واحد من الكتاب أو السنة، على رغم أنها منتثرة فيهما بحسب سياقاتها أو مناسباتها، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي قال: حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوب الجوزجاني، أَخبرنا صَفْوَانُ بنُ صَالِح، أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا شُعَيْبُ بنُ أبي حَمْزَةَ، عَن أبي الزِّنَادِ، عَن الأَعْرَجِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: ((إنَّ لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً غيرَ وَاحِد مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الجَنَّة، وَهُوَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ))؛ وهذا الجزء مما رواه الترمذي صحيح، أخرجه البخاري ومسلم، من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج، وزاد فيه الترمذي: ((هُوَ الله الَّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ المَلِك القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّر الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الغَفَّارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الفتَّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل السَّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشَّكُورُ العَلِيُّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرَّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشَّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِئُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيُّ القَيُّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ الأوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرُّ التَّوَّابُ المنتَقِمُ العَفُوُّ الرَّؤُوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِط الجَامِعُ الغَنِيُّ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُور)).







إلا أن أهل الحديث يرَون أن هذا العد ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مدرج في الحديث، اجتهادًا في البحث عنها من خلال القرآن والسنة للدعاء والتعبد بها؛ قال ابن كثير في تفسيره: "وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَنَّ سَرْدَ الْأَسْمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدْرَجٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُالْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ؛ أَيْ: إنهم جمعوها من القرآن كما ورد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي زَيْدٍ اللُّغَوِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَم"، مع العلم بأن عدم تعيينها بالاسم والعدد في نص واحد من الكتاب والسنة قد يكون حثًّا على الاشتغال بها، والبحث عنها ومفاتشتها من خلالهما، كحال ليلة القدر إذ أخفيت، وذكر صلى الله عليه وسلم بعض معالمها، كي يحصل الاجتهاد في التماسها، وهو ما فعله الترمذي وغيره من أهل الحديث.








ولئن ثار الخلاف حول معنى الإحصاء والحفظ بين المفسرين، وهل هو قراءتها كلمة كلمة على طريق الترتيل تبركًا وإخلاصًا أو دعاء، أم هو حفظ ألفاظها وعلم اشتقاق تراكيبها ومبانيها ومضامينها، أم هو التخلق بما يناسب المرء من معانيها، فإننا لا ننكر أن تأثيرها على رغم هذا الخلاف، وفي كل الأحوال بالغ في توضيح رؤية المؤمن لدينه وعقيدته، ثباتًا لقلبه وصفاء لوجدانه وقوة لجنانه، وأنها أفضل وأقوى دعامة للمرء في حياته المادية والمعنوية، والفكرية والعقدية؛ لأنها مدخل للإيمان وركيزة للتوحيد، ومنهج للحياة، وقوام ومحور للأخلاق، على تفاوت في ذلك بين المؤمنين بها والعاملين بمقتضاها، بحسب عمق تصورهم الإيماني، وقدراتهم الفطرية، وعزائمهم الماضية، واختلاف ما يجنونه من رياضها، ويرشفونه من حياضها؛ لأن الذي يقر بلسانه – مثلًا - أن الله قادر وعليم، ويكتفي بهذا الإقرار، ليس كمن شاهد عجائب علمه وقدرته في خلق الأرواح والأجساد والآفاق، وفي ملكوت السماوات والأرض ممعنًا في التفصيل، مستقصيًا دقائق الحكمة، ومستوفيًا لطائف التدبير، وليس من فعل هذا فقط كمن أضاف إليه تعديلًا لسلوكه ومنهج حياته، بما يناسب هذه المعرفة، فطابت نفسه، وعلت همته، وتسامت عقيدته وأخلاقه، يومًا بعد يوم بتسامي درجات إيمانه وإحسانه، ورسوخ حفظه وإحصائه؛ وذلك لأن للتوحيد الحق المبني على الإيمان بالله تصورًا واضحًا شقين لا غنى لأحدهما عن الآخر:



الشق الاعتقادي: يمنح الرؤية الواضحة للكمال الإلهي المطلق المتجلي من صفات الله تعالى وأسمائه؛ إذ لا توجد صفة كمال إلا وهي له سبحانه وتعالى؛ كما قال: ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم: 27].





يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 112.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 111.21 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]