آداب مهمة لمن أتم حفظ القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1074 - عددالزوار : 127200 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          عظات من الحر الشديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المشي إلى المسجد في الفجر والعشاء ينير للعبد يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          القلب الناطق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الظلم الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أدب المؤمن عند فوات النعمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          عن شبابه فيما أبلاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          بلقيس والهدهد وسليمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-12-2021, 06:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,699
الدولة : Egypt
افتراضي آداب مهمة لمن أتم حفظ القرآن

آداب مهمة لمن أتم حفظ القرآن
د. محمود بن أحمد الدوسري





إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
حذَّر أهل العلم من عدم الْتِزام حَفَظَة كتاب الله بالأخلاق الحسنة، والآداب المرعيَّة، والواجبات الشَّرعية؛ لئلاَّ يكونوا فتنةً لغيرهم من الجهَّال من حيث لا يشعرون، وفي ذلك يقول الآجرِّي رحمه الله: «فَمَنْ كانت هذه أخلاقَه صار فتنةً لكلِّ مفتون؛ لأنَّه إذا عمل بالأخلاق التي لا تَحْسُن بِمِثله اقتدى به الجهَّال.

فإذا عِيْبَ على الجاهل، قال: فلانٌ الحامل لكتاب الله تعالى فَعَل هذا، فنحن أولى أن نفعله، ومَنْ كانت هذه حالَه فقد تعرَّض لعظيمٍ، وثبتت عليه الحجَّة، ولا عذر له إلاَّ أن يتوب، وإنَّما حداني على ما بيَّنتُ من قبيح هذه الأخلاق نصيحةٌ مِنِّي لأهل القرآن؛ ليتخلَّقوا بالأخلاق الشَّريفة، ويتخلَّفوا عن الأخلاق الدَّنيئة، واللهُ يوفِّقنا وإيَّاهم للرَّشادة»[1].

ومن جملة هذه الآداب: ما ورد في قول الصَّحابي الجليل عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، أنه قال: «ينبغي لحامل القرآن أنْ يُعرفَ بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مُفطرون، وبورعه إذا النَّاس يخلطون، وبتواضعه إذا النَّاس يختالون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون»[2]. ومن أهمِّ الآداب - بعدَ إتمامِ حِفْظِ القرآن - ما يلي:

أولًا: الخوف من الوقوع في الرِّياء:
إنَّ أوَّل ما يفعله الحافظ - بعد أنْ مَنَّ الله تعالى عليه بحفظ كتابه - أنْ يخاف على نفسه من الوقوع في الرِّياء ومحبَّة المدح والثَّناء من النَّاس، وطلبِ الجاه والمنزلةِ عندهم، بأنْ يُظْهِرَ لهم أنَّه قد أكمل حِفظَ القرآنِ وأجادَه، وهذا ما خافه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على أُمَّته بقوله: «إنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأصْغَرُ» قالوا: وما الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يا رَسُولَ الله؟ قال: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عزّ وجل لهم - يَومَ القِيَامَةِ إذا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ في الدُّنيا، فانظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً»[3].

والمُرائي بالقرآن مُعَرِّض نفسَه للعقوبة الشَّديدة الواردةِ في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ،... ورَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارئٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ»[4].

وها هو الآجرِّي رحمه الله يُحذِّر حفَّاظَ القرآن من الميل إلى حُسْنِ الثَّناء والجاه من أبناء الدُّنيا، فيقول: «ينبغي لمَنْ رزقه الله حُسْنَ الصَّوت بالقرآن أنْ يعلم أنَّ الله قد خصَّه بخير عظيم، فلْيعرفْ قَدْرَ ما خصَّه اللهُ به، وليقرأ لله لا للمخلوقين، وليحذر من الميل إلى أن يُستمع منه؛ ليحظى به عند السَّامعين رغبةً في الدُّنيا، والميل إلى حُسْنِ الثَّناء والجاه من أبناء الدُّنيا، والصِّلات بالملوك دون الصِّلات بعوام النَّاس، فَمَنْ مالت نَفْسُه إلى ما نهيتُه عنه، خِفْتُ أنْ يكونَ حُسْنُ صوتِه فتنةً عليه، وإنَّما ينفعه حُسْنُ صوتِه إذا خشى الله عزّ وجل في السِّرِّ والعلانية، وكان مرادُه أن يُستمع منه القرآن؛ لينتبه أهلُ الغفلة عن غفلتهم، فيرغبوا فيما رغَّبهم الله عزّ وجل، وينتهوا عمَّا نهاهم»[5].

كيف الخلاص من الرِّياء؟ هذا سؤال مهمٌّ يَرِدُ على بال كلِّ حافظٍ لكتاب الله تعالى، يرجو رحمةَ الله، ويخشى عقابه، ولا نجد جوابًا شافيًا - في هذا الشَّأن - إلاَّ عند الطَّبيب الحاذق بأعمال القلوب، ابنِ القيِّم رحمه الله حيث قال: «لا يجتمع الإخلاصُ في القلب ومحبَّةُ المدح والثَّناء والطَّمعُ فيما عند النَّاس، إلاَّ كما يجتمع الماءُ والنَّار، والضَّبُّ والحوت.

فإذا حدَّثتكَ نفسُك بطلب الإخلاص، فأَقبِلْ على الطَّمع أوَّلًا، فاذبحْه بسكِّين اليأس، وأقبلْ على المدح والثَّناء، فازهدْ فيهما زُهْدَ عُشَّاق الدُّنيا في الآخرة. فإذا استقام لك ذبْحُ الطَّمع والزُّهد في الثَّناء والمدح، سَهُلَ عليك الإخلاص.

فإنْ قلتَ: وما الذي يُسَهِّل عليَّ ذبْحَ الطَّمع، والزُّهدُ في الثَّناء والمدح؟
قلتُ: أمَّا ذَبْح الطَّمع، فيسهِّله عليك: عِلمُك يقينًا أنَّه ليس من شيء يُطمع فيه إلاَّ وبِيَدِ الله وحده خزائنه، لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبدَ منها شيئًا سواه. وأمَّا الزُّهد في الثَّناء والمدح، فيسهِّله عليك: علمك أنَّه ليس أحد ينفع مدحُه ويزين، ويضرُّ ذمُّه وَيَشين إلاَّ الله وحده، كما قال ذلك الأعرابيُّ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وإنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «ذَاكَ اللهُ عزّ وجل»[6].

فازهدْ في مَدْح مَنْ لا يزينك مدحُه، وفي ذمِّ مَنْ لا يشينك ذمُّه، وارغبْ في مَدْح مَنْ كلُّ الزَّين في مدحه، وكلُّ الشَّين في ذمِّه. ولن يُقدر على ذلك إلاَّ بالصَّبر واليقين، فمتى فقدتَ الصَّبرَ واليقين، كنتَ كمَنْ أراد السَّفر في البحر في غير مركب»[7].

ثانيًا: الخشية من العُجْب بالنَّفْس والتَّعالي على الخَلْق:
تعريف العُجْب: جاء في (لسان العرب): «العُجْبُ: الزُّهُوُّ، ورجل مُعْجَبٌ: مَزْهُوٌّ بما يكون منه حَسَنًا أو قَبِيحًا»[8]. وجاء في (المعجم الوسيط): «العُجْبُ: الكِبْرُ والزَّهْوُ»[9]. وقال الغزالي رحمه الله: «العُجْبُ: استعظامُ النِّعمة والرُّكون إليها مع نسيان إضافتها إلى المُنْعِم»[10]. وسئل ابن المبارك رحمه الله عن العُجْب، فقال: «أنْ ترى أنَّ عندك شيئًا ليس عند غيرك». وسئل عن الكِبْر، فقال: «أنْ تزدريَ النَّاس»[11].

حُكْم العُجْب:العُجْب محرَّم ومن كبائر الذُّنوب، بل عدَّه جماعة من العلماء: من الشِّرك المحبط للعمل. عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثَلاثٌ مُهْلِكاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وهَوَىً مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِه»[12].

وقد خاف النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على أُمَّته من العُجْب أكبر من خوفه عليهم من عموم الذُّنوب - غير الشِّرك - في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لَوْ لَمْ تَكُونوا تُذْنِبونَ، لَخِفْتُ عَلَيْكم ما هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ العُجْبَ العُجْبَ»[13]. قال المُناوي رحمه الله في علَّة تَكرار لَفْظَة (العُجْب) في الحديث: «كرَّره زيادةً في التَّنفير، ومبالغةً في التَّحذير؛ وذلك لأنَّ العاصي يعترف بنقصه فَيُرْجى له التَّوبة، والمُعْجَبَ مغرورٌ بعمله فتوبته بعيدة»[14].

الفرق بين الرِّياء والعُجْب:
قال ابن تيميَّة رحمه الله موضِّحًا هذا الفَرْقَ: «وكثيرًا ما يقرن النَّاسُ بين الرِّياء والعُجْب، فالرِّياء من باب الإشراك بالخَلْق، والعُجْب من باب الإشراك بالنَّفْس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يُحقِّق قولَه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾، والمُعْجب لا يُحقِّق قولَه: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. فمَنْ حقَّق قولَه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ خرج عن الرِّياء، ومَنْ حقَّق قولَه: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ خرج عن الإعجاب»[15].

لماذا يقع الحافظ في براثن العُجْب؟
الحافظ المعجب استعظم ما بذل من أسباب لتحصيل حفظ القرآن الكريم، ونسي أو تناسى أنَّ الله تعالى هو الذي هداه لذلك وسهَّله عليه ووفَّقه إليه، ولولا إحسانُه وفَضْله عزّ وجل لما تمكَّن أحد من حِفْظِ القرآن أو بعضِه. والواجب على - هذا الحافظ - أن ينسب النِّعمة إلى مُسبِّبها وخالِقها تبارك وتعالى، ويعترف بفضله عليه أنْ وفَّقَه وأكرمه وأعانه على حِفْظِ القرآن العظيم.

لماذا يقع الحافظ في مستنقع الكِبْر؟
والحافظ المتكبِّر اعتقد - في قرارة نفسه - أنَّه بَلَغَ مرتبةً في الكمال لم يبلغْها مَنْ حولَه، فَيُعْجَب بنفسه أوَّلًا، ثمَّ يكون العُجْب مطيَةً إلى التَّعالي على مَنْ حوله، واحتقارهم وتجهيلهم، وربَّما أتاه الشَّيطان ونفخ في صدره، وقال: أتممتَ حِفْظَ القرآن، فأنت حافِظُ زمانك، وخيرٌ من فلان وفلان، وأنت من أهل الله وخاصَّته، وأنت المُقدَّم في الإمامة والإمارة، والمرتفع في درجات الجنَّة، فهذا هو خُلُقُ الشَّيطان وتكبُّره في قوله: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76].

وينسى - هذا المتكبِّر على النَّاس بحفظه - ما ورد من النُّصوص في التَّحذير من ذلك، ومنها: ما ورد عَن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «قَالَ اللهُ عزّ وجل: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، والعَظَمَةُ إزَارِي؛ فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ»[16]. وما ورد عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»[17].

ثالثًا: الحذر من الذُّنوب والمعاصي:
لا ريب أنَّ الذُّنوب والمعاصي سبب مباشر في المصائب التي تنزل على العباد، وأنَّ نسيان القرآن بعد حِفْظِه من أعظم المصائب، ولذا قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ، فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إلاَّ بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللهُ عَنْهُ أَكْثَرُ. وَقَرَأَ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: 30]»[18]. قال الضَّحَّاك بن مزاحم رحمه الله: «ما من أحد تعلَّم القرآن ثمَّ نسيه، إلاَّ بذنب يُحْدِثه؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾، وإنَّ نسيان القرآن من أعظم المصائب»[19].

آثار في التَّحذير من المعاصي:
كان السَّلف الصَّالح - مع حرصهم على ضبط ما حفظوه من القرآن - يحاسبون أنفسهم ويلومونها على التَّقصير والخطأ، ويَعْزون سبب ذلك إلى ذنوبهم وخطاياهم: قال جعفر بن سليمان الضُّبَعي رحمه الله: «كان مالك بن دينار من أحفظ النَّاس للقرآن، وكان يقرأ علينا كلَّ يومٍ جزءًا من القرآن حتَّى يختم، فإنْ أسقطَ حرفًا قال: بذنبٍ مِنِّي، وما الله بظلاَّم للعبيد»[20]. وقال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: «إنِّي لأحسب الرَّجلَ ينسى العلم بالخطيئة يعملها»[21]. وسأل رجل الإمام مالكًا رحمه الله فقال: «يا أبا عبد الله، هل يصلح لهذا الحفظ شيء؟ قال: إنْ كان يصلح له شيء فترك المعاصي»[22]. وأوصى بذلك وكيعُ بن الجرَّاح رحمه الله فقال: «استعينوا على الحفظ بترك المعاصي»[23].

ومن آثار المعاصي - التي أوردها ابن القيِّم رحمه الله قوله: «وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المُضِرَّة بالقلب والبدن في الدُّنيا والآخرة ما لا يعلمه إلاَّ الله.

فمنها: حرمان العلم، فإنَّ العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النُّور.

ولمَّا جلس الشَّافعي بين يدي مالكٍ وقرأ عليه، أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إنِّي أرى اللهَ قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تُطفئْه بظلمة المعصية»[24].

وجاء في (فتح الباري) عن القرطبي رحمه الله - أنَّ من عقوبة ارتكاب المعاصي الرُّجوعَ إلى الجهل بعد العلم: «مَنْ حَفِظَ القرآنَ أو بعضَه فقد علت رتبته بالنِّسبة إلى مَنْ لم يحفظه، فإذا أخَلَّ بهذه الرُّتبة الدِّينية حتَّى تزحزح عنها ناسب أنْ يُعاقب على ذلك، فإنَّ تَرْك معاهدة القرآن يُفضي إلى الرُّجوع إلى الجهل، والرُّجوع إلى الجهل بعد العلم شديد»[25].

(شبهة):قد يقول قائل: كيف يكون الوقوع في المعاصي، وترك الطَّاعات سببًا في نسيان القرآن وتفلُّته من صدر حامله، ونحن نرى حُفَّاظًا للقرآن يرتكبون الأمور المحرَّمة، وارتكاب البدع المتنوِّعة، ومنهم مَنْ بَدَتْ عليه أمارات الفسق والفجور، وربَّما يكون منهم مَنْ هو إمام في الزَّيغ والضَّلال، أو جاهل بالقرآن ومعانيه، وكثير من هؤلاء لا يعلمون شيئًا عن تفسيره، ولا ينفِّذون أحكامه، وهم الحاملون له، وربَّما قرأه بعضهم على قبور الأموات؛ لأجل التَّأكُّل به؟!

فكيف يكون ذلك في ضوء ما تقدَّم؟
(ردُّها): هؤلاء الحُفَّاظ الفسقة لم يعرفوا قيمة ما تحمَّلوه من كتاب الله، فحالهم وبالٌ عليهم، وفتنة لغيرهم، وهم مُسْتدرَجون بهذا الحفظ من حيث لا يشعرون، ولا يكون في حفظهم نفعٌ ولا بركة غالبًا، ولو أنَّهم عظَّموا القرآنَ الذي في صدورهم لانكسروا إخباتًا وخشوعًا وخوفًا، ومسارعة لمرضاة ربِّهم تبارك وتعالى[26]. وما أحسن ما قاله التَّابعي الجليل مالك بن دينار رحمه الله: «إنَّ العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجورًا أو فخرًا»[27]. ولا أجد لحال هؤلاء مثلًا، إلاَّ ما قاله محمد بن السمَّاك رحمه الله: «كم من مُذَكِّرٍ بالله ناسٍ لله، وكم من مُخَوِّفٍ بالله جريء على الله، وكم من داعٍ إلى الله فارٌّ من الله، وكم من تالٍ كتاب الله مُنْسَلِخ من آيات الله»[28].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 109.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 107.39 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]