|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حكم بيع الثمار قبل بدو صلاحها محمد عبدالعاطي محمد عطية معنى بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ أي: قبل إكمال نضوجها، وقبل صلاحيتها للاستخدام. وهذا البيع من البيوع التي استقلت السنة النبوية بتحريمها، ولعل الحكمة في هذا التحريم هي ما يحتويه هذا البيع من الضرر والمخاطرة، فقد تتلف الثمرة فيخسر المشتري، فيقع بهذا الضرر والعداوة إلى غير ذلك. ودليل النهي ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها، قيل: وما صلاحها؟ قال: تذهب عاهتها ويخلص صلاحها))[1]. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((نهى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة، حتى يبدو صلاحها، وكان إذا سئل عن صلاحها، قال: حتى تذهب عاهته))[2]. ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يظهر صلاحها، ونهيه يقتضي تحريم المنهي عنه. والفقهاء مختلفون في التفسير لهذه الأحاديث على أقوال: فبيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع يجوز باتفاق العلماء[3]، واتفقوا على أن البيع بشرط التبقية قبل بدو الصلاح لا يجوز باتفاق العلماء، وإذا بدا الصلاح في شجرة جاز بيع الشجرة كاملة، وإن لم يبد الصلاح فيها كلها باتفاق العلماء. ومحل الخلاف فيما إذا بدا الصلاح في شجرة، هل يكون صلاحًا لسائر الجنس، أو لسائر الأجناس في البستان أولًا؟ أقوال الفقهاء في المسألة: القول الأول: أنه يشترط لجواز بيع الثمرة بدو الصلاح في كل شجرة من نوع الشجرة المبيعة، ولا يكفي بدو الصلاح في بعض النوع، وهذا قول عند الحنابلة[4]. القول الثاني: أن صلاح الثمرة صلاح لسائر النوع في البستان، ولا يكون صلاحًا لنوع آخر في البستان، وهذا مشهور مذهب الحنابلة[5]. القول الثالث: أن صلاح الشجرة صلاح لسائر الجنس. وهذا مذهب السادة المالكية - لكنهم خصوا ذلك بالثمر دون الزرع[6] - ومذهب السادة الشافعية[7]، وقول عند السادة الحنابلة[8]. القول الرابع: أن صلاح الشجرة صلاح للجنس ولبقية الأجناس في البستان التي تباع جملة عادة، والتي يحصل في تفريقها ضرر، وهذا قول الليث بن سعد[9]، ورواية عن الإمام أحمد اختارها ابن تيمية رحم الله الجميع[10]. والراجح القول الرابع: وهم القائلون بجواز بيع بقية الأجناس في البستان التي تباع عادة جملة؛ لعدة أمور: 1- أن التفريق بين ثمر البستان الواحد فيه ضرر ليس بالقليل، والضرر مرفوع شرعًا، والحاجة تدعو إلى ذلك وهي تنزل منزلة الضرورة. قال ابن تيمية رحمه الله: "وذلك لأن التفريق فيه ضرر عظيم؛ وذلك لأن المشتري للنوع قد يتفق في النوع الآخر، وقد لا يتفق من يشتري نوعًا دون نوع". 2- القياس على العرايا: قال ابن تيمية مستدلًّا بالقياس على العرايا: "فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرخص في العرايا استثناء من المزابنة للحاجة، فلأن يجوز بيع النوع تبعًا للنوع، مع أن الحاجة إلى ذلك أشد وأولى"[11]. 3- أن في المنع من ذلك ضررًا وفسادًا لا تأتي الشريعة بمثله؛ قال ابن تيمية: "وسر الشريعة في ذلك كله: أن الفعل إذا اشتمل على مفسدة، مُنع منه، إلا إذا عارضها مصلحة راجحة، كما في إباحة الميتة للمضطر، وبيع الغرر نهي عنه؛ لأنه من نوع الميسر الذي يفضي إلى أكل المال بالباطل، فإذا عارض ذلك ضرر أعظم من ذلك، أباحه دفعًا لأعظم الفسادين باحتمال أدناهما". 4- أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة: قال ابن تيمية: "ومأخذ من جوز شيئًا من ذلك: أن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإن بيع بعض ذلك دون بعض يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي"[12]. وقال: مثل قول الليث بن سعد: إذا بدا الصلاح في جنس - وكان في بيعه متفرقًا ضرر - جاز بيع جميع الأجناس؛ لتعسر تفريق الصفقة، ولأنه إذا أراد أن يبيع الثمر بعد ذلك لم يجد من يشتري الثمرة إذا كانت الأرض والمساكن لغيره إلا بنقص كثير[13]. ثم بين أن فيها نقصًا كبيرًا على البائع، خاصة إذا كانت الأرض لغيره، وخاصة إذا شرط عليه المشتري السقي، فسوف يؤدي إلى خسارته أكثر. 5- أنه يدخل تبعًا ما لا يدخل استقلالًا، ولا يلزم من منع بيع الثمر قبل بدو صلاحه مفردًا منعه مضمومًا إلى غيره، فيترجح هذا القول لقوة أدلته ووجاهتها. وموافقة هذا القول للقواعد الشرعية المرعية؛ كقاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، وقاعدة تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ونحوها من القواعد المعتبرة. هذا، والله تعالى أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين. [1] مجمع الزوائد للهيثمي، دار الفكر بيروت، 1412ه، (4/ 105). [2] صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب من باع ثماره وقد وجب فيه العشر (ج: 2/ 127)، رقم الحديث: (1486). [3] مجموع الفتاوى لابن تيمية: (29/ 477)، شرح فتح القدير لابن الهمام، دار الكتب العلمية: (6/ 287)، التاج والإكليل لأبي القاسم العبدري: (6/ 452). [4] المغني لابن قدامة: (6/ 156)، الكافي لابن قدامة المقدسي: (2/ 76)، الفروع لابن مفلح: (4/ 77). [5] المغني لابن قدامة: (6/ 156)، الكافي: (2/ 76)، مجموع الفتاوى لابن تيمية: (29/ 489). [6] حاشية الخرشي لعلي بن أحمد العدوي: (5/ 24)، الفواكه الدواني لشهاب الدين النفرواي: (2/ 93)، حاشية الدسوقي لأحمد الدردير: (3/ 176-177). [7] روضة الطالبين للنووي: (3/ 551)، أسنى المطالب لزكريا الأنصاري: (2/ 103، 104). [8] المغني: (6/ 156)، الإنصاف للمرداوي: (5/ 79)، شرح الزركشي: (3/ 504)، المبدع: (4/ 173). [9] مجموع الفتاوى لابن تيمية: (29/ 71)، الاختيارات الفقهية لابن تيمية: (130). [10] مختصر الفتاوى المصرية لبدر الدين البعلي (423). [11] مجموع الفتاوى لابن تيمية: (29/ 482-483)، وانظر: مختصر الفتاوى المصرية لبدر الدين البعلي: (423). [12] مجموع الفتاوى لابن تيمية: (29/ 39). [13] مجموع الفتاوى لابن تيمية: (29/ 71).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |