|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مشاعل الفتوحات الإسلامية في العراق - تقرير أحمد الشجاع مهمة نشر الإسلام تحتاج أولاً إلى تثبيت هذا الدين في قلوب المؤمنين به الذين يقع على عاتقهم تلك المهمة، وكذلك تثبيت هذا الدين في أوساط المجتمع المسلم، وذلك عبر تقوية العلاقات الإسلامية بين أفراد المجتمع، وإزالة أسباب الضعف والانقسام داخل المجتمع. فعملية نشر الدين لا تنجح إلا في ظل أرضية صلبة وذات قواعد متينة، وعلى يد أتباعه الصادقين المخلصين. وهذا ما تحقق في عهد رسول الله – صل الله عليه وسلم - وخلفائه الأربعة رضي الله عنهم؛ فقد كانت هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي هي أهم المراحل؛ ففيها تم ترسيخ الدين الإسلامي، وبناء الأسس المتينة والقواعد الثابتة التي استندت إليها الأمة بعد ذلك في أداء واجب نشر دينها مشارق الأرض ومغاربها. ويوضح الدكتور الصلابي أن غاية وجود الأمة المسلمة في هذه الدنيا هي توحيد الله، وتحقيق عبوديته الشاملة في هذه الحياة كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات، آية:56]. فإذا كان خلق الجن والإنس الغاية منه عبادة الله وحده سبحانه وتعالى، كان لزاماً على الأمة المسلمة أن تسعى لتحقيق هذه الغاية وتحمل هذه الأمانة وأعباء تبليغها للناس أجمعين، بالدعوة إلى الله، وتعليم الناس وتربيتهم على منهج الله، والعمل على إزالة كل العقبات، التي تقف في وجه أداء هذه الأمانة إلى الناس أجمعين، وبذلك يتحقق بسط سيادة الشرع الحكيم على كل بني البشر، ويصبح الجميع يدينون بحاكمية الله سبحانه المطلقة المتمثلة في خضوع الجميع لشرع الله تعالى؛ ولذلك شرع الله تعالى الجهاد لإزالة الحواجز والعقبات المانعة من سماع دين الفطرة التي فطر الناس عليها، قال ابن تيمية: "وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد بقصد أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع قوتل باتفاق المسلمين". وقد قام رسول الله بتبليغ واجب الدعوة إلى الله، فأرسل الكتب والرسل إلى القادة والملوك والزعماء وبعث السرايا والجيوش لإزالة الحواجز البشرية، والأعراف الجاهلية، والموانع النفسية، والعوائق المادية المانعة من سماع الإسلام وتفهمه، بل قاد بذاته بعض البعوث والغزوات، والتي كان آخرها غزوة تبوك سنة 9هـ. وفي هذا التقرير عرض مختصر لحركة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق في عهد خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. الصديق وانطلاقة الفتوحات سار الصديق على منهج رسول الله، وشرع قي إرسال الجيوش لتحقيق بشائر الرسول بفتح كثير من الممالك والبلاد كفتح العراق وغيرها من البلاد. إن الهدف الرفيع والمقصد السامي لحركة الفتوحات التي قادها الصديق كان غرضها نشر دين الله تعالى بين الناس، وإزاحة الطواغيت من على رقاب الناس، وكان الصديق والمسلمون معه على يقين بما أخبر الله ورسوله من النصر والتمكين، وهذا اليقين من أخلاق جيل النصر فقد كانوا على يقين بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[سورة الصف، آية:9]، وبقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[سورة غافر، آية: 51]. وبدأت سنة 12 للهجرة وجيوش الصديق وأمراؤه الذين بعثهم لقتال أهل الردة جوالون في البلاد يميناً وشمالاً لتمهيد قواعد الإسلام وقتال الطغاة من الأنام؛ حتى رد شارد الدين بعد ذهابه، ورجع الحق إلى نصابه، وتمهدت جزيرة العرب، وصار البعيد الأقصى كالقريب الأدنى، حسب وصف ابن كثير. فتح العراق وما إن انتهت حروب الردة، واستقرت الأمور في الجزيرة العربية - التي كانت ميداناً لها - حتى شرع الصديق في تنفيذ خطة الفتوحات التي وضع معالمها رسول الله. حيث جاء المثنى بن حارثة إلى أبي بكر الصديق ليطلب منه أن يسمح له بقتال الفرس المتاخمين له، والقيام ببعض الغارات عليهم. فقال له: "يا خليفة رسول الله، ابعثني على قومي؛ فإن فيهم إسلاماً أقاتل بهم أهل فارس، وأكفيك أهل ناحيتي من العدو". فسمح له أبو بكر بذلك. وعلى الفور قام المثنى بن حارثة بشن بعض الغارات على الجيوش الجنوبية في فارس، ثم أرسل بعد ذلك يطلب المدد من أبي بكر يقول له: "إن أمددتني وسمعت بذلك العرب أسرعوا إليَّ، وأذلَّ الله المشركين، مع أني أخبرك يا خليفة رسول الله أن الأعاجم تخافنا وتتقينا". وعلى أثر هذه الرسالة أرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد في اليمامة يقول له فيها: "إن الله فتح عليك فعارق (أي: فسر إلى العراق)، وابدأ بفرج الهند (وهي الأُبُلَّة)، وتألَّف أهل فارس ومن كان في ملكهم من الأمم". خطة الخليفة الصديق وفي رد فعل غير متوقع من قبل خالد بن الوليد، فإنه لم يبعث برد أو استفسار عما جاء في رسالة أبي بكر الصديق العجيبة، إنما كان من أمره أن أرسل بالرسائل إلى الجيوش الإسلامية المحيطة به لتجميعهم، ثم أرسل رسالة إلى هرمز أمير منطقة الأُبلّة (ميناء على شط العرب، وتقع أقصى جنوب العراق) من قبل فارس يهدده فيها ويتوعده. ومن المدينة كان أبو بكر الصديق قد وضع خطة لفتح بلاد فارس تعمل كفكي الكماشة، بحيث تكون نهايتها في مدينة الحيرة أعظم مدن فارس بعد المدائن العاصمة، وكانت تبعد عنها بنحو مائتي كيلو متر. فكان أن أمر أبو بكر خالد بن الوليد بأن يتجه إلى العراق لفتحها من جهة الجنوب حتى يصل إلى مدينة الحيرة، وفي الوقت نفسه كتب إلى عياض بن غنم - وكان في الحجاز - بأن يدخل العراق من أعلاها مفتتحاً ما في طريقه إليها، ثم يكمل المسير حتى يصل إلى الحيرة أيضاً. وكان الصديق حريصاً أشد الحرص على عدم الإيغال في بلاد العدو حتى تدين للمسلمين، وقد كان ذلك واضحاً تمام الوضوح في جبهات العراق والشام. ففي رسالته إلى خالد وعياض يقول: "فأيُّكما سبق إلى الحيرة فهو أمير على صاحبه، وإذا اجتمعتما بالحيرة وقد فضضتما مسالح (حصون) فارس وأَمِنتُما أن يُؤْتَى المسلمون من خلفهم، فليكن أحدكما ردءاً للمسلمين ولصاحبه بالحيرة، وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن". وهنا يقول الدكتور راغب السرجاني: وكانت خطة رائعة قد رسمها أبو بكر الصديق، أراد بها الإحاطة بقوات الفرس غربي بغداد كما السوار بالمعصم، بحيث تقاتل هذه القوات أحد الجيشين وفي خَلَدِها رعب وفزع من هجوم الجيش الآخر من خلفها. ثم إن هذه الخطة ستعمل على إرباك قوات الفرس وقادتهم، من حيث عدم معرفتهم لأهداف ومقاصد كل جيش، ومن حيث صعوبة توزيع قواتهم لملاقاة كلا الجيشين في وقت واحد. وكذلك فإن هذه الخطة ستعمل على ألا يمر المسلمون من طريق واحد، وإنما من طريقين مختلفين، والذي من شأنه أنهم سيستطيعون أن يحصلوا على أكبر قدر من الماء والكلأ لهم ولدوابهم، الأمر الذي لا يتوافر حين يكون الطريق واحداً. وفوق هذا وذاك، فإن هذه الخطة ستثير المنافسة الشريفة بين جيش خالد بن الوليد وجيش عياض بن غنم، في أيهما يحقق النصر ويسبق أولاً إلى الحيرة؛ مما يحفز الهمم ويثير الحماسة في قلوبهم. بعد هذه الخطة المحكمة لم ينس أبو بكر أن يوقّع ببعض التوصيات المهمة، التي تدل على حكمته وبُعد نظره، حيث يقول في رسالته: "واستعينوا بالله واتقوه، وآثروا أمر الآخرة على الدنيا يجتمعا لكم، ولا تؤثروا الدنيا فتُسلَبوهما، واحذروا ما حذركم الله بترك المعاصي ومعاجلة التوبة، وإياكم والإصرار وتأخير التوبة". وقد كانت هذه هي الأسلحة الحقيقية لقتال أهل فارس وفي كل قتال؛ فإذا آثر الإنسان أمر الآخرة على أمر الدنيا اجتمعت له الدنيا والآخرة، ومن سعى إلى الدنيا فقط ضاعت منه الدنيا والآخرة. كما لا بد من التعجيل بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي؛ وذلك في كل وقت وبالأخص هنا، حيث الكنوز والأموال والخير العميم، وقبل أن تفتح الدنيا عليهم بفتح فارس. وهذا الكتاب الجليل – كما يقول الصلابي - يدل على فكر أبي بكر العالي وتخطيطه الدقيق، وقبل ذلك توفيق الله له، فقد جاء تخطيطه الحربي موافقاً تماماً لما اقتضته مصلحة الجيوش الإسلامية أثناء تطبيق هذه الخطة الحكيمة، وقد شهد ببراعة أبي بكر في التخطيط الحربي أخبر الناس بالحروب آنذاك وهو خالد بن الوليد، فإنه لما نهض للقيام بمهمة عياض في فتح شمال العراق ونزل بكربلاء واشتكى إليه المسلمون ما وقعوا فيه من التأذي بذُبابها الكثيف، قال لعبد الله بن وثيمة: "اصبر فإني إنما أريد أن استفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنُسكنها العرب فتأمن جنود المسلمين أن يؤتوا من خلفهم، وتجيئنا العرب آمنة وغير متعتعة، وبذلك أمرنا الخليفة، ورأيه يعدل نجدة الأمة". وقد سار على هذه الخطة بالعراق المثنى بن حارثة حيث يقول ذلك القائد الفذ: "قاتلوا الفرس على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب، ولا تقاتلوهم بعقر دارهم، فإن يظهر الله المسلمين فلهم ما وراءهم، وإن كانت الأخرى رجعوا إلى فئة ثم يكونون أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم". وكتب الصديق إلى خالد وعياض بعد أن أزمعا الرحيل قائلاً:"وَأْذَنا لمن شاء بالرجوع ولا تستفتحا بمتكارِه، واستنفرا من قاتل أهل الردة ومن ثبت على الإسلام بعد رسول الله، ولا يغزونَّ معكم أحد ارتدَّ حتى أرى رأيي". ففي هذا الوقت العصيب الذي يريد فيه أكبر عدد من الجند لم ينس أبو بكر غاية الفتح وغاية الجهاد وهي الإطاحة بالوثنية والشرك في كل صوره؛ فلم يرد أن يجعل في جيشه إلا من ثبتوا على إسلامهم حين فُتِنَ الباقون وارتدوا، فكان ما أراد ولم يشهد الذين ارتدوا هذه المعارك، حتى سمح لهم بعد ذلك عمر بن الخطاب؛ وذلك بعد أن اطمأنَّ لإسلامهم. ثم رجع من أهل المدينة ومن حولها مَنْ أَذِنَا لهم بالرجوع؛ وذلك حتى لا يكونوا مُكْرَهِين على القتال كما أمر بذلك أبو بكر الذي أراد من وراء ذلك ألاّ يتصدع الجيشان، وأن يكون كلاهما في كامل إيمانه. وبذلك تناقصت قوات كلا الجيشين حتى لم يعد يبق مع خالد بن الوليد في النِّبَاج إلا ألفان فقط، ولكنهم أفضل وأقوى وأعظم من كل جيش باطل جرار. ومنذ أن تلقى رسالة أبي بكر الأولى كان قد جمع خالد بن الوليد جيشه، وانطلق من اليمامة حتى نزل النِّبَاج (على بعد مائتي كيلو متر من اليمامة)، على رأس ألفين كانوا قد بقوا معه. وأمام هذا العدد الضئيل جدًّا كتب كل من خالد وعياض إلى أبي بكر يطلبان المدد. فأمد أبو بكر خالداً برجل واحد فقط هو القَعْقَاعُ بن عمرو التميمي، وقبل أن يتعجب خالد دهش أهل المدينة فقالوا لأبي بكر: "أتمد رجلاً قد انفضَّ عنه جنوده برجل؟!"، فأجابهم قائلاً: "لَصَوْتُ القعقاع في الجيش خير من ألف رجل"، "ولا يُهْزَمُ جيشٌ فيهم مثل هذا". والشيء نفسه حدث مع عياض بن غنم حين أرسل أيضاً يطلب المدد، فأمده أبو بكر أيضاً برجل واحد هو عبد بن عوف الحميري، وقال عنه أيضاً: رجل بألف رجل. وكان أن ذهب القعقاع بن عمرو وحده على فرسه مدداً إلى خالد بن الوليد في النِّباج. وفي حالة استنفار عام أرسل خالد بن الوليد برسائل المدد والعون إلى كل المحيطين به في هذه المنطقة، فأرسل برسالتين إلى قبيلة تميم، وكان فيهم سُلْمَى بن القَيْن (له صحبة وهجرة) فجاءه بألف مقاتل، وأيضاً كان فيهم حَرْمَلَة بن مُرْيِط (له صحبة وهجرة أيضاً)، وقد جاءه على رأس ألف أيضاً. ثم كتب إلى المثنى بن حارثة - وكان بجنوب العراق، وهو الذي بدأ الغارات على العراق - أن يأتيه، وقد بعث إليه بكتاب من أبي بكر يأمره بطاعته، فكان أن سمع وأطاع، وجاء إليه مسرعاً على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل. وكان مذعور بن عدي أيضاً في جنوب العراق، وكان مع المثنى بن حارثة وقد اختلف معه في بعض الأمور وتكاتبا إلى أبي بكر، فكتب إليه أبو بكر يأمره بالمسير مع خالد، فكان أن جاءه (مذعور) على رأس ألفي مقاتل. ثم استطاع خالد بن الوليد أن يجمع مما بينه (في النِّباج) وبين العراق من قبيلتي ربيعة ومضر ثمانية آلاف مقاتل آخرين، وكل هؤلاء ممن لم يرتدوا قبل ذلك، وممن ظلوا على إسلامهم. ونستطيع إذن أن نتحقق عدد الجيش كاملاً كما يلي: - الأصل ألفان، وكانوا مع خالد بن الوليد منهم ألف من قبيلة طيِّئ الذين وقف فيهم عدي بن حاتم ومنعهم من الردة، وكانوا ممن ثبتوا على القتال، والألف الأخرى كانوا من صحابة رسول الله. - ألفان من قبيلة تميم، منهم ألف على رأسهم سُلمى، وألف على رأسهم حرملة. - ستة آلاف من جنوب العراق، كان منهم أربعة آلاف مع المثنى بن حارثة، وألفان مع مذعور بن عدي. - ثمانية آلاف من قبيلتي ربيعة ومضر. ومن هنا كان إجمالي العدد الذي تجمع عند خالد بن الوليد في النِّباج ثمانية عشر ألف مقاتل، لم يسبق لأي منهم ردة، وقد خرجوا طائعين، وهو عدد لم يجتمع لأحد من قبل من المسلمين أو غيرهم في الجزيرة العربية. وكان من أهم ما يميز ذاك الجيش أن فيه خالد بن الوليد، وفيه المثنى بن حارثة، وفيه القعقاع بن عمرو، وفيه عاصم بن عمرو التميمي أخو القعقاع بن عمرو، وكان قد جاء مع جيش سُلْمَى بن القين، وكان أيضًا من أشد مقاتلي المسلمين مهارة، وسيكون له بأس في حروب فارس. على الجانب الآخر كان في مواجهة خالد بن الوليد أمير منطقة (الأُبُلَّة) من قبل فارس ويدعى (هرمز)، وكان هذا من أسوأ جيران العرب للعرب، حتى إن العرب باتوا يضربون به المثل في الخبث والكفر، فكانوا يقولون: "أخبث من هرمز، وأكفر من هرمز". وكان هرمز هذا على مدينة الأُبُلَّة، وهي مدينة كانت تقع في جنوب العراق، على مشارف الدولة الفارسية من ناحية الجزيرة العربية، وكانت يومئذ أعظم موانئ فارس على الخليج العربي - الفارسي آنذاك - شأناً وأشدها شوكة. في النباج وبعد أن اجتمع له ثمانية عشر ألفًا، بعث خالد بن الوليد برسالة صغيرة إلى هرمز أمير منطقة الأُبلة من قِبَل فارس، جاء فيها: "أما بعد.. فأسلمْ تسلمْ، أو اعقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومنَّ إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة". وقد أرسلها مع أحد الفرس الذين كان قد أسرهم في موقعة اليمامة؛ وذلك أنه كان يعلم أن هذا الفارسي حين يذهب إلى هرمز سيقصُّ عليه ما كان من خالد بن الوليد في اليمامة، وكيف قاتل بجيش قوامه اثنا عشر ألفًا مائةَ ألفٍ ثم انتصر عليهم؛ مما يلقي الوهن والرعب في قلوب الفارسيين وقلب هرمز. وما إن وصلت هذه الرسالة إلى هرمز حتى استشاط غضباً؛ إذ كيف لهذا العربي - الذي كانوا يتصدقون عليه وعلى كل العرب بفتات العيش – أن يجرؤ على إرسال مثل هذه الرسالة التي تحمل ذاك الحجم من التهديد والوعيد؟. ومن فوره أرسل بالخبر إلى شيرويه في المدائن، ويستأذنه في قتال المسلمين وإرسال المدد له. ومن (الأبلة) وبعد أن أرسل شيرويه بجيش كبير إليه تعجل هرمز إلى منطقة كاظمة، وهي على ساحل الخليج الفارسي وماؤها عذب، ظنًّا منه أنها مقصد خالد بن الوليد إلا أنه علم بعد ذلك أن خالداً قصد الحفير، فكان أن عدل ثانية عن وجهته ومال إليها ليبادر هو خالداً. خطة سيف الله المسلول أما خالد بن الوليد فقد قسم جيشه إلى ثلاث فرق تسلك طرقًاً مغايرة، فأرسل الفرقة الأولى وعلى رأسها المثنى بن حارثة..ثم الفرقة الثانية في اليوم الثاني وعلى رأسها عاصم بن عمرو التيمي، وجعله على الميمنة. والفرقة الثالثة أرسلها في اليوم الثالث وعلى رأسها عدي بن حاتم، وجعله على الميسرة..ثم في اليوم الرابع خرج هو بنفسه على مقدمة الجيش، وواعدهم جميعاً عند الحفير في يوم معين. ولقد كان لتقسيم هذا الجيش على هذه الفرق الثلاث عدة أغراض، كان منها ما يلي: الغرض الأول: الاستفادة بأكبر كمٍّ من مياه الآبار المنتشرة في الطرق التي سيمرون بها. الثاني: التغطية والتعتيم على عيون وجواسيس الفرس، فلا يستطيعون أن يعرفوا بالضبط وجهة الجيش الإسلامي، وأيضاً عدده.. ومن ثَمَّ تظل قوات الجيش الفارسي في حيرة من أمرها حتى يفاجَأُوا بالواقع أمامهم. كانت كاظمة وجهة هرمز الأولى، إلا أن عيونه أدركت أن خالد بن الوليد سيتجه بجيوشه شمالاً نحو الحفير، ولن يتوجه إلى كاظمة.. فما كان من هرمز إلا أن عدل عن وجهته وبادر نحو الحفير تلك التي يقصدها خالد، ثم عسكر فيها ورتب بها جيوشه، وذلك قبل وصول خالد. وبالمثل فقد اكتشفت عيون خالد أن هرمز قد وصل إلى الحفير وعسكر فيها، ولعله أراد أن يرهقهم، أو أنه لم يرد أن ينزل عليهم وقد تجهزوا له، فكان أن غيَّر مساره وحول اتجاهه إلى كاظمة. حينما علم هرمز بهذا الأمر استشاط غضباً؛ إذ كيف يلعب به هذا الأعرابي، ثم أسرع بجيشه إلى كاظمة لملاقاة خالد بن الوليد هناك، وكان أن وصل الجيشان في وقت واحد، وبذلك يكون خالد قد فوَّت على الفرس فرصة إعداد الجيش قبل وصوله كما في المرة الأولى. على عكس المسلمين لم يكن هرمز يعتقد الولاء في جنده، ولم يكن يأمن ثباتهم في المعركة؛ إذ إنه يعلم أنهم يحبون الحياة ويكرهون الموت، أما جيش المسلمين فقد قال عنه خالد بن الوليد يصفهم لهرمز: "قوم يحبون الموت كما يحب أهل فارس الحياة". ولكي يضمن عدم فرار جيشه قرر هرمز أمراً عجيباً عارضه فيه كثير منهم، إلا أنه أصرَّ عليه، وهو أن يقوم بربط كل عشرة من الجنود بسلسلة فيما بينهم، فإذا فكر واحد منهم أو اثنان في الهرب فلن ينجحا، اللهم إلا إذا هرب عشرتهم، وبعيد أن يحدث هذا. وقد احتج أناس منهم بأن قالوا معترضين: "قيدتم أنفسكم لعدوكم! فلا تفعلوا فإن هذا طائر سوء". وكان أن ردوا عليهم بقولهم: "أما أنتم فيحدثوننا أنكم تريدون الهرب". بعد انتهاء هذا الأمر عبَّأَ هرمز قواته، وجعل على ميمنته قباذ، وجعل على ميسرته أنوشجان، ووقف هو في مقدمة الجيوش ينتظر خالد بن الوليد..وعلى الجانب الآخر عسكر خالد في قبالة جيش فارس مباشرة يرتقب اللقاء. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |