|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ظاهر الزبد في نفي الولد محسن الشعار إن من أشد الآيات وقعًا على السمع، وهزًّا للقلب، ولفتًا للنظر، ومدعاة للتفكر: تلك الآيات عن نسبة الولد لله تعالى في أواخر سورة مريم؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 88 - 93]. فأي قضية تلك التي تكاد السموات تنفطر لها على رؤوس أصحابها، وتنشق منها الأرض تبلعهم فكأنهم ما كانوا، وتنهد على قوامهم الجبال الرواسي فتهدهم بائدين؟ يصف الله تعالى دعواهم بالإدِّ، وهو الأمر الفظيع، فظيع فوق فظاعة تلك المشاهد الثلاثة مجتمعة في سياق واحد! إذ "وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا". ويتكرر تشنيع ذلك الادعاء في القرآن الكريم مراتٍ كثيرة في الحديث عن عيسى بن مريم عليه السلام، وأخرى في الحديث عن الملائكة.. ينفي الله تعالى عن نفسه اتخاذ الولد، ويؤكد أن تنزيهه تعالى وتسبيحه يقتضي انتفاءَ تلك النقيصة وذلك العيب. وفيما يلي سنحاول أن نفهم إلى أي فظاعة يبلغ هذا الادعاء، حتى جعل الله تعالى تلك المَشاهِدَ صورًا يقاس بها الأمر وتقابله.. لمَ أكَّد الله تلك الحقيقة البينة مرة بعد مرة، وموضعًا في ذيل موضع؟ "وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا". أولًا: مفهوم الولد: التكاثر هو عملية بيولوجية تتخذ خطوات تختلف بحسب جنس الكائن الحي، تشمل ما يبتدئ من أبسط صورها في بسيط الكائنات، وينتهي إلى أعقد ما تكون في جنس الحيوان والإنسان. والولد اسم لنتاج الولادة في جنس الثدييات، ويناظره البيض في الطيور وشق من الأسماك، والثمر في النبات، وعملية الولادة تناظرها عمليات في مختلف المخلوقات، حتى تتبسط في صورة الانقسام المايتوزي المباشر في الباكتيريا وأشباهها. والقرآن يخاطب بلسان عربي مبين، فمتى ذكر الولد، فهو منوط بعملية الولادة، وهكذا يتصوره كلُّ من ادعى الولد لله تعالى، فمثلًا النصارى لا ينكرون بأن عيسى ولدتْه مريم، على بعض تفصيل يُستغنى عنه بالمقام. والولد لا يكون إلا من جنس أبويه، فالإنسان يلد إنسانًا، والطيور تلد طيورًا، وسلالة القطط تلد قططًا، والكلاب لا تلد إلا الكلاب، ولو فرضًا وطأ نعام فرسًا، ينتفي الولد يقينًا بغير مراء. ثانيًا: غاية الولد: وإن الغاية الوحيدة من التكاثر هي البقاء.. فطرة الله التي فطَر الناس عليها.. والإنسان يسعى بفطرته إلى الخلود؛ ابتداء من قصة سيدنا آدم وافتتانه بقول إبليس: ﴿ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]، ومرورًا برغبته التي لا تنحسر في الحياة، وفراره الدؤوب من الموت؛ حتى إن الواحد منا يتناسى فكرة أنه سيموت، ولا يطيق أن يبقيها دائرة بخلده على مدار الساعة.. وانتهاء بالمآل المحتوم، إذ ينشد في أخراه وعد الله ووعيده بالخلود! والإنسان في هذه الدنيا يحرص على امتداد بقائه امتدادَ الدنيا نفسها، ولا سبيل لذلك من ناحية الوجود الحسي، فما يُعمَّر من معمَّر ولا يُنقَص من عمره إلا ليفنى، والدنيا بعدُ باقية إلى حين! فيتنازل الإنسان مُكرهًا إلى البقاء المعنوي، إما بضمان ذكر في اللاحقين، أو ببسط نفسه في أولاد متتابعين، يتملك مدينة، أو يكتشف قانونًا، أو يفري آلة، فيسميهم باسمه لضمان الذكر، ويحرص على وجود الوريث القويِّ الذي يحفظ له نسبه وامتداده في هذه الدنيا على أقل تقدير. وكذلك الولد هو الوسيلة الوحيدة التي تتحقق بها طبيعة الوجود الإنساني على الأرض ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، جيلًا يخلف جيلًا، وابنًا يخلف أباه. ثالثًا: بيولوجيا الولادة: والولادة لا تكون إلا بزوجين، أفرادًا أو أعضاء، ويستحيل طبعًا أن تتم بغير ذلك.. واستغناء فرد عن زوجه في الولادة هو المعجزة المحضة. وكذلك لا تتم الولادة إلا ببذور أو مشتقات من كلا الزوجين، مشتقات تخرج وتدخل وتتفاعل وتتحور وتتغير، وتلك المشتقات مستقذرة لصاحب الفطرة السليمة، وقد أطلق الفقهاء عليها اسم القاذورات في بعض أحكامهم (ويجدر بي التنويه هنا على أن المستقذر غير النجس عند الفقهاء؛ حتى لا يخلط أحد في أحكام المنيِّ. إنما المستقذر هو ما تمجه النفس، ويسارع المرء لإزالته بعد الفراغ من منفعته إن كانت له منفعة، ولا تنتفي الطهارة به، كالمخاط. أما النجس فهو ما تنتفي به الطهارة؛ كالبول، والدم... إلخ). والولادة لا تتم إلا باجتماع تلك البذور، ومن قبلها غالبًا اجتماع الزوجين لإنزال تلك البذور.. وعملية الإنزال لا تتم إلا برغبة قوية، والتمسوا لي العذر في التفصيل الآتي. خلق الله الإنسان في حاجة متجددة للإنزال، وإنما رغبته في الجماع هي لأجل الإنزال، بدليل تعدُّد سبل الإنزال دون الجماع، وبقاء الإنزال على قمة الأمر لحظة منشودة على الدوام، وعملية الجماع نفسها منوطة بالشهوة المتزايدة، بمعنى أن المتعة تزداد، وأن الزوجين إنما يسعيان إلى ذروة تلك المتعة والانتشاء.. وهذا من حكمة الله تعالى أن ربط عملية الجماع بغايتها برباط وثيق؛ إذ الولد لا يكون بغير إنزال. هي رغبة لا فرار منها؛ فكلما تتابع الجماع ازدادت المتعة، إلى حين تلك اللحظة التي تعبر عن الغاية، وإذا لم يبلغها الإنسان فإنه لا يستشعر الهناءة على الرغم من كل متعة سابقة لها، بل وأحيانًا تصحبه الآلام، حتى يسعى للغاية المتمثلة في الإنزال رغم أنفه. ثم إن الله تعالى فطر الإنسان على حب الولد، ميثاقًا آخر يربط الاجتماع بغايته، فلا يكون تحصيل الولد تأدية لواجب، ولا يكون أمرًا ثقيلًا على النفس؛ إذ لو كان كذلك لفرَّ الإنسان من شهوته فرًّا، ولاستعمل دائمًا ما يمكنهُ من وسائل مانعة للإنجاب دون أن تمنع الإنزال ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ﴾ [آل عمران: 14]. رابعًا: الإله: وعلى ما سبق: 1. فإنه لا يلد إلا من احتاج لوريث، والوراثة لا تكون إلا لميت، والله تعالى حيٌّ لا يموت، وهو تعالى خير الوارثين؛ فلا يجوز نسبة الولد له ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]. 2. كذلك عملية الولادة تقتضي زوجًا، على أن الزوجين من جنس واحد، فأنى يكون لله تعالى ولدٌ ولم تكن له صاحبة؟ ﴿ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101]. 3. وإن الولد يكون من جنس أبيه، فلو كان للإله ولدٌ لوجَب أن يكون إلهًا! وهذا باطل بقانون التمانع، وهو أن الإله قاهر لكل شيء، فلو وُجد إله مع الإله، أيهما يَقهَرُ الآخر؟ والإله لا يُقهر.. ولو كانت للأول إرادة، وللثاني إرادة، فأيهما الإرادة التي تَنْفُذ؟ ولا يجوز في وصف الألوهية أن تلزم إرادة أحدهما إرادة الآخر؛ فتتماثل الإرادتان على الدوام؛ لأن الإلزام ينفي القدرة المطلقة.. ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 91]. وهذه النقاط قد أوضحت كيف أن نسبة الولد لله تعالى تنفي عنه صفةَ الألوهية، من ناحية انتفاء الخلود أو البقاء، ومن ناحية تعطيل صفة الوحدانية، تنزَّه الله عن كل ذلك وتعالى علوًّا كبيرًا.. وما ينفي الألوهية عن الله عز وجل، وما ينزله تعالى منزلةَ الحوادث والمخلوقين، آذَنَ بحرب الله تعالى هولًا ووعيدًا، كما لمحنا في آيات سورة مريم وغيرها. وإضافة إلى ذلك، فإن نسبة الولد لله عز وجل لا تقتصر على نفي كمال الله عز وجل الإلهيِّ فحسب، بل تنسب إليه من النقائص ما لا يليق بجلاله. فبداية، نسبة الولد لله عز وجل تقتضي مفهوم الولادة، وكلما ذهب الذهن البشريُّ في هذا الاتجاهِ جعل لله تعالى صاحبةً من الإناث! أي إنه يفترض أن الله تعالى - حاشاه - ذكَرًا! والذكر والأنثى هما من صفات المخلوقات التي تتجلى فيها تمام الافتقار والنقص، وانتفاء الغنى التام.. فالذَّكَر يحتاج للأثنى، والأنثى تحتاج إلى ذكر، والله تعالى غنيٌّ غير مفتقر لأحد. ثم إن مفهوم الولادة - كما بيَّنا - مرتبط بالإنزال! وهي عملية دنيئة يُجَرُّ لها المخلوق جرًّا بموجبات شهوته واحتياجاته! وكأنَّ مدعيَ الولد لله عز وجل ينسُبُ له افتقارًا كافتقار الإنسان للإنزال، بل وينسب له دناءة عملية الإنزال. فكمال الله تعالى يقتضي صمديته ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 2، 3]؛ أي: الذي لا يخرُج منه شيءٌ ولا يدخُل إليه شيء، ليس له جوف، منزَّه عنه وعن كافة النقائص! فالجوف الذي يخرج منه ويدخل فيه نقيصة كبيرة من نقائص البشر، تنزَّه الله عنها واستغنى عن الجوف[1]. (والنصارى ينسُبون كلَّ ذلك النقص لله عز وجل، عدا ما يتعلق بقضية الإنزال، ويستعيضون عنها بتفاصيل أخرى يُستغنى عن ذكرها؛ فهم يقولون بأن الإله ثلاثة أقانيم منفصلة كلٌّ منها إله، ولكل إقنيم عمل ومهمة، وأن مريمَ قد حملت من أحد الأقانيم وهو الروح القُدُس، وأن عيسى ابنٌ لمريم، وأن عيسى إله كامل وإنسان كامل! [2]،[3].. وقضية الإنزال تعين ذكرها من باب عموم اللفظ وشمول الأسباب، كما أسهب العلماء في شرح اسم الله تعالى الصمد). ولهذا كانت قضية نسبة الولد لله عز وجل مؤذنة بالهول على رؤوس أصحابها، على أقل تقدير كهَوْلِ مَشاهد أواخر سورة مريم! قال تعالى: ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4].. فنفى تعالى الولد وعملية الولادة، وقال بأنه لو أراد - لحكمة ما - أن يتخذ ولدًا، لما كان بذلك المفهوم العقيم، الذي يشمل الصاحبة وكافة النقائص الأخرى، وإنما لكان اصطفى من خلقه من يجعله بمثابة الابن، تنزَّه تعالى أن يكون له ولد حقيقة، وتنزَّه عن الولد بأي وصف كان.. سبحانه هو الله الواحد القهار! [1] كتاب: فقه أسماء الله الحسنى. [2] Christianity: Basic Beliefs:https://uri.org/kids/world-religions/christian-beliefs. [3] Mary Being Pregnant With The Holy Spirit:https://www.openbible.info/topics/ma...he_holy_spirit.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |