|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() حول أزمة التعليم بالمغرب: وجهة نظر ممارس تربوي امحمد عليلوش ب - العوامل المباشرة: وتتجلى أساسًا في أربعة عناصر مهمة، وهي: 1- أثر سياسة الكتاب المتعدد وفلسفة دور النشر: عندما نؤمن بالوطن الواحد وبالقانون فوق الجميع وبسياسة الوحدة في إطار التعدد، لا يعني ذلك أن نترك الفرصة لتقديم مقررات دراسية للمتعلمين في كتب مختلفة وفي مراجع تربوية متعددة، ولأن الطفل المغربي يجب أن يتم التعامل معه كزبون واحد، وبالتالي العمل على توفير الحامل التربوي الموحد، مع إمكانية البحث وفتح المجال بحريته وبإرادته للبحث عن فرص أخرى... لكن كإدارة تمثل الدولة وتسعى إلى تكوين مواطن صالح متشبع بقيم وطنية وكونية، فلغة الكتاب المدرسي وسياسته يجب أن تتوحد، وأن تكون الفرصة واحدة، فإلى حدود اليوم وكممارس في المجال التربوي يظهر لنا أن سياسة الكتاب المتعدد أصبحت فاشلة وغير مجدية، وبالتالي لكي تكون اللغة واحدة والخطاب موحدًا داخل دواليب وزارة التربية الوطنية علينا أن نعود إلى سياسةِ الكتاب الواحد، وفرض الجودة على المنافسين في التأليف التربوي، وبالتالي احترام فلسفة السوق عن طريق المنافسة حول منتوج وحيد وأوحد وجيد؛ فالتعدد في الكتاب المدرسي يفتح الأبواب أمام عدم الالتزام، وكذا التشتت، وغياب الإنصاف والمساواة، وكذا خلل في المراقبة والتأطير. 2- التنازل في الإيقاعات الزمنية وتحويلها إلى حقٍّ مكتسب على حساب التوحيد في استعمالات الزمن: مِن بين الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات الاشتراكية في التعليم نجد التغيير الجذري في فلسفة التوقيت المعتمد في التعليم على مستوى الدخول والخروج مع تلك التسهيلات في اختيار الوقت المناسب للمؤسسة، ومع الفهم الخاطئ لهذه السياسة فإن النتائج ولَّدت لنا انعكاسات على مستوى المواظبة والمردودية داخل المدارس، وخاصة في العالم القروي، في الوقت الذي برزت ظاهرة عدم الاستقرار بمقرات العمل من لدن هيئة التدريس وهيئة الإدارة التربوية وهيئة المراقبة والتأطير التربوي؛ فالجميع يريد أن يقطن في المدينة، ويتمتع بكل حقوقه المدنية على حساب واجباته وحقوق الأطفال، أما على مستوى الإدارات بالنيابات والأكاديميات والوزارة بشكل عام فالتوقيت المستمر أصبح توقيتًا صباحيًّا فقط وغير قابل للمراقبة؛ إذ الموظف أو المسؤول لا يلتحق بعمله إلا في حدود التاسعة ونيف، ثم يخرج مع الثانية عشرة بدعوى الغداء والصلاة، ولا يلتحق بمكتبه إلا على الساعة الثالثة ليخرج في الرابعة، وبالتالي هذا له انعكاس على باقي الفئات الأخرى؛ فلا أحد يحترم الوقت، ولا أحد يلتزم بالوقت إلا مَن رحم الله؛ ولهذا فسياسة العودة إلى الوقت الموحد على الصعيد الوطني أصبحت من المداخل الأساسية لإصلاح التعليم، بغضِّ النظر عن تلك التنازلات والتسهيلات التي تحدثنا عنها في السابق، فعلى الجميع أن يلتزم باحترام الوقت وبضمان استمرارية المرفق العمومي (المدرسة كإدارة)... وبالتالي إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية واستعادة بريقها وإشعاعها وعطائها وسط المجتمع، فالتوقيت المستمر والمكيف المعتمد حاليًّا أصبح مكتسبًا، وله أثَرٌ سلبي على عمل رجل التعليم، كما أصبح متعبًا للتلاميذ والأسر، وعامل تراجع الأنشطة الموازية، والاهتمام بنظافة وتزيين الأقسام، وكذا بالانخراط في هموم الدوار، وربط المدرسة بالمحيط بشكل فعلي؛ فالمدرِّس غير المستقر بمقر عمله أصبح موظفًا في سفر دائم، ولا يفكر إلا في ظروفه الخاصة (العديد من الأساتذة يقومون بالتنقل اليومي من وإلى المؤسسات التعليمية ووحداتها بمختلف المداشر والقرى المجاورة لمسافات تصل في بعض الحالات إلى 100 كلم). 3- أثر التعليم الخصوصي على جودة ومصداقية التعليم المغربي: لقد أصبحت لغة الاقتصاد اليوم هي التي يجب على الجميع أن يتقنَ معجمها، وأن يتسلح بآلياتها، ليس لأن الاقتصاد هو العمود الفقري في الحياة البشرية، بل هو التوجه الذي أصبح طاغيًا ومهيمنًا على الفكر البشري... ولأن الاقتصاد هو السلاح الذي يلجأ إليه الإنسان للسيطرة على الوضع، وللتمكن من قواعد كل لعبة كيفما كانت طبيعتها. وهذا أمر واقعي؛ لأن السياسة العالمية والتوجه العام للفكر الدولي الرأسمالي والليبرالي ينبني على هذه الآليات؛ فالنفعية المطلقة والربح السريع والسباق نحو التملك والقمة الاجتماعية والشهرة ثم التسرع لتحقيق الرأسمال الرمزي بشكل سريع وبأقل تكلفة... كلها عوامل جعلت المادةَ والمال هي المحركة الأساسية في العصر الحالي، هذا الداء الذي أصيب به المجتمع برمته اليوم وبمختلف شرائحه، حتى الأطفال الصغار لا يمكن لهم أن يقوموا بعمل إلا إذا تحرَّكت آلة النقود، فلا وجود لمفهوم المجانية لديهم، ولو مع آبائهم، أو لمصلحتهم الخاصة... فلا يذهب الطفل إلى المدرسة إلا إذا أعطته أمه أو أبوه نقودًا، ولا يمكن أن يذهب عند البقال لشراء ما تحتاجه الأم إلا بعد تقديم مسبق لمبلغ مالي له مقابلَ خدمته؛ فلا خدمةَ بدون مقابل... لقد انتقَل هذا الحب المفرط للمادة إلى مدارسنا، إلى درجة أن أصبح المدرس اليوم في حاجة ماسة إلى دفتر للشيكات في كل حصة دراسية؛ إذ كلما أجاب تلميذ جوابًا صحيحًا يقدم له شيكًا بمبلغ مالي حسب نوعية الإجابة والمادة، وحسب الجهة التي ستمول ذلك المشروع (مدرسو اللغة الإنجليزية ستكون أرصدة شيكاتهم مرتفعة)، ولأن ذلك التعزيز اللغوي الذي كان - وما زال - يقدمه المدرس للتلاميذ من: حسن جدًّا، ممتاز، لا بأس به، متوسط... وما إلى ذلك من كلمات، أصبح لا يقنع المتعلم ولا يحرك فيه أي إحساس بالجزاء، ولأن مفاهيم العالم تغيرت فعلى مفاهيم المدرسة والتعليم والتعزيز أن تتغير وتساير الواقع، وبالتالي السير نحو المقاولات التربوية، أردنا أم لم نُرِد، ولأن البنك الدولي والشركات العملاقة هي التي تخطط وتبرمج لما سيتجه إليه العالم[4]. وفكرة تشجيع التعليم الخصوصي هي في الأساس مرتبطة بمفهوم المقاولة التربوية التي تشكل اليوم البوابة الأساسية لفتح المجال أمام أصحاب الشكارات للسيطرة على التعليم، وبالتالي التحكم فيه بشكل كبير جدًّا... كما هو الشأن لجميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، لكن إلى أي حد نجحت المقاولة الاقتصادية في المغرب لكي نضمن نجاح المقاولة التربوية؟ لقد وصلنا في المغرب الآن إلى مرحلة المجالس التعليمية أو التربوية، ومجالس التدبير، ومشروع المؤسسة؛ ولهذا فالمرحلة القادمة وحسب المسار التحديثي العالمي للمدرسة هي مرحلة المقاولات التربوية، فكيف ستكون هذه المرحلة إذًا؟ فمفهوم المقاولة التربوية هو مفهومٌ غربي، كما هو معلوم، تمَّتْ بلورته في إطار مناخ سوسيوتاريخي محدد، كما أن بنيات المجتمعات الغربية تتَّسِم بنوع من التداخل والتكامل؛ حيث نجد أن الدولة قد تمكنت من النفاذ إلى جميع بنيات ومجلات المجتمع، ومن بينها التعليم، كما أصبحت تتمتع بشرعية ومصداقية، عكس المجتمع المغربي الذي تعرف بنياته الاجتماعية تتفككًا وتباينًا واضحًا، إضافة إلى غياب مشروع مجتمعي يضمن حقوق ومصالح جميع فئات المجتمع على أساس الاستحقاق، حيث تكفي الإشارة إلى دور العلاقات القرابينية والزبونية والدموية في توزيع المراتب والوظائف والأدوار الاجتماعية، وكذلك في تأسيس المقاولات الاقتصادية؛ حيث إلى يومنا هذا يبقى الاقتصاد المغربي اقتصادًا عائلاتيًّا - Economie de famille-، وتبقى المقاولات تسير بنظام غير منضبط؛ حيث ثمة إكراهات في التسيير وفي التدبير، وكذلك في الجودة. وما التراجع الكبير في صفوف المقاولات الصغرى والمتوسطة من حيث الأداء والمردودية إلا دليل على وجود مشاكل جوهرية، زِدْ على ذلك الخروقات وعدم احترام القانون وطغيان الزبونية والرشوة في طريقة الحصول على المشاريع التنموية التي ينخرط فيها المغرب... هذا كله ما نلاحظه في المقاولات الاقتصادية، فكيف ستكون إذًا المقاولة التربوية؟ بطبيعة الحال، ينتقل الداء إلى ميدان التعليم، وبالتالي نقع في أزمة كبيرة، ستتجلى في الخروقات، وعدم المصداقية في الشهادات التعليمية، وكذلك المعدلات الدراسية، وفي نظام التقويم... وبالتالي خرق تلك المناعة التي كان النظام التربوي يتمتع بها ليصله الفساد التام، فتجده دكتورًا حسب الشهادات والوثائق لكنه لا يعرف حتى لأي شيء يصلح "البنسيلين" كدواء، أو مهندسًا معماريًّا ولا يعرف عن الهندسة المعمارية أية معلومة... إنها فعلًا إشكالية يجب التفكير فيها، وستطرح إشكالية أخرى، وهي أننا كنا نقول: إن التعليم لم يسايِرِ الاقتصاد من حيث التكوين النظري والتطبيقي، لنقع في قول آخر، وهو: أن الاقتصاد لم يساير التعليم؛ حيث إن المقاولات غير منظمة وغير مهيكلة بشكل صحيح... لنسقط كذلك في مدارس عمومية يسيرها "عطاشة" وأصحاب مقاولات وهمية، تعمل في الليل فقط، وبشكل غير قانوني، ليمارسوا سياسة التقشف في البرامج الدراسية والمواد، كما يفعلون في الإسمنت والحديد، ليصبح بناء شخصية التلميذ بناءً عشوائيًّا، سيسقط لا محالَةَ يومًا ما... وما سياسة الساعات الإضافية والدروس الليلية التي بدأَتْها الأُسُر وبعض المؤسسات الخاصة إلا مؤشر كافٍ لهذا التوجه، الذي نخشى أن يتجه إليه التعليم المغربي باسم سياسة تشجيع التعليم الخصوصي. 4- سياسة الإعلام المتبعة ودورها في تسويق المنتوج التربوي: لقد تتبعت مؤخرًا خلال عملية الدخول المدرسي لهذا الموسم كيف يتعامل الإعلام مع هذه المناسبة الوطنية، فوجدت أن الإعلام الوطني فعلًا يفضح التعليم بشكل كبير جدًّا، ويعمل على إظهار كل النقائص وكل الاختلالات التي يرصدها، فوجدت ذلك منطقيًّا ومهمًّا وأساسيًّا في احترام المهنة، والواجب المهني الصحفي، لكن ما لا أتفق معه وأعتبره نقصًا كبيرًا وكبيرًا جدًّا، هو عندما ننظر إلى الإعلام من واجبه كمؤسسة تربوية موازية، وكِدْتُ أن أجزم بأنه المدرسة الأولى للأطفال حاليًّا؛ لما لها مِن أثر مباشر عليهم. فأطرح السؤال عن دور هذه المدرسة التي لا تحترم نظيرتها في الواقع، ولا تلتزم من خلال دفاتر التحملات بواجبها المهني؛ لتساهمَ في تربية وتنشئة الأطفال، وبالتالي خَلْق التنافس والاستثمار في الموارد البشرية بكل إمكانياتها؟ وعندما حاولتُ أن أحمِّلَ الإعلام مسؤولية فشل التعليم وجدت أن الكاتب المغربي والعالمي رجل المستقبليات السيد المهدي المنجرة - رحمه الله -: سُئل ذات مرة عن أسباب فشل التعليم، فأكد لهم أنه ربما سبب الفشل قد يكون خارج التعليم، فوجدت أن كلامه له من الصحة ما يبرره؛ إذ الإعلام بسلطته هو بدوره سبب فشل المدرسة العمومية المغربية؛ فإعلامُنا يشجع المواهب في شتى المجالات، إلا المواهب في التعليم، مِن غناء ورقص وحرف و... وإعلامنا يحترم كل المهن وكل الحرف إلا مهنة وحرفة التعليم، والدليل على ذلك تلك الأفلام والبرامج التي تنكِّت عن التعليم وعن مهنة المدرس، وتربطه بجميع أسباب الفشل؛ إذ هو فقط رجل يتعامل مع أطفال الحوائج؛ أي: صغرها ورداءتها، فليسَتْ هناك برامج تنافسية تعرف بالمجهودات الجبارة لرجال ونساء التعليم في القرى والمداشر، حتى برنامج أبطال هذا الوطن لا يوجد فيه رجل التعليم، ولا أدري لماذا؟ فنظرة الإعلام الوطني إلى المدرسة وإلى رجل التعليم كلها تصب في التدني والتبخيس لمكانته، ولا تهتم بمنتوجه الذي هو المعرفة، وهو التربية، وهو التنشئة الاجتماعية... فالاستثمار في التعليم - ربما - غيرُ مربح لهم؛ إذ المهرجانات السينمائية والترفيهية والموسيقية هي المجال الأول، وهو المربح، بينما المدرسة التي تصنع لنا الصحفي وتصنع لنا المسؤول وتصنع لنا المخرج والممثل والإذاعي... هي آخر ما يفكر فيه، ولا يستحق إلا تلك العلاقة التي تربط بين الماء والخشب ونكر الجميل؛ إذ في الطبيعة نجد أن الماء هو مَن يسهر على تغذية الأشجار، وبالتالي جعل الخشب والعود يكبر وينمو، لكن في المقابل نجد أن ما يجعل الماء يغلي ويحترق ويتبخر هو النار بفعل الخشب، فهذا حال علاقة التعليم بالإعلام، لا يستحق التعليم من الإعلام إلا أن يشوهه، وأن ينالَ منه، وألا يسوق له، ولا يساهم في إصلاحه. لهذا؛ فمِن بين المداخل الأساسية والمهمة في إصلاح التعليم نجد مدخل القنوات الإعلامية الوطنية كشريك وكعامل ومحفِّز على التعبئة الوطنية للمدرسة العمومية، ورد الاعتبار لمكانة رجلِ التعليم ونسائه، عن طريق الإكثار من البرامج والمسابقات والأفلام والمسلسلات التي تهمُّ التعليم والتربية. ثالثًا: آفاق المدرسة العمومية المغربية غدًا: وأمام هذا الوضع الحقيقي، فإنه يحقُّ لنا أن نتساءَلَ حول مستقبل المدرسة العمومية غدًا، صوب ما يلوح في الأفق من عدم قدرة الدولة على تحمُّل أعباء التعميم المادية والبشرية، والضرب التدريجي لمبدأ المجانية، والتشجيع المتصاعد للتعليم الخصوصي ومدارس النخبة على حساب جودة وجاذبية المدرسة العمومية، وأمام تلك المستجدات الأخيرة، التي بدأت تظهَرُ إلى الوجود من خلال قرارات سريعة للوزارة الوصية، والتي تشير بشكل كبير إلى غيابِ تلك الرؤية الواضحة والمستقبلية لميدان أساسي لكل إصلاح، مع إمكانية القول: إننا لا نتوفر فعلًا على مؤسسة قوية تستطيع أن تدبر ملف التعليم، مما يترك المجال للرجل السياسي الذي يتولى دائمًا هذه الحقيبة، ومن خلال كل حكومة جديدة أن يطبق ما يراه ملائمًا ومناسبًا لسياسة حزبه، أو لتوجُّهات أمنية تمليها الظروف الخاصة للدولة. وإذا ما حاولنا أن نناقش آفاق المدرسة العمومية المغربية، في إطار تلك الرؤية المستقبلية، فإننا نخاف من تلك الحلقة المفرغة التي تدور فيها السياسة التربوية والتعليمة، والتي تدعو دائمًا إلى العودة إلى الصفر، وإلى نقطة الانطلاق الأولى؛ ضمانًا للتحكُّم الفعلي في المؤسسة التعليمية، وأن نصرح بتلك السياسة المعتمدة على الإملاءات الخارجية لكل إصلاح، وبالتالي عدم احترام مقولة: "أهل مكةَ أدرى بشِعابها"؛ أي: أن نؤمن بضرورة الحتمية التاريخية التي تؤكد عليها النظرية التطورية (الدورة الخلدونية). فصلاحُ المجتمع ينطلق من صلاح المدرسة، وكل خطأ يرتكب داخل جدران هذا الحقل سيكون له أثربليغ على مستقبل الدولة برمَّتها؛ فعلاقةُ المدرسة بالمجتمع علاقة الأم بابنها، وعلاقة السائق بسيارته وعلاقة القائد بجماعته، فالمدرسة هي مقود التطور والتقدم ومفتاح التغيير، وعبر المدرسة يمكن كذلك أن نصنع مجتمعًا متخلِّفًا ومجتمعًا مسالمًا كما نريد؛ ولهذا فعندما نتحدث عن إصلاح التعليم، وبالتالي المدرسة، علينا أن ننظر إلى مستقبل الأمة، وماذا نريد فعلًا من مجتمعنا؟ هل نريده مجتمعًا متقدِّمًا متفتحًا؟ يحب وطنه؟ غيورًا عليه؟ يعتز بهويته؟ قد يدفع ثمن حياته دفاعًا عن وطنه؟ أم مجتمعًا متخلِّفًا لا يحب وطنه؟ ولا يعير أي اهتمام لنفسه ولا لوطنه؟ مجتمعًا متفاوتًا في كل المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية؟ وحتى من حيث الملكية والمواقع الجغرافية؟ إن المدرسةَ هي الحل الوحيد والباب الأول الذي يمكن من خلاله أن نفبرك فردًا ثم أسرة، وبالتالي مجتمعًا كاملًا، فداخل المدرسة نجد كل الأطفال ينحدرون من كل الأسر كسفراءَ لها، وهم الذين سيصبحون رجال الغد، فإذا قُمْنا بتربيتهم بشكل جيد وعلى تربية مستقبلية؛ لأنهم خُلقوا لزمن غير زماننا، نضمن مجتمعًا منسجمًا ومتقدمًا، عكس ما وجدناه وما نجده داخل المدرسة المغربية، التي تتخبَّط في أزمات متتالية ومستمرة، وبالتالي تحصد خسائر جسيمة لا يمكن للمجتمع المغربي تفاديها، ولو بالقروض الدولية، فهي خسارة تربوية ترسَّخت في شخصية الفرد المغربي الذي يفضِّل الهجرة والموت في البحر عن الصمود والنضال من أجل الإصلاح التام، شخصية الفرد المغربي الذي لا يعرف النظام، بل لا يحبه، ويفضل الفوضى أحيانًا عن احترام القوانين، الفرد المغربي الذي لا يميز بين الواجب والحق، الفرد المغربي الذي يفضِّل أن يتمتع بجنسية أجنبية عوض جنسيته الأصلية... إنها حقائقُ مُرَّةٌ وواقعية لا يمكن تنكرها أو جهلها، فكل فرد وطِئَت قدمه المدرسة تجده يحس بمرارة الواقع المغربي، وبأزمة التعليم بالخصوص. إن حمايةَ وتقوية المدرسة العمومية هي مسؤولية وطنية بالدرجة الأولى، وهنا لا بد مِن الإشارة إلى أنماط المدارس الموجودة حاليًّا في علاقتها بالمجتمع، ومن خلالها يظهر لنا كيف يجب أن تكون هذه العلاقة؟ وبالتالي الحديث عن أية مدرسة نريد؟ هناك فعلًا ثلاثة نماذج من المدارس تتراوح علاقتها بالمجتمع ما بين الانفتاح والانغلاق، وفي بعض الحالات القطيعة، فإذا أخذنا المدرسة اليابانية - على سبيل المثال - فهي تمثل نموذجًا أوليًّا؛ حيث إن المدرسة هي التي تتحكم في تغيير المجتمع، وبالتالي تقود قاطرة التقدم، ومن خلالها يبدأ أي تغيير؛ لأن المدرسة هي التي تصنع هذا التغيير، أما النموذج الثاني فهو ممثل في المدارس الأوروبية والأمريكية، التي أصبحَتْ فيه علاقة المدرسة بالمجتمع علاقة موازية؛ حيث إن تغيُّر المجتمع والمدرسة في آنٍ واحد، أما النموذج الأخير فهو في دول العالم الثالث، الذي أصبح فيه المجتمع يغيِّر المدرسة ويحولها حسب متطلباته، في الوقت الذي تخاف فيه المدرسة من هذا التغيير، وبالتالي تظهر القطيعة، الأمر الذي جعل المدرسة اليوم قد فقدت مكانتها العلمية والمعرفية، وما بالك عن مكانتها القيادية؟ والأمر هنا بسيط جدًّا؛ لأن المحيط قد لحقته تغييرات سريعة، فرضَتْه عوامل ذاتية وموضوعية، في الوقت الذي ما زالت فيه المدرسة متمسكةً بدورها التقليدي، ولم تغيِّر مِن آلياتها لمواكبة المنافسة الشرسة التي عرَفها ميدان المعرفة والتربية مع ظهور منافسين جدد يسهِّلون للفرد الولوجَ إلى المعرفة بأقل تكلفة، وبوسائل مثيرة للانتباه؛ كالشبكة العنكبوتية الإنترنت، ومختلف القنوات المعرفية... والبرامج المدمجة كلها تعتمد على الصورة والصوت؛ ولهذا فانفتاح المدرسة على محيطها المحلي والوطني ثم الدولي أصبح ضروريًّا، وأن يكون انفتاحًا مضبوطًا ومدروسًا ومقنَّنًا بقوانين واضحة، ويجب على رجال السياسة والمفكِّرين ومخططي التربية الاهتمام بهذه الإشكالية؛ لأنها تمَسُّ بشكل مباشر الغاياتِ والأهدافَ العامة للتربية. فالمدرسة المغربية، على سبيل المثال، رغم أنها استطاعت بالفعل، ولو نظريًّا، مسايرة أشكال التطور المعرفي والتربوي اللذينِ عرَفتهما المدرسة الغربية، فإن الواقع وعلى مستوى الميدان نجد أن المدرسة المغربية تحولت إلى عنصر غريب داخل الوسط الذي تعيش فيه؛ حيث لا يوجد انسجام بينها وبين مختلف مكونات المحيط؛ فعلاقة المدرسة المغربية بمحيطها على مستوى الواقع تشير إلى وجود تناقضات؛ حيث المحيط يتجه نحو اتجاه، بينما المدرسة في اتجاه آخر، ولأن نظرة المجتمع إلى المدرسة أصبحت لا تتَّسِم بالرضا، ربما لأن المدرسة بالنسبة إليه أصبحت فاشلة في دورها وفي خدمة هذا المجتمع، فهي فقط معمل لإنتاج العاطلين... وبالتالي يحاول المجتمع أن يجعل المدرسة عُرضة للإكراهات والأزمات التي يتخبط فيها، ومن هنا نقترح أن تصبح وزارة التعليم مؤسسة تابعة للمؤسسة الملكية مباشرة، وبالتالي تفادي تلك التخبطات السياسية والحزبية، التي تجعل قطاع تكوين وتربية الإنسان المغربي خلفيةً للبرامج السياسية التي تتغير حسب كل ظرفية، بمعنى: نسعى من هنا إلى فرض سياسة تعليمية مستقرة ومستقبلية، تعتمد على رسم سياسة الدولة المغربية، وبالتالي جعل المدرسة المغربية كمدرسة تقود قاطرة التغيير، وبالتالي تموقعها ضمن النوع الأول، الذي أشرنا إليه سابقًا. على سبيل الختم: علينا جميعًا أن نَعِيَ أولًا أن خطأ الطبيب يدفن تحت الأرض، وخطأ المهندس يقع على الأرض، بينما خطأ المدرس يمشي على الأرض، وبالتالي فكل سياسة تربوية تعليمية لا تقدر حجم الأخطاء التي تلج المدرسة العمومية، وبالتالي المدرسة الأصل في جميع المجتمعات التي تقدر نفسها، وتحترم التزاماتها أمام التاريخ وأمام شعوبها، فهي ستكون لا محالةَ في سلة مهملات التاريخ، وبالتالي ضياع الجهد، وضياع الوقت، وما هذه السطور التي حاولت من خلالها كمغربي يُحسُّ بحرقة أزمة التعليم ببلادنا وبتفاقم الأزمة يومًا بعد يوم، وكممارس في الميدان، وليس كجالس على الكرسي للتنظير فقط، فإن هذا المقال الذي نتمنى أن يفتح بابًا للنقاش حول أزمة التعليم، ووضع الأصابع على المشاكل الحقيقية للتعليم، والأخذ بعين الاعتبار كل هذه الحلقات البسيطة رغم أنها مهمة جدًّا في نظرنا؛ فتعليمُنا لا يحتاج إلى مزيد من الإمكانات، ولا مزيد من المكاسب، ولا مزيد من المشاورات وتحديد الأولويات، بل يحتاجُ إلى جرأة والتزام، (لقد بدأها الوزير السابق محمد الوفا، لكن أُجهض عمله)، وبالتالي سلطة وثقة داخل الإدارة التربوية، وداخل المؤسسات، ثم مناعة داخلية من خلال القدوة واحترام المهنة الشريفة، ورَبْط جميع المسؤوليات بالمحاسبة، والعمَل على اكتساب المناعة الخارجية عن طريق إبعاد كلِّ مَن ليس له شأن بالتعليم، وأن يتم ترك المجال لأهل الدار كي يسيروا أنفسهم بأنفسهم، وبالتالي إبعاد كل الحلول الخارجية للتعليم؛ لأنه سيكون أفيدَ وأنجعَ أن نكون صرحاءَ في تدبير التعليم، وأن نعلن أننا لا نستطيع تدبيرَ هذا الملف، وليس أن نلتجئَ إلى جهات أخرى، وأن تفرض علينا التزاماتها، وبالتالي الخروج عن السياق والغوص فيما لا يحمد عقباه باسم الانفتاح؛ فالتعليمُ في الحقيقة شأن الجميع، من حيث الولوج والاستفادة، والمساهمة المادية، وتوفير الوسائل، لكن على مستوى التدبير يجب إسناده إلى جهة واحدة تتحمَّل كامل المسؤولية، وتكون سياستها موحَّدة وواضحة، لكي تسهل أولًا عملية المحاسبة، وثانيًا لتوضيح الرؤية واتخاذ القرارات، فما علاقة أصحاب الشكارة بالتعليم؟ وما علاقة الجمعيات بالتعليم؟ وما علاقة المقاولات بالتعليم؟ وما علاقة الجماعات الترابية بالتعليم؟ كل هذا أقصِد به على مستوى التدبير والتسيير، وليس التمويل والمساهمة والتعبئة؛ فالتعليمُ يحتاج إلى إدارة قوية، وإلى التزامات صريحة وواضحة، تؤسس كلها لشعار الثقة والتواصل الفعال كسبيل لضمان المردودية الداخلية (النجاح المدرسي)، والمردودية الخارجية (النجاح المجتمعي)... [1] مفتش تربوي وباحث في علوم التربية. [2] هناك مدارس ومؤسسات تربوية مغربية في المدن لجأت إلى رجال الأمن الخاص لتفاقُم العُنف فيها. [3] امحمد عليلوش "المدرسة المغربية بين الأهداف والكفايات والإدماج: إصلاح أم موضة؟"، مشروع كتاب لم ينشر بعد. [4] امحمد عليلوش "التعليم المغربي في أفق المقاولة التربوية"، مقال منشور بمجلة علوم التربية، العدد: 37 يونيو 2008.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |