هل ابني مصاب بفرط الحركة؟

[ابوالوليد المسلم]

هل ابني مصاب بفرط الحركة؟


أ. رضا الجنيدي



السؤال

♦ الملخص:
سيدة لديها طفلٌ عمرُه 4 سنوات، تشكو مِن حركته المستمرَّة، وتكسيره للأشياء مِن حوله، والمعلِّمون يشكون منه بسبب حركته، وتسأل: هل ابني مُصابٌ بفَرْط الحركة؟

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لديَّ طفلٌ عمرُه 4 سنوات، مشاغب جدًّا وعصبي، والمشكلة أنَّ مشاغبته تَظْهَر خارج المنزل، ومعلمتُه تشكو من أنه لا يجلس على الكرسي، ولا يسمع كلامَها، وإذا وجَد أطفالًا في أيِّ مكانٍ يَلْعَب معهم، كما أنَّ نطقه ثقيلٌ بعض الشيء.


يُحبُّ الفك والتركيب؛ مثل: السيارات وألعاب الذكاء، لكنه يكسر الأشياء من حوله؛ مثل: الألوان وأعواد الأيس كريم، وذاكرتُه جيدة والحمد لله، ويتذكَّر الأماكن بشكل جيدٍ.
عرَضْتُه على طبيبٍ، وكان التشخيصُ سليمًا والحمد لله، فهل لديه فرطُ حركة أو لا؟

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السائلة الكريمة، أبْشِري، فما تصفين به ابنك لا يَدُلُّ على مشكلةٍ صحيةٍ، أو مشكلة سلوكية، بل هو نَمَطٌ طبيعيٌّ يحتاج أنْ يتعامَلَ معه الوالدان بفطنةٍ وذكاءٍ.


ابنُك لا يُعاني مِن فرط الحركة حسبما ذكرتِ في الرسالة، لكن يُمكنني أنْ أقولَ لك: إنَّ لديه نوعًا مِن الذكاءات يُسمى بـ: الذكاء الحركي، وهذا الذكاءُ يَظهَرُ لدى الأطفال الذين يَميلون إلى الفكِّ والتركيب، ويُحبون الألعاب الحركية؛ لذلك عليك أن تُوَظِّفي هذا الذكاء خيرَ توظيف لتستخرجي مِن طفلك أفضلَ نتيجة في المستقبل بإذن الله، وإليك هذه الإرشادات علَّها تُعينك في ذلك بإذن الله.


الطفلُ صاحبُ الذكاء الحركي يَتَعَلَّم بالنظر إلى الأشياء ولَمْسِها؛ لذلك فهو يَميل لهذه الألعاب، فعليك إذًا توفير هذه الألعاب له؛ مثل: الصِّلْصال.


ابنُك يُحبُّ الفكَّ والتركيب فلا تنهريه إذا وجدتِ هذا السلوك يَصْدُر منه، بل وفِّري له بعض الألعاب التي تعتمد على الفكِّ والتركيب؛ فهي تُنمِّي ذكاءَهُ بشدةٍ.


اشتركي له في إحدى الألعاب الرياضية، وشجِّعيه على ذلك، وإن لم تكن الظروف مناسبةً فَوَفِّري له بعض الألعاب الرياضية المنزلية المناسبة لعمره.


والأطفال المتَّصفون بالذكاء الحركي إن وَجَدُوا مَن يُوظِّف قدراتهم بالشكل الصحيح، فيُمكنهم أن يكونوا مُتميِّزين في مجالاتٍ مرموقة مثل: الطب بفروعه، وخاصة العمل في العلاج الطبيعي، أو في الجراحة، ومجال الهندسة، وخاصة الهندسة الميكانيكيَّة، ويُمكنهم كذلك التفوُّق، وإحراز البطولات الرياضية في أكثرَ مِن لعبةٍ رياضيَّة، والتميُّز في مجال العمل كقُبطان بحريٍّ.


هذا عن الذكاء الحركي لدى طفلك.
لكني ألمح كذلك في ثنايا رسالتك تمتُّع طفلك بالذكاء البصري أو الفراغي، ويظهر ذلك مِن وصفك له بقدرته على تذكُّر الأماكن في هذه السِّنِّ الصغيرة؛ لذلك عليك تنمية هذا الذكاء بأن تُشَجِّعيه على الرسم، وأن تُوَفِّري له الكتب المُصوَّرة، وكذلك وفِّري له الأقلام المُلوَّنة المختلفة، والْعَبي معه بعض الألعاب البصريَّة، ووفِّري له بعض الألعاب التي تحتوي على الصور؛ ليجدَ الاختلافات الموجودة فيها، أو يكتشف الخطأ بها، أو يكتشف بعض الأشياء المُخَبَّأة بها.


وأُبَشِّرك بأنَّ هذا النوع مِن الذكاء يتفوَّق أصحابُه في مجال الهندسة، وخاصة هندسة الديكور، والهندسة المعمارية، ومجال تصميم المواقع، وكأطباء أشعة، والعمل كطيار، أو قبطان بحري.


النقطة الأخيرة التي أُحبُّ أن تنتبهي لها هي علاقة طفلك بمدرسته، فبما أنه داخل البيت لا يظهر منه نفسُ السلوك الذي يَصْدُر في المدرسة، فربما يُعاني مِن عدم تقبُّل معلمته نتيجة نقدِها السلبي المستمر له؛ لذلك عليك أن تَتَحَدَّثي إليها بلطفٍ وحكمةٍ، وأن تطلبي منها أن تُشَجِّعه وتُثني عليه، وأن تُخبريها بطبيعته الحركية، وأن الطفل الحركي يَمَلُّ مِن الجلوس في مكانٍ واحدٍ، واطلبي منها أن تُساعدك في توظيف ذكائه التوظيف الصحيح.


وأخيرًا احذري مِن إجبار هذه النوعية مِن الأطفال على أمرٍ لا يريدونه، فهُمْ لا يطيعون الأوامرَ التي تُقدَّم على هيئةٍ إجباريةٍ، بل عوِّديه على التفاهم والحب واحترام كلمتك، واحرصي أن يتمَّ ذلك بصورة متوازنةٍ لا إفراط فيها ولا تفريط، حتى لا يصلَ إلى مرحلة العناد.



وراجعي أسلوبَ التربية، فعصبيةُ طفلك تُوحي بتعرُّضه للعنف البدني أو اللفظي؛ كالضرب، والسب، والنقد، والصراخ، واعلمي أنَّ هذه الأساليب تَقْتُل الإبداع في الطفل، وتُدمِّر نفسيته، وتجعله عنيدًا عصبيًّا مشاغبًا كما تصفين، وتذكَّري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما امتدتْ يدُه ليضرب طفلًا أبدًا، وما كان ينطق إلا بأطيب الكلمات، وكان حليمًا يعفو عمَّن أخطأ؛ فأرجو أن تكوني ممن يَسيرون على هَدْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تربيته لمَن تحت يدِه.
أرجو مِن الله أن نرى طفلك هذا في المستقبل وقد صار علَمًا مِن أعلام المسلمين بإذن الله