خطب أخرى بعد تعلقي به

[ابوالوليد المسلم]

خطب أخرى بعد تعلقي به


أ. مروة يوسف عاشور



السؤال
أريد أن أشكركم على هذا الموقع الهام، وأتمنَّى لهذا الموقع الاستمرار.
أنا فتاة أمرُّ هذه الفترة بأزمةٍ عاطفيَّة، وأريد منكم مساعدتي، تعرَّفتُ على شخص منذ حوالي سنة، وأحببته؛ لأنَّه هو كذلك كان مهتمًّا بي، وكان يقول: إنه يحبُّني لدرجة أنه لَم يطلب مني اللقاء؛ فقد كان يخاف أن تراه عائلتي - على حدِّ قوله هو - واستمرَّت علاقتنا عن طريق الهاتف؛ بواسطة الرسائل والمكالمات، فوقعتُ في حبه، وتعلقتُ به كثيرًا، وعندما كنت أتحدث معه عن الزواج، كان يقول لي: أريد أولاً أن أشتري مَنْزلاً؛ لأنَّه هو موظف، وقادر على فتح بيت، وكان يقول لي: اصبري، وإن كان يقطع مرات الاتصال، وقد تصل المدَّة إلى شهرين، ويعود، ويقول: إنه لم يجد أحسن مني، وحتى في الرسائل التي كان يرسلها كانت تحتوي على كلمات محترمة.
لكن في الفترة الأخيرة غيَّر رقم الهاتف، رغم أننا لم نتَشاجر أو نتناقش، حتى سمعتُ من زميلتي أنَّه خطب فتاةً أخرى! صُدِمت عندما سمعت هذا الخبر، حالتي النفسية متأزِّمة، ومنهارة، وأحسستُ بالخيانة والنَّدم؛ لأني أحببته، وقد كانت أوَّل تجربةٍ لي؛ لأني دائمًا كنت أرى أن هذه العلاقات كاذبة، ولا وجود للحب الصادق، حتى دخلَ هو حياتي، لكنه دمَّرَها.
بدأتُ أحسُّ أن كل الرجال كاذبون للأسف، لم يعد هناك رجالٌ لديهم الكلمة؛ لأنَّهم يعتبرون قلوب الناس لعبة، يتمُّ تبديلها متى شاؤوا وأرادوا، ونسوا أنَّ هذه اللعبة قد تؤدي للموت أحيانًا؛ كالانتحار، الحمد لله أنا فتاة مؤمنة، قد أتجاوز هذه المحنة.

أريد أن تفيدوني أرجوكم، وشكرًا مرة أخرى على هذا الموقع.


الجواب
الأخت الكريمة, حياكِ الله وبياكِ، ونشكر لكِ مشاعركِ الطيبة، وكلماتكِ الرقيقة.

لقد اختصرتِ الأمر عليَّ وعلى نفسكِ؛ "لأنها كانت أول تجربة لي".
هذا كلُّ ما في الأمر يا عزيزتي:
"أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْهَوَى..."
(سيناريو) متكرِّر بشكلٍ يومي, براءة وخبث, سذاجة ومكر يلتقيان على مائدةٍ واحدة، يصرع فيها الخبثُ البراءةَ من الجولة الأولى!
كم أتمنَّى أن تتنبه الفتيات لمثل تلك الفخاخ، وهذه المصايد قبل أن تقع فريسةً كغيرها من الفرائس سهلةَ المنال! كم أتمنَّى أن تزداد فتياتُنا وعيًا وحِرصًا، وتُدرِك أبعادَ أمور تبدو واضحةً لا تحتاج إلاَّ إلى مزيدِ حذَرٍ وقليلٍ من الاستبصار.
لكن كما يُقال: مِرآة الحبِّ عمياء لا ترى إلاَّ محاسن المحبوب, مهما بدت مساوئه واضحة، لكنَّه وضوح أقرب إلى وضوح ضوء الشمس حين نضع أمام أعيننا ورقة صغيرة.

متأزِّمة ومنهارة، وتشعرين بالخيانة والندم, فهل ستبقَيْن تبكينه، وهو لا يكاد يذكركِ؟
من حقِّكِ أن تحزني وتندمي، ولكن من حق نفسكِ عليكِ ألاَّ تُعذِّبيها أكثر مما عذبها هو.
المثل يقول: السقطة التي لا تُميت, تُعلِّم.
وهذه سقطة تعليميَّة قوية, فلْتَأخذي على نفسكِ عهدًا بتحذير الفتيات وتنبيههنَّ أن يقعن فيما وقعتِ، أو يسقطن كما سقطتِ, ولا تخرج النصيحة صادقة كما تخرج من مُجرِّب.
من أكبر الأخطاء التي تقع فيها الفتيات بعد خوض مثل هذه التجارب الأليمة: التَّعميم؛ أبِسَبب خداع رجلٍ واحد تتَّهمين كلَّ الرجال - بلا استثناء - بالكذب؟
لقد قالت عائشة - رضي الله عنها - لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا: إنَّ صفية امرأةٌ، وقالت بيدها هكذا - كأنَّها تعني قصيرة - فقال: ((لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَت بها ماء البحر لَمُزِج))؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني.

لم تقل "كاذبة"، ولم تقل أصلاً كلمة "قصيرة", ونحن نتهاون في وصف جنس الرِّجال كله بالكذب!

ألا ترين أن الأمر يستحقُّ التوبة والاستغفار؟
غفر الله لي ولكِ, ومسَحَ ما بكِ.
لا أجد ما أنصحكِ به إلاَّ أن تستجمعي قواكِ، وتَستدرِّي إيمانكِ، وتستعيني الله؛ لتعودي أقوى مما كنتِ, فما كان لكِ أن تجعلي لليأس إلى نفسكِ سبيلاً، ولا للهمِّ إلى قلبكِ طريقًا, وأنت فتاةٌ مؤمنة تَعْلمين أنَّ باستطاعتكِ تجاوُزَ المحنة وتخطِّيَ الأزمة, فقط بالعودة إلى الله والتقرُّب إليه، وكثرة الاستغفار، وتجديد التَّوبة.

أخيرًا:
ليس الفخر ألاَّ نسقط, وإنَّما الفخر أن ننهض من جديدٍ بعد السُّقوط.