الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4931 - عددالزوار : 2010845 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4504 - عددالزوار : 1291492 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 118 - عددالزوار : 74003 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 45721 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 39578 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 3826 )           »          مشكلات التربية في مرحلة الطفولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 10392 )           »          حث الأبناء على أداء العبادات تعويدًا وتربية وتقويمًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          هوس الشراء.. إدمان كيف تنجو منه المرأة؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ترتيب الأولويات في الحياة الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-08-2021, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,719
الدولة : Egypt
افتراضي الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (1)
ذكرا وليس حصرا
محمد صادق عبدالعال







الحمد لله الذي استهل سورة هود بعد حرف الإعجاز – ﴿ الر ﴾ - بإيجاز المراد الأسمى من قرآنه العظيم بقوله: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وشرفه عظيم التشريف بانتسابه لذاته العليا وصفاته الكبرى فجعل الإحكام بروعة السرد وبديع الألفاظ والمعاني وذكر الأوامر والنواهي، وكان التفصيل بذكر الثواب والعقاب، ((ذكر الْحَسَنُ: أَحُكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. قَالَ قَتَادَةُ: أُحْكِمَتْ؛ أَحْكَمَهَا اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَاقُضٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فُصِّلَتْ أَيْ: فُسِّرَتْ. وَقِيلَ: فُصِّلَتْ أَيْ: أُنْزِلَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا، ﴿ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾. تفسير القرآن الكريم [1].



وبعد:

فإن هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين هو ذاته الذي ينبَّأ بالتي هي أشأم وٌينذر المعرضين، ومن حاد وماد عن جادة الصواب، واستهان بالعذاب وأستخف بالأمثال التي ساقها لنا في قرآنه الكبيرٌ المتعال وما حاق بأمم غابرة وقرون كافرة جَزمَ القرآن الكريم بخروجهم من رحمته تعالى خروجًا لا مرد له ومالهم من دونه من وال.... اِذكروا إن شئتم قول ربكم قول ربكم: ﴿ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ [هود: 60]، أو قوله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ [هود: 68]، وما أكثر فعل الأمر " واذكر " في القرآن الكريم للتنبيه والاتعاظ وتمر تلك الآيات على الأسماع ليل نهار ربما مرات عديدة وبأصوات شجَّية وندَّية وقليل من يتدبر المعاني والمفاد!.



ونسأل أنفسنا قبل أن نٌسأل: لما ذلك العنوان الصادم وفي القرآن الكريم الصور المبهجة كقوله: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].. والعديد من أمثالها؟! نقول بعد الحمد لله رب العالمين اجتهادًا واستنادًا إن ذكر القرآن الكريم لموبقات وعقوبات أهل المعاصي وضرب الأمثال بهم حقيق على ألا يصرف المتقين عن عبادته وجدير بهم أن يتبعوا سبل السلامة من كل غي، والنجاة من أدنى شرك؛ ألم يقل الله تعالى: ﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴾ [الرحمن: 35]، وقوله: ﴿ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴾؛ يقول تعالى ذكره: فلا تنتصران أيها الجنّ والإنس منه، إذا هو عاقبكما هذه العقوبة، ولا تُستنقذان منه. كما حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿ فَلا تَنْتَصِرَانِ ﴾، قال: يعني الجنّ والإنس. (تفسير الطبري) ثم يعقبها.... ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: 38]، وما الآية بذاكرة لنعمة أو صورة من صور الجنة التي أفاضت بها عروس القرآن الرحمن لكنه التذكير بالعذاب قبل الترويح بعطايا الجنة وهبات الرحمن كفيل بصرف كثير من الناس عن المعاصي وإشراك الفتن.



وأيضًا سندٌ ثانِ وهو أن غالب السور المكَّية التي نزلت على قلب المصطفى في بدايات الدعوة فيها من ذكر كثير للأمم الغابرة التي حقت عليها كلمة العذاب وفيها حكمة الله العالية للزجر والردع لمن لم يعتبر وهذا اجتهادٌ والله أعلى وأعلم وسبحان الله عما يصفون علوًا كبيرًا.



و يمكننا القول مثلًا بأن من العباد عبادًا لا يلج أبواب الاستغفار إلا بذكر مآل أهل النار وسياق الأماثل التي تٌهيب بحتمية التوحيد لرب العبيد وتلك ليست بقاعدة عامة قَدر ماهي جائزة وقائمة والقاعدة الشرعية للدعوة المحمدية نصًا تقول: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125] - وإن إهداء وإسداء النصح يستوجب قراءة الشخصية ومعرفة مكامن سير العظة فيها وإن الإمعان في قسوة التصوير والتشبيه كاف بان يٌبطل المعاذير ويفَّعل العقول مع القلوب ليستيقن الذين كفروا ويزداد الذين أمنوا اِيمانا والله أعلى وأعلم.



الفارق بين المشهد والصورة في القرآن الكريم:

كل حرف في النص القرآني العظيم صدق وحق ولا ينبغي لمارق أن يدعي فيه الخلل أو أن يختلق في صدق بيانه العِلل ومع صدق بيانه وسمو حديثه فهو مشتمل على كافة دروب البلاغة والبيان والبديع من تشبيه واستعارة ومجاز وتقديم وتأخير وتضمين وحذف وقصر. وقد استغنى عن الاطناب تصفيدًا لكل باب يحرك الهواجس والفتن حتى ولو كانت الريبة التي هي أدنى درجات الشك؛ والقاعدة في بيان الشعر وبديعه تقول: أن أروع الشعر وأعذبه أكذبه أو ما اشتمل على صور لن تتحقق وأخيلة كاذبة جذابة، لكن صور القرآن الكريم السامية والتي هي من اختيار الله العظيم تتسامى فوق تلك القواعد الأرضية والافتراءات البشرية لتقديم تصوير. وهذا الكلام مٌسَلم به أزلًا ومقطوع بصدقه منذ الوهلة الأولى لنزول القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.



وقبيل سياق الفارق بين الصورة القرآنية والمشهد القرآني يجدر بنا التسليم التام بوشيجة الارتباط القوية بينهما من الصدق ووقوع الحقيقة على معانيهما لأنهما من كلام ربنا عز وجل الذي تعالى عن الشبيه والمثيل وقديمًا سلَّم علماؤنا الأجلاء الراحلين بأنه لا يجوز قياس بلاغة القرآن على بلاغة الشعر! فليس من اللائق قياس الأعلى على الأدني.



والمشهد في القرآن الكريم نوعان:

الأول: ما وقع فعلًا وسجله القرآن الكريم للعظة والاعتبار به كوصف القرآن الكريم لنا بمشهد" الطوفان وسفينة نبيه نوح عليه السلام وصرعة ولده "كنعان " الذي كتبت عليه الشقاوة من ذرية نوح .. أو غرق فرعون وجنوده باليم عقابًا لهم ونجاة موسى وقومه... إلى غير ذلك من مشهدية أورد القران الكريم ذكرها وأفرد نصها صدقًا وحقًا لم يعاصرها الرعين الأول من فجر الاسلام، ولنا أيضا ً لقيام الساعة من مواقف ومشاهد حياة النبي والصحابة رضوان الله عليهم جميعاَ وغزواته صلى الله عليه وسلم كغزوة "بدر " مثلًا تلك التي ٌفرض على المؤمنين فيها القتال ولم تكن نية النبي ولا اصحابه لكنها إرادة الله ليحق الحق ويمحق الباطل ولو نظرت لمشهدية الغزوة في سور القرآن وهو يصور لك مشهد المعركة وهم بالعدوة الدنيا والمشركون بالقصوى والركب أسفل منهم ..وهذا النقل ثلاثي الأبعاد بما يحمل من جماليات التمثيل وصدق والتصوير والثقة بنصر الله لعباده ونصرة نبيه ..والعديد من المشاهد التي أجملها القرآن في مواضع وفصَّلها في أخريات .تبصرة وذكرى لكل عبد منيب.



والثاني: وهو مٌنتَظر وقوعه وحدوثه وهو الاعلى إعجازًا ولا يكذب بذلك إلا كل كفور ... وهو تلك المشاهد التي سوف تحدث يوم القيامة وأهوال الحساب والبعث ذكرا وليس حصرًا " مثال لما يحدث في القيامة كحديث أصحاب الأعراف، أو تخاصم أهل النار. أو خطبة إبليس التي سوف يلقيها على أشياعه وأتباعه يوم القيامة أو ما سوف يحدث في الدنيا بعلم الله العليم كخروج الدابة من علامات الساعة الكبرى إلى غير ذلك.



فأما الصورة فهي كل وصف صادق بديع بليغ عميق الأثر من رب العالمين فما ينبغي لبشر أن يأتي بمثله إلا على سبيل الاقتباس والتنَّاص وهذا جائز شرعيًا وأدبيًا مع مراعاة قدسية المقارنة بينهما. وصور القرآن الكريم عديدة وكثيرة لن نستطع لها حصرًا ولا عدا حتى ولو تبدت لنا أننا قد أحطنا بها جمعًا لكن معاصرة مفردات القرآن وتجدد معانيه وتزاحم العطاش على موارد بيانه كفيلٌ بألا ينقطع إعجازه وتبيانه، ولا يزال معينه ينبض ويتدفق حتى قيام الساعة. وحتى لا نطيل فيستطيل بنا مقام الاسهاب والاسترسال ونعود لمبتدأ القول فخير المقال ما فيه الايجاز والانجاز نلتف سويًا حول مجموعة من الصورة البليغة عالية الاعجاز اللغوي والتوظيف الأمثل التي ساقها الرحمن الرحيم في كتابه العزيز وليكن الولوج من صورتين فيهما من البديع والتبيان ما يؤكد على معاصرة القرآن لكل عصر وَمصر!.



وقبل الاتحاف بالصور والتشبيه التمثيلي البليغ في القرآن العزيز يجدر بنا أن نسوق المقومات الرئيسية لبلاغة الصورة الفنية بشكل عام والقران العظيم بشكل خاص ويمكن قياس أي نص يريد صاحبه به الارتقاء والبلاغة على جماليات التصوير القرآني العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي أعيا ببراعته البلغاء وشهدوا له بالصدق مع البلاغة والحق مع البيان.



اللغة:

هي أداة تشييد البناء التمثيلي وصناعة الصورة البيانية ومقوم رئيس لها وإن لم تكن الغالب في انتاج الصورة البيانية النقية الخالصة من شوائب التعقيد والخلط بين ما هو محسوس وجيه الشبه وبين ما هو مٌنفر غير مقنع ولا نجد بدًا من الإقرار بأن معيارية اللغة هي الفارق الأمثل في الحكم على نقاء الصورة وجودة العرض فإن كانت اللغة مثلًا هي العربية الفصحى فنعما هي وإن كانت من سياقات النص القرآني فلا توجد أدنى مساحة للمقارنة مع ما دونها حتى من تصويرات البشر متى ابدعوا.



طبيعة الرمز:

ويٌعنى بطبيعة وفيزيائية الرمز العناصر المحسوسة والملموسة والموظفة والأكثر اقناعا ً للمتلقي لإظهار الفكرة حتى ولو بدت بعيدة الشبه والمقاربة كالمجاز مثلًا شريطة ألا تكون منفرة للفهم ولا تتوفر تلك الرمزية أو تلك الأدوات إلا في لغة كالعربية العظمى ذات المجازات العالية. فإن العربية ذات المجازات المركبة والادوات الوفيرة كفيلة بأن تأتي بالرمز الأكثر إقناعًا والأجدى إفادة. ويعنى بالرمز النظر في مفردات الطبيعة وصناعة علاقة ربط تمثيلية بينها وبين فكرة مرجوة حتى ولو بدت بعيدة الشبة لكنها قريبة المشابهة لمن كان ذا ذائقة أدبية ومن بديع الاعجاز القرآني هو التصوير البليغ مع اتضاح الصورة الملفتة للقضية محل الايضاح، والرمز لابد وأن يكون معروفًا أو مألوفًا أو مرتبطًا بصلة تذكير بما سوف يضرب به المثل او بما سوف تعرج إليه أفهام الخلق.



التوظيف أو حبكة التركيب:

مَن الله على الٌمبدع بقاموس لغوي وأولاه رمزًا مبتكرًا فاصبح لديه معيارين رئيسيين يؤهلان نصه للوصول إلى منصة الإبداع، ويبقى حٌسن التوظيف وتسكين المفردات في مكامنها فجدير به أن يوظف تلك المفردات في مرابعها و يهيأ الأنظار والعقول والقلوب لمعابر العبرة فيها فتكون قد أدت دورها على أكمل وجه وأحسن صورة ولنسوق مثالًا للتقريب (النجار مثلًا الذي يجمع الأخشاب وأدوات العمل ودٌسر الربط الوشيج إن لم يكن لديه المقدرة على الاتيان بقطعة اثاث تقف عندها العيون ذاهلة من حسن التشكيل والتكوين فقد اضاع مقومين رئيسين من مقومات الابتكار والإبداع فكذلك صاحب القلم أيًا كانت أصناف وأجناس الكتابة لديه إن لم يوظفها التوظيف الأمثل أهدر مفردات لغوية وأساء انتخاب الرمز المعبر.




وهنا يمكننا القول تسليمًا وطواعية أن اكتمال المقومات الثلاثة معًا حقيق على صاحبهما ألا يخرج من دائرة الإبداع الفني والتصويري للنصوص الأرضية.



وللمقال بقية من الأنوار القرآنية والتصوير القرآني العظيم لبعض الأمثلة التي سيقت للاعتبار استنادًا لتفاسير أجلاء علماء المسلمين حتى لا نحيد عن الحق أو تميد بنا الاقلام لهوى متبع .. والله المستعان في بدء وفي مختتم.






[1] شبكة الألوكة / تفسير: (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير).












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-08-2021, 04:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,719
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة

الصور الصادمة في آي الذكر المحكمة (2)
ذكرا وليس حصرا
محمد صادق عبدالعال





بدايةً لنتفق ونرفع الرايات بيضًا لا تخالطهن حُمرةُ الشقاق، ولا جمرة الخلاف على أن نصوص القرآن الكريم كافة بما جمعت لعموم دروب البلاغة والبيان والبديع لا يمكن أن تُوضَع مواضع النقد والمقارنة مع نصوص أرضية، مهما بلغ رُقيُّها وبيانها، أو ذاع صيت صاحبها وقيل عنه "الفَتِيق"، بل إنها لَتُستقى منها الحكمة البالغة والفكرة الرائعة، وتنثر ألوان البديع والقول الرفيع، وتُهذِّب الألفاظ وينتقى المجاز؛ فهلُمُّوا للمراتع ذات المرابع، وجددوا المساعي لاكتساب البيان، فمن لم يُرِدِ العذب للسُّقيا، فحريٌّ بريقه أن يتجرع الملح الأجاج... والله المستعان.

في الصفحات السابقة بعد أن وفَّقنا المولى عز وجل لجليل فَهم، وإبداء رأي في معايير ومقومات إنتاج الصورة الجيدة المنتقاة من بين مترشحات صور متعددة، وبعد اصطفاء الرمز المناسب الخلَّاق، واللغة ذات المترادفات، فإنه من ثمة يأتي دور المبدع في تركيب العناصر وصفِّ المفردات لإنتاج صورة جديدة ذات دلالة تختصر الكثير من المعاني، وتدخر في مكامنها العِظَاتِ، وكان حقيقًا عليَّ وعلى كل صاحب قلمٍ أن يَرِدَ البيان لمستقره، وأن يرد موارد البلاغة في مرابعها، وأن ينجدل في مرابعها؛ فيجتني بليغ الصور وإن لم يستطع أن يأتيَ بأمثالها - ولن يستطيع - فليقتفِ آثارها... ومع بعض صور من القرآن الكريم سوف نمتثل معًا أمام البيان القرآني العظيم ودلائل الإعجاز اللغوي مع الإعجاز العلمي في اختيار الرمز المصاغة منه تلك الصور، نسأل الله توفيقًا لمحكمه، وتأسِّيًا بفرائده التي لا ينفد فيض بيانها، ولا جليل نفعها، ولقد حاولت جاهدًا أن أختار بعضًا من تلك الصور البيانية البديعة السياق والمساق، ولكن هيهات أن تُفضَّلَ واحدة على أخرى؛ فكلام الله العظيم لا يُقارَن ولا يُناقَش إلا بالتي هي أحسن، فمن رام به الريب والشك، خاب وخسِر، ومن خالط قلبه التصديق مع بعض الريب، فلْيُمْعِن فيما ساقه الله، وليرجع البصر بدل الكَرَّةِ ألف كرة، لا محالة سوف ينقلب إليه البصر خاسئًا وهو حسير.

وقبيل الشروع في ذكر تلك الصور البلاغية القرآنية العالية - كنايةً كانت أو استعارة أو تشبيه... إلى آخره من أشكال الصورة في القرآن - يعنُّ لنا أن نسترجع معًا الخصائص الفنية للصورة القرآنية، والتي قطعت فيها أقلامُ الكتاب أشواطَ طوافٍ وقدوم وإفاضة واستفاضة، وما زال النهر العَذْبُ يجري ويسقي شطآن البلغاء من كل عذب وبديع تحار في حصر كُنْهِها العقول، وترقُّ الأفئدة وتتفتح لها الصدور المُؤْصَدة... وما انحسر يومًا إلا على المشككين والمنغلقة قلوبهم وأسماعهم عن عظيم الذكر والبيان، ولقد أقر الجهابذة أنفسهم أنهم ما حصروا للصورة في القرآن الكريم وصفًا إلا بما نما إليه علمهم، وحفَدَ إليه فهمهم الأرضي، وإن القرآن الكريم لقائم لكلِّ مدَّكِرٍ وقارئ أريب يعطيه من معانيه الدقاق، ويكفيه شرَّ كل محاق تقع فيه أقمار بيانه، وتتوارى أهلة تبيانه، ولنخلص لأهم ما يمكن الالتفاف حوله في مزايا الصورة الفنية في القرآن الكريم؛ وهي إيجازًا وليست إنجازًا:
الصدق المطلق: أعلى مراتب ومطالب التصوير، فمهما بلغت روعة الصورة من بيان وتخيل، فهي من كلام الله العظيم، وفيها من الصدق والإقناع ما تقف أمام هيبة المصداقية فيها كلُّ أقلام البلغاء، لا يملكون في وصفها غير الحمد والثناء على مَن ساقها لهم؛ مَعينًا بالحق ينبض، وتشبيهًا بالواقع يُعاش كل حين، ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ﴾ [الإسراء: 105].

طبيعة الترميز والتصوير: التي منها يُستقَى الرمز المصاغ لتكوين الصورة الفنية، فنلحظ جيدًا أن الرمز في كافة صور القرآن البلاغية مستمَدٌّ من الطبيعة والبيئة، وعلى الرغم من ذلك، فهو مواكب معاصر لكافة الأعْصُر والحِقب، وما ذلك على الله بعزيز، وسوف يتضح لنا ذلك جليًّا، وطبيعة استخدام الرمز تستدعي إيجاد مفرداته المتعلقة بعضها ببعض لإبانة الصورة المقنعة، أو لتكوين المفاد العام منها.

الإعجاز اللغوي والعلمي: وكلاهما وجهان لعملة واحدة؛ وهي البلاغة القرآنية بما يتم تصنيفها بيانيًّا لصورة أو تشبيه أو استعارة إلى غير ذلك من ألوان البلاغة، فمفردات اللغة العربية أعلى بيانًا من غيرها، فضلًا عن كونها وعاء النص القرآني العظيم الذي حارت في شأن بيانه العربُ جهابذةُ البيان وصناديدُ الفصاحة، ليس هذا وحسب، بل المطابقة والمسايرة العلمية والعملية لكافة استكشافات منتجات العلم، وتصحيح الأخطاء منها، وكذلك الأسبقية لِما حفدت إليه أعلام العلماء وهم ناشطون... فكلما تنطَّع عالم ليس على ملة الإسلام أو غيره باستكشاف جديد بُهت بالقرآن الكريم قد سبق إليه، فهل من مدكر؟!

ومن الرموز التي وفقنا الله تعالى لاختيارها من بين طيَّات المصحف الشريف ذكرًا وليست حصرًا، وما ينبغي لبشر أن يحصرها، حتى ولو خُيِّل إليه مثل ذلك، فأني لأحد أن يجمع كلمات الله؟!

(السراب، الرماد، الصِّرُّ، الصفوان، البحر والموج، الجمل وسَمُّ الخياط، النعيق، النار...).

ولنرتقِ الآن رقيَّ مَن لا يخشى السقوط، ولنرفع القبعات جثيًّا أمام غَيضٍ من فيض لصور القرآن العظيم، فنتعلم منها العظة والعبرة، ونستخلص من بين أروقتها صافيَ عطرِ الإعجاز التصويري الحق، والله المستعان:
الصورة الأولى: السراب:
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].

وسبب نزول الآيات متاح لمن لم يعرفه بأسهل وسيلة تقنية، أو أن يكلف عينيه بالنظر في تفاسير الأعلام من المسلمين، ليجد أنها نزلت عمومًا وخصوصًا لتصبح قاعدة عامة ينطبق الحكم فيها على كل مَن عمِل عملًا، وقضية التوحيد ليست في خَلَدِهِ؛ فذهب تفسير الإمام القرطبي إلى "أنها نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبدشمس، وذهب تفسير البغوي، والبحر المحيط إلى أنه "عتبة بن ربيعة بن أمية"، ولا اختلاف؛ فالحاصل هو أنه كان ممن يتنسكون قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ويَلْبَس المسوح، فلما جاء الإسلام كَفَرَ ولم يَلِجْ حظيرة الإسلام، وما يعنينا من النص القرآني العظيم هو الصورة الصادمة التي لم يتعظ لأجلها ذلك الكافر، ولم تتحرك بواعث الإيمان والتنسك التي كان يدعيها قبل البعثة، فجعله الله آية تُتْلى لقيام الساعة يتوخَّى الحذرَ منها المؤمنون، وليتعلم منها غيرهم، وعلى الله قصد السبيل.

ولننظر معًا بإمعان وانبهار لمفردات قرآنية صنعت صورة بيانية عالية الإعجاز، صادمة في تصورها وتخيلها، معبرةً في فكرتها؛ فعلماء الطبيعة والفيزياء والطبوغرافيا الذين خرجوا علينا بمسميات تلك الظاهرة من انعكاسات الضوء على بقعة أو قيعة تُحدث لمعانًا، فيخيل لعين الناظر أنه الماء... ويا حبذا لو كانت تلك العينان لظمآن، فكيف يكون الأمل في مورد وهميٍّ، وسرعان ما يذهب الإيهام وتبقى الحقيقة؟ ولقد ابتدأ المولى عز وجل الآية بالمشبه قبل أداة التشبيه للحضِّ على جعل الله أسمى مراد الخلق في أعمالهم، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ ﴾ [النور: 39]، وربما حذفت حرف التوكيد "إن"؛ فصار خبرها ﴿ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ [النور: 39] شبة جملة، والله أعلم، ومرد ذلك لتفاسير الأعلام للآيات الكريمات.

ولك أن تتأمل تلك الروعة والبديع في سياق الآيات، وتتالي المفردات بصياغة صورة مكتملة الأبعاد لم يُلْفَ فيها بعد نقصًا أو فقدًا؛ إذ إنك تتصور ذلك الكافر ومن على شاكلته يمشي يكاد يأكل الثرى من العطش، سرعان ما تبصر عيناه بارقةَ أملٍ للسقيا، فيسعى إليه سعيًا مستميتًا، رجاء الماء ولقاء الرِّي، فيجد أن تلك العينين مع ضوء الشمس والرمال اللامعة قد خدعوه جميعًا، فلم يجد غير ما قدَّم، ثم تأتي الحكمة وبيت القصيد من الآية في قوله: ﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ [النور: 39]؛ إذ لم يكن الله في حسبانه قط!

فالرمز هنا السراب هو تلك الظاهرة الفيزيائية النهارية، والتي عبرت عن بداوة العرب، والماء الذي هو مطلوبهم العزيز ومطلوب كل عصر، فالماء سر الحياة ولا حياة بدونه، ولقد اكتملت الصورة الرمزية بكافة مفرداتها من الكافر الموهوم، والقيعان من الأرض بعيدة المدى، والشمس الحارقة والخداع البصري، ثم الوقوف على الحقيقة الكبرى؛ وهو الله العلي العظيم المستحق لكل توحيد، والمترفع عن كل شريك، فضلًا عن استخدام العامل الزماني وقت الرمضاء كمؤثر فاعل قوي مع العامل المكاني، مع الجمع بين متباعدين، وطالب ومطلوب وهما الظمآن والماء، والله أعلى وأعلم.

الصورة الثانية: الرماد:
قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18].

والمتدبر لنزول تلك الآيات أيضًا كما هو معلوم لمن يتدبر القرآن الكريم ولا يأخذ ألفاظه ومعانيه على أنها مجرد أداء صوتي وشجون بقراءات من أصوات نَدِيَّة - يجد أن "ظاهرة السراب" في السورة التي سبقتها، ورد التصوير والتشبيه بها مرة واحدة، أما صورة الرماد، فقد ورد بعديد آيات بمترادفات مختلفة، ترمي لنفس الهدف، والدرس المطلوب فهمه واستيعابه من إخلاص النية بالعمل والقول لله، فنجد تفسير ابن كثير رحمه الله وطيب ثراه يقول - وقد أثرت النَّسْخَ مخافة الإقلال من الإبانة - فنقلت عنه نصًّا: "هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لأعمال الكفار الذين عبدوا مع الله غيره، وكذبوا رسله، وبنَوا أعمالهم على غير أساس صحيح؛ فانهارت، وعُدِموها أحوج ما كانوا إليها؛ فقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [إبراهيم: 18]؛ أي: مثل أعمال الذين كفروا يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى؛ لأنهم كانوا يحسبون أنهم على شيء، فلم يجدوا شيئًا، ولا ألفوا حاصلًا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة﴿ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [إبراهيم: 18]؛ أي: ذي ريح عاصفة قوية، فلا ﴿ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ﴾ [إبراهيم: 18] من أعمالهم التي كسبوها في الدنيا، إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ [آل عمران: 117]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]، وقال في هذه الآية: ﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18]؛ أي: سعيهم وعملهم على غير أساس ولا استقامة، حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما هم إليه، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾"[1].

ولو نظرنا بعين ثاقبة وقلوب راجفة من تلك الرموز التي ساقها المولى عز وجل في عديد سور قرآنية، لأعيتنا تلك الرمزية التصويرية في قسوة التشبيه وسيئ النواتج... فانظر لآثار رحمة ربك حتى في تنبيه الغافلين، وذكر مواضع التلف في مكونات البيئة التي يعاصرها الناس كل يوم، وانتظار محصلة التعب والجهد إلى لا شيء يُذكَر، وقد عظَّم القرآن العظيم التشبيه والتمثيل والتصوير في شتى المواضع من تشبيه لأعمال الذين كفروا بالرماد، وبإبطال هيِّن النفع منه؛ فذكر قوله: ﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ﴾ [إبراهيم: 18].

وما يُرتجى للرماد من نفع إذ باشرت الريح دورها؟! وما يُنتظَر من ريح إذ خالطت نسائمها الرماد؟! وإن الرماد يكسب الريح فظاظة متى خالطها، فيعمي أعين الناس فهل من مستبصر؟!

وجمع ابن كثير رحمه الله لأكثر من آية مفادها واحد مع اختلاف مواضع التنزيل ومناسبة النزول، إلا أنه رحمه الله قد جمعها لأجل تعظيم شأن الأمر، وتقريع القلوب التي ران عليها رانُ الغفلة؛ لتُحوِّل من مساراتها الخاطئة إلى الصحيحة.

وذكر الله لمن ينفق غير مبتغٍ وجَهه الكريم، أو رئاء الناس بصفوان - وهو الحجر الأملس - يطوله تراب أو رماد، ثم جاء الوابل أو المطر، فيمحوه ويبقى الحجر صلدًا لا ينمُّ عن شيء كان عليه.

وأيضًا ذلكم التصوير الصادم الأليم لظاهرة جغرافية جوية بقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾ [آل عمران: 117]، فاستخدام مفردة "الحرث" وهو الزرع مما يُرتجى نفعه ومكاسبه برغم متاعبه، والجهد المبذول لأجله، ومع ذلك الحرص على تنمية هذا الحرث وارتجاء نفعه تأتي الريح مع "الصر"، وهو شدة البرد أو الصقيع البارد الذي يحرق زهر النبات، فيقضي عليه ويذهب جهد وتعب الزُّرَّاع هباءً منثورًا، مثله كمثل النار في ناتج جورها على الأخضر واليابس.

وعود إلى مفردة "الرماد" التي استخدمها القرآن الكريم في تشبيه أعمال الذين كفروا، والاستهانة بها، فالرماد شيء لا يُذكَر ولا يرتجى منه نفعًا؛ فما بالنا لو خالطت ذلك الرماد "ريح عاصف"، فذهبت به، واستخدام النص القرآني في تجسيم وتجسيد الصورة بمفردات فيها من الضَّعَةِ والهوان كمفردة "لا يقدرون على شيء مما كسبوا"، ومفردة: "الضلال"، ونعتها بـ"البعيد" - قطعٌ وبترٌ لكل مكابر ومناهض لعزائم الإيمان الحقة... ولقد صارت تلك الصورة البيانية الرائعة مضربًا يقتفي أثره الكتَّاب والمبدعون... وها هو الشاعر السوداني الراحل "إدريس جماع" قد اقتبس الصورة على مشقة تشبيهها وتناص فكرتها الصادمة في قصيدته قائلًا:
إﻥ حظي ﻛﺪﻗﻴﻖ ﻓﻮﻕ ﺷﻮﻙ ﻧﺜﺮﻭﻩ
ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﺤﻔﺎﺓ ﻳﻮﻡ ﺭﻳﺢ ﺍﺟﻤﻌﻮﻩ
صعب الأمر عليهم قلت يا قوم اتركوه
ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﻘﺎﻩ ﺭﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺴﻌﺪوه!

وأبدع حين قال: "ﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﻘﺎﻩ ﺭﺑﻲ ﻛﻴﻒ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺴﻌﺪوه"، صدقت وسبحان الله، لأجل ذلك كانت تلك الصور التمثيلية والتشبيهات الرمزية كفيلة بأن تكون صادمة لكل معرِضٍ كفور.

وبعد: فإن ما استعرضتْهُ تلك الآيات الكريمات من قضية عقائدية خطيرة، وتصورات وتشبيهات صادمة مفزعة لأهل الشرك، ومن يقدمون أعمالهم وقد خلا منها وجه الله - كفيلة بأن تجعلنا - نحن المؤمنين - في أمسِّ العوز للاستعاذة بالله العظيم من أن تخالط أعمالنا شبهة الشرك بالله في فعلها؛ إذ لما نزل قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مالك بن مغول، عن عبدالرحمن بن سعيد بن وهب، أن عائشة قالت: ((قلت: يا رسول الله، "الذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة"، أهم الذين يذنبون وهم مشفقون،قال: لا، ولكن الذين يصلون وهم مشفقون، ويصومون وهم مشفقون))[2]، فنسأل الله العلي القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، اللهم آمين، وللمقال بقية بإذن الله.


[1] تفسير ابن كثير موقع تقني.

[2] تفسير الطبري، سورة المؤمنون، آية 60، موقع تقني.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.17 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]