الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14010 - عددالزوار : 748411 )           »          تبديد الخوف من المستقبل المجهول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          عظة مع انقضاء العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          واو الحال وواو المصاحبة في ميزان التعريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أهمية طلب العلم في حياة الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          {وقولوا للناس حسنا} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.." ماذا بعد موسم الحج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          من رعاة غنم إلى قادة أمم.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الصداقة في حياة الشباب والفتيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          مبدأ التخصص في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-08-2021, 03:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,334
الدولة : Egypt
افتراضي الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية

الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية


أروى محمد أبو فخيدة





"حرية البحث والتدريس والتفكير العلمي"


التعليم هو الأداة الرئيسية لكل الفئات العمرية التي تقي من الاضطهاد والعنف والاستغلال، وهو وسيلة الفقراء لصهر أنفسهم في البوتقة الاقتصادية والاجتماعية دونما تمييز من خلال متطلبات التنمية في المجتمع، وبناء مواطن مفكر ومثقف قادر على العمل والإبداع والتحليل، كذلك فإن الجامعة تقوم بوظيفة المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية، ودعم الاختراع التكنولوجي والعلمي، وحفزالإبداع في الفنون والآداب، ومخاطبة القضايا العالمية الطارئة مثل الفقر، والمرض، والصراع السياسي العرقي والتدهور البيئي، لذا عد التعليم من أهم الحقوق الإنسانية ومن أكثر المجالات استثمارًا في الدول قاطبة.

فالجامعة لم تعد مرتبطةً بالعمل الأكاديمي فقط بل بدأت تساهم بشكل فعال في عملية البناء والتنمية ونقل المجتمعات من التخلف والتبعية الفكرية بكافة أشكالها إلى مرحلة النهوض والإستقلالية، فتقوم بأدوار كثيرة عن طريق كوادرها وقياداتها العلمية والإدارية من أجل رفد المجتمعات بالكفاءات والخبرات الفنية المؤهلة تأهيلًاعلميًّا للمساهمة في عملية الإصلاح والمصالحة.

في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجاءت المادة 26 التي تنص على:
( 1 ) لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميًّا وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.

( 2 ) يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملًا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام[1].

فكان التعليم النافذة الأولى، نطل بها على العالم مشرعين ذواتنا على عالم أرحب من خلال مؤسسات التعليم المختلفة فكانت جامعاتنا التي منها وبها أطلقنا العنان لأرواحنا ولعقولنا، وفي حضنها تحررنا من سطوة البرمجة والتقليد، فهي منابع العلم والمعرفة والفكرو منطلقنا الحر والواعي والمتنور نحواستيعاب الآخر، تسعى باختلاف أفرادها ومساربها نحو التكامل والتماثل وهذا ما دل عليه المعنى اللغوي للجامعة فالتماثل والتضاد يكونان معنى الوجود الإنساني.

الجامعة من جمع: جَمَعَ الشيءَ عن تَفْرِقة يَجْمَعُه جَمْعًا وجَمَّعَه وأَجْمَعَه
فاجتَمع واجْدَمَعَ، وهي مضارعة، وكذلك تجمَّع واسْتجمع. والمجموع: الذي
جُمع من ههنا وههنا وإِن لم يجعل كالشيء الواحد. وتجمَّع القوم:
اجتمعوا أَيضًا من ههنا وههنا، الجامعُ؛ قال ابن الأَثير: هو الذي يَجْمع
الخلائق ليوم الحِساب، وقيل: هو المؤَلِّف بين المُتماثِلات والمُتضادّات في
الوجود؛ وقول امرئ القيس:
فلو أَنَّها نفْسٌ تموتُ جَميعةً،
ولكِنَّها نفْسٌ تُساقِطُ أَنْفُسا

والجَمِيعُ: ضد المتفرِّق؛ قال قيس بن
معاذ وهو مجنون بني عامر:
فقدْتُكِ مِن نَفْسٍ شَعاعٍ، فإِنَّني
نَهَيْتُكِ عن هذا، وأَنتِ جَمِيعُ[2].


واستهجن أمر من ينعت الأمة بحالة غزو فكري وثقافي أين هي الحرب إذا قدم الغرب لنا ثقافة جديدة ربما مخالفة لثقافتنا لكن إذا سقناها إلى الطريق الصحيح وصلنا إلى هدفنا، لكن ديدن الأمر أننا نحن أقمنا حربًا على أنفسنا، وعدونا نحو الغنائم واللوامع دون أن نفهم أو ندرك ماهيتها، فما عيب الثقافة المتعددة داخل السور الواحد فكارل ساغان الفلكي الأمريكي يقول "ليس هناك من معنى أن نكون منفتحين على فرضية لا نفهم منها شيئاُ ".

وبالتالي فحركة الإنفتاح هذه تستوجب الإدارة المدروسة الناجحة لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التي تعني مجتمعًا ناجحًا ومتطورًاوذلك بتطوير كفاءاتها وتوفير المناخ الملائم لإنتاج افرادمثقفين واعين قادرين على الإبداع والتحليل واستيعاب متطلبات العصر ومتغيراته، وهنا يكمن هدف الجامعة.

وقد وصف العالم رسبوسو resposo الجامعة بأنهاتمثل مجتمعًا علميًّا يهتم بالبحث عن الحقيقة، وأن من وظائفها الأساسية تتمثل في البحث والتعليم وخدمة المجتمع وتنمية أفراده، وتنمية طاقاته ووسائله، وتنمية الموارد البشرية والحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية[3].

وهناك عبارة مشهورة لتوماس جيفرسون التي قالها عند الاحتفال بإفتتاح جامعة فرجينيا: "إن هذا البناء المادي العظيم -مشيرًا إلى الجامعة - لا يمكن أن يقوم إلا على البناء الروحي الخالدعلى الحرية المطلقة للعقل الإنساني "[4].

تعريف الحريات الأكاديمية ونشأتها:
تنص المادة (19) من لائحة حقوق الإنسان على ما يلي "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود"[5].

يعود مفهوم الحرية الأكاديمية في الجامعات الغربية إلى العصورالوسطى، وهومفهوم غربي على حد قول محافظة، وهولا صلة له بالحرية التي كان يتمتع بهاالتلميذ والشيخ في مؤسساتنا التعليمية الاسلامية القديمة لأن أغلب معاهدنا ومؤسساتنا التعليمية _باستثناء البعض_ أخذناها عن الغرب سواء كانت فرضًا أو اختيارًا.

إلاأن مرسي يرى غير ذلك فيقول" من الثابت تاريخيًا أن المسلمين في عصور ازدهارهم قد عرفو أومارسوا حرية البحث والعلم في نقلهم لعلوم ومعارف الثقافات الأخرى وفي شرحهم وتفسيرهم لها وفي الإضافة اليها، ومحاولة التوفيق بين الفلسفة والدين وفي إصدارالأراء المتخالفة لما هو متوارث ومتعارف عليه في الفكر الإسلامي، يشهد على هذا ما كان يقوم به فلاسفة المعتزلة من نقد صريح لأحداث التاريخ في صدر الاسلام.

ويأكد مرسي أن المجتمع الاسلامي لم يشهد اضطهادًا للعلماء والمفكرين على ما كان في المجتمع الأوروبي في العصور الوسطى.ففي الوقت الذي كان الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون يجادلون الخوارج والنصارى واليهود والمجوس بالتي هي أحسن ويعقدون المجالس للمناظرة ويدرون عليهم الأرزاق ويفتحون لهم أبواب العلم، كان الأمر مختلفًا تمامًا في المجتمعات الاوروبية حيث كان الذي يتجرأعلى تبيان فضل العقل يربط على سارية مركوزة على نار متأججة أو تشد أطرافه على أربعة جياد وينهال عليه الموكلون ضربًا بالسياط، وكان الشيخ في العصر الإسلامي يتمتع بالرعاية والتقدير وحرية التدريس واختيار منهج التدريس وطرقه، وكان الطلاب أحرارًا في اختيارهم لأستاذهم"[6].

وأنا مع الرأي الأخير لأنه لو لم يكن حرية أكاديمية في العصر الإسلامي لما قامت الحضارة الإسلامية مطلقًا فالمعرفة سلطة والسلطة قوة وحضارة، إذا وجهت وجهتها الصحيحة.

ويقول الله عز وجل في كتابه الكريم عن كثير من الآيات التي تذكر العلم وتحض عليه وتدعو إلى تحرير العقل من كل ما هو موروث لا يستند إلى منطق علمي فقال عز وجل ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].

وكان مفهوم الحرية في العصور الوسطى يعني أمرين:اعتراف السلطة الدينية أو المدنية بالإستقلال الذاتي للجامعة وبالإمتيازات الخاصة التي يتمتع بها الأساتذة والطلبة والعاملون فيها.وكانت المراسيم البابوية والمواثيق الملكية في اوروبا تؤكد هذا الإستقلال الذاتي للجامعات التابعة للكنائس والأديرة والممالك، غيرأن هذا المفهوم تغير بعد حركة الإصلاح الديني التي أدت إلى تمزيق وحدة الكنيسة الرومانية الغربية وأسفرت عن حروب دينية بين الكاثوليك والبروتستانت وتأثرت الجامعات بذلك وغدت مؤسسات وطنية وغدا الخطر الذي يهددها خطرًا سياسيًا، وأصبحت الدولة المدنية ذات السيادة لا تسمح بالتعليم إلا اذا اتفق مع المبادئ والأهداف السياسية التي تنادي بها.

وبدأت بوادر الحرية الأكاديمية بالظهور بتأسيس جامعة لايدن Leiden في هولندا سنة 1575، حيث منحت المعلمين والطلبة شيئًا من الحرية في بداية نشأتهاوتطور مفهوم الحرية واتسع نطاقه في القرنين السابع عشر والثامن عشر في الجامعات الألمانية ولا سيما جامعتي لايبتسغ Leipzig وغوتنجن goettingen وبانشاء جامعة برلين سنة1811، وتحت رئاسة الفيلسوف غوتليب فيخته اصبحت الحرية تعني حرية التعليم والتعلم.

وتأثرت الحرية الأكاديمية في القرن العشرين بالتوترات الدولية والحروب الإيديولوجية ففي الحرب العالمية الاولى اتهم بعض الأساتذة بعدم الولاء لدولهم، وشعر الأساتذة في الجامعات الأمريكية بالحاجة للدفاع عن حريتهم فكونوا في سنة1915 الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات وناضلت هذه الرابطة من أجل الحرية الأكاديمية منذ نشأتها"[7].

والحرية الأكاديمية كما حددتها الجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات هي "حرية أولئك الأشخاص المؤهلين مهنيًّا في البحث عن الحقيقة واكتشافها ونشرها وتعليمها كما يرونها هم، وهي لا تخضع لأي سيطرة أو سلطة غير سيطرة الطريقة العقلانية في البحث"[8].

وتطور مفهوم الحرية من التعلم والتعليم إلى حق المعلم في أن يعلم وحق المتعلم في أن يتعلم ما يريد دون تدخل أو قيد من الخارج وشملت الحرية الأكاديمية حرية التعبير وحرية النشر وحرية الاعتقاد فالبنسبة إلى المعلم، للحرية الأكاديمية ثلاثة جوانب هي:
حريته في متابعة بحثه العلمي للوصول إلى النتائج العلمية، وحريته في أن يعرض على طلبته نتائج أبحاثه بصورة دقيقة وأمينة ويعرض أحكامه في ميدان تخصصه وأخيرًا حريته في نشر نتائج أبحاثه بحيث يستفيد منها زملاؤه، فضلًا عن حقه في اختيارالكتب المقررة للمواد وطريقة المواد التي يراها مناسبة.

أما بالنسبة للطالب فالحرية الأكاديمية تعني حقه في الحصول على التعليم السليم وحقه في تكوين استنتاجاته بناء على دراسته وحقه في الاستماع والتعبير عن آرائه فللطالب الجامعي الحرية في اختيار المواد الدراسية، وله دور في الهيئة الطلابية التي ينتمي إليها"[9].

وقد جاء تعريف تردنيك الذي يرى أن الحرية الأكاديمية تتضمن نوعين من الحريات:
"الحرية الفردية التي تتيح للفرد الأكاديمي باحثًا ومدرسًا حق تتبع بحوثه ودراساته واستخلاص نتائجه، وحق نشرها وتدريسها لطلابه دون التدخل من أي جهة؛ سواء من داخل الجامعة، أو من خارجها"[10].

وتعددت الآراء حول تعريف المصطلح ولكن جميعهم التقوا في مسار واحد.

ومع ذلك فليس هناك الآن وثيقة دولية للحرية الأكاديمية مما يدخل تحت مظلة القانون الدولي ولا آلية دولية لأعمالها....فقد اهتمت منظمات غير حكومية بموضوع الحريات وصدر عنها عدد من الإعلانات نذكر منها:
اجتماع الرابطة الدولية 1982 لأساتذة ومحاضري الجامعات حيث أسفر المؤتمر عن ميثاق حقوق وواجبات الحرية الأكاديمية.

اجتماع الجمعية العمومية للخدمة الجامعية المنعقد في نانت بفرنسا عام1984 وفي عام 1988 عقد في مدينة بولونيا بإطاليا مؤتمر الجامعات الأوروبية ورؤسائها وفي سنة1990 صدرإعلان عن دار السلام عن رابطة موظفي مؤسسات التعليم العالي وإعلان كامبالا وفي عام 1993عقد مؤتمر بوزنان بولونيا بإيطاليا وصدر عنه إعلان الحريات الأكاديمية، وكان من أكثر الإعلانات دقة وشمولًا إعلان ليما الذي عقد في اجتماع الهيئة العامة للخدمة الجامعية العالمية المنعقدة في ليما عاصمة البيرو في سبتمبر/ أيلول.1988[11].

عناصر الحرية الأكاديمية:
تتمثل الحرية الأكاديمية في ثلاثة عناصر:
1. حرية أعضاء هيئة التدريس في البحث عن الحقيقة وحقهم في نشرها وتعليمها[12]، التي تشمل حرية الأفراد المشتغلين بالعلم والبحث العلمي والأكاديمي، وكل ما له علاقة بحقوق وواجبات مهنة العمل الأكاديمي والحرية الأكاديمية، فهو مطلب مهم من مطالب استمرار المشتغلين بالعلم والبحث والتدريس الجامعي في نشاطهم بمأمن من أي نوع من أنواع الازعاج من قبل السلطات أو الزملاءأو المؤسسات أو المجتمع ككل، كما أن من حق هؤلاء التعبير عن آرائهم والإعلان عن نتائج بحوثهم وتأملاتهم مهما كانت غير تقليدية وغير شائعة دون أن يؤدي ذلك إلى فقدان لوظيفته في المؤسسة الجامعية والبحثية[13].

2. حرية الجامعات والمؤسسات الجامعية والبحثية وضمان حصولها على الاستقلالية الداخلية والخارجية إداريًّا وماليًّا وثقافيًّا[14].

وعلى النقيض تمامًا لدعاة استقلال الجامعات لتوفير الحرية الأكاديمية، نجد أن بعض الباحثين لا يرون استقلال الجامعة ضرورة لتوفير الحرية الأكاديمية، وضربوا لذلك أمثلة واقعة كالجامعات الألمانية التي أنشأها الملوك والامراء قبل قيام الوحدة الألمانية فعلى الرغم من تبعيتها للحكومة إلا أنها مارست حرية البحث عن الحقيقة وحرية التعبير عنها دون تدخل[15]، ويعتبر البعض هذا المثال حالة استثنائية لا يقاس عليها ويعتقدون أن درجة الحرية الأكاديمية تتناسب طرديًّا مع مدى استقلال الجامعة[16].

فالجامعات العصرية على أبواب القرن الحادي والعشرين مراكز للتعامل مع المعلومات الحديثة، والتقنيات المتقدمة والوسائل المتطورة، وليست مجرد مراكز لصنع وضخ الأعداد الغفيرة من الخرجين من حملة الشهادات الجامعية، بحيث تتحول إلى نظام آلي ضعيف، عديم الصلة بالمجتمع، فتصبح بيروقراطية إدارية تنتج مفردات كلاسيكية في المناهج، وتفتقد التقاليد الجامعية، وتتعامل مع مراكز قوى تحمل عقولًا وخلفيات محافظة لاتحترم الرأي والحرية والحوار الديمقراطي الهادف[17].

ومما يفاقم الأزمة أن نظام التعليم العالي لا يمتلك خريطة مفصلة ومتكاملة في التخطيط والتنفيذ، فتتكرر أنماط من الجامعات لها تخصصات متشابهة وتحتاج أعدادًا كبيرة من الإداريين والمدرسين المؤهلين أكاديميًّا لقيادة العملية التربوية والتعليمية، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بفترة زمنية قصيرة، فتكون الكمية على حساب الكفاءة والنوعية والمؤهلات الجامعية[18].

3. حرية العلم والبحث العلمي، وكل ما له علاقة بالنشاط العلمي والبحثي المجرد، ويكون ذلك بالتعبير عن المعرفة والحقيقة والإعلان الحر عن نتائج البحوث والاختراعات والآراء العلمية[19].

يأتي السؤال: هل الحرية الأكاديمية لها ضابط واتجاه، أم أن لها فضاءها الواسع أينما شاءت وكيفما شاءت؟
إن الحرية الأكاديمية ليست مطلقة مما يجب أن يقيدها، فالحرية التي لا ضوابط لها قد تقود للفوضى وتصبح خطرًا يهدد مؤسسات التعليمية والمجتمع كله[20].

وهذا ما طرحه محمد جواد رضا على رئيس لجنة المنح الجامعية في لندن UGC عام 1978 فقال: ألا ترى أن من واجب الدولة توفير المال للجامعات دون أن تتدخل في شؤنها الإدارية والأكاديمية؟ فقال: لا مراء في ذلك، ولكن ألا ترى أن الدولة حتى لو نظرنا إليها على أنها مجرد وكالة تمويلية أفليس من حقها أن تتأكد من حسن إنفاق الأموال العامة المقدمة للجامعات[21].

"ولذا فلا بد من دور رقابي من الدولة في حدود ضيقة يتمثل في التأكد من حسن سير العملية التربوية التعليمية وضمان إنفاق الأموال العامة بطرق سليمة وعدم انحراف الجامعات عن أداء دورها في التدريس والبحث وخدمة المجتمع، إن الحرية الأكاديمية لا تعني الانفلات والتمرد على الضوابط المجتمعية؛ لأن الحرية الأكاديمية حرية منطقية ومسؤولة ومعقلنة"[22].

الحرية الأكاديمية في الجامعات الأردنية:
تهدف الجامعة إلى نشر المعرفة وتطويرها والإسهام في تقدم الفكر الإنساني، والقيام بالبحث العلمي وتشجيعه، وتطوير المجتمع العلمي والاستقلال الفكري، وهذا ما نص عليه قانون الجامعات الأردنية رقم 29 لعام 1987 في المادة الرابعة منه[23].

وقد نصت على أن الجامعة شخصيةمعنوية، مستقلة ماليًّا وإداريًّا، وجاء في المادة الخامسة أن الجامعة مستقلة علميًّا، وتحقيقًا لذلك تقوم بوضع برامج أبحاثها ومناهجها الدراسية والتدريبية وتعقد الامتحانات، وتمنح الدرجات العلمية والفخرية والشهادات، وتحدث الوظائف في أجهزتها العلمية والفنية وغيرها، وتعين فيها[24].

كما نصت القوانيين أن عضو هيئة التدريس يتمتع في نطاق عمله الجامعي بالحرية الكاملة في التفكير والتعبير والنشر وتبادل الرأي فيما يتصل بموضوعات الدراسة ونشاطاته الجامعية، وذلك في حدود القوانين المعمول بها مع الالتزام بالأنظمة والتعاليمات الجامعية[25].

وقد تمتعت الجامعات الأردنية باستقلال إداري ومالي مقبول، وكان للجامعة مجلس أمناء يقوم على تدبير أمور الجامعة ومناقشة كل ما يتعلق بالجامعة - من مناقشة الميزانية العامة والأنظمة الداخلية - غير أن الوضع لم يدم طويلًا حتى استولت السلطات التنفيذية والقضائية على الجامعات، وكان ذلك بإنشاء وزارة التعليم العالي عام1985، وحل مجالس الأمناء في الجامعات، الأمر الذي نال من استقلال الجامعة الإداري والمالي، كما ساهم في إضعاف التعليم الجامعي وتدنِّي مستواه، وكان الهاجس الأمني العامل الأقوى في تدخل الأجهزة الأمنية في تعيين العاملين في الجامعات الأردنية، متمثلًا باشتراط حصول من يريد التعين في الجامعة على موافقة أمنية.

ولم تفلح الديمقراطية التي أعلنت عنها نهاية عام 1989 في تغيير هذه القوانين التي تحد من الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية، الأمر الذي أدى إلى عزلة الأكاديميين عن قضايا أمتهم وعدم الخوض فيها ولا البحث في المشكلات الساسية والاقتصادية والاجتماعية، ونتيجة لذلك فقد أثبتت وزارة التعليم العالي فشلها، وأن مجلس التعليم العالي لم يعد قادرًا على القيام بالمهام الموكولة إليه، وكان طوال السنوات الماضية عاجزًا عن تطوير التعليم العالي وتحسين مستوى أدائه؛ مما يجعل من ذلك ضرورة لإعادة النظر في القوانين والتشريعات التي تحد من الحرية الأكاديمية في الجامعات الأردنية[26].

البحث العلمي في الأردن:
يعرف البحث العلمي بأنه "عملية الوصول إلى الحقيقة "، ويعرف أيضًا: عملية دراسة مستمرة للتعرف على المشكلة ووضع الحلول اللازمة لها، واستخدام هذه الحلول في التعامل الواقعي لاختبار صلاحيتها، ومن ثم تعميمها بشكل قواعد تصلح للاستعمال والتطبيق[27].

يعد البحث العلمي في الجامعات المحرك الأساسي لكافة القطاعات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والتربوية، ولا يمكن لأي دولة أن تستغني عنه، وفي ظروف دولية جديدة لا بقاء فيها إلا للأقوى تكنولوجيًّا، فإن مكانة البحث العلمي على مستوى برامج ومخططات ميزانية التنمية أصبحت أكثر ضرورية للبقاء في عالم الغد.

لا مندوحة من القول بأن البحوث العلمية هي عنصر أساسي من عناصر التعليم الجامعي، ويعتبر عنصرًا حاسمًا في تحقيق الجودة وفي عمليات التجديد والتطوير الشامل لعملية التعليم والتعلم، ورفع مستوى الأساتذة والملائمة بينه وبين الأبعاد الاقتصادية الحديثة؛ حيث يتزايد الطلب على توفير خريجين قادرين على تحديث معلوماتهم بشكل مستمر، فلا بد من توسيع نطاق المشاركة في جهود تحديث وتطوير البحث العلمي بما يضمن تلبية الاحتياجات ومتطلبات التنمية الحالية والمستقبلية لمجتمعنا المحلي، والذي يشهد تحولات سياسية وثقافية واجتماعية على مستوى المنطقة.

ويعد البحث العلمي في الجامعات من أخلاقيات العمل لأعضاء هيئة التدريس في مجال خدمة المجتمع على اعتبار أن الجامعة مجتمع صغير يحيط به المجتمع الكبير بسائر حلقاته، ولهذا يتصل بهذا المجتمع بعدًا من أخلاقيات التعليم الجامعي يدعو إلى الحرص على المبادأة في تقديم الخدمات الممكنة للمجتمع تحقيقًا لرسالة الجامعة في المجتمع[28].

ويمكن استباط الملامح الواقعية للبحث العلمي في الجامعات الأردنية من خلال:
1. أساسيات البحث العلمي في الجامعات الأردنية
2. المشكلات وتحديات التي تواجه البحث العلمي[29].

إن نظرة المجتمع للباحث والبحث العلمي والواقع الاجتماعي تعد عاملًا مؤثرًا على مستوى البحث العلمي؛ حيث ينظر نظرة تتصف بالآتي:
1. التقديس والولع الشديد.
2. النظرة المخزونية على اعتبار أنه كمية من المعارف يمكن تخزينها.
3. النظرة الترفيهية للبحث على اعتبار أنه شيء ثانوي.
4. التفريق بين العلوم النافعة وغير النافعة من خلال الاهتمام بالعلوم التطبيقية على حساب العلوم الأساسية والنظرية[30].

ومن هذا المنطلق ينظر المجتمع الأردني للبحث العلمي على أنه شيء صعب المنال وشيء يستحيل تحقيقه، والبحث عن حلول بديلة خارجية هو الحل الأمثل للخروج من المشاكل التي تواجه البحث العلمي، فضلًا عن عدم الثقة بكل ما هو وطني.

المشكلات والتحديات التي تواجه البحث العلمي:
من البديهي والمعروف أن الثقافة تمثل المجتمع وهي بجل حثيثياتها ترتبط بالفكر، والفكر عملية إبداعية بحتة إذا تناسبت مع الشروط الواقعية المجتمعية وخدمت العملية الإنسانية ككل، فقد رفض البعض الفكر غير المفيد، والذي لا يخدم الإنسانية ويحقق غاياتها ومطالبها، فمسيرة الفكر في التاريخ الإنساني واضحة للعيان بخيرها وشرها، فبروز القوة العربية تعود إلى الثورة الفكرية والروحية التي أتى بها الإسلام للقضاء على الجاهلية بمختلف قيمها وعاداتها وتقاليدها، وترسيخ مفاهيم سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تحفظ كرامة الإنسان، وتحقق له الآمان الاجتماعي وتجعل منه ربان سفينة يقودها بحكمة وروية، وينأى بنفسه بعيدًا عن الرياح والعواصف؛ كي لا تقلب السفينة رأسًا على عقب، فلولا قوة فكرنا لما حوربنا بكافة الوسائل والطرق التي تقف في وجه الفكر الفذ والمتنور، فخلاصة القول بأن هناك حملة من التداعيات والعوائق توجه أسهمها إلينا؛ سواء كانت داخلية أم خارجية، فهل تصيبنا أم تنحو عنا؟!
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.71 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]