حيرة في اختيار زوجتي

[ابوالوليد المسلم]

حيرة في اختيار زوجتي


الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قررتُ الزواج بالرغم من أنَّ حالتي الماديَّة ضعيفة، إلاَّ أني مؤمِن بعون الله لي على إعْفاف نفسي، وإحصان فرْجي، وقد تحدثتُ مع أمِّي وإخوتي حولَ مواصفات الزوجةِ المطلوبة؛ حيثُ إني طلبتُ أن تتوفَّر فيها المواصفاتُ التالية:
1. أن تكون متوسطةَ الجمال.

2. وذات خُلق ودِين، وأن تكون محتشمةً في ملبسها.

3. أن تكون في مستوى معيشي أقلَّ مِن مستوى عائلتنا؛ حتى تُحِسَّ أنها تحسَّنت حياتُها بعدَ زواجها.

وهذه المواصفات اتَّفقنا عليها مع الأهل، ولكني اختلفت معهم في ألاَّ تطلب العمل بعدَ إكمالها التعليم الجامعي؛ لأني أرى أنَّ أولوية المرأة الأولى هو بيتها، كما أنِّي أعرف حالاتٍ كثيرةً ممن أعرفهم لا يعرفون الراحَة، فتجد أنَّ المرأة تعمل في مكان بعيد؛ مما يضطرُّها للدوام باكرًا بعد الفجر، والعودة متأخِّرة بعدَ العصر، إضافةً للإهمال في تربية الأبناء، فَتُوكِلُ تربيةَ الأولاد في الفترة الصباحيَّة للخادمات، وفي الليل ينشغلون بالإعدادِ لليوم التالي للعمل، خصوصًا إنْ كنَّ مدرسات، وهكذا، وأهْلي يخالفونني؛ لا بدَّ أن تأخذ متعلِّمة، وتعمل؛ لتساعدَك في أمور المعيشة، كما يقولون: إنها لن ترضَى بهذا، وستطلب العملَ كمدرِّسة، أو موظَّفة، بغضِّ النظر عن الفرص الوظيفيَّة، وهذا هو المتوقَّع، خاصَّة مع الجيل الجديد من النِّساء، وأنا - والله - في حَيرة مِن أمري؛ علمًا بأني قد رشحتُ واحدةً، واستخرتُ المولى في الزواج منها، ولكني متردِّد في كونها تدرس بالجامعة، وقد تطلب إكمالَ دراستها قبلَ الزواج، وهذا سيؤخِّر زواجي حوالي 4 سنوات أخرى، وعُمري الآن 28 عامًا، ولا أُريد التأخُّرَ أكثر، كما أني متردِّد في مسألة عملها، وغالبًا أنها ستطلب أن تعملَ كبقية أخواتها؛ حيث إنهنَّ يعملْنَ مدرِّسات.

فأرْشِدوني وبصِّروني، جزاكم الله خيرًا.

الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمسألة اختيار الزوجة حَسَمَهَا الإسلام، فوصَّى النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالمرأة الديِّنة؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الشَّيخان عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه -: ((تُنْكَحُ المرأةُ لأربع: لمالِها، ولحسبِها، وجمالها، ولدِينها، فاظفرْ بذات الدِّينتَرِبتْ يداك))، وقال: ((المَرْأة تُنْكَح على دِينِها، ومالِها، وجَمالها، فعليْك بذات الدِّين ترِبتْ يداك))؛ رواه مسلم عن جابر.

ولتعلمْ أنَّ مِن أعْظم مقاصِد النِّكاح: التعاوُنَ على الدِّين، وتَكْثيرَ أمَّة خاتم النَّبيِّين.

أمَّا المال، فظِلٌّ زائل، ويأتي ويذهَب، والنفقة واجبةٌ على الزوج لزوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانتِ الزوجة غنيَّة أو تعمل، فلا حقَّ للزوج فيما تأخُذه مِن راتب، إلاَّ أنْ يصطلحَا على ما يشاءان.

فإنْ كنتَ على قناعة بأنَّ عمل الزوجة يؤثِّر سلبًا على الأسرة، فلك أن تختارَ زوجتك بناءً على هذا، وتشترط عليها عدمَ العمل، وإنْ كنَّا نُريد منك أن توازن بين المصالِح والمفاسد في عملِ الزوجة، فتقدم خيرَ الخيرين، وتترك شرَّ الشرين، وتلك الموازنة هي ما قام عليه الشرعُ الحنيف، مِن تحصيل أعظمِ المصلحتين بتفويتِ أدناهما، وترْك أكبر لمفسدتين باحتمالِ أدناهما، فإن رُوعِيَتِ الضوابط الشرعيَّة في عمل الزوجة فلا بأس به؛ لأنَّ الزوجين شريكان في تأسيس الأسرة، وبناء البيت، فإنْ بذلت المرأة - عن طِيب نفس منها - ما يُعين زوجها على مصاعِب الحياة، وإسهامًا في نفقاتِ الأسرة والبيت، مع تعفُّف الزوج - قدرَ استطاعته - عن أخْذ جميع المال، وترْك جزء لها.


وأما إنْ كنت تشعُر بالراحة تُجاه الفتاة التي استخرتَ عليها، فتوكَّل على الله، وأكْمل الأمر، وتحلَّ بشيء مِن المرونة التي لا تُعارض الشَّرْع.