الأدب الألخميائي (الأدب الإسباني المكتوب بحروف عربية) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 924 - عددالزوار : 120612 )           »          قواعد مهمة في التعامل مع العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          مكارم الأخلاق على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          تخريج حديث: أو قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          من أسباب المغفرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القوي، المتين) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          {إن ينصركم الله فلا غالب لكم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مسألة تلبّس الجانّ بالإنسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2959 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-07-2021, 03:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,369
الدولة : Egypt
افتراضي الأدب الألخميائي (الأدب الإسباني المكتوب بحروف عربية)

الأدب الألخميائي (الأدب الإسباني المكتوب بحروف عربية)
د. سلمى الخضراء الجيوسي




الأدب الألخميائي (الأدب الإسباني المكتوب بحروف عربية)


المصدر: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، تحرير: د. سلمى الخضراء الجيوسي الجزء الأول ص 770 إلى 787، عن بحث مطوّل بعنوان: التراث الإسلامي في الأدب الإسباني، كتبته لوسي لوبيز بارالت[1]

لربما يكونُ الأدب الإسباني المكتوب بحروفٍ عربيَّة (الألخميائي) من قِبَلِ كُتَّابٍ مسلمين من أكثر الأدلَّة وُضوحًا على هذا البُعد السامي في إسبانيا، والذي بدَأ يضمحلُّ ولكنَّه ما زال رغم ذلك مُؤثِّرًا وفاعلاً، يسمحُ لنا هذا الأدب السري، الذي ما زال مُعظَمه غير منشور، والذي كتبه مُنشَقُّون دُفِعوا دفعًا لأنْ يعملوا تحتَ الأرض، بأنْ نلمح عمليَّة الانقِراض البطيئة كما عاشَها آخِر المسلمين في إسبانيا بأنفُسهم في القَرنين السادس عشر والسابع عشر؛ إذًا كانت إسبانيا التي وصَفَها أوتيس غرين (Otis Green) بأنها "غربيَّة خالصة" تغصُّ بآخِر علامات شرقيَّتها[2].

لم يُكتَشف الأدبُ الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة إلا بعدَ وقتٍ طويل من عمليَّة إجْلاء المسلمين عن إسبانيا التي جَرَتْ عام 1609؛ فلقد شَهِدَ عام 1728 ظُهور العَديد من المخطوطات التي كانت مخبَّاة داخل عَمودٍ في بيتٍ من بيوت ريكلا (Ricla)، ثم اكتُشفت عام 1884 مجموعةٌ أساسيَّة كانت مخبَّاة داخل أرضيَّةٍ مزيفة في بيت مُهدَّمٍ في ألموناسيد دي لاسييرا (Almonacid de la Sierra) في سرقسطة.

إنَّ الأمر الأوَّل الذي يُلاحِظه المرء بِخُصوص هذا الأدب - الذي ما زال قسمٌ كبيرٌ منه غيرَ مطبوعٍ، وما زال القسم الأكبر مُوزَّعًا بين مكتبات إسبانيا والشرق وأوروبا - هو طبيعته الهجينة المولَّدة؛ ومن ثَمَّ الخفيَّة المُلغِزة[3]؛ إذ إنَّ المخطوطات مكتوبة باللغة الإسبانيَّة (أي: القشتاليَّة)، أو باللغات الرومانسيَّة الأخرى مثل: البرتغاليَّة أو الفالنسيَّة، ولكنَّها رغم ذلك مرسومة بحروفٍ عربيَّة.

تقودُنا هذه الظاهِرة اللافتة إلى استنتاجٍ أوَّلِيٍّ مُروِّع وهو: أنَّ قسمًا لا بأسَ به من الأدب الإسباني في العصر الذهبي كان شرقيًّا؛ بحيث ينبغي على الباحث في ذلك الأدب أنْ يكون مستعربًا، أو أنْ يعرف على الأقل الحروف العربيَّة؛ لكي يستطيع قراءةَ ذلك الأدب.

في القرن التاسع عشر بدَأ الرُّوَّاد الأوائل مثل باسكوال غايانغوس (Pascual Gayangos) وإدواردو سافيدرا (Eduardo Saavedra) يفكُّون شيفرة تلك المخطوطات، وفي بداية القرن العشرين قام خوليان ريبيرا وآسين بالاثيوس بهذه المهمَّة، أمَّا في الوقت الحاضر فإنَّ دراسة الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة تلقى اهتِمامًا أكبر من مختصِّين مثل: ل. ب. هارڤي (L.P.Harvey) ومرسيدس غارسيا إرينال (Mercedes Garcia Arenal) ومانويلا مانزاناريس دي سيري (Manuela Manzanares de Cirre)، وراينهولد كونتزي (Reinhold Kontzi) وأوتمار هيجيي (Ottmar Hegyi) ولويس ودنيس كارديلاك (Louis and Denise cardaillac) وماريا تيريزا نارفيز (Maria Tereza Narvaez) وأنطونيو فيسبرتينو رودريغيز (Antonio Vaspertino Rodriguez)، ونخصُّ بالذِّكر هنا ألفارو غالميز دي فوينتس (Alvaro Galmes de Fuentes) الذي بدَأ بتحقيق سلسلةٍ من هذه المخطوطات أعادَ كتابتها بالحروف اللاتينيَّة، وبدَأتْ تظهَرُ تباعًا عن دار نشر غريدوس (Gredos).

عندما بدأتْ دراسة الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة في القرن التاسع عشر، عُلِّقَتْ على هذا الأدب آمالٌ كبيرةٌ، ولقد كان الباحثون يُؤمِنون أنَّ جواهرَ نادِرةً في الأدب الإسباني سوف يتمُّ الكشف عنها قريبًا جدًّا.

وينقل لنا ل. ب. هارفي كلمات سيرافين إستيبانيز كالديرون (Serafin Estebanez Calderon) عندما تسلَّم كرسي اللغة العربيَّة في مجمع مدريد (Ateneo de Madrid) عام 1848:
"يمكن للمرء أنْ يقول: إنَّ الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة هو بمثابة جِبال الإنديز بالنسبة للأدب الإسباني؛ إذ إنَّه بالفعل لم يُكتَشفْ بعدُ ولم تجرِ دراستُه، وهو يعدُّ بكنوز ثمينةٍ سيحصل عليها الأوائل من الرجال والنساء الذين سيقومون بزيارة هذا [الأدب المجهول]"[4].

ويبدو الباحث الأمريكي العظيم المتخصِّص في الإسبانيَّات جيمس ت- مونرو مُتمسِّكًا في كتابه "الإسلام والعرب في الدراسات الإسبانية" Islam and the Arabs in Spanish Scholarship بهذه الآمال، لكنَّ هارفي يعترف أنَّ "عبارة منندث إي بيلايو القاطعة... ما زالت صحيحةً إلى يومِنا هذا: إنَّ النجاح لم يبتسمْ لنا بخصوص هذه الآمال الساطعة[5].

وعليَّ أنْ أقرَّ أنا أيضًا بعَدالة منظور مثل هذا يتمتَّع بقدرٍ أقل من التفاؤل؛ فلقد بيَّنتْ لي الأبحاث التي قُمت بها حول المخطوطات غيرِ المنشورة من الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة، والمحفوظة في المكتبة الوطنيَّة (Biblioteca Nacional) والمكتبة الملكيَّة (Biblioteca real) ومكتبة الأكاديمية الملكية للتاريخ (Historia de la Real Academia de la Biblioteca) ومكتبة قسم الدراسات العربيَّة في معهد علم اللغات في مدريد:
(Bibliotica del Departamento de Estudios Arabes del Instituto de Filologia in Madrid)

والمكتبة الوطنيَّة في باريس ومكتبة جامعة إكس إن بروفنس ومكتبة جامعة كامبريدج، إضافةً إلى تفحُّصي الخاص للفهارس الأساسيَّة الخاصَّة بهذا الأدب - أنَّ الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة لم يُعطِنا أعمالاً أدبيَّة عظيمة شاهقة؛ إذ إنَّه كان يتكوَّن بصورةٍ أساسيَّة من نصوصٍ استُخدمت لأغراضٍ معيَّنة وتركَّزت على موضوع تحوُّل المرء عن دِينه إلى دينٍ آخَر.

وتنقسمُ هذه المخطوطات بعامَّةٍ إلى نوعين اثنين: فهناك ما يُسجِّل الطقوس والتعاليم الإسلاميَّة التي كانت قد أخَذت في الضَّياع والتَّلاشي، وهناك أيضًا النُّصوص التي تنغمسُ في مجادلاتٍ عنيفة مُعادية للدِّيانة المسيحيَّة، والنوعان في كلتا الحالتين يظهران - كما يُشير لويس كارديلاك[6] - تَراجُعًا ملحوظًا عن الكتابات المعقَّدة لعرب العصر الوسيط، مثل: كتابات الهاشمي وابن حزم القرطبي وفراي إنسيلمو من تورميدا، لكنَّ المخطوطات التي فكَّت شيفرتها تكشف حقًّا عن بعض اهتِمامات المجتمع المسلم: هناك كرَّاسات في الفقه، رسائل في السِّحر والشَّعوذة، ورسائل تدورُ حول الوصفات الطبيَّة، ونُبوءات تتعلَّق بالمستقبل، وتعليمات تشرح كيفيَّة التصرُّف في حال باغتت محاكم التفتيش مُؤلِّفي المسلمين وكُتَّابهم، وكتابات تُسجِّل شهادات المسلمين حول ظُروف اضطهادهم، وأزجال في مديح محمد [النبي]، وأشعار تقلد لوب دي فيغا.

لكن على رغم أنَّ الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة كان بعامَّةٍ مُبتذلاً من وجهة النظَر الجماليَّة الصِّرف، بل إنَّه كان أسوأ من ذلك إذا قُورن بمعظم الإنتاج الأدبي خلال العصر الذهبي في إسبانيا، فإنَّ هذا الأدب يكشفُ لنا أحيانًا عن نصوصٍ أدبيَّة ذات قيمةٍ جماليَّة حقيقيَّة لا جدال فيها؛ ومثال ذلك تلك الروايات الرومانسيَّة الملحميَّة (مثل الحديث، أو الملحمة التي تدورُ حول الحصن الذهبي (Alcazar de Oro) التي أعاد كتابتها بالحروف اللاتينيَّة غالميز دي فوينتس في كتاب المعارك (Libro de las batallas)، الذي نشَرَه عام 1975)، إضافةً إلى بعض الأشْعار التي كتبها محمد رمضان (Mahomed Rabadan)، وشُعَراء آخَرون درستهم مانويلا مانزاناريس دي سيري.

لكن رغم كلِّ تحفُّظاتي بِخُصوص القيمة الجماليَّة لمعظم الأدب الإسباني الذي كتَبَه المسلمون بالحروف العربيَّة، فأنا أومن حقًّا بأنَّ هؤلاء الكتاب المجهولين الذين يمتلكون هويَّة مهجَّنة ومصيرًا مأساويًّا يتبوَّؤون مكانةً خاصَّة في الأدب الإسباني في عصر النهضة الذي ينتَسِبون إليه بلا أيِّ شك.

وتكشفُ المخطوطات خاصيَّة أدبيَّة شديدة الأهميَّة إذا قرأناها بتمعُّن واهتمام، ولربما من منظورٍ مختلف قليلاً؛ في هذه المخطوطات سنرى - ونشعُر بنوع من الشفقة والحُزن الاستثنائيَّيْن - اختفاءَ شعبٍ بكامِله وانقِراضَه، ونرى في الوقت نفسِه الجهودَ التي بذلها أبناء هذا الشعب لكبْح جِماح القُوَى التاريخيَّة المحتومة التي كانت ستهبطُ عليهم وتسحَقُهم.

لقد كان مُؤلِّفو الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة مُؤرِّخي عالَم أو ربما كانوا المؤرِّخين المضادِّين؛ إذ إنَّ الوصف الأخير لهم هو أكثر صِدقًا ودقَّةً - يذوب ويختفي.

المأساة الأولى بالنسبة لهؤلاء "المؤرخين" المسلمين تمثَّلت في كونهم غير قادِرين على إنتاج أدبٍ أو كتاباتٍ تتعلَّق بتحوُّلهم من دِينهم إلى الدِّين الآخَر، أو رواياتٍ تحكي حُظوظَهم التاريخيَّة العاثرة باللغة التي استعمَلَها أسْلافُهم في شبه الجزيرة، لقد كانت اللغة العربيَّة الفُصحَى، وحتى اللهجات العاميَّة المستعمَلة من العربيَّة، تنسابُ من بين أيدي المسلمين من الذين بقوا في إسبانيا بسرعة.

إنَّ الحروف العربيَّة التي كتبوا بها نُصوصهم الإسبانيَّة، والتي كانت تمثِّل بالفعل كلَّ ما يعرفونه من لغتهم الأولى المقدَّسة عندهم، تشهد حقًّا على مأساة مُروِّعة.

لقد كانت إضاعة لغة القُرآن أمرًا مُؤلمًا وشديدَ الوطأة على المؤمنين المسلمين، ليس من المنظور الثقافي فقط، بل من وجهة نظَر الدِّين كذلك؛ إذ إنَّ الإسلام يعدُّ الصلاة باستخدام لغة الوحي المقدَّسة جزءًا أساسًا لا غنى عنه في الطقس الدِّيني الإسلامي.

وقد قادت هذه الحقيقة أو هيجيي[7] إلى مُلاحَظة أنَّ مُؤلِّفي تلك النُّصوص كانوا يتمسَّكون بالحروف العربيَّة لدَواعي السريَّة أكثر من أنْ يكونوا يفعلون ذلك لإيمانهم بالمنزلة المقدَّسة التي كانت تحتلُّها تلك الحروف بالنسبة لهم ولقُرَّائهم السريِّين أيضًا، ومن هنا ينشأ السخط والنقد اللاذع الذي يصبُّه أحدُ هؤلاء المؤلِّفين السريِّين الذي أراد ترجمة الكراسة التي ألَّفَها "من العربيَّة إلى الإسبانيَّة المكتوبة بالحروف العربيَّة"، فتذمَّر قائلاً: إنَّه:
"ولا أحد من إخوتنا أو أخواتنا في الدِّين يعرفُ العربيَّة التي أُنزِلَ بها القُرآن الكريم، أو يفهم حقائق الدِّين، أو يستطيع أنْ يتمتَّع بجمال هذه الحقائق، إلا إذا عبَّرنا لهم عن هذه الأشياء بصُورةٍ مُلائمةٍ بلسانٍ أجنبي الذي هو اللسان الذي يتكلَّم به هؤلاء الكلاب المسيحيُّون الطُّغاة الذين يضطهدوننا، ليلعنهم الله! وليسامحني الله الذي يقرأ ما هو مكتوبٌ في القلب، ويعلم أنَّ غايتي هي أنْ أفتح للمؤمنين من المسلمين سبيلَ الخلاص، حتى ولو كان ذلك باستِعمال هذه الطُّرق الفاسدة الخسيسة"[8].

إنَّ المهمَّ والمثير للمشاعر بخصوص هذه المخطوطات الإسبانيَّة المكتوبة بالحروف العربيَّة، من وجهة النظَر الأدبيَّة والإنسانيَّة، هو كشفُها عن الاهتِمامات اليوميَّة لمؤلِّفي هذه المخطوطات وأبطالهم، لقد كان هؤلاء المسلمون الموريُّون - هؤلاء المؤرِّخون اليائسون المضادون للإنديز - واعين بدقَّة لما كانوا يُحاولون إنجازَه: كانت مهمَّتهم المستحيلة هي إيقاف التاريخ وانتهاكه، أنْ يواصلوا كونهم ينتسبون إلى الشرق في إسبانيا منتصف القرن السادس عشر، ووسط مجتمع كانت فيه محاكم التفتيش في أوْج ازدِهارها.

إنَّ الأدب الإسباني الذي كتَبَه المسلمون بالحروف العربيَّة هو مَعلَمٌ وأثرٌ باقٍ على ذلك الجهد المثير للشَّفقة من محاولة إنقاذ المعرفة بالدِّين الإسلامي وثقافته - أو ما تبقَّى من هذه المعرفة - التي تقلَّصت الآن إلى مُعتزلات سريَّة للمسلمين المضطهَدين.

"ليس هناك جهادٌ أكبر من نشر دِيننا في أراضي [الخطيئة؟ أرض الخراب المقفرة؟]، هتفت المسلمة العبيديَّة [9] (La Mora de Ubeda)، وإذ نقرأ كلماتها المتَّقدة حماسةً في القرن العشرين في ضوء معرفتنا بانقِراض شعبها فإنَّنا نشعُر بالانفعال والحزن، إنَّ الرجل الشاب من أريفالو (Arevalo) الذي يمتلكُ رؤيةً متفائلة مستحيلة التحقُّق يرجعُ صدى تلك المأساة عندما يعلنُ في الفصل الافتتاحي لعمله الشرح (Tafcira) بإيمانٍ خالص أنَّه سيكتب شرحًا آخَر "عندما تصبح الأرض حرَّة"[10]- أي: عندما "تتحرر" إسبانيا من المسيحيين. من بين أكثر الأمثلة على مُقاومة المسلمين لمصيرهم فجاجةً وإثارةً للحُزن تلك التمرينات على الحروف العربيَّة، التي كان أواخر المسلمين في إسبانيا يرفُضون نسيانها، التي قام بها شخصٌ مجهول على هوامش بعض النسخ الأخيرة للعَديد من مخطوطات الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة: المخطوطة رقم (5380) المحفوظة في المكتبة الوطنية في مدريد، والمخطوطة رقم (774) المحفوظة في المكتبة الوطنيَّة في باريس لكي نذكُر مثالين فقط من أمثلة عديدة.

لم يكن الموريون إيجابيين على الدَّوام ومُتَفائلين بسَذاجة عندما كانوا يُعبِّرون عن عَواطفهم تجاه ضعف أمَّتهم وانحِدارها.

والملاحظة التي يمكن أنْ نعثرَ عليها على الدَّوام بهذا الخُصوص هي الشعور بالكرب والتَّشاؤُم، لقد كان العالم العربي - الإسباني يختفي ببساطة، وكان أبناء المجتمع السري المضطهَد يعرفون ذلك، "لقد أصرَّ" مؤرخو "المسلمين الموريين" بإلحاحٍ على عرض هذه الصورة الشعاعيَّة الروحيَّة المثيرة للحُزن والأسى، على هذا التفحُّص الداخلي مُزدرِين وصفَ الطبيعة والجغرافيَّة الخارجيَّة الذي استَبَدَّ بمكتشفي العالم الجديد وشكَّل لهم هاجسًا.

يكشفُ المسلمون الذين حُوِّلُوا عن دِينهم عن شُعورهم الغامر بالاضطهاد في بعضٍ من أكثر مخطوطات هذا الأدب المأساوي إثارةً للحُزن والأسى، تبكي المرأة العبيديَّة - التي فقدت عائلتها عندما سقطت غرناطةُ - قائلةً للرجل الشاب من أريفالو عن انهيار أمَّتها وسُقوطها هذه الكلمات الموجعة التي تتنبَّأ بالمستقبل:
"قالت لي - وهي تبكي هزيمةَ المسلمين وانهيارهم -: صَلِّ يا بني للطف الله العظيم ألاَّ يستمر عقابه لنا فترةً طويلة من الزمان كما تقولُ لي النُّبوءة... ادعُ لطفَ الله العظيم أنْ تكون محبته لمسلمي هذه الجزيرة الذهبيَّة بعظَمة قُدرته، وادْعُه أنْ يُحوِّل هذه المآذِن إلى مَناراتٍ شاهقة راسخة"[11].

لقد كان عالم المرأةِ العجوز المسلمة، التي أُجبرت على التحوُّل عن دينها، يَتداعَى أمامَ عينيها، وهي تتفجَّع، في خلاصة قصيرة موجزة[12] تُثِيرُ الأسى والحزن اللذين يسحَقان القلب، على ما حلَّ بكتب الإسلام المقدسة من دَمار: "لقد رأيت القُرآن الكريم بين يدي تاجر يصنع منه ورقًا لاستعمال الأطفال، وقد التقطت تلك الأوراق المطويَّة وأنا حزينة القلب..."[13].

شكوى مُتفجِّعة أخرى تثيرُ الأسى نسمَعُها من بين شفتي يوسي بانيغاس (Banegas Yuse) المستعرب العظيم[14]، الذي يَبكِي أيضًا على سُقوط غرناطة، كما أنَّه كان يشعُر أنَّ ما هو أسوأ من ذلك سيُصِيب المسلمين الذين كان يعيشُ بين ظَهرانيهم؛ إذ بسبب الثورة التي وقعت عامي 1500-1501، أعادَ فرديناند وإيزابيلا التفكيرَ بالامتيازات التي مَنَحاها لمسلمي الأندلس الذين استسلَمُوا بعد هزيمة المسلمين، وقد انتشرَتْ فيما بعدُ عمليَّات التعميد الجماعي [للمسلمين]؛ وهكذا فإنَّ يوسي يكتُب للرجل الشاب من أريفالو، الذي كان يعيشُ في أفيللا؛ وبالتالي فإنَّه كان جاهلاً بما حصل وكان يحصل في غرناطة، ويخبره بتخوُّفه الفعلي من أنَّه "إذا لم يكن قائد الفتح - يقصد فرديناند - سوف يُحافظ على كلمته فإنَّه ليس بمقدورنا أنْ نأمل الكثير ممَّن سيَخلُفونه في الحكم".

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 138.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 136.72 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]