|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قضاء السنن الراتبة بعد فوت وقتها د. ضياء الدين عبدالله الصالح الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالسنن الرواتب: هي الصلوات المسنونات التابعة للصلوات الخمس المفروضات، إما قبل الفريضة أو بعدها، والرواتب بحسب درجة فضيلتها إما سنة مؤكدة وهي ركعتان قبل صلاة الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها في الحضر وينصح أصحابه بصلاتها. وإما مستحبة غير مؤكدة وهي: إضافة ركعتين بعد الظهر، وأربع ركعات قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وركعتان بعد العشاء. ويختم صلاته بالوتر. وأما النوافل غير الرواتب، فهي كثيرة منها: الوتر، وصلاة الضحى، وهناك نوع من النوافل تسمّى سننًا مؤكدة: كالعيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف، وهناك نوافل مطلقة غير مقيدة بعدد، وهي تصلى في أي وقت باستثناء أوقات الكراهة. وبهذا يتبين لنا؛ أن الرواتب والسنن تشملها اسم النافلة، وأن الرواتب أخص من السنن. والحكمة من تشريع السنن الرواتب هي: زيادة الحسنات وتحصيل الثواب الجزيل، وتكفير الذنوب والسيئات ورفع الدرجات، وتعويض النقص في الفرائض، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ بِه العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صلحت فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فسدت فقد خابَ وخسرَ فإن انتقصَ من فريضة شيئًا قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ؟ فيُكمَّلَ بِها ما انتقصَ منَ الفريضةِ ثمَّ يَكونُ سائرُ عملِه علَى ذلِك»؛ رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد وصححه الشيخ الألباني. وكذلك الفوز بمحبة الله تعالى ومرضاته، ففي الحديث القدسي في "صحيح البخاري": «... وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه... )). وكذلك من حكمتها؛ الحفاظ على الفرائض من التقصير والترك، فالنوافل تعد بمثابة خط الدفاع الأول والسياج الذي يحمي الفرائض من الإهمال والتقصير أو الترك بالكلية، فهي كالقشر الذي يحيط بالثمرة للحفاظ عليها، فالمصلي إذا قصر أو عرض له عارض أو فتر عن العبادة لسبب أو لآخر سيقع تقصيره في النوافل ولن يتعدى إلى الفرائض، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كما في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: « لِكُلِّ عملٍ شِرَّةٌ [نشاط]، ولِكُلِّ شرَّةٍ فَترةٌ، فمن كانَت فَترتُهُ إلى سنَّتي، فَقد أفلحَ، ومَن كانت إلى غيرِ ذلِكَ فقد هلَكَ »؛ رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني. وقد اختلف الفقهاء في جواز قضاء النوافل والسنن الراتبة اذا انشغل عنها المصلي بعارضٍ ما حتى خرج وقتُها على قولين: القول الأول: يجوز قضاؤها؛ وهو قول عبدالله بن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما-، ومن التابعين قول عطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان اليماني والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو مذهب الامام الشافعي في الجديد وقول الامام أحمد والمشهور عند اصحابه، وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. واستدلوا بما يأتي: 1- بما روي في الصحيحين عَنْ أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – « أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ». 2- ولما روي عَنْ ام المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَهُ »؛ رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني. 3- ولما روي في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾». فالسنن الرواتب صلاة مؤقتة فتدخل في هذا العموم، فتقضى كالفرائض. 4- وكذلك لما روي في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ صَلَّى بِالنَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً »؛ رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه. فقضى عليه الصلاة والسلام صلاة الليل مع أنها نافلة، فدل هذا على مشروعية قضاء النوافل. قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في المجموع [4 /43]: (الصحيح عندنا: استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد – الشيباني -، والمزني، وأحمد في رواية عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما: لا يقضي، ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة). وقال الإمام ابن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى - في المغني [2 /89]: (وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر، فالصحيح جوازه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة، والاقتداء بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم – متعين). وقال الإمام المرداوي الحنبلي -رحمه الله تعالى- في الإنصاف [2 /187]: (ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤها هذا المذهب - يعني مذهب الإمام أحمد - والمشهور عند الأصحاب). القول الثاني: لا تقضى السُنن إذا فات وقتها- وفوات وقتها بخروج وقت فريضتها- وهو مذهب الحنفية والمالكية، ولكن عند الحنفية والمشهور عن الامام مالك القول بقضاء راتبة الفجر- خاصة- بعد طلوع الشمس [المدونة 1 /220]. وعن الإمام أبي حنفية وأبي يوسف تُقضى السُنن تبعا للفرائض الفائتة ولا تقضى منفردة عنها. قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي - رحمه الله تعالى - في البناية شرح الهداية [2 /574]: (ولهما – الإمام وأبو يوسف - أن الأصل في السُنّة أن لا تُقضى لاختصاص القضاء بالواجب، والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض فبقي ما رواه على الأصل، وإنما تقضى تبعا له.... وأما سائر السنن سوى سنة الفجر، فلا تقضى بعد الوقت وحدها، أي إذا كانت بدون الفرضية). وقال القاضي عبدالوهاب البغدادي المالكي – رحمه الله تعالى - في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" [1 /287]: (السُنن من الصلاة لا تقضى بعد انقضاء أوقاتها خلافًا لأحد قولي الشافعي لأنها صلاة نفل، فوجب أن تسقط بفوات وقتها كالكسوف؛ ولأنها سنة كالأضحى إذا انقضت أيام النحر، وكالتسمية إذا فرغ من الذبح). والراجح: هو ما ذهب اليه اصحاب القول الاول من أنه يُشرع قضاء النوافل والسنن الراتبة الفائتة بعذر، كالنوم أو النسيان أو الانشغال عنها فلم تُصلَّ في أوقاتها، فتُقضى ولو في أوقات النهي على الراجح من كلام أهل العلم -جزاهم الله خيرًا. ولكن ينبغي على المسلم الحرص قدر الإمكان على أداء صلاة النوافل والسنن الرواتب في أوقاتها المحدودة بالسُنّة الشريفة، لأن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المواظبة عليها في أوقاتها. والله تعالى أعلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |