الكشري والتين (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن لقاح السعال الديكي للأطفال والبالغين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          لمرضى السكري: 9 فواكه ذات مؤشر جلايسيمي منخفض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-06-2021, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي الكشري والتين (قصة قصيرة)

الكشري والتين (قصة قصيرة)
د. مصطفى عطية جمعة





افترشَت الساحةَ الخالية أمام مسجد الروبي، تلطم، وتنثر التراب على رأسها، مرددة اسم وحيدها "عبد.. يا عبد.."، إنها "سنيّة" بائعة الكشري. تركت عربة الكشري، واقتعدت الأرض جانبًا، ولمّت الناس حولها، تندب وتبكي ابنها الوحيد:
أبوه الله يسامحه، ضربه في الصباح، وسبّه...، الولد كان يساعدني في تجهيز حِلل الكشري، ووضعها في العربة.

واصلت باكية:
أبوه بـ " قرينة "، ربنا يلطف لما يتقلّب مزاجه، كأنه ثور هائج.

سألوها عن سبب ثوران قرينة زوجها، فقالت:
الله يسامحه، اتهم عبد النبي بأنه باع الكشري بثمن رخيص للناس، وبسرعة لطمه، وسبّه، والولد بكى، وخرج من البيت، وقال: حرام عليك يا أبي، ربنا يوزّع الرزق بالعدل، وأنت تبيع أغلى من السوق، والناس غلابة، وهم أهل الحي وأحبابنا. وأبوه يسبّه ويقول له: تبيع لأصحابك " تبقشش " عليهم من خيري!

واصلت " سنية " والنساء يتعجبن: الولد خرج وقال لن أرجع البيت مرة ثانية، لن أعيش معكم، أنا كبرت وصرت رجلاً، وسأعتمد على نفسي.

طمأنوها بأنه سيرجع، فكل الآباء يفعلون هذا مع عيالهم، ثم تصفو النفوس بعدها، والظُّفر لا يخرج من اللحم. ولولت وقالت: الولد أخذ صرّة فيها جلابياته، وهرب، جريت وراءه، اتجه نحو موقف عربات " إطسا "، "ابحثوا عنه يا أولادي..، ربنا يستركم، الولد سيضيع مني ".

كنت وأنا أخي من الواقفين، ومعه صاحبه " حمدي "، جرى الأولاد وهم يقولون: والله سنحضره، اليوم يكون عندك يا أم عبد.

تحمّس أخي وأنا معه أن نذهب مع الأولاد، فركضنا خلفهم، اضطر حمدي الذي يكبرني بثلاث سنوات أن يرضخ لرغبتنا. سرنا حثيثا نحو موقف إطسا، حيث العربات التي ستغوص بنا بين الغيطان، سررتُ بالمغامرة المتوقعة، وازددت شجاعة، في معيّة أخي وصاحبه اللذين يكبراني.

وصلنا الموقف، سيارات نقل الركاب تملأه، الفلاحون بقففهم، ووجوههم الناضحة بالطيبة، المفعمة بالبساطة. انحشرنا بأجسامنا الصغيرة في سيارة أجرة، همست لأخي: ليس معنا مال. ضحك أخي وقال: أنا ركبت معهم من قبل، لا يأخذون الأجرة على الصغار.. معي قرش واحد. نظرت لصديقه حمدي الذي ابتسم دون كلام. تحرّكت بنا السيارة، وأسرع " الصبي التبّاع " بالتعلق في مؤخرة السيارة، تطلعتُ إلى الخضرة المترامية ، والأشجار المتسارعة في عيني. انتبهت على صوت التبّاع:
الأجرة يا زبائن، الأجرة يا جماعة.

لم أهتم، حتى وجدت " التبّاع " يشير إلينا أن نعطيه الأجرة. قال أخي:
نحن صغار..

ارتفع صوت الصبي، وضرب جانب السيارة، صارخاً:
معنا عيال مفلسون، قف، قف.

هدأت السرعة، وتوقفت السيارة، وسرعان ما وجدت يد السائق في صدري، تدفعني أرضاً، وأخي وصاحبه بجانبي..

بدت الخضرة كابية ونحن على الإسفلت الملتهب، وقد خلا الطريق من المارة في ظهيرة تمتص شمسها الماء من الشفاه. ارتكنّا جانبا تحت شجرة، ثمت سيارات تمرق في الطريق، لا يلتفت سائقوها للأطفال الثلاثة اللائذين بظل متقطع تحت الأغصان.

قال أخي حزيناً:
ماذا سنفعل الآن؟ كيف سنعود؟

قلت والدمع يتقرقرق مني:
لقد تهنا.. ضعنا.. كيف سنرجع لبيتنا؟ لن يسامحنا أبي.

هتف حمدي:
أنا أعرف الطريق، نحن في طريق إطسا، ويمكن أن نمشي.
تساءلت:
في هذا الحر النار؟

ربت أخي عليّ:
يمكن أن نسير جانب الطريق، تحت الأشجار.

مشينا وحمدي يحكي:
كنت في المدرسة الابتدائية في أول هذا الطريق من عند البلد، أدخلني أبي فيها لأني سني وقتها كان صغيراً، ولم تقبلني أية مدرسة قريبة من حيّنا.

عادت الغيطان ضاحكة في عينيّ، وماء الترع متلالئاً، وظلال الأشجار تتلقفنا من شجرة لأخرى، قلت لـ " حمدي ":
وأنت صغير، كيف كنت تذهب وتعود للمدرسة وحدك؟

ابتسم حمدي:
كنت أذهب وأعود مع أبي الذي كان موظفاً في مصلحة البلدية القريبة من المدرسة.. لذا، أدخلني فيها.

واصل وقد شعرت أن حدة الشمس خفّت ونحن نصعد للإسفلت مضطرين بعدما قطع مصرف ماء طريقنا الشجريّ. حكى حمدي:
ظللت في هذه المدرسة ثلاث سنين، وانتقل ابن عمي " ناصر " إليها، وكان مشاغباً، جنَّن مدرسي المدرسة...

نطوي الطريق سريعاً، وحمدي يحكي عن " ناصر " وكيف كان يتلذذ بتكسير زجاج المدرسة كلما تعرّض لضرب قدميه على يد الناظر أو الوكيل، فيصمم أن يقفز من فوق السور، ويشاهده وهو يقذف زجاج الشبابيك بالطوب، ثم يعود لمكانه في الفصل متظاهرا بالبراءة، مدعيا أنه كان في دورة المياه. ضحكنا كثيرا، عندما أمسك عمّال مصنع الغزل بناصر، يعدما رأوه يقفز داخل المصنع من السور، ويهز شجرة التين الرمادي، ويسقط ثمارها، ثم يكوّمها في حقيبته القماشية، وكان قد أفرغ كتبه من قبل في الفصل. ضربه العمال فغرق في البكاء والصراخ، فعطفوا عليه، وتركوه يذهب بعدما أقنعهم أنه محتاج، يساعد أمه الفقيرة وأخته القعيدة، بل زادوه كيسا من التين الناضج، ليبيعه في السوق.

من بعيد، بدت بيوت البلد متلاصقة تصنع ظلالاً وبرودة في حواريها الضيقة، اقتربنا من موقف العربات، أشار حمدي يسارا، هذه مدرسته الابتدائية وهذا فصل ناصر، تعجبت من كم النوافذ محطمة الزجاج، ألا تزال تحمل ذكرى ناصر؟ وهذا مصنع الغزل، وقد أطلّت شجرة التين الوارفة، وإن غابت ثمارها.
♦♦♦


عقب أسبوعين، كان عبد النبي جانب أمه على عربة الكشري، وقد لفّ رأسه بلاسة قطنية، همست لأخي:
كيف عاد؟

ضحك أخي بغيظ:
عرفت أنه لم يذهب لإطسا، وإنما اشتغل نجار مسلح عند مقاول.

ولماذا رجع؟
أمه عرفت مكانه وأعادته واحتفظ بمبلغ طيب من عمله، ولن يقترب أبوه منه، كما وعدته أمه.
♦♦♦


تقلبت السنون بنا..
هاهو عبد النبي يجلس على طاولة خشبية أمام محل الكشري الذي افتتحه في ميدان الروبي، على رأسه لاسة بيضاء، وقد تدلّت لحيته وإن تهذبت أطرافها، وتغير جسده وإن راقت ملامحه. وأعلى المحل كتب "كشري الأرزاق.. لصاحبه الحاج عبد رب النبي..".

مع الأذان، يغدو للمسجد، صافحني في الصلاة وقال وقد قرأ تساؤلي:
كما أن رزقنا على الرب، فأنا عبد الرب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.35 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]