عوامل شخصية المعلم المؤثرة في أركان العملية التعليمية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5033 - عددالزوار : 2183252 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4614 - عددالزوار : 1463983 )           »          شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 599 - عددالزوار : 70650 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 16877 )           »          بين الوحي والعلم التجريبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          غزة في ذاكرة التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 9155 )           »          حين تتحول الحماسة إلى عبء بين الجاهل والعالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          نعمة الأمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 32396 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 2934 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-06-2021, 02:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,183
الدولة : Egypt
افتراضي عوامل شخصية المعلم المؤثرة في أركان العملية التعليمية

عوامل شخصية المعلم المؤثرة في أركان العملية التعليمية
يوسف عبدالكريم سعيد




المقدمة

مهنة التعليم لا تُساويها مهنة في الفضل والرِّفعة، ووظيفة المعلِّم من أشرف الوظائف وأعلاها، وكلما كانت المادة العلميَّة أشرف وأنفع، ارتَفع صاحبُها شرفًا ورِفعةً، وأشرف العلوم على الإطلاق العلوم الشرعية، ثم العلوم الأخرى كلٌّ بحسبه، والمعلم إذا أخلَص عمله لله، وعُنِي بتعليمه، نفَع الناس، ووعلَّمهم الخير؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الصحيح: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات)).


ولعل حديث أبي أُمامة - رضي الله عنه - يُبيِّن لنا فضْلَ تعليم الخير؛ يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جُحرها، وحتى الحوت في البحر، ليُصلون على معلِّم الناس الخير))[1].


ومهمَّة المعلِّم لا تَقتصر على طَرْح المادة العلميَّة على طُلابه فقط، بل هي مهمَّة عسيرة وشاقَّة - وهي يسيرة على مَن يسَّرها الله عليه - فهي تتطلَّب من المعلم صبرًا، وأمانة، ونُصحًا، ورعاية لِمَن تحته، ولو عدَدنا ما الذي ينبغي توفُّره في المعلِّم، لطال بنا المقام[2].


وقبل أن ندخل في فصول هذا الكتاب، أحبُّ أن أُنوِّه بمسألة توضِّح مقصود هذا الكتاب، وهي أنني جعَلت من أفعال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأقواله، مستندًا لي في استنباط صفات المعلم، وطرق التدريس المختلفة؛ وذلك لأن لنا في رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُسوة حسنة؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].


ولأنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - المعلم الأوَّل الذي علَّم وربَّى صحابته، فكانوا خيرَ طلابٍ لخير معلِّم؛﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].


دور المعلم الفعَّال في العملية التعليمية:
دور المعلم كبير وحيوي في العمليَّة التربويَّة والتعليميَّة، ويجب أن يبتعدَ عن الدور التقليدي الإلقائي، وألاَّ يكون وعاءً للمعلومات، بل إنَّ دورَه هو توجيه الطلاب عند الحاجة دون التدخُّل الكبير، وعليه فإن دوره الأساسي يَكمُن في التخطيط لتوجيه الطلاب، ومساعدتهم على إعادة اكتشاف الحقائق العلميَّة المتعلِّقة بالموضوع، ومن العوائد التربويَّة من هذا كلِّه نجد ما يلي:
1- تدرُّب الطلاب على الأسلوب العلمي في التفكير.
2- تدرُّب الطلاب على أسلوب الحوار والمناقشة المُنظَّمة.
3- اكتساب الطلاب للمهارات العمليَّة المتعلِّقة بالتجربة.
4- تعلُّم الطلاب أسلوب كتابة التقارير العلمية.
5- تكوُّن مهارة الاتِّصال؛ وشَرْح الفكرة العلميَّة للآخرين بطريقة مُقنعة.

المعلم أو المدرس المؤثر:
إن شخصيَّة المدرِّس هي المقياس الذي بواسطته يُمكن الحُكم [عليه] وتقويم مدى أو مقدار التدريس المؤثر، إن التدريس المؤثِّر هو الذي يستطيع أن يجدَ طرائق مختلفة؛ لجعلِ الطلاب - وبصورة مناسبة - مُنشغلين بالدرس لأطول مُدة مُمكنة من الدرس، وبدون اللجوء إلى الإجبار وعقوبة الطالب، وإن التأثير ليس في الطريقة المُستعملة نفسها دائمًا بالدرجة التي فيها تتبع هذه الطريقة أو الطرائق، أو على نسبة من الوقت المُخصَّص للتعلُّم، واستعمال طرائق متعدِّدة من أجْل التفاعلات والعلاقات، وأنَّ النموذج الذي يكون أكثر ألفةً والمرتبط مع الدروس، والذي فيه نسبة عالية من وقت التعليم - يُمكن وصفه تحت عنوان: "التدريس المباشر".

صفات المعلِّم أو المدرس المؤثِّر:
1- توبيخه للطلاب قليل.
2- كثير المدح والثناء، وقليل الانتقاد "التحفيز الإيجابي".
3- قليل السلوك الفوضوي.
4- لديه إلْمَامٌ بالأمور القيادية.
5- إعطاء الإرشادات بصورة مناسبة.
6- إشغال الطلَبة بنسبة أكثر من الوقت في الفعاليات.
7- يعمل مع مجموع الصف.
8- مُراعاة الفروق الفردية.

من الصفات الشخصيَّة التي يجب أن يتحلَّى بها المعلم:
1- إخلاص العلم لله:
أمرٌ عظيم غفَل عنه كثيرٌ منَ المعلِّمين والمربِّين، ألا وهو تأسيس وغَرْس مبدأ إخلاص العلم والعمل لله، وهو أمر لم يفطن له الكثير؛ لبُعد فِئام من الناس عن المنهج الربَّاني، ولعَمْر الله، كم مِن علوم مفيدة وأعمال جليلة للأُمة، لَم يَستفد أصحابها منها شيئًا، وذهبَت أدْرَاج الرياح، وكانت هباءً منثورًا؛ وذلك لأنَّ أصحابها لَم يُخلصوا في علومهم وأعمالهم، ولَم يجعلوها في سبيل الله، ولَم يكن هَمُّهم نفعَ إخوانهم المسلمين بهذه العلوم والمعارف والأعمال، إنما كانت أغراضهم نَيْلَ منصبٍ أو جاه، ونحو ذلك؛ ولذلك استحقَّت أن تكون هباءً منثورًا.


إي نعم، قد ينتفع أولئك بعلومهم ومعارفهم في الدنيا من مدح وثناء، ونحو ذلك، ولكن ذلك عاقِبته إلى زوال، ولعلَّ الحديث الذي رواه أبو هريرة يُجسِّد ذلك المعنى؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ورجل تعلَّم العلم، وقرأ القرآن، فأُتي به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، فقال: ما عَمِلت فيها، قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرَأت فيك القرآن، قال: كذَبت، ولكنَّك تعلَّمت العلم؛ ليقال: عالِم، وقرَأت القرآن؛ ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فسُحِب على وجهه؛ حتى أُلقي في النار))؛ الحديث.


ولذا كان حَرِيًّا بالمربِّين والمعلِّمين أن يَغرسوا في نفوس ناشئتهم إخلاصَ العلم والعمل لله، وابتغاء الأجر والثواب من الله، ثم حصل بعد ذلك مدْحٌ وثناء من الناس، فذلك فضْلٌ من الله ونعمة والحمد لله.


قال ابن رجب: فأمَّا إذا عَمِل العمل لله خالصًا، ثم ألْقَى الله له الثناء الحسَن في قلوب المؤمنين بذلك، ففَرِح بفَضْل الله ورحمته، واستبشَر بذلك، لَم يضرَّه ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذرٍّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه سُئِل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يَحمده الناس عليه، فقال: ((تلك عاجل بُشرى المؤمن))؛ أخرجه مسلم[3].


ومدار ذلك كله على النيَّة، والنيَّة محلُّها الصدور، والله - سبحانه وتعالى - لا تَخفى عليه خافية؛ ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 29].


فمَن كانت نيَّته لله خالصة فليُبشر بقَبول عمله، وأجْرٍ من الله ومثوبة؛ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوَى، فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهِجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأة يَنكحها، فهجرته إلى ما هاجَر إليه))[4].


الخلاصة:
1- على المعلم أن يَغرس في نفوس طلابه حقيقة الإخلاص.
2- وعلى المعلم استصحاب تلك الحقيقة في بدايات الأعمال، والتذكير بها دائمًا.


2- صِدق المعلم:
إنَّ الصدق تاجٌ على رأس المعلم، إذا فقَده فقَد ثقة الناس بعِلمه، وبما يُمليه عليهم من معلومات؛ لأن الطالب في الغالب يتقبَّل من مُعلمه كلَّ ما يقوله، فإذا بانَ للطلاب كذبُ معلِّمهم في بعض الأمور، فإن ذلك ينعكس عليه مباشرة، ويؤدي إلى سقوطه من أعين طلابه.


والصدق مَنجاة للعبد في الدنيا والآخرة، وقد أثنَى الله على الصادقين، ورغَّب المؤمنين أن يكونوا من أهله بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].


وأرشَد المعلم الأوَّل إلى أنَّ الصِّدق يهدي إلى الجنة بقوله: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليَصدق ويتحرَّى الصدق؛ حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليَكذب ويتحرَّى الكذب؛ حتى يُكتب عند الله كذَّابًا))[5].


وعند تأمُّل السيرة النبويَّة، نجد أن نبيَّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُسمَّى بالصادق الأمين، ولَم يَعهد منه كفار مكة كذبة واحدة، ولَمَّا بُعِث وظهَر أمرُه، عاداه سادات قريش وأعيانُهم، لا لكذبه عليهم، ولكن استكبارًا وتجبُّرًا، وخوفًا من سقوط هيبتهم وجاههم ومقامهم بين القبائل، وقد صرَّح بحقيقة ذلك بعض أعيانهم، ولقد كان لاتِّصافه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالصدق أثرٌ كبير في دخول كثيرٍ من الناس في دين الله، ورَحِم الله ذلك الصحابي الذي عندما رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأول وهلة، قال: "لَمَّا رأيتُ وجهه، عرَفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب"[6].


صِدْق المعلم يدعو المتعلِّم إلى الثقة به وبما يقول، ويُكسبه احترام المعلمين، ويرفع من شأنه في عمله، ويتمثَّل صِدق المعلم في مستلزمات المسؤوليَّة المُلقاة على عاتقه، والتي منها نقل المعرفة بما فيها من حقائق ومعلومات للأجيال، فإن لَم يكن المعلِّم متحليًا بالصدق، فإنه سينقل لهم عِلمًا ناقصًا ومَبتورًا، وحقائق ومعلومات مغايرة للصورة التي يجب أن ينقلَها، وإذا تعوَّد التلميذ على قَبول هذا السلوك السيِّئ من المعلم، فإنه رُبَّما يَستحسن هذا العمل؛ حتى يُصبح ملازمًا له، وهو أمرٌ خطير على المجتمع.


وإليك أيها المعلم مثالاً يُبَيِّن أثَرَ الكذب على الطلاب؛ يقول الشيخ محمد جميل زينو: "حدَث أن سأل أحد الطلاب معلِّمَه مُستنكرًا تدخين أحد المعلمين، فأجاب المعلم مدافعًا عن زميله، بأنَّ سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له، وحين خرَج التلميذ من الصف، قال: إنَّ المعلم يكذب علينا".


قال محمد جميل: "وحبَّذا لو صَدق المعلم في إجابته، وبيَّن خطأ زميله بأنَّ التدخين حرام؛ لأنه مُضِرٌّ بالجسم، مؤذٍ للجار، مُتلف للمال، فلو فعَل ذلك لكَسَب ثقة الطلاب وحبَّهم، ويستطيع أن يقول هذا المعلم إلى طلابه: إنَّ هذا المعلم فردٌ من الناس، تجري عليه الأعراض البشريَّة، فهو يُصيب ويُخطئ".


الخلاصة:
1- الصدق نجاة للمعلم في الدنيا والآخرة.
2- الكذب على الطلاب عائق عن التلقي وفاقد للثقة.
3- الكذب أثره يتعدَّى إلى المجتمع، ولا يَقتصر على مُنتحله.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2 - 3]؛ أي: لِمَ تقولون الخير، وتَحثون عليه، ورُبَّما تمدَّحْتُم به، وأنتم لا تفعلونه، وتَنهون عن الشر، ورُبَّما نَزَّهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوِّثون متَّصفون به، فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المَقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟


ولهذا ينبغي للآمِر بالخير أن يكون أوَّل الناس مُبادرةً إليه، والناهي عن الشر أن يكون أبعدَ الناس عنه؛ قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وقال شُعيب - عليه السلام -: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هود: 88][7].


ورسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأمر الناس بالخير، وهو أوَّل مَن يأتيه، وكان يَنهاهم عن الشر، وهو أوَّل مَن يَجتنبه ويَبتعد عنه، وهذا من كمال خُلُقه - عليه الصلاة والسلام - ولا عجَبَ، فقد كان خُلقه القرآن، ومطابقة القولِ العملَ أسرعُ في الاستجابة من مجرَّد القول بمفرده، يتبيَّن لنا ذلك من خلال عرْض هذا الحدث الذي وقَع للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين معه في قصة الحُديبية، فعندما صالَح المشركون المسلمين على شروط معيَّنة، ومنها: أن يرجِعَ المسلمون من عامهم هذا عن مكة، ويَحجوا في عامهم المُقبل؛ قال ابن القَيِّم:
"فلمَّا فرَغ من قضيَّة الكتاب، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قوموا فانْحَروا، ثم احْلِقوا))، فوالله ما قام منهم رجل واحدٌ، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلمَّا لَم يَقُم منهم أحد، دخَل على أُمِّ سَلَمة، فذكَر لها ما لَقِي منه الناس، فقالت أُمُّ سَلَمة: يا رسول الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرُج، ثم لا تُكَلِّم أحدًا منهم كلمة؛ حتى تَنحر بدنك، وتدعو حالِقك، فيَحلقك، فقام، فخرَج، فلم يُكَلِّم أحدًا منهم، حتى فعَل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالِقه فحلَقه، فلمَّا رأى الناس ذلك، قاموا فنَحروا، وجَعَل بعضهم يحلق بعضًا".


لا ينبغي لأحدٍ أن يتأخَّر عن امتثال أمر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - البتَّةَ، وقد تكلَّم ابن القيِّم في "زاد المعاد" على سبب تأخُّر الصحابة - رضوان الله عليهم - عن امتثال أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حادثة الحُديبية، فراجِعه إن شِئْتَ؛ ففيه فوائدُ.


وهنا يتَّضح لنا جليًّا كيف أنَّ الصحابة تأخَّروا عن تنفيذ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكن لَمَّا رأوا أنه بادَر إلى ذلك قبْلهم، تَبِعوه، ولَم يتخلَّف منهم أحدٌ.


والمعلم هو أحوج الناس إلى التزام ذلك المنهج في واقع حياته؛ لأنه قدوة يُحتذى، وطلابه يأخذون عنه الأخلاق والأدب والعلم، ولعَمْر الله، أيُّ فائدة ترجى من معلم يَنقض قولَه عملُه؟!


ثم إنَّ التناقض الذي يشاهده الطالب من قِبَل معلِّمه يوقِعه في حَيْرة عظيمة، وكأني بذلك الطالب المحتار وهو يسأل نفسه: لقد احتَرت في أمري، ماذا أفعَل؟ هل أُصدِّق قوله، أم فِعْله الذي يناقض قوله؟ فهو يقول لنا: الكذب عادة سيِّئة مذمومة، وعاقِبتها إلى الخسران، ثم نَسمعه بعد ذلك مرارًا يكذب علينا! من أجْل ذلك كان النهي الشديد في قوله تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3].


فالواجب على المربِّين والمعلِّمين أن يتَّقوا الله في فَلذات الأكباد، فهم أمانة في أعناقهم، فليَحرصوا على تعليمهم ما ينفعهم، ومطابقة أقوالهم لأعمالهم؛ لأنَّ في ذلك ترسيخًا للعلم الذي تعلَّموه من معلِّميهم ومربِّيهم.


يُخبرني طالب في إحدى المدارس المتوسطة أنَّ لديهم مدرسًا لمادة الدين، وهو يتَّصف بثلاث خصال مذمومة:
الأولى: حليق، والثانية: مُسبل، والثالثة: يتعاطى الدُّخَان، قلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، أيُّ علمٍ يؤخَذ عن هذا؟!


قال الغزالي: "أن يكونَ المعلم عاملاً بعِلمه، فلا يُكذِّب قوله فعله؛ لأن العلم يُدرك بالبصائر، والعمل يُدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر، فإذا خالَف العمل العلمَ، منَع الرشدَ، وكلُّ مَن تناوَل شيئًا وقال للناس: لا تتناوَلوه، فإنه سُمٌّ مُهلك، سَخِر الناس به، واتَّهموه، وزادَ حرصُهم على ما نُهوا عنه، فيقولون: لولا أنه أطيبُ الأشياء وألذُّها، لَما كان يستأثر به.


ومثَلُ المعلِّم المُرشد من المسترشدين، مَثَلُ النقش من الطين، والظل من العود، فكيف ينتقش الطين بما لا نقشَ فيه، ومتى استوى الظلُّ والعود أعوج[8].


قال أبو الأسود الدؤلي[9]:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

وَنَرَاكَ تُلْقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا
صِفَةً وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ

لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السَّقَامِ وَذِي الضَّنَا
كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ

وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ تُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى
بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ



فالحالة الذميمة التي يتحلَّى بها مَن خالَف قوله عمله، وكفى بقوله تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3]، فإنه فيه عِظة وعِبرة لِمَن عقَل.


الخلاصة:
إنَّ مخالفة القول للعمل تُوقِع الطالب في حَيْرة، وتَجعله لا يستقرُّ على حال.
عِظَم المهمَّة المُلقاة على المعلِّمين والمربِّين.


3- العدل والمساواة:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15]،


وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152].


ففي الآية الأولى يأمر الله بالعدل ويوجِبه على العباد، فالعدلُ الذي أمَر الله به يشمل العدل في حقِّه، وفي حقِّ عبادة، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كلُّ والٍ ما عليه تحت ولايته؛ سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، أو ولاية القضاء، أو نوَّاب الخليفة، أو نوَّاب القاضي[10].


وقِس على ذلك الولاية التي تكون للمعلم على تلميذه، فإن له ولاية على طلابه بحسبها، وفي الآية الثانية أمَر الله رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأن يَعدل بين أهل الكتاب، وألاَّ تكون هذه العداوة مانعة من العدل في الأحكام، وكذلك الآية الثالثة تحثُّ على إقامة العدل مع الأعداء، ألا ترى إلى قوله: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾ [المائدة: 8]؛ أي: لا يَحملنَّكم بُغضكم لهم على ألاَّ تعدلوا، ثم أخبَر تعالى في ختام الآية أن تَحقيق العدل وإقامة القِسط - ولو كان مع العدو - فإنه سببٌ في كمال التقوى، وفي قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]؛ أي: كلما حرَصتم على العدل واجْتَهَدتم في العمل به، كان ذلك أقربَ لتقوى قلوبكم، فإن تَمَّ العدل، كَمُلت التقوى، وفي الآية الرابعة أمَر الله - سبحانه - بالعدل مع القريب والبعيد؛ قال ابن كثير: "وقوله: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152]، كقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].


وكذا التي تُشبهها في سورة النساء، يأمر الله تعالى بالعدل في الفِعال والمَقال على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكلِّ أحد في كلِّ وقتٍ وفي كلِّ حال"[11].


فمما سبَق يَتبيَّن أنَّ القيام بالقسط والعدل بين الناس شأنُه عظيم؛ ولذلك جاءَت الآيات في بيان أمره والتعظيم من شأنه، ورسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَضرب أروعَ الأمثلة في تحقيقه للعدل بين أفراد أُمَّته؛ انظر الحديث الذي تَرويه أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إنَّ قريش أهمَّهم شأن المرأة المخزوميَّة التي سرَقت، فقالوا: ومَن يُكلِّم فيها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقالوا: ومَن يَجترئ عليه إلاَّ أسامة بن زيد حِبِّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكلَّمه أسامة، فقال: رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتشفَع في حدٍّ من حدود الله؟))، ثم قام فاختَطَب، ثم قال: ((إنَّما أهلَك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرَق فيهم الشريف ترَكوه، وإذا سرَق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايْمُ والله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرَقت، لقطَعت يدها))[12].

الله أكبر، انظر إلى من بلَغ الذِّروة في تحقيق العدالة: ((لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرَقت، لقطَعَت يدها))، وحاشاها أن تَفعلَ ذلك.


عن النعمان بن بشير قال: "تصدَّق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أُمي عَمرة بنت رَواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فانطلَق أبي إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليُشهده على صدَقتي، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفعَلت هذا بولدكَ كلِّهم؟))، قال: لا، قال: ((اتَّقوا الله واعْدِلوا في أولادكم))، فرجَع أبي، فردَّ تلك الصدقة"[13]، وجاء في رواية أخرى: ((فلا تُشهدني إذًا؛ فإني لا أَشهد على جَوْر))[14].


والمعلمون يتعرَّضون لمواقفَ كثيرة من قِبَل طلابهم؛ سواء في توزيع المهام والواجبات - إن كانت هناك أعمال تحتاج إلى مشاركات جماعيَّة - أو تفضيل بعضهم دون بعض ونحو ذلك، ويتأكَّد العدل عند وَضْع العلامات ورَصْد الدرجات، فلا مجال لمُحاباة أحد، أو تفضيل أحد على أحدٍ؛ سواء لقرابته أو معرفته، أو لأيِّ أمرٍ كان، فإن هذا من الظلم الذي لا يرضاه الله، وصاحبه مُتوعَّد بالعقوبة.


إن اختلال هذا الميزان عند المعلم - أي وجود التمييز بين الطلاب - كفيل بأن يَخلق التوتُّر وعدم الانسجام، والعداوة والبغضاء بين الطلاب، وكفيل بأن يجعلَ هناك هُوَّة واسعة بين المعلم وطلابه الآخرين - الذين بين طلابه - لكيلا يَشيع الإخاء والمحبَّة بينهم.


أيها المعلم، إن كانت لك علاقة قُربى أو صداقة مع أحد طلابك، فلتَكن بعيدة عن مسمع ومرأى الطلاب الآخرين.


رُوي عن مجاهد قال: "المعلم إذا لَم يَعدل، كُتِب من الظَّلَمَة".


ويُروى عن الحسن البصري قوله: "إذا قُوطِع المعلم على الأجر، فلم يَعدل بينهم - أي الطلاب - كُتِب من الظَّلَمَة".
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 205.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 203.44 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.84%)]