لا أعرف موهبتي

[ابوالوليد المسلم]

لا أعرف موهبتي


د. سليمان الحوسني


السؤال

♦ ملخص السؤال:
شاب في بداية العشرين يشكو من ضيق الحياة عليه بسبب قراراته الخاطئة في دراسته وحياته، والتي أدتْ إلى ضياع سنوات عمره هباءً، والآن لا يملك عملاً ولا موهبةً تجعله يستمرُّ في الحياة.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ في بداية العشرين من عمري، ضاع عمري هباءً، فقد دخلتُ الجامعة لكنني لم أكملْ فيها لأسباب كثيرة؛ منها: عدم توفر المال، وتدنِّي المُعَدَّل، مع أنني كنتُ أذاكر جيدًا وأهتم بدراستي، ولكن لا أعلم كيف أصبحت هكذا؟!


أشعر بأنني شخصٌ عديم الفائدة، وأنَّ حياتي بدون قيمة، ضاع عمري ولم أتعلَّم شيئًا، لا أعرف ما هي مواهبي؟ أو: ما العمل الذي أُحبُّه حتى أبدأ في ممارسته؟! بمعنى آخر: فأنا إنسانٌ ضائع، وأتَحَسَّر على السنوات الماضية.


يقولون: لكلِّ شخصٍ موهبة أو عملٌ يُحِبُّه، وإنْ مارَس العمل الذي يحبه فحتمًا سيُبْدِع فيه ويُتقنه أكثر مِن غيره! لكنني للأسف لَم أجدْ ذلك العمل أو الموهبة التي أملكها، حتى عندما كنتُ أريد أن أتعلَّم شيئًا وأحاول أن أُقنع نفسي بأنني أُحِبُّ هذا الشيء - أتوقَّف بعد مدة!


تَغَلْغَل الهَمُّ والحزنُ في قلبي، وأصبحتُ شخصًا حزينًا، عندما أضحك أضحك فقط مُجامَلة وليس مِن قلبي، أصبحتْ حياتي لا معنى لها، ولا أشعر بها، ولا أكون سعيدًا، فكيف أكونُ سعيدًا أو أضحك وأشعر أني مِن داخلي لا شيء؟!


أستيقظ في الصباح مُثْقَلاً بالهموم كطيرٍ لا جناح له، مكسور القلب، حتى أصبحتُ لا أُحِبُّ الحديث مع الناس والأهل!


كنتُ شخصًا مجتهدًا في المدرسة، وحصلتُ على معدلات مرتفعة، ولكن بسبب بعض قرارتي الخاطئة دمَّرْتُ نفسي، وأصبحتُ كالجماد أو كأني لست موجودًا في الحياة، ومن هذه القرارات: سوء اختيار التخصص الجامعي؛ لأنني لو كنتُ اخترتُ تخصصًا أُحبه ما كان حدث لي هذا! المشكلة أيضًا أنني لا أعرف ما هو التخصُّص الذي أحبه؟


وأشعر بتأنيب الضمير لأنني لم أستَطِعْ أن أُساعدَ أهلي في الحياة المادية، بالإضافة إلى خذلاني لهم.

هذه معاناتي، فأخبروني ماذا أفعل؟

الجواب

أخي العزيز، وابني الكريم، أشكرك على خطابك القيم، ورسالتك الجميلة، واستشارتك لنا في شبكة الألوكة، فأنت مُمَيَّزٌ في تعبيرك وكتابتك، وهذا يدلُّ على قدراتك وإمكانياتك ومواهبك، وأسأل الله لك كل توفيق وسداد.

أخي الحبيب، أنت في هذا العمر، وفي مرحلة الجامعة، وغير متزوج، فقد تتعرَّض لبعض الظروف كبقية الشباب، وهي مرحلة اختبارٍ وامتحان، ولكن تأكَّدْ مِن أنها لن تستمرَّ، وسوف تنتهي بإذن الله.

وتحتاج منك إلى بعض الأمور والخطوات التي إنْ سَلَكْتَها وصبرتَ عليها فسوف تجد خيرًا بإذن الله، ومنها:
• تقوية الصلة بالله عز وجل، مِن خلال تقوية العقيدة، وصفاء التوحيد، والحرص على العبادة، وخاصة الصلاة، فالصلاة هي سبيل الراحة والأنس والسعادة، وكان يحرص عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقت الأزمات والمِحَن والشدائد، فتخيَّلْ قُرْبك من الله وأنت ساجدٌ، وأَطِل السجود، واطلُبْ من الله العليم القادر كل ما تريد مِن خَيْرَي الدنيا والآخرة.

• تقوية الثقة بالله، ثم بنفسك، واحرصْ على التفاؤل، وابتعدْ عن التشاؤم، وتذكَّرْ أن أمر المؤمن كله خير، سواء في السراء أو الضراء، والمؤمنُ يعيش بين الشكر والصبر، وتذكَّرْ أنَّ ما أصابك ربما يكون خيرًا لك، وابدأْ حياتك من جديدٍ، ولا تقلْ: فات الوقت، فأنت ما زلتَ شابًّا قادرًا لديك مواهب.

• انظرْ إلى الجوانب الإيجابية في حياتك والإمكانات المتاحة لديك، وتحرَّكْ مِن خلالها، وهي كثيرةٌ، فتِّشْ عنها وستجدها، فاللهُ أعطاك نِعَمًا متنوِّعةً، فاشكُرْه عليها، وأحْسِن استغلالها.

• قوِّ صلتك بالمسجد بيت الله، واحرصْ على صلاة الجماعة، وتلذَّذْ بالعبادة، وعلِّقْ قلبك بالمسجد لتنالَ ما بَشَّر به الرسولُ صلى الله عليه وسلم السبعة، ومنهم: رجلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد.

• صاحِبْ أهل العلم والفضل والصلاح، واستَشِرْهم فيما يطرَأ عليك لتجدَ النصائح الطيبة، والعبارات الجميلة، والمحبَّة الخالِصة.


• اشغَلْ وقتك بالنافع المفيد، ومنها القراءة، وأعظم كتابٍ هو القرآن الكريم، وأكْثِرْ مِن قراءته وحِفْظ ما تَيَسَّر منه، ثم عليك ببقية الكتب السهلة؛ مثل كتاب: "لا تحزن"؛ للشيخ عائض القرني.

أما بالنسبة للوظيفة فهي رزقٌ، وسوف يَصِلُك ما كَتَب الله لك، وعليك أن تسألَ الله الرزقَ الحلالَ، وتأخُذ بالأسباب في البحث عن وظيفة مناسبةٍ، ولا تيئسْ، ولعلك تستمر في الكتابة، وتُنَمِّي قدراتك، وتتواصل مع بعض المواقع والصحف والمنتديات.

لعل الله أن يكتبَ لك رزقًا من خلالها