|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نظرية قواعد "جويار" حول نبر الشعر ومناقشتها د. وليد مقبل الديب مدخل: لقد بدأَتْ دراسة ظاهرة النَّبْر في العصر الحديث على أيدي الْمستشرقين، ويبدو أنَّها بدأت من الشِّعر أو الأدب بصفة عامَّة؛ حيث إنَّ القواعد التي استنبطها المستشرقون للنَّبْر "يبدو أنَّها كانت مستوحاةً من استعمال الأدباء الْمِصريِّين، استَوْحاها المستشرقان: كيرستين KIRSTEN، وإربينوس ERPENIUS في بداية القرن السَّابع عشر"[1]. وهناك نظريَّة قد فرضَتْ نفسها على السَّاحة، وهي نظريَّة "جويار"؛ لِما رآه الدَّارسون العرب من توافُر الأسُس المنهجيَّة لِهذه النَّظرية، مِمَّا أهَّلَها لتكون ركنًا أساسيًّا في أيِّ دراسة تعالج النَّبْر الشعري، وسيناقِشُ البحثُ نظريَّة "جويار" من منطلَقٍ جديد، يتمثَّل في تحكيم مستويات اللُّغة والواقع الشِّعري في قبولِها أو رفضها، وبذلك يكون البحث قد أبرز دور كلٍّ من الصَّرف والنَّحْو في توجيه نظريات النَّبْر الشِّعري، واستند إلى أدلَّة واضحة جليَّة في مناقشاته. نظريَّة قواعد "جويار" حول نبْر الشِّعر ومناقشتها: إنَّ الْمرء ليَعْجب من ذيوع نظرية "جويار"، فقد لاقَتْ رواجًا كبيرًا بين المهْتمِّين بدراسة إيقاع الشِّعر العربي، ويزداد العجَبُ عندما نعلم أنَّ هذا الذُّيوع وذلك الرَّواج كان قبل نَشْر كتاب "جويار" بزمن، فقد ترجَمَه الأستاذ "منجي الكعبي" سنة 1966م، ولَم يُطبع إلا في عام 1996م، ومع ذلك فقد انتشرَتْ نظريَّتُه منذ عام 1968م على وجه التقريب، فقد علق الدكتور شكري عياد[2] على رؤية "جويار" في كتابه "موسيقا الشِّعر"، كما ناقشها الدكتور محمد عامر في رسالته للماجستير، وكذلك الدكتور كشك في رسالته للدكتوراه، وغيرهم من المهتمِّين بإيقاع الشعر. وليس معنى هذا أن الجميع قد تلقَّوْها بالقبول، فقد كانوا بين رافضٍ لَها[3]، ومُثْنٍ عليها[4]، ومعْجَب ببعض عناصرها ورافضٍ لبعضها الآخَر[5]. على أيَّة حال سيُناقِش البحثُ قواعدَ "جويار" حول نبْر الشِّعر من منطلَقٍ جديد، يعتمد على مستويات اللُّغة - في المقام الأول - في الْحُكم على صحَّة قواعده أو عدم صحَّتها، وتتمثَّل مناقشتِي لنظرية "جويار" في النِّقاط التالية: 1 - قواعد التقطيع عند "جويار" غيْر مكتملة: لقد ذكر "جويار" تحت عنوان "قواعد التقطيع": "أنَّ الضمائر المتصلة (كُمْ - تُم - هُم)، يجب أن تنطق كمُو، تُمو، هُمو"[6]، ومعلومٌ أنَّها لا تنطق كذلك إلاَّ إذا وقع بعدها ساكن[7]، أو كانت هناك ضرورة تتعلَّق بالوزن، ومن الأمثلة التي تصوِّر حالات ميم الجمع قولُ جرير: لَمَّا أَضَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ قَالَ لَهُمْ ![]() أَخْلَفْتُمُ عِنْدَ أَمْرِ اللهِ مِيعَادِي [8] ![]() هذا على الرَّغم من أن "جويار" قد ذكر كلَّ ما يتَّصِل بطريقة التقطيع، وهذا يدفع إلى القول بأنَّ هذا من قبيل السَّهو من "جويار" أو المترجم. 2- "جويار" يَمْنح كلَّ المقاطع الطويلة نبْرًا، إلاَّ المقاطع التي تُخالف قاعدته في تعاقب الأزمنة القويَّة والضعيفة: تقوم نظرية "جويار" المستمَدَّة من علم الموسيقا على التعاقب بين الأزمنة القويَّة والضعيفة، وقد دفعه هذا إلى منح جَميع المقاطع الطويلة نبْرًا باستثناء "مُسْ" من "مُسْتَفْعِلُنْ"، و "عِيـ" من "مفاعيلُن"، و "تُنْ" من "فاعِلاتُن"؛ لأنَّ نبْر هذه المقاطع سيَنْتج عنه توالي زمنَيْن قويَّيْن أو ثلاثة أزمنة قوية"[9]. وقد استدلَّ على ضعف "عيـ" من مفاعيلن بأنَّها قد تُعوّض في الوافر "مُفاعلَتُن"، فيقول: "والأزمنة الضعيفة يجب أن تتناوب، فالْمَقطع "عيـ" على الرَّغم من أنَّه مركَّبٌ ما كان يُمْكِنه أن يبقى قويًّا بين زمنين قوِيَّيْن، هذا المقطع لَم يكن له إلاَّ أن يكون ضعيفًا، وكِتابتي العروضية الأولى لِهذه التفعيلة كان يجب أن تكون "مَفاعيلن" وفي الحال قام دليلٌ على صحَّتِها: وهو أنَّ "مفاعيلن" تعوّض في بعض البحور "مفاعلَتُن"، فذلك - بدون شكٍّ - لأنَّ هاتين التفعيلتين متعادلتان، والحال أنَّه لو كان المقطع "عيـ" في "مفاعيلن" قويًّا فكيف كان يستطيع أن يعوض المقطعين الضعيفَيْن "عَلَـ" في "مُفاعلَتُـن؟"[10]. وكذلك استَدلَّ على ضعف "مُسْ" من "مستفعلن" بأنَّها قد تعوض في الكامل "مُتَفاعلن"، ولَم يُسْعِفْه زحافُ التفعيلات الأخرى لِتَبرير ضَعْف "تُنْ" من "فاعلاتن". يقول "جويار": "هذه النتيجة جرَتْ غيْرُها بالنسبة للتفعيلتَيْن: "مستفعلن" و"فاعلاتن"... لزم إذًا الاعتراف بأنَّ المقطع "مُسْ" في "مستفعلن" و"تُنْ" في "فاعلاتن" كانا ينتَمِيان إلى زمَنٍ ضعيف، عندئذٍ أصبحَتِ التفعيلتان صحيحتين؛ حيث إنَّ "مستفعلن" و"فاعلاتن" هكذا مكتوبتان عروضيًّا، يَحْتوي كلٌّ منهما على زمنَيْن قوِيَّيْن متناوِبَيْن مع زمنين ضعيفين، وأضيف دليلاً جديدًا بالنسبة لـ"مستفعلن"، وهو أنَّ هذه التفعيلة تعوض بكثرة "متفاعلن" في بحر الكامل، وبالتالي إذا كان المقطعان "مُتَـ" ضعيفَيْن فيلزم أن يكون المقطع "مُسْ" الذي يعوضهما ضعيفًا مثْلَهما"[11]. يُلاحَظ أنَّ "جويار" قد أتى بِمُقدِّمة رآها منطقيَّة، وهي ضَعْف المقطع القصير في نَحْو "مُتَـ" في الكامل و"عَلَـ" في الوافر، وبنَى عليها نتيجةً، وهي أن المقطع الطويل الذي قد يعوض المقطعَيْن الضعيفين ينبغي أن يكون ضعيفًا. أمَّا بالنِّسبة لِهذه المقدِّمة - وهي الْحُكم بضعف المقطع القصير - فهي فاسدة؛ فقد يصيب النَّبْر الحركة القصيرة، وليس شرطًا أن يؤدِّي إلى طولِها، فقد لا تتعدَّى سطوةُ النَّبْرِ كونَ الحركة أصبحت مكتملة، فالْمَقطع القصير قد "ينطق بقوَّة؛ لِسُقوط النَّبْر الارتكازيِّ عليه، لكنَّ هذه القوة لا تجعله يُساوي طول المقطع الطويل؛ وذلك راجِعٌ بالطَّبع لطبيعة هذه المقاطع الفيزيقيَّة الساقط عليها النَّبْر؛ إذْ هي مقاطع قصيرة"[12]. "فالطُّول لا يتبع النبر دائمًا"[13]، فهناك طولٌ صوتِيٌّ "للحركات" أصوات اللِّين "سواء كان هذا الطُّول قصيرًا أو طويلاً"[14] كما يقول "جويار" نفسه. ومع ذلك لو ذهبنا نبحث في أبياتِ بَحْر الكامل عن مواضِعَ للمقطعين "مُتَـ" وقعا فيه قوِيَّيْن فلن يُرْهقنا البحث على الإطلاق. فمِن ذلك قول أحْمد شوقي: سَتَرَى الدِّيَارَ مِنِ اخْتِلافِ أُمُورِهَا ![]() نَطَقَ الْبَعيرُ بِهَا وَعَيَّ الْحَادِي [15] ![]() فالْمَقطعان "سَتَـ" المقابلان لـ"مُتـَ" لا بدَّ أن يُنْبَرا نبْرًا يدلُّ على استقلال "السِّين" عن "ترى"؛ ليتَّضِح أدائِيًّا أن السِّين حرفٌ يَدْخل على الْمُضارع فيُخَلِّصه للاستقبال، ويقرِّب وقوعه[16]، وأنَّ "ترى" فعلٌ مضارع مستقلٌّ عن "السِّين"، وهذا التركيب "سترى" يعبَّر عنه من صيغ البحث "فٍعٍلِن". فإذا أخذَنْا برأي "جويار" بعدم نبْر "مُتَـ"، فإنَّ هذا سيؤدِّي إلى الْتباس "سترى" بـ"ستر" ومن هُنا سوف يؤدِّي إلى التباسِ: 1 - حرْفِ المعنى بِحَرف المَبْنَى. 2 - الفعلِ المعتلِّ الناقص بالصحيح السَّالِم. 3 - الفعل المضارعِ بالفعل الماضي. 4 - الفاعل المقدَّرِ الذي تقديره أنت بالفاعل المقدَّر الذي تقديره هو. 5 - الرؤية في "سترى" بالسَّتر في "سَتَر". 6 - معنَى البيت. ولنضرب مثالاً آخَر من الوافر على إمكانية نَبْر المقطعين "عَلـَ": يقول مهيار الديلمي: أَرَاقَ دَمِي الْحَرَامَ فُضُولُ عَيْنِي ![]() فَثَأْرِي بَيْنَ أَجْفَانِي وَمَاقِي [17] ![]() فـ"قَ دَ" تقابل "عَلَـ" ولا بدَّ من نبْر المقطعين؛ ليتَّضِح استقلال القاف عن "دمي" وانتماءُ هذا الحرف لِمَا قبله، فتنطق "قَ دَمي" كصيغة "فٍعٍلِن"، أما عدم نَبْر الْمَقطعين - كما يرى "جويار" - فإنه سيؤدِّي إلى: التباس "أراقَ دمي" بـ"أرى قدَمي"، وهذا سيستتبعه الْتَباسُ: 1 - الفعلِ المعتلِّ الناقص بالمعتلِّ الأجوف. 2 - الفعل الْمَاضي بالفعل المضارع. 3 - الفاعل الظَّاهر "فُضول" بالفاعل الْمُضمر الذي تقديره "أنا". 4 - الرُّؤية بالإراقة. 5 - الدَّم بالقَدَم. 6 - المعنى. إذًا فمقدِّمة "جويار" بِضَعف "مُتَـ" من "مُتَفاعلن" و"عَلَـ" من "مفاعلَتُن" لَم تكن صحيحةً، ومِن ثَمَّ فالنَّتائج التي ترتَّبَت عليها لَم تكن صحيحة. ولن يكتفِيَ البحث بِمُجرَّد القول بزيف هذه النتائج دون دَحْضٍ لَها هي الأخرى عن طريق بعض الشَّواهد التي تؤكِّد إمكانيَّة نبْر "مُسْ" من "مستفعلن"، سواء كانت "مستفعلن" أصليَّة في بُحورها، أو نائبةً عن "مُتَفاعلن" في الكامل. فمِن أمثلة وجوب نبْر "مستفعلن" قولُ عليِّ بن أبي طالب من مشطور الرَّجَز: دُبُّوا دَبِيبَ النَّمْلِ لاَ تَفُوتُوا حَتَّى تَنَالُوا الثَّأْرَ أَوْ تَمُوتُوا وَأَصْبِحُوا بِحَرْبِكُم وَبِيتُوا أَوْ لاَ فَإِنِّي طَالَمَا عُصِيتُ[18] الْحَرف "أو" في بداية البيت الرابع يُقابل "مسْ"، ولا بدَّ أن يُنْبَر هو والحرف "لا"؛ ليتَّضح انفصالُهما، واستقلالُ كلٍّ منهما عن الآخر، فتُنطق "أوْ لا" كصيغة "فٍعْلٍن"، فإذا لم ننبر "مس" - كما يرى "جويار" - فإنه سيؤدِّي إلى التباس "أَوْ لا" بـ"أَوْلَى"، ويستتبع هذا التباسُ: 1- كلمتَيْن بكلمة واحدة. 2- الحرفَيْن باسْم. 2- المبني بالمعرَب. 3- النَّفي بالإثبات. 4- المعنى. ومن أمثلة نبْر "مُسْ" التي تعوِّض "مُتَـ" في الكامل قولُ ابن المعتز: قَادَ النُّفُوسَ مَهَابَةً وَمَحَبَّةً ![]() بَدْرٌ بَدَا مُتَعَمِّمًا بِسَوَادِ ![]() مَا إِنْ أَرَى شَبَهًا لَهُ فِيمَا أَرَى ![]() أُمَّ الْكِرَامِ قَلِيلَةَ الأَولاَدِ [19] ![]() فالأداء المستقيم لـ "ما إن" "متْفا" أو "مستفـ" يكون بالضَّغط على حركة الْمِيم وحركة الْهَمزة كصيغة "فٍعْلٍن"؛ لِيَستقيم معنى البيت، فإنْ لَم يَحْدث ضغْطٌ فسيلتَبِس "ما إن" بـ"ماءٍ"، وهذا سيؤدِّي إلى التباس: 1- كلمتين بكلمة واحدة. 2- الحرفَيْن باسم. 3- المبنِيِّ بالمعرب. 4- عدم وجود تضمين بوجود تضمين؛ لأنَّ "ماء" ستُعرب مضافًا إليه لـ"سواد" في البيت الأوَّل. 5- المعنى. والأمر لا يختلف مع "عيـ"، سواءٌ كانت أصلية في بُحورها، أو نائبةً عن "مُفاعلَتُن" في الوافر. فمن أمثلة نَبْر "عيـ" من "مفاعيلن" قولُ ابن الرُّومي من الطَّويل: وَيَا حَالِفًا أَنْ مَا رَأَى مِثْلَ قَاسِمٍ ![]() عَلَى ظَهْرِيَ الْحِنْثُ الذِي أَنْتَ حَانِثُهُ [20] ![]() "أنْ ما" تقابل في الميزان "عيلُنْ"، ولا بدَّ من نبْر حركتَيِ السببَيْن كصيغة "فٍعْلٍن"؛ ليستقيم معنى البيت، فإنْ لَم يحدث ضغط التبس "أنْ ما" بـ"أنْمى"، ويستتبع ذلك التباسُ: 1- حرفَيْن بفِعْل. 2- ما لا يدخل في إطار الميزان الصَّرفي بِما يدخل فيه. 3- النَّفي بالإثبات. 4- المعنى. ومثال نبْر "عيـ" النائبة عن "عَلـَ" في الوافر قول المتوكِّل الليثي من الوافر: رِجَالاً أُعْطِيَتْ أَحَلَامَ عَادٍ ![]() إِذِ انْطَلَقُوا وَأَيْدِيهَا الطِّوَالاَ[21] ![]() فالتفعيلة الثانية في البيت "مفاعيْلن"، ويقابلها "طِيَتْ أَحْلاَ"، وينبغي الضَّغط على حركة الهمزة وحركة اللاَّم من "أحلام"، فتنطق "أحلا" كصيغة " فٍعْلٍن"، فإن لَم يُضغط على الحركتين فستلتبس "أحلامَ عادٍ" بـ"أحلى معادٍ"، ويستتبع ذلك التباس: 1- الجمع بالمفرد "أحلام" بـ"أحْلَى". 2- الأوزان "أفعال" بـ"أفعل". 3- الاسم الجامد بالمشتق "عادٍ" بـ"مَعاد". 4- المعنى. وأمَّا "فاعلاتن" التي حكم "جويار" على ضعف "تُنْ" منها، فإليك شاهِدًا يبيِّن أنَّ عدم نبْر "تُن" من "فاعلاتن" قد يؤدِّي إلى لبس. يقول عمر بن أبي ربيعة: ثُمَّ قَالَتْ لاَ تُعْلِمَنَّ بِسِرِّي ![]() يَا بْنَ عَمِّي أَقْسَمْتُ قُلْتُ أَجَلْ لاَ [22] ![]() فالتفعيلة الأخيرة في البيت "فَعِلاَتُنْ" يُقابلها "تُ أَجَلْ لاَ"، وينبغي الضَّغط على حركة الجيم وحركة اللام كصيغة "فٍعْلٍن"؛ ليتَّضِح انفصالُهما، أمَّا عدم الضغط فقد يؤدِّي إلى فسادٍ على جَميع المستويات، فيلتبس "أجَلْ لا" بـ"أجَلَّى"، ويترتَّب على ذلك التباس: 1- الكلمتين بكلمة واحدة. 2- حرفين بفعل. 3- ما لا يدخل في إطار الميزان الصَّرفي بِمَا يدخل فيه. 4- وجود إثباتٍ ونفْي بوجود استفهام. 5- المعنى. 3 - سكتات "جويار" مُصطنَعة، ولا أساس لَها من الصِّحة: لا يستطيع أحدٌ أن يُنْكِر إمكانيَّة وجود سكتات أثناء الإنشاد، ولكن أن تُحدَّد هذه السكتات في مواضع بعينها في بعض التفاعيل، فهذا ما يَرْفُضه البحث. إنَّ "جويار" ليَنْزعج انزعاجًا شديدًا عندما يتوالَى مقطعان طويلان أو أكثر، وقد رأَيْنا أنَّه كان يَخْرج من هذا المأزق بادِّعاء ضَعْف أحد المقاطع. وقد لَجأ أيضًا إلى السكتة؛ لإنقاذ الإيقاع من توالي مقطعين قوِيَّيْن، فادَّعى وجود سكتة بين "فاعلن" والتفعيلة التَّالية لَها في المتدارك والْمَديد، ووجود سكتة بينها وبين التفعيلة السابقة في البسيط، وكذلك الحال مع "فعولن"، فرأى أنَّ هناك سكتة بيْن "عو" و"لن"، وهذه السكتات لَم تُدوِّنْها الكتابة العَروضيَّة. يقول جويار: "هذه فاعلن لَم تأثم في حقِّ الإيقاع وهي منفردة؛ لأنَّ زمنَيْها القويين كانا منفصلين بزمن ضعيف، قد تسبَّبَت - حين اجتمعت مع نفسها - في إيجاد متواليات من زمنَيْن قويين، متوالياتٍ متعارِضَةً مع القانون الأساسيِّ للإيقاع، هل يجب أن نَسْتخلص من ذلك أنَّ فاعلن لا يُمكن لَها أن تَجْتمع مع نفسها، أو أنَّها إذا اجتمعَتْ فإنَّها تَفْقد أحد أزمِنَتها القويَّة؟ بمعنى أنَّها لا تعود هي نفسها؛ لأنَّ الذي يُميِّز الإيقاع إنَّما هو عدد أزمنته القويَّة ووضعيَّتها، بل يكفي لِحَلِّ هذه الصعوبة أن نفترض - وهذا ما هو حاصِلٌ فعلاً - أنَّ سكتة أيِّ وقفة زمنيَّة قصيرةٍ تتدخَّل بين كلِّ فاعلن لِتَلعب دوْرَ الزَّمن الضعيف بحيث تبقى فاعلن متماثِلَة مع نفسها، ويُمْكن ترديدُها ما شِئْنا من الْمرَّات، وحين نُمثِّل هذه السكتة بِخَط أفقي قصير "مطة" يكون عندنا: فاعلن - فاعلن - فاعلن - فاعلن - ... إلَخ. ويكون الأمر نفسه بالنِّسبة للمجموعات التي تدخل فيها فاعلن، فحين تتعاقب مستفعلن وفاعلن مثلاً كما هو هنا: مستفعِلُن - فاعلن مستفعلن - فاعلن يَجب أن تنشأ حتْمًا سكتةٌ قبل كلِّ فاعلن، سكتة تقابل المقطع الضعيف "مُسْـ" في مستفعلن، وفي المتوالية: فاعلاتن فاعلن - فاعلاتن فاعلن - إلخ تَجيء بعد كلِّ فاعلن سكتةٌ تُماثل المقطع "تن" في فاعلاتن، والحال أنَّ المتواليات المتكوِّنة من تَجمُّع فاعلن وفاعلاتن ومستفعلن توجد في الواقع في بحور الشعر العربي، غير أن السَّكتات الصوتية التي يتطلبها الإيقاع لَم تقع الإشارة إليها في العلامات العَروضيَّة "[23]. ويقول "جويار" عن فعولن: "ليس لي حاليًّا ما أشير إليه بالنسبة للتفعيلة "فَعُولن"سوى تغيُّرٍ واحد يتناول زمنًا ضعيفًا، وإليك ما يتمثَّل فيه هذا التغيُّر للحركة "و" في "فعولن" مدة طويلة مضاعفة، لكن لِنَفرض للحظةٍ أنَّها لا تدوم أكثر من طويلة ونِصْف، وبِما أنَّ المقطع "لُن" يشير للزَّمن دون القويِّ، ويجب أن يتَّخِذ مكانه في النِّصف الثاني من الوزن، فمن الواضح أنَّ سكتةً مساوية لقصيرةٍ تنشأ حينئذٍ وتتدخَّل بين "عو" و "لُن" "[24]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |