|
|||||||
| ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
وصايا لقمان: منارات الهدى ومصابيح الدجى عادل محمد إبراهيم أبو الهيثم شغَلَنا تحصيلُ الرزق وتوفيرُ المال للأبناء عن إسداءِ النصح لهم وإهداء النصيحة، ما عادتْ مجالسُ الآباء مع الأبناء تنتظم، لقد عادت عليها العوادي من وسائل التواصل التي قرَّبت البعيد وأبعدت القريب، اتسعت الهُوَّةُ وبعُدت المسافة بين الآباء والأبناء. لكن ما الحل الناجع؟ وكيف العودة؟ كيف يتحاورُ الآباءُ معَ أبنائِهم؟ ومتى ينقُلون إليهم خلاصةَ تجاربِهم؟ ومتى يُحيطونهم برعايتهم، ويُهذِّبون نفوسَهم، ويرتقون بفكرهم، ويسلكون في ذلك سبيل الحكمة والموعظة الحسنة؟ لقد ذكر لنا القرآن الكريم أجملَ المواعظِ، وقصَّ علينا أحسن القصص؛ لنستفيدَ من عِبرها، فالغرضُ من سياق القصة القرآنية عمومًا الوقوفُ على مواطن العبرة والعظة فيها؛ لتكون هداية للناس، ومنهاجًا يحذوه الآباء والمربُّون في تربية أبنائهم، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]. ومِن هذه المواعظ ما سطره القرآن الكريم في سورة لقمان من وصايا ومواعظَ جامعةٍ تفيض بالحكمة، تتعلَّق بالعقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق، نرى فيها لقمان الأب يقوم بواجب التربية نحو ابنه، ويضطلع بمسؤوليته نحوه شفقةً ورحمة به؛ لينشأ الولد على الخير والصلاح، ويضع لقمان أمام الآباء نموذجًا صالحًا لِما يجب أن تكونَ عليه عَلاقة الأب بابنه، وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثيرٌ من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم. يقول الحق سبحانه وتعالى مؤكدًا هذا الواجب: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، وكل الخير في قيام هذه الرابطة بين الآباء والأبناء، والتي لُحْمتها وسُداها حرصُ الآباء على رعاية أبنائهم وتوجيههم ونصحهم. التعريف بلقمان: اسمه ونسبه: لُقمان اسمٌ أعجمي لا عربي[1]، وقد اختُلف في نسبه: فقيل: لُقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح، وهُو آزر أبُو إبراهيم الخليل عليه السلام. وقيل: لُقمان بن عنقاء بن سرون، وكان نوبيًّا من أهل أيلة. وقيل: كان ابن أُخت أيوب عليه الصلاة والسلام، وقيل: ابن خالته[2]. صفاته: كان مِن أخير الناس، رقيق القلب، صادق الحديث، صاحب أمانة وعفَّة، وعقل وإصابة في القول، وكان رجلًا سِكِّيتًا، طويل التفكُّر، عميق النظر، لم ينَم نهارًا قط، ولم يرَه أحد يبزقُولا يتنحنح، ولا يبُول ولا يتغوَّط، ولا يغتسل، ولا يعبث ولا يضحك، وكان قد تزوج وولد له أولاد، فماتوا فلم يبكِ عليهم[3]. مهنته: كان لُقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا، فقال له سيِّده: اذبحْ لي شاة، وأتني بأطيبِ مضغتين فيها، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟! فسكَت، ثم أمره بذبح شاة أخرى، ثم قال له: ألق بأخبث مضغتين فيها، فألقى اللسان والقلب، فقال له: أمرتُك بأن تأتيَني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثَها فألقيت اللسان والقلب؟! فقال له: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبُثا[4]. هل كان لقمان نبيًّا أم حكيمًا؟ اختلف السلف في لقمان: هل كان نبيًّا، أو عبدًا صالحًا من غير نبوة؟ والصواب: أنه كان رجلًا حكيمًا، بحكمة الله تعالى، والحكمة هي الفهم والعلم، والقولُ السديد، والرأي الرشيد[5]، ولم يكن نبيًّا، وكان قاضيًا في بني إسرائيل، وذلك المشهور عن الجمهور[6]، قال البغوي رحمه الله تعالى: "اتفق العلماء على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا"[7]. وقفات مع الوصايا: 1- الحكمة منحةٌ ربانية وهبةٌ إلهيةٌ، يؤتيها الله جل وعلا مَن شاء من عباده: وأن نيلَها لا بد له من أسباب حتى ينالها العبد، وهذا مستفادٌ من قوله جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ [لقمان: 12]، فالحكمة منَّةُ الله جل وعلا يمنُّ بها على مَن شاء من عباده، ومَن يتأمل قصة لقمان الحكيم وأيضًا يتأمل حياته، يجد أنه عبدٌ صالحٌ عابدٌ لله جل وعلا، مقبلٌ على طاعة الله، أحسَنَ في صلته بربه؛ والله جل وعلا يقول: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]. 2- أهمية شكر نعم الله وعظيم أثره في ثبات النعمة ودوامها، وأن شكر النعمة يكون بالقلب واللسان والجوارح[8]: قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ [لقمان: 12]، فالنعمة إذا شُكرت قرَّت، وإذا كُفرت فرَّت؛ ولهذا يُسمِّي بعض العلماء الشكر: الحافظ والجالب؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعمَ المفقودة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقوله: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: 13]. وتأمل هذا في قولِ الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي - حديث أبي ذر في صحيح مسلم -: ((يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب رجلٍ واحدٍ، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا))[9]. 3- أهمية أسلوب الوعظ في التربية والتعليم: في قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ [لقمان: 13]، أسلوب الوعظ له أثرٌ بالغٌ في تربية الناس وتعليم النشء؛ والوعظ هو: (الزجر المقترن بالتخويف)، والتخويف والترهيب يعتبران من مقوِّمات التربية السليمة للأبناء؛ إذ التربيةُ تقوم على أصلين؛ هما: الترغيب، والترهيب، فتخويف الأبناء - وعظًا - من عواقب الأمور ونتائج الأعمال السيئة يعتبر تربية سليمة؛ فقد خوَّف الله عبادَه من عقابه وسوء أعمالهم؛ ليحملهم على الإيمان والعمل الصالح. وخوفُ الأبناءِ من العواقب والمصائر يعد ظاهرةً صحية ودلالة وعي عندهم تحفز دافعيَّتهم، والذي يجب أن يحذر منه إنما هو الخوف السلبي عند الأبناء؛ كخوفهم من ظلام الليل وبعض الهوام والأصوات ونحوها؛ لِمَا يتركه من أثر نفسي في الشخصية[10]. 4- أهمية حسن التودُّد وعظيم أثره على المتلقي والمتعلم: أنت عندما تريد أن تعِظَ إنسانًا وتنصحه ينبغي أن تتودد إليه، ما معنى: (تتودد إليه)؟ يعني أن تذكرَ من العبارات اللطيفة والكلام الحلو الذي يجعل كلامك يدخل قلبه، وأيضًا يجعل قلبه ينفتح لكلامك، ولاحِظْ لقمان وهو يعظُ ابنه جاء بكلام حلو، وأسلوبٍ مؤثرٍ، وكلمات تدخل إلى القلب، وانظر لطفه في حديثه مع ابنه في وعظه، تتكرر عبارة ﴿ يَابُنَيَّ ﴾ [لقمان: 16]، يستخدم الواعظ أسلوب التودد ﴿ يَابُنَيَّ ﴾ [لقمان: 16] تأتي لطيفةً بحنانٍ وأبوةٍ، وعطفٍ ورأفةٍ؛ فينفتح القلب. 5- الشرك أعظم الذنوب وأخطرها، وهو أعظم ما نهى الله تبارك وتعالى عنه: وهذا مستفادٌ من بَدْء لقمان الحكيم به، أول ما بدأ بالتحذير من أخطر الأمور، وهذا هو سبيل الناصحين. عندما يَنهى عن أمور خطيرةٍ، يبدأ بأخفها أو بأشدها خطرًا؟ بأشدها خطرًا؛ ولهذا أول ما بدأ لقمان الحكيم بنهي ابنه، نهاهُ عن الشرك، ونلاحظ في هذا السياق المبارك أنه نهاه عن الكبر، ونهاه عن الغرور، ونهاه عن الخيلاء، ونهاه عن أمور عديدة، لكن أول ما بدأ بنَهْيه عنه الشركُ بالله، قال: ﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [لقمان: 13]، فدلَّنا ذلك على أن الشرك أخطر الأمور، وأشدها ضررًا. ومن الحكمة في تسمية الأبناء بعبدالله وعبدالرحمن - وقد جاء في الحديث: ((خيرُ الأسماءِ عبدُالله وعبدُالرحمن))[11] - أن ينشأ الابن على التوحيد، أن ينشأ وهو يعرف أنه عبدٌ لله، ليس عبدًا للهوى، ولا عبدًا للدنيا، ولا عبدًا للشيطان، ولا عبدًا لحظوظ النفس؛ وإنما عبدٌ لله تبارك وتعالى، فينشأ على التوحيد. 6- حاجة المتعلم إلى معرفة ثمرة الأوامر، وأيضًا خطورة النواهي: حتى تتمكن منه الفائدة إذا ذُكر له الأمر، يحتاج أن يُذكَرَ له مع الأمر الفائدةُ والثمرة، وإذا ذُكر له النهي أيضًا يُذكر له الخطر والعاقبة الوخيمة التي ينالُها مَن دخل في هذا الطريق، وهذا مستفادٌ من القصة في عدة مواضع؛ منها: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. 7- الوصية بالوالدين برًّا وإحسانًا وإكرامًا ورعايةً للحقوق: وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]؛ إذًا الوصية بالوالدين لها شأنٌ عظيمٌ، والوصية تكون بالأمور العظيمة، والوصية هنا من رب العالمين جل وعلا. 8- من أعظم الأمور المُعينة على البر بالوالدين تذكُّر الجميل السابق والإحسان المتلاحق، والتذكير بالمصير إلى الله: من أعظم الأمور المعينة على البر بالوالدين تذكر الإحسان السابق، فهذا يعين الإنسان على البر، وأيضًا يجعله يبتعد عن العقوق والقطيعة، تأمل هذا في قوله: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، فيُعينك على البر أمورٌ عديدة؛ أهمها أمران: الأمر الأول: أن تتذكر الجميل السابق. الأمر الثاني: أن تتذكر أنك سترجع إلى الله، وأنه سبحانه سائلُك عن برك وعقوقك. 9- أن ما تلقاه الأم في الحمل والوضع - كذلك الأمومة - من مشقةٍ وتعبٍ، أمرٌ لا يُدرِك الابن جزاءه مهما بذَل من البر: ولذا فإن من اللطائف في سؤال العبد الرحمة للوالدين في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا ﴾ [الإسراء: 24]: "أن رحمتَك بهما لا تفي بما قدَّموه لك، ولا تردُّ لهما الجميل، وليس البادئ كالمكافئ، فهم أحسَنوا إليك بدايةً، وأنت أحسنت إليهما ردًّا؛ لذلك ادعُ الله أن يرحمهما، وأن يتكفل سبحانه عنك بردِّ الجميل، وأن يرحمهما رحمةً تكافئ إحسانَهما إليك"[12]، فالولد عاجز عن رد الجميل، والله بكل جميل كفيل. 10- تعهد الأب لابنه بالنصح والتوجيه وهو ما يزال تحت كنفه: وبالأخص في المراحل الأولى من العمر التي يتهيأ فيها الأبناءُ لاكتساب القيم، وتبدأ فيها وضع البصمات الأولى في تكوين الشخصية؛ فالتربية الناجحة ليست نظراتٍ خاطفةً، ولقاءاتٍ عابرةً، بل هي مراحلُ طويلةٌ، ومجالس متعددة، يلتقي فيها الآباء بالأبناء؛ ليراجعوا الماضي فيُصلحوا ما فسَد، وينظروا في الحاضر والمستقبل فيضعوا لبناتٍ جديدةً من المعارف النافعة والأخلاق الفاضلة بحَسَب حاجات أبنائهم. ومن جمال التعبير القرآني: أ- ما ذكره الله عن لقمان: جملة ﴿ يَعِظُهُ ﴾ [لقمان: 13]، جملة فعلية، وهي دالة على الحدوث والتجدد، فقد كان لقمان يتعهَّد ابنه بتلك الوصايا بين حين وآخر بحسب الحاجة، وقد ذكر المفسِّرون في كتبهم بعضَ هذه المجالس، والتي وصلت إلى مائة مجلس[13]. ب- التفريق بين عدم الطاعة والعقوق: ينبغي أن ينتبه لهذا، فهناك فرق بين عدم الطاعة وبين العقوق، بعض الناس يخلط فيجعل مع عدم الطاعة العقوق؛ وهناك فرق بينهما، ولهذا لاحظ: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]، لم يقل: فعُقَّهما، وإنما قال: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، إذًا هناك فرق شاسع بين عدم الطاعة وبين العقوق. 11- أهمية اختيار الجليس: ليس للمؤمنِ أن يجلس مع مَن شاء، وكم حصل من ضرر للإنسان بسبب المجالس، وذلك مستفادٌ من قوله: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ [لقمان: 15]، وقد ورد عن لقمان أيضًا: "يا بني، اختَرِ المجالس على عينِك، فإذا رأيتَ قومًا يذكرون الله فاجلِس معهم؛ فإنك إن تكُ عالمًا ينفعْ علمك، وإن تك جاهلًا يُعلِّموك، ولعل الله عز وجل يطَّلع عليهم برحمةٍ فتُصيبَك معهم، وإذا رأيت قومًا لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكُ عالمًا لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يزيدوك عيًّا، ولعل الله عز وجل أن يطلع عليهم بعذابٍ فيصيبك معهم"[14]. 12- إحاطة علم الله جل وعلا، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ﴾ [لقمان: 16]، رأى لقمانُ أن السبيل الأوحد ليحافظَ ابنُه على تلك المواعظ ويعملَ بها، هو أن يغرس في نفسه مراقبة الله تعالى؛ لتبقى هذه الرقابة الحية في ذاتِه حارسًا لإيمانه، ورقيبًا على أعماله، تُوقظه عند الغفلة، وتَحميه من الزلة. والإيمان بأسماء الله وصفاته له أثرٌ في صلاحِ العبد وزكاء أعماله، فما أروع هذا الأسلوبَ التعليمي التربوي في مخاطبة الوجدان؛ حيث استطاع لقمانُ الحكيم غرسَ المعاني عن طريق عرض المادي المحسوس؛ لينميَ عند ابنه حِسَّ الرقابة الذاتية، وتظهر هنا: أهمية تربية الأبناء على مراقبة الله تعالى. 13- أن الوزن يوم القيامة بمثاقيل الذر: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وهذا مأخوذ من السياق في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾ [لقمان: 16]. 14- استخدام كل الوسائل التوضيحية المتاحة التي تتقرب بها المعاني، وتتضح بها التوجيهات: وخاصة للناشئة الذين ما زالوا يحتاجون إلى الصور المشاهدة المحسوسة والمألوفة لتلقِّي المعرفة وإدراك المعاني أكثرَ من حاجتهم إلى المعرفة النظرية، ولقد استخدم لقمان عدة وسائل في تعليم هذه الوصايا؛ من ضرب الأمثال، واستخدام الكنايات والتشبيهات، فكان مما قال: • ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾ [لقمان: 16]. • ومنها: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، قال ابن جرير: "وأصل الصَّعَر داءٌ يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر"[15]. • ومنها: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]، وهذه الوسائل التي استخدمها لقمان في وعظه لابنه: (حبة خردل، صخرة، تُصعِّر، صوت الحمير) - كلُّها وسائل محسوسة ومشاهدة ومألوفة في ذلك الزمان، ولا شك أن المدنية الحديثة، والثورة التكنولوجية، والحضارة المعاصرة، جاءتنا بالكثير من الوسائل التي يُمكن استخدامها في تقريب المفاهيم وتوضيح المعاني إلى عقول الناشئة[16]. 15- مكانة الصلاة وأهمية إقامتها والمحافظة عليها: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [لقمان: 17]. انتقال لقمان بابنِه من أسلوب التحذير إلى أسلوب الربط، وفي ربط الأبناء بأداء الصلاة مع الحضور والخشوع فيها إشباعٌ لحظ الروح من الخَوَاء الروحي الذي أصاب جيل اليوم. ومن هذه الآثار التربوية ما يلي[17]: • إقامة الصلاة دليلٌ على صدق الإيمان، وعلى تقوى الله، وعلى ما يتمتَّع به صاحبها من برِّه بعهده وقيامه على الحق وإخلاصه لله، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]. • الصلاة منهجٌ متناسقٌ لتربية الفردِ والمجتمع، يصل بهما إلى قمة السمو الأخلاقي، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. • الصلاة تمدُّ المؤمن بقوةٍ روحية تُعينه على مواجهة المشقَّات والمكاره في الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]. • الصلاة غذاءٌ روحي للمؤمن يُعينه على مقاومة الجزع والهلع عند مسه الضر، والمنع عند الخير، والتغلب على جوانب الضعف الإنساني، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23]. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |