|
ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أوقفوا هذا القطار صفية محمود سرورٌ عمَّ بيتَنا، ونعمٌ تزورنا ثم تبقى عندنا، والداي جمعهما الودُّ، إخوتي لِطاف، شملُنا ملتئمٌ، وحمدُنا متصلٌ، هكذا حكَتْ لي وفي عَيْنها بريقُ صدق. وأكملتْ: كنتُ أكبر إخوتي، وأسعدَهم بأسرتي، وبحكم النشأة أحببتُ الجمع والعائلة الكبيرة رغم الضجيجِ والزحامِ؛ فبيننا وئام، الكل يعذر الآخر، والحياة تسير، ولكني لم أكن أميلُ إلى الدراسة؛ فلم أُكمِل الثانوية، فلم تُعنِّفني أمي، ولم يَثُرْ عليَّ أبي، لكنه قال: أخشى أن تندمي، فقلت: لا أنوي العمل، فلماذا الدراسة تكتمل؟ فسكَتَ، ولم أندم، وما شعرتُ بفراغ، وسرعان ما صرتُ أمًّا بديلة لإخوتي؛ حملت عن أمي بعضَ العمل، وأسعدتُ أبي، وكانوا هم سرَّ سعادتي، قالوا عني: جميلة، واستعدوا لخِطبتي، وجاء خاطب بعده آخرُ، فلم يَدُرْ ببالي أن أفارق أسرتي، فلم أُكمِل مشروع الزواج؛ فهذا عصبي، وهذا مغرورٌ، وهذا كسول، هكذا كنت أراهم. ومر عامٌ إثر عام، وكبِر الصغار، وصاروا شبابًا، ومرَّ بنا قطار الزواج، يخطف واحدًا كلَّ عام، أنهى الدراسة أو لا يزال، ومضى كلٌّ لحياته، وكبِر والداي واحتاجا مزيدًا من رعاية، لم أبخل بها؛ فهما مُهجتي وبهجتي، وتسلَّلت مشاعرُ الوحدةِ بعد زواجِ إخوتي، إن زارنا منهم أحدٌ بزوجِه وأطفالِه، وامتلأ البيت ثم مَضَوا، عانيتُ أصعب الليالي، وكثيرًا ما أنكرتُ هذا الشعور من نفسي، ولم يفلح فيه صدٌّ وردٌّ، ولكن مرَّت سنون بنفس الوضع، وبلغتُ سبعًا بعد الثلاثين، وزاد حولي همس الهامسين: فاتها قطارُ الزواج، رغم كثرة الخُطَّاب بالأمس، ومع توالي الأيامِ، انشغلتُ بهذا الأمر، زاده وفاةُ أبي ولُحُوق أمي به، وعشتُ وحدةً حقيقية، ولم تكن لي هواية أشغَلُ بها وقتي إلا الحياة في جمع، وابتُلِيت بالوحدةِ، ففتحت حضانةً بالبيت، وكنت أمكث بها هروبًا من الوحدةِ، حيث الجليد والبرد، فلا مشاعر ولا حوار، لا أنيس ولا صوت، وفي هذه الظروف، جاءني خاطب أرمل، تجاوَز الخمسين، وله حفدة وبنون، فحِرتُ في أمري، بين رغبتي وخوفي، فلم أعد أدري: أُقدِمُ أم أُحجِمُ؟ وخفتُ سوءَ الاختيار، أتدفعني ظروفي للرضا بأيةِ حال؟ فصرتُ لا أملِك أخذَ القرار، والكل يلوم: كم فوَّتِّ من فرص، وإلامَ الانتظار؟! فقلت: إذًا "أوقفوا هذا القطار"، وهكذا قرَّر أخِي، وبعد البحث والسؤال، كان الرجل محل احترام، فتمَّ الزواج، ولحقت القطار بعد العناءِ بفضلِ اللهِ وإذنِه. ورغم بعض المنغِّصات في زواجي، زالت بحمدِ الله وَحدتِي، وأصبحت أمًّا، ولكن بعض صفاتِ زوجي تضايقني، وتؤذيني وبعض أبنائِه يسوءُهم وجودي، رغم وفاة أمِّهم، وأنا بشرٌ، أخشى ألَّا أَملِك نفسي، فأبادلهم إساءةً بأخرى، ويكونوا سببًا في طلاقي ورحيلي! حدِّثيني، فما العمل؟ فقلتُ: أختاه، احمَدي لزوجِك الحسنات، واذكري كيف انتقلتِ معه من وحشةٍ إلى أنسٍ، ومِن هموم إلى سرور، وصرتِ أمًّا، وهذه نعمة كُبرى، أجرٌ على الحملِ والإرضاعِ والتربيةِ، ثم بإذنِ اللهِ ولدٌ صالح يدعو لكِ. واعلَمي أن الكمال ليس طبعَ البشر، (وكفى بالمرءِ نبلًا أن تعدَّ معايبُه)، (ومَن ذا الذي ما أساء قط؟! ومَن له الحسنى فقط؟). اصبِري على تلك العيوب؛ فالصبر على الزوجِ وحسن التبعُّل له يعدِل الجهاد في سبيل الله وأجر الجمعة والجماعات، وما أحوجنا للأجور؛ فهي للجنة بعد الإيمان جواز الدخول، ووطِّدي الصلة فيما بينك وبينه "زوجُك رفيق دربِكِ"، وضعِي خُطة حكيمة للتخلص من عيوبِك وعيوبه باللِّين واللطف، وكوني قدوةً في الخير؛ ينتقل للمحيطين، وادفعي بالتي هي أحسن، طالبي بحقوقك بأدب وإصرار، وأعطِي الحقوق بلا إضرار، وبالشكر تزيد النعم، والاستغفار يزيل النِّقم، فالزَمِي البابينِ، فلن تحرمي؛ فعطاء الله واسع لا يحدُّ، والدنيا عبور لا مقام.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |