دائرة التصرفات بين الضبط والانفلات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تعملها إزاي؟.. كيف تجهز iPhone الخاص بك لنظام التشغيل iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما الذي يساهم فى إطالة عمر الكمبيوتر المحمول؟.. تقرير يجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          هكذا يمكنك الوصول إلى قائمة "البلوك" على حسابك بفيس بوك.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيفية توفير مساحة تخزين الهاتف الذكي دون حذف الصور؟.. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          كيفية قفل الخلايا فى Excel.. وما معناها فى خطوات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحويل ملاحظاتك النصية إلى بودكاست: وإليك الطريقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تعرف على طرق استعادة جهات الاتصال المحذوفة على جهاز آيفون الخاص بك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيفية العثور على التكرارات فى Excel وإزالتها فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كيفية إعادة ضبط وحدة جهاز ps5 فى 6 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          بضغطة واحدة.. Chrome يتيح الآن للمستخدمين "إلغاء الاشتراك" من تنبيهات المواقع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2021, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي دائرة التصرفات بين الضبط والانفلات

دائرة التصرفات بين الضبط والانفلات (1/3)




حواء بنت جابو آل جدة






تمرّ بنا مواقفُ اجتهادية كثيرة جدًّا مختلفةُ الأصعدة من الشخصية إلى العالمية، تقتضي منا تصرفاتٍ إزاءَها، أو موقفًا منها... سواء كانت صادرة منّا أو من غيرنا... ولما كانت ثمّة تصرفات كثيرة تؤدي إلى نتائج مضرة -لأنها بنيت على اجتهادات لا تُعنى بضبطها باعتبار البواعث لها، والمآلات التي تنتهي إليها- نتج عن ذلك ما نرى من انفلات في كثير من التصرفات..



ومن ذلك ما يُثار مجدّدًا في مسألة المرأة وحقوقها، وحصر ذلك وحشره في مسائل كقيادة سيارة أو سفر دون محرم أو ممارسة رياضة.. ونحو ذلك.


ولعل هذا الوتر -حقوق المرأة- حسّاس جدًّا لدينا -معشر النساء- فقد يقع الاغترار وعدم تفريق بعضنا بين ما هو حق لنا ينبغي أن نحصل عليه ونناله، وبين ما هو حق صوريٌّ –إن صحّ التعبير– يراد لنا أو يؤدي لزومًا إلى نتائج غير محمودة أبدًا بالمجتمع.


ولوضع قواعد ضابطة لا تغتر بالتمثّل الصوري للممارسات والتصرفات إلا في دائرة محدودة جدًّا بعيدة عن التشهّي وغلواء الأهواء؛ أردتُ استجلاء تلك القواعد مما تقرَّر في شرعنا الحنيف، أو مما أسَّسه نظّار المجتهدين... حتى نستطيع ضبط تصرفاتنا إزاء المطالبة بهذه الحقوق، ونتمكن من الحكم على تصرفات غيرنا ودعواتهم المتزايدة لحقوقنا، بطريقة أكثر دقة وصحّة، مما يؤدي -بإذن الله تعالى- إلى ضبط تلك التصرفات، ومنع مظاهر الانفلات التي تُرى.


وعند الحديث عن ضبط دائرة التصرفات الاجتهادية فإنه سيتركز حول مسألتين وهما: منشأ التصرف وباعثه، ومآل التصرف وغايته. وبينهما أمور لابد أن تراعى...


إن رعاية الباعث تمثّل نزعة ذاتية يراقب الفرد من خلالها نفسَه ليجنّب تصرفاتِه اختلالَ منشأ الأفعال والممارسات، وليستطيع أن يقترب من التقدير الصائب لتصرفات غيره عن طريق التوقع المؤيد بالقرائن.. هذه الرعاية التي ينتج عنها ضبط التصرفات الاجتهادية مهم تأصيلُها وبيان مفهومها..


والمقصود بالباعث هنا هو النية، وهي الدافع النفسي الذي يحرك إرادة المنشِئ للتصرف[1].


أما الأصل في رعاية الباعث فنصوص كثيرة جدًّا، من أقواها دلالة ما رواه البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا أَيُّهَا الناس إنما الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّة، َوإِنَّمَا لِامْرِئٍ ما نَوَى؛ فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ وَرَسُولِه، فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ وَرَسُولِه. وَمَنْ هَاجَرَ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه"[2].


هذا الحديث ذكره البخاري -رحمه الله- في أول كتاب الحيل، وهذا من سعة فقهه ودقة استنباطه -رحمه الله-.


قال بن المنيّر -رحمه الله تعالى- : "اتسع البخاري في الاستنباط، والمشهور عند النظّار حمل الحديث على العبادات، فحمله البخاري عليها وعلى المعاملات، وتبع مالكا في القول بسد الذرائع واعتبار المقاصد. والاستدلال بهذا الحديث على سد الذرائع وإبطال التحيل من أقوى الأدلة، ووجه التعميم أن المحذوف المقدر: (الاعتبار)؛ فمعنى الاعتبار في العبادات: إجزاؤها وبيان مراتبها. وفي المعاملات وكذلك الأيمان؛ الرد إلى القصد"[3].


فلو عرض للفرد موقف فإنه يجعل رعاية الباعث مفتاح الخيار للتصرفات التي يمكنه اتخاذها إزاء الموقف، وهذا ما يجعل الإنسان يعفو عند المقدرة، ويتوقف عن العتاب أو العقاب عند التيقن من سلامة باعث المخطئ.. ونحو ذلك.


ويتفرع عليه عدم الاغترار بالقالات أو الأعمال التي منشؤها مظنة النيات غير الشريفة، خاصة من متبنّي الاتجاهات المشبوهة، الداعين إلى المراتع الموبوءة... وهكذا من اجتمع عليه ضعف الوازع الخُلقي، مع أمن العقاب والمؤاخذة، فإنه مظنة نشوء النيات السيئة... ولأجله حكم بتوريث المطلقة في المرض المخوف؛ لأنه مظنة أن يكون الباعث عليه إرادة حرمان الزوجة من الميراث...


ومثله ما نقرأ ونسمع من بعض التصريحات والأنباء التي فيها دعوة لاختلاط المرأة مع الرجال وفق ضوابط الشريعة!، أو الإشادة بالأندية الرياضية النسوية المحلية الخاصة وفق الضوابط الشرعية!، ومن ثَمّ الدعوة إلى مشاركة المرأة في المحافل الرياضية العالمية وتمثيل البلاد فيها وفق الضوابط الشرعية!؛ فإنها كلها دعوات فيها مظنّة باعث السوء على ما تقرر سابقًا.


ولو قال قائل: كيف تحكمون على أصحاب تلك الدعوات بأن باعثهم سوء، والمتقرر أن أمر النيات إلى الله -جلّ وعلا-؟!


فنقول: حقيقةٌ أن الأصل هو كون النيات والبواطن يفوض أمرها إلى الله سبحانه؛ فهو وحده المطلع على خفيّاتها ودخائلها، وما يهجس في قلوب أصحابها من خير أو شر، غير أنَّ هناك أصلا أعظم منه، وهو حفظ المقاصد الكبرى التي يتوقف عليها إصلاح الأفراد والمجتمعات؛ فإن ممارسة الحقوق والحريات أصبحت مرتهنة بمدى تحقيقها للمصلحة المرادة من إطلاق المشروعية لتلك الحقوق والحريات[4].


لهذا كان البناء على ما تمليه المقاصد والبواعث أمرًا متعيّنًا سواء في ضبط تصرفاتنا، أو تقييم تصرفات غيرنا..

ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الدريني: نظرية التعسف في استعمال الحق (196).
[2] كِتَاب الْحِيَلِ،بَاب في تَرْكِ الْحِيَلِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى في الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا، رقم الحديث ( 6953).
[3] فتح الباري (14/342).
[4] اعتبار المآلات للسنوسي (219) بمعناه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-05-2021, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دائرة التصرفات بين الضبط والانفلات

دائرة التصرفات بين الضبط والانفلات (2/3)




حواء بنت جابو آل جدة







سبق -في الجزء الأول من هذا المقال- أن تناولنا اعتبارَ الباعث على التصرفات كضابط ومعيار للحكم عليها من حيث النشوء، وأصّلناه، وعرضنا عليه بعض التصرفات والدعوات؛ خاصة الدعوة إلى منح المرأة حقوقها، ومحاولة ضبط تلك القضية في ضياء اعتبار البواعث لها. وفي هذا الجزء سنتناول قسيمه وهو مآل التصرف وغايته.












والنظر في مآل التصرفات من المبادئ الشرعية والاجتماعية المهمة، ومن جملة ما يتغيّاه: الموازنة والتنسيق بين نصوص الشريعة وأحكامها، وبين المصالح التطبيقية في واقع الناس.





على أن له أعظم الأثر في توضيح الصورة الصحيحة لبعض القضايا التي كثر الجدل حولها في الآونة الأخيرة، مما جعل بعض الكُتّاب يتهم الشريعة بالقصور والجمود والعجز عن توصيف الحلول للمشكلات المعاصرة، بدعوى أنها نصوص محدودة، لم تعالج إلا قضايا ظرفية تجاوزها الزمن.





إن هذا الموضوع الخطير يزداد أهميةً وخطورةً في عصرنا هذا الذي تعقدت أمورُه، وتكهربت علاقاتُه، وتباينت أحداثُه، وقفز الناس فيه قفزةً تختلف في طريقتها كل الاختلاف عن واقع أمتنا في الماضي.





وكل ليل لا تتبلج داجية ظلامه إلا عن سيل هائل من متغيرات النوازل التي تختلف عن القضايا العمودية في طبيعتها و حجمها وفي تداعياتها وآثارها[1].





مما يحتم علينا أن نكون في مستوى هذه التحديات ونقدم مبادئنا التي بها علاج مشكلاتنا... وصلاح أمورنا، بدلاً من الخوض في مطالبات يتكشّف كل يوم زيفها وزيف القائلين بها.





والنظر في مآل التصرف: هو الحكم على مقدمات التصرفات بالنظر إلى نتائجها، أو "هو تحقيق مناط الحكم في التصرفات بالنظر إلى نتائجها"*.





فبالنظر إلى دعوات منحِنا حقوقَنا كاملة -بجعل ذلك متمثلاً في قيادتنا السيارة، أو مشاركتنا في أندية نسائية محلية، أو تمثيل البلد في محافل دولية، أو إسقاط المحرمية، بل وتعدى ذلك إلى المطالبة بالسماح للشذوذ وإقامة أسر للمثليين (الشواذ) ... إلخ من دعوات- لنحكم عليها حكما صحيحًا لابد من النظر إلى مآلاتها ومتغياتها، كما نعتبر بواعثها.





أما تأصيل النظر في المآل: فأدلته كثيرة جدًّا، منها قوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون}[2].





قال ابن عطية –رحمه الله-: "وقوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله) الآية، مخاطبة للمؤمنين، والنبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال ابن عباس: وسببها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب: إما أن ينتهي محمد وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها، وإما نسب إلهه ونهجوه؛ فنزلت الآية، وحكمها على كل حالٍ باقٍ في الأمة، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي -صلى الله عليه وسلم- والله -عز وجل-؛ فلا يحل للمسلم أن يسب دينهم ولا صلبانهم ولا يتعرض ما يؤدي إلى ذلك أو نحوه. وعبر عن الأصنام -وهي لا تعقل- بـ (الذين) وذلك على معتقد الكفرة فيها وفي هذه الآية ضرب من الموادعة"[3].





وقال تعالى حكاية عن الخضر –عليه السلام-: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}[4].





قال السعدي -رحمه الله– في ذكر جملة من فوائد الآية: "ومنها القاعدة الكبيرة أيضًا: وهي أن عمل الإنسان في مال غيره إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة أنه يجوز ولو بلا إذن، حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير، كما خرق الخضر السفينة لتعيب؛ فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق أو غرق أو نحوهما في دار إنسان أو ماله وكان إتلاف بعض المال أو هدم بعض الدار فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك حفظًا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز ولو من غير إذن"[5].





وأدلة السنة كثيرة متضافرة في تأسيس هذا المبدأ منها:




1- قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه -: "مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ؛ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" متفق عليه[6].



فعدّ النبيّ – صلى الله عليه وآله وسلم – شتم الرجل أبا رجل آخر من أكبر الكبائر، ذلك لما يفضي ويؤول إليه من تسببه في سب أبيه وأمّه.




2- ما رواه مسلم –رحمه الله– عن حُمَيْد بن عبد الرحمن بن عَوْفٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ من الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ اللاّتِي بَايَعْنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَتْهُ أنها سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "ليس الْكَذَّابُ الذي يُصْلِحُ بين الناس وَيَقُولُ خَيْرًا وينمى خَيْرًا"





قال ابن شِهَابٍ: "ولم أَسْمَعْ يُرَخَّصُ في شَيْءٍ مِمَّا يقول الناس كَذِبٌ إلا في ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بين الناس وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا"[7].





فإباحة الكذب -الذي هو من المحرمات الغليظة، والأخلاق البذيئة– في الحالات الواردة لما يؤول إليه أمر الكذب في هذه المواطن من مصالح أعظم من المصالح المجلوبة من الصدق في هذه الحالات.





فإن قال قائل: انتظروا.. دعوها تمارسْ تلك الحريات والحقوق ثم احكموا، لا تحكموا من الآن على أمور لا تظهر نتائجها إلا مستقبليًّا، وقد تكون حسنة. فنقول: هذه المسألة سنطرقها بتوسع في المقال الثالث –إن شاء الله تعالى– بيد أن هناك حالات لا ينظر فيها إلى المآل في التصرف منها بل يحكم بفسادها من أولها وهي:





1- عند باعث الإضرار: سواء أظهر بنص صاحبه أم بقرائن تجري مجرى النص مثل: من عضل ابنته لأجل مالها. أو أولئك الذين أنشئوا أندية نسائية، ومن ثم أقاموا الدوري الرياضي للنساء، داعين إلى تمثيلهن البلد في محافل دولية، وفق الضوابط الشرعية! أو من ينادون بمشاركة قوية للمرأة في المسرح هنا في البلد. مثل هؤلاء لا يُنظر في مآل تصرفاتهم أو قولهم، وإنما يُحكم بباعث الإضرار، إذ نية إنشاء تلك النوادي مثلاً ليست كما بيّنوا من حماية الفتاة من السمنة، وحفظ وقت الفراغ، والقضاء على ممارسات أخلاقية غير سليمة بين الفتيات! وإنما إخراجنا واختلاطنا بالرجال، ونبذ القيم الدينية والاجتماعية التي تميّزنا بها، وحُفظنا، وإلا أي ضوابط شرعية عندما نشارك في مباريات دولية، والواقع فيها معروف بيّن؟!





2- عند التعسف في استعمال الحق:




روى مَالِكٌ –رحمه الله- أن الضَّحَّاكَ بن خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا له مِنَ الْعُرَيْضِ فَأَرَادَ أن يَمُرَّ بِهِ في أَرْضِ مُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ، فَأَبَى مُحَمَّدٌ. فقال له الضَّحَّاكُ: لِمَ تَمْنَعُنِي وهو لك مَنْفَعَةٌ تَشْرَبُ بِهِ أولا وَآخِرًا وَلاَ يَضُرُّكَ؟




فَأَبَى مُحَمَّد.ٌ فَكَلَّمَ فيه الضَّحَّاكُ عُمَرَ بن الْخَطَّاب،ِ فَدَعَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بن مَسْلَمَةَ فَأَمَرَهُ أن يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فقال مُحَمَّدٌ: لاَ. فقال عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ ما يَنْفَعُهُ وهو لك نَافِعٌ، تَسْقِي بِهِ أَوَّلاً وَآخِرًا وهو لاَ يَضُرُّكَ؟ فقال مُحَمَّدٌ: لاَ وَالله. فقال عُمَرُ: وَالله لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ على بَطْنِكَ؛ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أن يَمُرَّ بِهِ فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ[8].




رضي الله عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم.




هنا يحكم بفساد التصرفات سواء أكانت فعلاً أم امتناعًا عن فعل، متى ما كانت تعسفية، أي: استُعمِل الحق في غير ما شرع له[9]. وذلك مثل من يجبر موليته على العمل أو الدراسة بمكان مختلط وله مندوحة عن ذلك، أو يأمر بهذا الاختلاط، أو يسمح به وهو أمر محرم في الشريعة، فمثله يُرفض دون النظر في المآل.





إذن؛ لضبط دائرة التصرفات لابد من اعتبار مآلاتها ونتائجها سواء أكانت محققة أم مظنونة على الغلبة أو الكثرة بحيث لا يبقى مجال لمجرد التوهم والإخالة الضعيفة.





واعتبار المآل من المبادئ الشرعية والاجتماعية الأصيلة كما قدمنا، ووجه ذلك أن الإنسان قد كفلت له حرية في تصرفاته العامة، ولتضبط تلك الحرية في التصرفات -كيلا تؤدي إلى إهدار المعنى الاجتماعي، ولمراعاة مصلحة المجموعة مع حفظ مصلحة الفرد- جاء هذا المبدأ محققًا أصل العدل الذي قامت عليه الشريعة.. حفظًا للحرية الفردية مع ضمانات المصلحة الاجتماعية... أو المصلحة العامة...




ــــــــــــــــــــــــــــ



[1] السنوسي: اعتبار المآلات (10) بتصرف.



* العلة هي مناط الحكم، وتحقيقها يكون بنظر المجتهد في قاعدة كلية منصوص عليها أو متفق عليها فيجتهد في تحقيقها في الفرع كوجوب نفقة الزوجة فيجتهد في قدر معين في كفايته أو تحقيق وجودها في الفرع؛ كالعلم بأن السرقة هي مناط القطع، فيجتهد المجتهد في وجودها في النبّاش لأخذه الكفن من حرز مثله. المذكرة للشنقيطي (292).



[2] سورة الأنعام (108).



[3] ابن عطية: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/332).



[4] سورة الكهف (79).



[5] السعدي: تيسير الكريم الرحمن ( 518 - 519).




[6] البخاري، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه برقم (5973)، ومسلم، كتاب الإيمان برقم (90).



[7] مسلم: صحيح مسلم كتاب البر والصلة، رقم الحديث (2605).



[8] كتاب الأقضية باب القضاء في المِرْفق حديث رقم (1461).



[9] الشاطبي: الموافقات للاستزادة من نظرية التعسف في استعمال الحق (3/56، 64، 120، 507).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.47 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]