زوجة أبي (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 994 - عددالزوار : 122298 )           »          إلى المرتابين في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          رذيلة الصواب الدائم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          استثمار الذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حارب الليلة من محرابك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          حديث: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ذكر الله تعالى قوة وسعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          السهر وإضعاف العبودية لله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مميزات منصات التعلم الإلكترونية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-04-2021, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,513
الدولة : Egypt
افتراضي زوجة أبي (قصة)

زوجة أبي (قصة)
نادية كيلاني



كانت في الخامسة والعشرين وكان في السبعين، حَدَثٌ يتكرر، مقدِّمته واحدة، وهدفُه واحد، نتائجه ليست واحدة، سعادة أهلها بالشيخ لا توصف، لماذا يرفضون وهي مطلَّقة لاستحالة الإنجاب، وهو أرمل ولديه المال، فضلًا عن كونه رجلَ سياسة ووجاهة؛ فهو عضو مجلس محلي قريته وكبيرها؟!

باختصار: هي عز الطلب لرجل لديه عدد من الأولاد، أصغرهم أكبر منها سنًّا، وهو أيضًا عزُّ الطلب بالنسبة لها، فيوم أن يكون عمره طويلًا أمامه عشر سنوات على الأكثر، تكون بعدها لا تزال في عز الشباب، ولكنها ستصير غنيَّة، ويمكنها أن تتزوَّج، وتعيش حياة الرَّغَد، والعيش الهنيء.

هجر المدينة وعاد لقريته، فتح في بيته محلًّا وسجَّله باسمها، صالت وجالت في البيت بجميع أدواره، ومحلٌّ أشرفَت بنفسها على البيع والشراء فيه، والتسليم والتسلم لبضاعته، وشقق البيت كلها.

مَن تتزوَّج الرجلَ الطاعن في السن وهي في شبابها، لا نُنكِرُ عليها مطامعَها، وحقَّها في "التكويش" على كل ما تطولُه يدها من أموال، منها ما يُكنز مالاً، ومنها ما يتحوَّل إلى ذهب يملأ اليدين والصدر... ولم يقف الأمر عندها، فأخواتها تأتين بحجة المساعدة، وتَعُدْنَ محمَّلاتٍ بما في المحل من لوازم بيتهن، وأيضًا بالأموال من يد أختهن سيدة كل شيء.

الرجل في هذه السن لا يهمُّه سوى مأكله وملبسه، والجلوس عند باب المحل يستقبل الشكاوى، ويحكم فيها، فضلًا عن مداعبة الأطفال، وتفريق الحلوى عليهم.

مَن تتزوَّج الرجلَ الطاعن في السن وهي في شبابها، ولديها الأمل في الحياة بعدَه، وفي يدها المال - لا بد أن تستعدَّ لذلك اليوم القريب في حساباتها من الآن، فإذا مرَّ الذي يبيع الملابس جاهزةً وأقمشة وزجاجات العطر وأدوات الماكياج - فهي لا تشتري لتلبسَ، أو تتعطَّر أو تتزين؛ بل لتخزِّنه للمستقبل، فلديها دولاب لحفظ حاجياتها في بيت أمِّها الذي صار بالمسلح بجهدها وأموالها، وهي النبع الهنيء لأخواتها اللاتي تعلَّم أولادُهن بفضلها وسخائها.

وكلما رفرف الحلم الوردي زادت شراهةُ الشراء و(التكويش) فيها، وليس هناك من يُحاسِبُ أو يجادل معها فيما تفعل، أولاده جميعًا في غنًى عن البحث عن أموال أبيهم والسؤال أين تذهب؟ والحقيقة أنه زهدٌ وغنى نفسٍ أكثر من كثرة الأموال بأيديهم، فعاشت بعيدةً عن أيَّة مُنغِّصات من بناته وأبنائه؛ فأولاده جميعهم يعملون ولهم بيوتهم، ولا يحتاجون سوى زيارته المستمرة والاطمئنان عليه، وفي كل زيارة يحملون الهدايا له ولها.

كنا نمضي الوقت ونعود إلى بيوتنا، فلا مكانَ نبيتُ فيه في هذا البيت بتعدد أدواره؛ فشقةُ لنومهما، وشقة لخبيزها ونشر الملابس وتجهيز الفطير، وكعك العيد بسخاء، وأربع شقق تتحصَّل على إيجارهم، وسطوحٌ به عشش وحظائر، فضلًا عن معاشه من التأمينات، معها بطاقته تصرفه وحدَها، ودخْل المحل، ومع كل هذا تدَّعي العَوَزَ وسوء الدَّخْل وقلةَ الرزق!

نأتي بأطفالنا، فما أن يتجمَّعوا على الفور حتى يبدؤوا لعبتهم المفضلة، لعبتهم اسمها: كنز "امرأة جدي"، وهو البحث في كل مكان عن نقود تخبِّئها هنا وهناك، فمنها: ما يكون تحت قاعدة التليفزيون، ومنها: تحت المرتبة، ومنها في دولاب المطبخ وعلب التوابل، ومنها... ومنها...، ويجمِّع الأولاد كلَّ هذا، ويأتون إلى جدِّهم:
افتح حجرَك يا جدي؛ خذ كنز "امرأتك".

يبتسِمُ، وينادي عليها، فتأتي فيعطيها ما في حجره، مشفوعًا بكلمة:
خذي يا (هبلة).

تضحك:
(جاتكم إيه يا ولاد)؛ عفاريت صحيح.

كثيرًا ما كنا ندافع عنها أمام بعضنا البعض إذا احتجَّ بعضنا قائلًا: إنها تسرق أبانا، وإنها تجهز نفسها، وتستعد لعرس جديد، أو... أو....

انبرى آخر منا قائلًا: حقُّها؛ هي زوجته، ومن حقها كلُّ ماله مادام برضاه، ومن حقها الأمل في المستقبل، ولماذا تتزوَّجُه إذا لم تكتسب من ورائه الأموال؟!

وهكذا نراهما زوجين متكاملين، كلٌّ منهما يعطي الآخر ما عنده، ويأخذ ما يرضيه.

ومرَّت السنوات العشر والحال كما هو، وسنوات بعدها سنوات وهي تسأل نفسها: متى؟ وتوقفت عن السؤال، جاءها ما يشغلُها، أمراض معتادة، السكر والضغط، ولكنهما يحتاجان لمصاريف كثيرة للعلاج ولهما تبعات مزعجة، انشغلت بخرَّاج عند كعب قدمها، عالجته فأبى الانصياع، زاد وكبر ونخر في العظم، قرر الأطباء بتر أصبعٍ فثانٍ، ثم قرروا بتر القدم، وهنا رفضت بشدة:
سأعالجه مهما كلفني.

وما عطب لا يعود، ظل يستنزفها جهدًا ومالًا وهو في ازدياد.

كان أخي يساعدها كثيرًا بأخذها للطبيب وإحضار الدواء، وظلَّ السوس ينخر في العظم، وظلت تغيِّر عليه كل يوم معتقدة أنها ستُشفَى في يوم ما، وزاد السكر فضعف البصر واحتاجت لعملية مُكْلفة، فطلبت من أخي مصاريف العملية؛ لثقتها أنه لا يتأخر كرامة لوالده، فلما قال لها: بيعي سوارًا مما في يدك، أخفت كلَّ ذهبها عند أخواتها وحرمت نفسها من التمتُّع بذهبها.

وعشر سنوات أخرى وتزيد عامين أمضتها في أحضان المرض ينخر في عظمها وأعصابها، محرومة من كثير من المأكولات، فينقص وزنها، وينقص حتى صارت جلدًا على عظم، كسيحةً برجلها المريضة، نعطف عليها كرامة لأبينا، منا من يشفق عليها بعقله، ويقول: ذنبنا وذنب أبينا، ومنا مَن يشفقُ بقلبه ويتذكَّرها وقت أن كانت فرسًا واقفًا مشرئبًّا بشبابها وحمرة خديها، ويقارن حالتها الآن فيُحوقِل ويستغفر.

صرخت في أبي يومًا قائلة:
كلُّ قرش أخذته من ورائك دخَل على جسمي نار.

هذه الصرخة لم يستوعبها فقد كانت ذاكرتُه تخونُه منذ تخطَّى التسعين حتى صار لا يعرف أسماءنا، ولا عدَّ نقوده، ولا من راح ولا مَن أتى، واحتاج لخدمة زائدة وغذاء مخصوص وهي لا يمكنُها، فزاد حرصنا عليه، وكثرة تداوله بيننا، متكفِّلين بكل احتياجاته، وتركها وحدها تتحصل على كل أمواله وحدها، الحقيقة ليس وحدها فأخواتها يخدمنها، ويأخذن الأجر مضاعفًا.

ولكل أجل كتاب مهما طال، مات الوالد، وانتهت مراسم دفنه وأيام العزاء، وحان وقت عودة كلٍّ منا لبيته، وإغلاق بيته، والتنبيه على السكان بترك الشقق؛ فكلُّ من له شقة سوف يتسلمها، ولا مشكلة أبدًا معها، فقد كتب لنا أبي البيت وقسَّمه علينا، وكتب لها أرضًا مقابل نصيبها في البيت، فكان عليها أن تكون أول مَن يُخلِّي مكانه.

قال أخي:
لا يصحُّ أن نتركَك وحدك هنا، وأنت بدون رجل، كل ما تريدين أخذه من البيت خذيه، وكل ما في المحل من بضاعة هو لك، ما رأي البنات؟

أعلنَّ جميعًا الموافقة، تليفون منها إذا بثلاث سيارات نقل، وعدد من أخواتها وأبنائهم، انتشروا يُعبِّئون السيارات بكل ما في الشقتين حتى السرير والثلاجة والتليفزيون، وكل ما في المطبخ والبصل والثوم والسمن و... و... كانت الكراسي ترمى من البلكونة فيستقبلها آخر يقف فوق السيارة، الحقيقة لم ينسوا شيئًا، وما علينا سوى أن نهزَّ رؤوسنا، ونتعجب مثل الرجال والنساء والأولاد الذي تجمعوا في الشارع لمشاهدة المنظر!

أما ما في الدكان من بضاعة فجاء المورِّد صدفة أخذ كل ما هو مقفول، ودفع ثمنه لها، والباقي جمعتْه وأخواتها في أكياس ووضعته بجوار ما أخذت من أثاث.

وانتهى الموقف أمام أهل البلدة، أسكتنا مَن تطوع بقول: كيف نتركها تأخذ كل شيء وهي التي جاءت بلا أي شيء؟! وكيف هي وأخواتها بهذا الجشع والجرأة؟! ونحن لا نزيد على كلمة: (مسامحين، مسامحين).

الحقيقة هي لم تذهب بكل هذا فقط، لا، ذهبت بخُرَّاج جديد في قدمها الأخرى، وهذا من الأشياء العجيبة محل دهشة الجميع، ففي يوم الوفاة شعرَتْ به، في اليوم التالي أخذها أخي للطبيب، وأتى لها بالعلاج، بعد أسبوع صرخت لنا في التليفون:
الحقوني...........

أسرعنا إليها، عرضناها على الأطباء والمستشفيات، الكل قرَّر بتر القدم! لا إله إلا الله، بترت القدم السليمة أولًا، بعدها بقليل بترت القدم المصابة، وبدلًا من أن تلبس جهاز العرس لبست جهازي القدمين، لم يمرَّ العام الثاني من وفاته إلا وقد ماتت! ماتت دون أن تلبس ما جهزت من ثياب، ولا ما شرت من ذهب، ولا ما باعت من أرض والدِنا دون علمنا، وكما قيل: "مال الكنزي للنزهي"، ذهب كله لأخواتها شرعًا وحلالًا!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.91 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]