ما هي حقوق الأبناء على اﻵباء؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل صينية بطاطس مهروسة بالكفتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          7 علامات تدل على أنك تنمو داخليًا.. تتحمل المسؤولية ولا تهرب من المواجهات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          4 خطوات لحفظ الحبوب والبقوليات بطريقة صحيحة وحمايتها من التلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          طريقة عمل طاسة سجق بالجبنة.. لذيذة ومش بتاخد وقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وصفات طبيعية لتطويل الشعر بخطوات بسيطة.. مش هتاخد وقت كتير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          طريقة عمل رقائق الجبنة بخطوات بسيطة.. مقرمشة وطعمها لذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          5 عادات يومية تتسبب فى ظهور البثور وخطوط التجاعيد.. أبرزها الهاتف المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          رجعتى من المصيف ولونك اتغير.. 4 خطوات لتفتيح البشرة وتوحيد لونها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيف تجعل ابنك المراهق يثق بك ويتحدث إليك بحرية؟.. كُن قدوة في الصراحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل سموزي البطيخ بالنعناع.. انتعاش طبيعي في كوب واحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-04-2021, 12:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,120
الدولة : Egypt
افتراضي ما هي حقوق الأبناء على اﻵباء؟

ما هي حقوق الأبناء على اﻵباء؟
د. عبدالسميع الأنيس


يقول اللهُ تعالى في مُحكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

في هذه اﻵيَة الكريمة يرشِد الحقُّ سبحانه عبادَه المؤمنين أن يقُوا أنفسَهم وأهليهم من النَّار، وقد رأيتُ أنَّ من وسائل هذه الوقاية القيامَ بحقوقهم، وإعانتهم على البِرِّ، وقد أخرج الإمامُ ابن أبي شيبة في مصنَّفه، في باب ما جاء في حقِّ الولد على والده، من طريق الشَّعبي، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((رَحِم اللهُ والدًا أعان ولدَه على برِّه))[1].

وكان ابن عمر يقول: "إنَّ الوالِد مسؤول عن الولَد، وإنَّ الولد مسؤول عن الوالد"؛ يعني: في الأدَب والبِرِّ[2].

وقد تَرجم البخاريُّ في الأدب المفرد: "باب بر الأب لولده"، وساق عن ابن عمر أنَّه قال: أسماهم اللهُ عزَّ وجل أبرارًا؛ لأنَّهم بَرُّوا الآباء والأبناء، فكما أنَّ لوالدك عليك حقًّا، كذلك لولدك عليك حقٌّ.

وقد عدَّها الإمام البيهقي شُعبةً من شعب الإيمان، قال رحمه الله: (باب في حقوق الأولاد والأهلين؛ وهي قيام الرَّجل على ولده وأهلِه، وتعليمه إيَّاهم من أمور دينهم ما يحتاجون إليه.

فأمَّا الولد، فالأصل فيه أنَّه نِعمة من الله ومَوهبة وكرامة، قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [النحل: 72]، وقال: ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49]، فامتَنَّ علينا بأنْ أخرج من أصلابنا أمثالَنا، وأخبر أنَّ الأنثى من الأولاد مَوهبة وعطيَّة كالذَّكَر منهم.

ثمَّ قال: فكلُّ مَن وُلد له من المسلمين ولدٌ ذَكر أو أُنثى، فعليه أن يَحمد اللهَ جلَّ ثناؤه على أن أخرَج من صلبه نسمةً مثله تُدعى له، وتُنسب إليه، فيعبد الله لعبادته، ويكثر به في الأرض أهل طاعته، ثمَّ يؤمر به حدثان مولده بعدَّة أشياء:
أولها: أن يؤذِّنَ في أذنيه حين يولد؛ وذلك بأن يؤذِّنَ في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليُسرى.
والثانية: أن يحنِّكه بتمْر؛ فإن لم يجِد فبحُلوٍ يشبهه، ويَنبغي أن يتولَّى ذلك منه مَن يُرجى خيره وبركته.
والثالثة: أن يعقَّ عنه)[3].

وقد لاحظتُ اهتمامًا كبيرًا بمعالجة موضوع عقوق الأبناء للآباء، وهو أمرٌ جدير بهذا الاهتِمام؛ لأنَّ وِزرَه كبير، وآثاره خطيرة في حياة الإنسان وآخرته، ولكن لم ألحَظ هذا الاهتِمام بمعالجة عُقوق الآباء للأبناء؛ ربَّما لأنَّ البرَّ من الوالد طِباع، وأنَّه من الولد تكلُّفٌ لما افتَرَض الله عزَّ وجلَّ عليه؛ كما قال إياس بن معاوية، ونقله عنه ابن أبي الدنيا في كتابه "العيال"، أو يكون السَّبب أنَّنا انشغَلنا بالواجبات ونَسينا الحقوق!

فما هي أهمُّ حقوق الأبناء على اﻵباء، وكيف نبرُّ أبناءنا؟
أهمُّها عشرة، وهي:
أولًا: اختيار الأمِّ الصَّالحة الطيِّبة ذات الأصل الطيِّب والخُلُق القويم:
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((تُنكحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفرْ بذَات الدِّين تربَت يداك))[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تخيَّروا لنُطَفكم، وانكِحوا الأكْفاء، وأنكحوا إليهم))[5].

ثانيًا: اختيار الاسم الجميل؛ لأنَّه سيُنادى به بين النَّاس في الدنيا، ويُنادى به يوم القيامة:
فعن ابن عبَّاس قال: قالوا: يا رسولَ الله، قد علِمنا حقَّ الوالد، فما حقُّ الولَد؟ قال: ((أن يُحسن اسمَه، ويُحسن أدبَه))[6].

ثالثًا: تربيتهم تربية إيمانية:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

وقد جاء عن عليٍّ رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6] أنَّه قال: "أدِّبوهم وعلِّموهم"[7].

ومن أهمِّ وسائل الوقاية: تربيتهم على الفَضائل، وإبعادهم عن الرَّذائل، وتعليمهم علومَ الدِّين، وتدريبهم على الصَّلاة، وعلى العِبادات الأخرى، وتوفير سُبل حصانتهم من الوقوع في مصايد الشَّيطان وحبائله؛ وذلك بالتفريق بينهم في المضاجِع.

يدلُّ على ذلك: ما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مُروا أولادَكم بالصَّلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجِع))[8].

والوالد مسؤول عن ذلك، فقد جاء عن عبدالله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ فالإمامُ الذي على الناس راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرَّجلُ راعٍ على أهل بيته وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على مال سيِّده وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))[9].

فكما أنَّ الأب يَخشى على أولاده من برد الشتاء وحرِّ الصيف، فلا بدَّ أن يَخشى عليهم من نار جهنَّم، فيحيطهم بالرِّعاية والتربية الإيمانية، وسوف يُسأل عن ذلك إنْ هو قصَّر؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه؛ حفِظ أم ضيَّعَ، حتى يَسأل الرجلَ عن أهل بيته))؛ أخرجه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه.

وقد تَرجم البخاريُّ في الأدب المفرد: باب أدب الوالد وبره لولده، وأورد فيه من جهة الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول: كانوا يقولون: الصَّلاحُ من الله، والأدبُ من الآباء.

ولهذا كان من مَحاسن التربية الإيمانيَّة أنَّها تحفظهم من الانحِرافات العقديَّة، والسلوكية، والفِكرية، وهي تحصنهم من مَظاهر الغلوِّ والتطرُّف.

رابعًا: الاهتمام بتعليمهم:
فقد جاء عن أبي رافع أنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أللولَد علينا حقٌّ كحقِّنا عليهم؟ قال: ((نعم؛ حقُّ الولَد على الوالد أن يعلِّمه الكتابَةَ والسِّباحةَ والرَّمي، وأن يورثه طيبًا))[10].

وجاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((علِّموا أولادَكم السِّباحةَ والرماية.))[11].

وعنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((كلُّ شيءٍ ليس من ذِكر الله فهو لهوٌ أو سهوٌ، إلا أربع خصالٍ...))، وذكر منها: ((وتعليم السِّباحة))[12].

وللإمام السيوطي رحمه الله رسالة نافِعة في هذا الموضوع، سمَّاها: "الباحة في السباحة"[13].

وقال سفيان الثوري: "يَنبغي للرجل أن يُكرِه ولدَه على طلب الحديث؛ فإنَّه مسؤول عنه"، وقال: "إنَّ هذا الحديث عِزٌّ، مَن أراد به الدنيا وجدَها، ومن أراد به الآخرةَ وجدها".

وقد ذَكر العلماءُ رحمهم الله تعالى أنَّ الوليَّ يَنبغي له تأمُّلُ حال الصَّبي وما هو مستعدٌّ له[14].

ومِن أهمِّ المؤلَّفات التي ألِّفَت في هذا المحور، كتاب: "رعاية الأسرة المسلمة للأبناء: شواهد تطبيقية من تاريخ الأمَّة"؛ للدكتور عبدالحكيم الأنيس، وقد تَناول فيه عمدَ الرِّعاية، ومن ذلك: الصَّلاح الذاتي، واستحضارُ حقوقهم في الذِّهن، والدعاء والتماس الدعاء لهم، وعَرْضُهم على الصَّالحين، وتربيتُهم وتوجيهُهم إلى العلم والعمل، وإحضارهم مجالسَ العلم، وتفخيمُ أمر العلم في نفوسهم، والنَّفقة عليهم في تعلُّم العلم النَّافِع، ومتابعتهم في أمورهم الكبيرة والصَّغيرة، وتعليمهم أدبَ الكلام، والعمل على تكوين شخصيَّتهم الاجتماعيَّة، وربْطُهم بالله سبحانه، وإعانتهم على سُبُل الخير، وتلبية متطلبات الفِطرة والغريزة، وبرُّهم ورعاية مشاعرهم، وتعليمُهم اختيار الأصدِقاء، وتضافر جهود الأسرة والأقارب على هذه الرِّعاية، وعدم إدخال الغمِّ عليهم.

وقد استَشهد على ذلك بقصص من تاريخ الأمَّة، فيَنبغي الرجوع إليه، وهو متوفر إلكترونيًّا في الشبكة العنكبوتيَّة (النت).

خامسًا: إعانتهم على الخير:
والإعانة تكون:
بالإحسان إليهم وهم صِغار، وتوقيرهم إن بلَغوا سنَّ مَن يوقَّر.

ولا يُعمل بقولهم: مَن عرفك صغيرًا لم يوقِّرك كبيرًا، ولقد رأينا كثيرًا من الآباء يُحمِّل ولدَه ما لا يطيقه، فيُلجِئه إلى خِلافه، ويعده عاقًّا وهو الباحث على حتْفِه بكفِّه[15].

وبألَّا يَطلب منهم ما لا يَقدرون عليه.

ولا يَطلب منهم ما يَحرُم فعلُه، فضلًا عن المكروه.

ومن ذلك: ما يقوم به بعضُ الآباء بتحريض أبنائهم على قَطْع الرَّحِم، وعلى الابن التعامل بالحِكمة مع الوالدين وبكلِّ هدوء ولُطْف.

وأن يَقبَل من محسنهم إذا أحسَن، ويتجاوَز عن إساءة مَن أساء منهم، والتغاضي عن هفواتهم.

سادسًا: المساواة بينهم في العطية:
من حقوق الأولاد المساواة بينهم في العَطيَّة، فقد جاء عن النُّعمان بن بشيرٍ، قال: انطلَق بي أبي يَحملُني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، اشْهَد أنِّي قد نحلتُ النُّعمان كذا وكذا من مالي.

فقال: ((أكُلَّ بنيك قد نَحلتَ مثل ما نحلتَ النُّعمان؟)).

قال: لا، قال: ((فأشهِد على هذا غيري))، ثُمَّ قال: ((أيسُرُّك أن يكونوا إليك في البرِّ سواءً؟))، قال: بلى، قال: ((فلا إذًا))[16].

سابعًا: عونهم على حُسن الاختيار في الزَّواج، وعدم إجبارهم على الزَّواج بمعيَّن، أو بمعيَّنة:
وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنَّ فتاةً دخلَت عليها، فقالت: "إنَّ أبي زوَّجَني من ابن أخيه ليَرفَع بي خسيستَه، وأنا كارهة، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرَته، فأرسل إلى أبيها، فدعاه، فجعل الأمرَ إليها، فقالت: يا رسولَ الله، قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن تعلَمَ النساءُ أنْ ليس للآباء من الأمر شيء"[17].

فنحن نجِد في هذا الحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيَّرَها وهي بنت، وجعل الحقَّ لها في ردِّ النكاح، إذا لم تَكن لها رغبة في هذا النِّكاح؛ حتى يَعلم النَّاسُ - كلُّ الناس - أنَّ الإسلام لا يَرضى بإكراه المرأة على النِّكاح.

وللفقهاء تَفصيلات مهمَّة حول هذا الموضوع، يَنبغي أن تؤخذ بعين الاعتِبار عند دِراسة هذا الموضوع من قِبَل الأسرة للوصول إلى القرار الصَّحيح، والوصول إلى أحسَن النَّتائج لكلا الطَّرفين.

ومن باب أولى عدَم إجبار الشابِّ على الزَّواج ممَّن لا يَرغب كما يَفعل بعضُ اﻵباء.

ثامنًا: تزويجهم:
فقد جاء عن أبي سعيد وابنِ عباسٍ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن وُلِد له ولدٌ، فليحسن اسمَه وأدبَه، فإذا بلغ فليزوِّجه، فإنْ بلَغ ولم يزوِّجه فأصاب إثمًا، فإنَّما إثمُه على أبيه))[18].

وقد جاء عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنه كان يقول: "مَن رزقه الله ولدًا، فليحسن اسمَه وتأديبه، فإذا بلغ فليزوِّجه".

وكان سعيد بن العاص يقول: "إذا علَّمتُ ولدي القرآن، وحجَّجتُه، وزوَّجتُه، فقد قضيتُ حقَّه، وبقي حقِّي عليه".

وقال قتادة: "كان يُقال: إذا بلغ الغلام فلم يزوِّجه أبوه فأصاب فاحشةً، أَثِمَ الأبُ".

نقَل هذه النصوص المهمَّة ابنُ أبي الدنيا في كتابه: "العيال".

تاسعًا: وجوب النَّفقة عليهم إن كانوا فقراء:
لقول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6].

وإعانتهم إن كانوا كبارًا فقراء، فقد جاء عن جابر الخيوانيِّ، قال: كنتُ عند عبدالله بن عمرٍو فقدِم عليه قهرمانٌ من الشَّام، وقد بقيَت ليلتان من رمضان، فقال له عبدالله: هل تركتَ عند أهلي ما يكفيهم؟

قال: قد تركتُ عندهم نفقةً.

فقال عبدالله: عزمتُ عليك لَما رجعت فتركتَ لهم ما يَكفيهم؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يعولُ))[19].

عاشرًا: الدُّعاء لهم، وتحرِّي ذلك في الأمكنة والأزمنة المبارَكة، وعدم الدعاء عليهم:
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَدعوا على أنفُسكم، ولا تَدعوا على أولادِكم، ولا تَدعوا على أموالكم؛ لا توافِقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم))[20].

بمعنى: لا تَدعوا عليهم إنْ أساؤوا إليكم، أو قَصَّروا في واجب من واجباتكم، أو رأيتم منهم ما لا يسرُّكم؛ فإنَّ ذلك ليس من الحِكمة في شيء.

لكن ممَّا يجِب بيانه: أنَّ تقصير الآباء في حقوق الأبناء لا يبرِّر عقوقَ الأبناء وتقصيرهم في حقوق والديهم.

وأخيرًا: نسأل اللهَ تعالى أن يهَبَ لنا من أولادنا قرَّةَ أعيُن، فقد جاء عن كثير بن زياد أنَّه سأل التابعيَّ الجليل الحسن البصري عن قوله تعالى: ﴿ هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74]، فقال: يا أبا سعيد، ما هذه قرَّةُ الأعين؟ أفي الدنيا، أم في الآخرة؟

قال: "لا، بل والله في الدُّنيا".

قال: وما هي؟
قال: "هي واللهِ أن يُري الله العبدَ من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعةَ الله، لا والله ما شيءٌ أحبَّ إلى المرء المسلم مِن أن يرى والدًا، أو ولدًا، أو حميمًا، أو أخًا مطيعًا لله عزَّ وجلَّ"[21].


[1] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنَّفه (8 / 357) (25924) من طريق حفص بن غياث، وهناد في الزُّهد (2 / 486) (995)، وابن أبي الدنيا في النَّفقة على العيال (1 / 306) من طريق أبي معاوية، كلاهما عن عبدالرحمن بن إسحاق القرشي، عن الشعبي مرسلًا.
وفي "الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس"؛ لابن حجر - مخطوط (ص: 1615) (1688) قال أبو الشيخ: أخبرنا عبدالرحمن بن محمد بن حمَّاد، حدَّثنا علي بن المنذر، عن محمد بن فضيل، عن عبدالرحمن بن إسحاق، عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأخرجه ابنُ وهب في جامعه (138) قال: بلغَني عن عطاء بن أبي رباح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحِم الله والدًا أعان ولده على بِرِّه))، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((يَقبل إحسانَه، ويَتجاوز عن إساءته)).
وأخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في آداب الصُّحبة (ص: 97) من طريق علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جدِّه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((رحِم اللهُ والدًا أعان ولدَه على بِرِّه بالإفضال عليه)).
وفي مسند الفردوس عن أبي هريرة رفعَه: ((يَلزم الوالدين من البرِّ لولدهما ما يَلزم الولد؛ يؤدِّبانه ويزوِّجانه))، وعن معاذ بن جبل مرفوعًا: ((رُبَّ والدين عاقَّين، الولد يبرُّهما، وهما يعقَّانه، فيُكتبان عاقين)).

[2] "الزهد"؛ لابن السري (2 / 486).

[3] شعب الإيمان (11 / 104) الشعبة الستون.

[4] أخرجه مسلم في صحيحه (1466) (53)، ومعنى ((ترِبَت يداك)): ترِب الرَّجل إذا افتقر، أي: لصق بالتُّراب، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدُّعاء على المخاطَب ولا وقوع الأمر به، والمراد بها الحثُّ والتحريض.

[5] أخرجه ابن ماجه في سننه (3 / 142) عن عائشة رضي الله عنها، وقال شعيب الأرنؤوط: "حديث حسن بطرقه وشواهده".

[6] أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (11 / 133)، وجاء في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3 / 1247): "قال العراقي: رواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وحديث عائشة وضعَّفَهما؛ اهـ.
قلتُ: حديث ابن عباس لفظه: قالوا: يا رسول الله، قد علِمنا حقَّ الوالد على الولد، فما حقُّ الولد على والده؟..."؛ فذكرَه، ثم قال البيهقي: محمد بن الفضل بن عطية - أي: أحد رواته - ضعيف بمرَّة لا يُحتجُّ بما انفرد به؛ اهـ.
وأما حديث عائشة، فلفظه: ((حقُّ الولد على والده أن يحسن اسمَه، ويحسن موضعَه، ويحسن أدبَه))، وفيه عبدالصمد بن النعمان، وهو ضعيف.
وأمَّا حديث أبي رافع، فلفظه: ((حقُّ الولد على والده أن يعلِّمه الكتابةَ والسِّباحةَ والرِّماية، وألا يرزقه إلا طيبًا))، وفي رواية: ((وألا يورثه برِزقه إلا طيبًا))؛ رواه الحكيم، وأبو الشيخ في الثواب، والبيهقي، وإسناده ضعيف، ورواه ابن السنِّي بلفظ: ((أن يعلِّمَه كتابَ الله)).
وأمَّا حديث أبي هريرة، فلفظه: ((حقُّ الولد على والده أن يحسن اسمَه، ويزوِّجَه إذا أدرَك، ويعلِّمه الكِتاب))؛ رواه أبو نعيم في الحلية، والديلمي في مسند الفردوس، إلَّا أنَّ الأخير قال: "الصلاة" بدل "الكتاب".
وفي كتاب "الصِّلة"؛ للحسين بن حرب (ص: 81): كان سفيان الثوري يقول: "حقُّ الولد على الوالد أن يحسن اسمَه، وأن يزوِّجَه إذا بلَغ، وأن يحسن أدبه".
وزاد في كتاب "العيال"؛ لابن أبي الدنيا (1 / 332): "وأن يحجِّجَه".

[7] انظر تفسير الطبري (12 / 157)، وتفسير ابن كثير (8 / 188).

[8] أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ (495)، وأحمد في مسنده (11 / 284، 369) (6689) و(6756)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الصلاة (1 / 197)، وغيرهم.
وقال الشيخ شعيب في تعليقه على السنن (1 / 367): "إسناده حسن، سوَّار بن داود المزني، قال فيه أحمد: لا بأس به، ووثَّقه ابنُ معين في رواية إسحاق بن منصور، وذكره ابن شاهين وابن حبان في الثقات".

[9] أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59] (7137) واللفظ له، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم (1829)، ورواه الطبراني في الصغير (161) والأوسط (3567) عن أنس وفيه زيادة: ((فأعدُّوا للمسائل جوابًا))، قالوا: يا رسولَ الله، ما جوابها؟ قال: ((أعمال البِرِّ))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5 / 210): "ورواه الطبراني في الصغير، والأوسط بإسنادين، وأحد إسنادي الأوسط رجاله رجال الصحيح"، وقال ابن حجر في فتح الباري (16 / 459): "وسنده حسن".

[10] أخرجه البيهقي في الشُّعَب وغيرها بسند ضعيف، وقال السخاوي: وله طرق بيَّنتُها في "القول التام في فضل الرمي بالسهام"، قلت: وله شواهد.

[11] رواه ابن منده في معرفة الصحابة عن بكر بن عبدالله الأنصاري، وضعَّفه الحافظ ابن حجر في الإصابة (1 / 325)، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (1 / 462): "ضعيف له شواهد"، قلت: ومن شواهده حديث جابر بن عبدالله، وجابر بن عمير الذي سيأتي.

[12] رواه النَّسائي في الكبرى (8934، و8940)، والطبراني في الكبير (1785) والأوسط (8147)، والبيهقي (10 / 15)، وقال المنذري في الترغيب (1935): "إسناده جيد".
وقال الهيثمي في المجمع (5 / 269): "ورجاله رجال الصحيح خلا عبدالوهاب بن بخت، وهو ثِقة".

[13] طبعت في دار عمار - الأردن، قبل سنة 1997.

[14] انظر: "الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية" (3 / 1098).

[15] التنوير شرح الجامع الصغير (6 / 249).

[16] أخرجه مسلم في صحيحه (1623) (17).

[17] أخرجه أحمد في مسنده (6 / 316)، وهو صحيح.

[18] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (11 / 137).

[19] أخرجه أبو داود (1692)، وابن حبان (4240)، والحاكم (4 / 445)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، واللفظ له، وصححه الإمام النووي.

[20] أخرجه مسلم في صحيحه (3009).

[21] شعب الإيمان (11 / 138).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.12 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]