موازنات شعرية في الشعر السعودي الحديث - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1249 - عددالزوار : 135393 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5493 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 8168 )           »          ميزة جديدة لمتصفح كروم بنظام أندرويد 15 تتيح إخفاء البيانات الحساسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن ميزة الصورة المستطيلة بإنستجرام.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 14 Plus وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          احمِ أطفالك من الإنترنت.. احذر ألعاب الفيديو لحماية أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أبل تعمل على جهاز بشاشة تشبه شاشة الآيباد مع ذراع آلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          طفلك يستخدم تطبيقات الموبايل سرا دون علمك.. كيف تكتشف ذلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أدوات مهمة هتساعدك للحد من استخدام طفلك للإنترنت.. جربها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-04-2021, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي موازنات شعرية في الشعر السعودي الحديث

موازنات شعرية في الشعر السعودي الحديث
أحمد محمد فرحات



الموازنة الأولى: الحنين إلى الوطن (بين حافظ والقنديل)
وإليك قصيدةَ عبدالسلام هاشم حافظ بعنوان "الشوق يا وطني[1]":
دَارِي وَسِرُّ الهَوَى البَاقِي وَأَوْطَانِي يَا طَيْبَةَ النُّورِ يَا رُوحِي وَوِجْدَانِي
الشَّوْقُ يَا مَا أَمَرَّ الشَّوْقَ فِي كَبِدِي عَلَى مَدِينَتِنَا وَالمَسْكَنِ الحَانِي
عَامٌ وَأَكْثَرُ قَدْ وَلَّى وَزِدْتُ جَوًى فِي مِصْرَ مُغْتَرِبًا والشَّوْقُ أَضْنَانِي
أُنَقِّلُ الطَّرْفَ أَيْنَ الأَهْلُ؟ أَيْنَ هُمُ؟ أَهْلِي وَمَوْطِنُنَا الغَالِي وَوِجْدَانِي؟
أَيْنَ الصِّحَابُ الكِرَامُ الصِّيدُ تَنْظِمُنَا مَجَالِسُ الأُنْسِ فِي صَفْوٍ وَتَحْنَانِ؟
أَيْنَ المَشَاهِدُ مِنْ دَارِ الرَّسُولِ بِهَا مَعَاهِدُ الفَضْلِ وَالتَّقْوَى وَأَلْحَانِي؟
أَيْنَ العَبِيرُ يُغَذِّينِي إِذَا خَشَعَتْ جَوَارِحِي فِي مُنَاجَاتِي بِإِيمَانِي؟
فِي (المَسْجِدِ النَّبَوِيْ) عِنْدَ الرَّسُولِ أَرَى نُورَ الهُدَى مَاحِيًا هَمِّي وَأَشْجَانِي
زَوْجِي تَقُولُ وَفِي أَضْلاعِهَا لَهَبٌ مَتَى نَعُودُ لِجَوِّ العِزَّةِ الهَانِي
قُرْبَ النَّبِيِّ نُصَلِّي فِي مَسَاجِدِهِ وَالرُّوحُ تَصْفُو بِمَا قَدْ كَانَ أَسْقَانِي
أَقُولُ: بَلْ كُلُّنَا شَوْقٌ أَلَسْتُ أَرَى حَتَّى الصَّغِيرَيْنِ فِي آهَاتِ ظَمْآنِ
يُسَائِلانَا عَنِ الأُمِّ الَّتِي عَرَفَا فِيهَا الوِدَادَ وَعَنْ صَحْبٍٍ وَأَخْدَانِ
عَيْنَايَ ذَاهِلَتَانِ اليَوْمَ لا تَرَيَا هُنَا المَغَانِي أُغَنِّيهَا وَتَرْعَانِي
بَعُدْتُ عَنْ عَالَمِي المَحْبُوبِ فِي وَطَنِي وَالقَلْبُ يَأْسَى بِلَوْعَاتِي وَحِرْمَانِي
أَيْنَ المَرَائِي الَّتِي كُنَّا نُعَانِقُهَا وَتَحْتَوِينَا بِإِحْسَاسٍ وَأَجْفَانِ؟
هُنَاكَ مَسْقَطُ رَأْسِي حَيْثُ أُسْرَتُنَا مِنْ آلِ حَافِظِ مِنْ أَحْفَادِ عَدْنَانِ
لَنَا بِطَيْبَةَ أَمْجَادٌ يُعَزِّزُهَا جِهَادُنَا وَالبَقَاءُ الحَقُّ لِلْبَانِي
وَفِي المَدِينَةِ أَحْلامِي وَعَاطِفَتِي وَذِكْرَيَاتُ الصِّبَا وَالمَأْمَلُ الدَّانِي
بِمَشْهَدِ المُصْطَفَى خَيْرِ الجِوَارِ بِهِ يَا عِزَّهُ مِنْ جِوَارٍٍ فِيهِ تَلْقَانِي
بَيْنَ المَدِينَةِ وَالآثَارُ زَاهِرَةٌ بِهَا الحَيَاةُ وَفِيهَا الخَيْرُ كِفْلانِ
ضَمَّتْ فَضَائِلَ أَجْيَالٍ جَوَانِحُهَا وَالدَّهْرُ يُعْلِي تَوَارِيخًا بِبُرْهَانِ
سِرُّ الجَلالِ بِهَا وَاللَّهُ كَرَّمَهَا بِالدِّينِ وَالنُّورِِ مِنْ وَحْيٍ وَقُرْآنِ
أَوَّاهُ مِنْ شَوْقِيَ المَحْمُومِ يَشْغَلُنِي عَنْ كُلِّ أَمْرٍٍ سِوَى دَارِي وَأَوْطَانِي
رَبَّاهُ حَقِّقْ لَنَا عَوْدًا نَقَرُّ بِهِ لا شَيْءَ عَنْ وَطَنِي يَدْعُو لِسُلْوَانِي
فَفِي المَدِينَةِ غَايَاتِي وَمُنْقَلَبِي قَلْبِي بِهَا مُسْتَهَامٌ جِدُّ جَذْلانِ
وَعِشْقُ رُوحِي وَدُنْيَا الطُّهْرِ فِي وَطَنِي غَدًا نَعُودُ لِمَنْ بِالأَمْسِ أَنْشَانِي
نَبْقَى بِهِ العُمْرَ لا نَرْضَى بِهِ بَدَلاً حَتَّى نَرَى الحَقَّ يَطْوِينَا بِأَكْفَانِ
مَنْ لا يَرُومُ ظِلالَ الخُلْدِ تَشْمَلُهُ عِنْدَ الحَبِيبِِ بِأَلْطَافٍٍ وَإِحْسَانِ
يَا أَرْضَ طَيْبَةَ تِيهِي وَاصْعَدِي أَبَدًا الفِكْرُ فِي الوَصْلِ غَذَّانِي وَأَرْوَانِي
لأَنَّنَا سَوْفَ نَأْتِي أَنْتِ مَأْمَلُنَا يَا عِيدَنَا فِي اللِّقَاءِ القَادِمِ الدَّانِي


أمَّا الشاعر أحمد القنديل[2] فيقول في قصيدته "حنين[3]":
أَرِقْتُ وَكَمْ فِي اللَّيْلِ مِثْلِي وَهَاجَنِي إِلَيْكِ هَوًى تَحْيَا بِهِ رُوحُ شَاعِرِ
وَزَلْزَلَ إِحْسَاسِي وَأَشْعَلَ فِكْرَتِي مِنَ الشَّوْقِ مُمْتَدُّ الحَنِينِ مُسَامِرِي
بِلادِي بِلادِي لا عَدِمْتُكِ مَوْطِنًا حَبِيبًا إِلَى قَلْبِي وَنَفْسِي وَخَاطِرِي
وَلا عَاشَ مَنْ أَلْهَاهُ عَنْكِ احْتِقَابُهُ مُنَى العَيْشِ مَزْهُوَّ المُنَى بِالصَّغَائِرِ
وَلا اليَائِسُ العَاتِي إِذَا هَزَّهُ الجَوَى فَأَبْلَسَ مَيْئُوسَ الخُطَى وَالمَشَاعِرِ
وَلا الوَالِغُ الدَّامِي بِقَلْبِكِ بَاسِطًا إِلَى النَّاسِ قَلْبَ المُسْتَهَامِ المُدَاوِرِ
وَلا الشَّانِئُ اللاَّحِي بَنِيكِ وَبَيْنَهُمْ أَقَامَ عَلَى صَفْوِ الهَوَى وَالسَّرَائِرِ
وَلا الرَّافِدُ الهَانِي بِعَيْشِكِ مُنْكِرًا هَوَاكِ وُجُودًا أَوْ حُقُوقًا لِذَاكِرِ
• • •
ذَكَرْتُكِ وَالذِّكْرَى مِنَ الحُبِّ رُوحُهُ وَمِنْ خَلَجَاتِ النَّفْسِ وَحْيُ الضَّمَائِرِ
وَذِكْرُكِ فِي الأَحْيَاءِ هَمْسَةُ وَاجِدٍ وَتَرْدِيدُ إِيماءٍ وَقَوْلَةُ عَابِرِ
وَلَكِنَّهُ فِي مُهْجَتِي وَدَمِي هَوًى سَرَى كَحَيَاتِي فِيكِ مَسْرَى خَوَاطِرِي
• • •
ذَكَرْتُكِ والذِّكْرَى حَيَاةٌ لِوَامِقٍ غَرِيبٍ شَجِيِّ القَلْبِ بِاللَّيْلِ ثَائِرِ
ذَكَرْتُكِ فِي مِصْرَ العَظِيمَةِ بِالَّذِي بِهِ مِصْرُ قَدْ فَاقَتْ جَمِيعَ الحَوَاضِرِ
بِأَعْظَمِ مَا فِيهَا وَأَرْشَقِ مَا حَوَتْ وَأَفْتَنِ مَا يُصْبِي فُؤَادَ المُغَامِرِ
بِأَهْرَامِهَا العُلْيَا تُطَاوِلُ فِي الذُّرَى ذُرَى الدَّهْرِ زَخَّارًا بِهَوْلِ المَخَاطِرِ
بِآدَابِهَا فَتَّانَةً بِفُنُونِهَا مُحَبَّبَةً فِي كُلِّ نَادٍ وَسَامِرِ
بِأَعْلامِهَا السَّامِينَ فِي العِلْمِ وَالتُّقَى وَبَيْنَ فُنُونِ الفَنِّ مِنْ كُلِّ قَادِرِ
بِأَبْنَائِهَا بِالسَّالِبَاتِ قُلُوبَنَا بِكُلِّ ضُرُوبِ السِّحْرِ مِنْ كُلِّ سَاحِرِ
بِأَيَّامِهَا بِاللَّيْلِ فِيهَا مُحَرِّكًا هَوَى كُلِّ فَنَّانِ الصَّبَابَةِ شَاعِرِ
بِكُلِّ رَقِيقِ الحُسْنِ فِيهَا مُنَوَّعًا يَفِيضُ بِهِ الرُّوحُ الطَّلِيقُ البَوَادِرِ
• • •
ذَكَرْتُكِ وَالدُّنْيَا تَمُوجُ بِأَهْلِهَا حَيَاةً وَإِحْسَاسًا دَقِيقَ البَصَائِرِ
وَحَوْلِي شُكُولٌ تُنْضِحُ الحُسْنَ فِتْنَةً لِكُلِّ ذَكِيِّ القَلْبِ بِالحِسِّ زَاخِرِ
وَفِي القَلْبِ حِسٌّ تَعْرِفِينَ انْتِقَادَهُ بِرُوحِ شَجِيٍّ بِالهَوَى الحُرِّ عَامِرِ
وَفِي مِصْرَ مَا يُنْسِي وَلَكِنَّ ذَاكِرًا حِمَاكِ المُفَدَّى لا يُرَى غَيْرَ ذَاكِرِ
• • •
إِلَيْكِ بِلادِي فِكْرَةً وَعَقِيدَةً سَمَتْ بِهِمَا فَوْقَ الطِّلابِ مَشَاعِرِي
إِلَيْكِ إِلَى الثَّغْرِ المُطِلِّ عَلَى الدُّنَى مِنَ البَحْرِ مُنْدَاحَ السُّوَى لِلْمَعَابِرِ
إِلَى الشَّاطِئِ المَزْهُوِّ فِيهِ بِمَنْ بِهِ أَصِيلاً إِلَى الأَهْلِينَ فِي كُلِّ سَامِرِ
إِلَى مَكَّةٍ فِي قُدْسِهَا وَجَلالِهَا وَعِزَّتِهَا الكُبْرَى عَلَى كُلِّ كَابِرِ
إِلَى البَيْتِ مَحْفُوفِ الرِّحَابِ بِطَائِفٍ وَضِيءِ المُحَيَّا أَوْ مُصَلٍّ وَشَاكِرِ
إِلَى المُنْحَنَى أَجْبَالُهُ وَوِهَادُهُ وَرُوَّادُهُ مَا بَيْنَ ثَاوٍ وَسَائِرِ
إِلَى طَيْبَةٍ فِي عِزِّهَا وَعُلُوِّهَا وَخَضْرَائِهَا الخَضْرَاءِ مَجْلَى النَّوَاظِرِ
إِلَى المَسْجِدِ المَحْبُوبِ فِيهَا مُحَبَّبٌ إِلَى كُلِّ مَوْهُوبِ الهِدَايَةِ زَائِرِ
إِلَى السَّهْلِ مِنْ خَيْرَاتِهَا وَعَقِيقِهَا وَبَيْنَ مَجَالِيهَا الحِسَانِ النَّوَاضِرِ
إِلَى الطَّائِفِ التَّيَّاهِ تَبْسِمُ غِبْطَةً بِأَفْنَانِهَا فِيهِ ثُغُورُ الأَزَاهِرِ
إِلَى الوجه في آكَامِهِ وَرِمَالِهِ فَنَعْمَانَ فِي آمَادِهِ فَالمَشَاعِرِ
إِلَى سَهْلِكِ الهَانِي بِظِلِّ جِبَالِهِ إِلَى غَوْرِكِ الدَّاوِي بِصَوْتِ الكَوَاسِرِ
إِلَيْكِ إِلَى أَهْلِي وَأَهْلِكِ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ بِقَلْبِي كُلُّ بَادٍٍ وَحَاضِرِ
تَحِيَّةَ مَعْمُودٍٍ وَتَحْنَانَ وَامِقٍ وَتَسْلِيمَ مُشْتَاقٍ وَذِكْرَةَ ذَاكِرِ
إِلَى أَنْ تَلُوبَ النَّفْسُ فِيكِ مَلُولَةً بِمَا اهْتَاجَ مِنْهَا الآنَ وَجْدُ المُسَافِرِ

يشترك الشَّاعران في الموضوع (الغربة والحنين إلى الوطن)؛ فالشَّاعر المدني عبدالسلام هاشم حافظ كان قد ترك بلادَه، وذهب إلى مصر للاستِشْفاء والعلاج، وفيها أمضى عامًا كاملاً، لكنَّه حنَّ إلى وطنِه، واشتاق إلى ما فيه، ومَن فيه.

ثلاثون بيتًا هي مَجموع أبيات القصيدة من البحْر البسيط، وقافيةُ الأبيات هي النُّون المكْسورة التي تتواءَم مع حالة الحزْن والألَم اللَّذين يعتريان الشاعر، وفي القصيدة لوحظ أنَّ الشَّاعر مهَّد لها بمقدمة نثْرية تَشِي بمقدرته الفنِّيَّة على الإبداع الفني، وفيها يوضِّح أنَّ بعده عن موطنِه بسبب مرضه، وأنَّ مدَّة الغربة دامت عامًا كاملاً تحت الإشْراف الطبي، حتَّى أصبحتِ اللَّهفة على الوطن دونَها أي شوق واشتياق.

أمَّا الشَّاعر أحمد القنديل، فقد جاءتْ أبياتُه في تسعةٍ وثلاثين بيتًا من البحْر الطويل، وقافية الأبيات الرَّاء المكسورة، وهي تُوائم النَّبرة الخطابيَّة التي تجلَّت في القصيدة، وقد لوحظ أنَّ الشَّاعرين - حافظ والقنديل - ينحيان إلى النَّبرة الخطابيَّة لإبراز مشاعرِهِما وأحاسيسهما تجاه الوطن.

وإذا كان الشَّاعران قد اتَّفقا في الموضوع الرَّئيس، فإنَّهما قد اتَّفقا أيضًا في بعْض الأفْكار الجزئيَّة، بدءًا من العنوان عند كليْهِما (الشوق يا وطني) عند الشَّاعر المدني، و(حنين) عند الشاعر المكِّي، وفكرة التغنِّي بِمآثر الوطن، وجلال المكان وقدسيَّته، فحافظ ينتمي إلى المدينة المنوَّرة التي تحتلُّ في نفوس المسلمين مكانةً قدسيَّة غالية، والقنديل ينتمي إلى مكَّة المكرَّمة وما لها من مكانة كبرى في نفوس المسلمين أيضًا، إذًا فالشَّاعران يعبِّران بوضوح عن مشاعر المسلمين تجاه بقْعَتين من أطهر الأماكن، وأعزِّها رفعة.

بدأ الشَّاعر المدني قصيدتَه بانتِساب الذَّات إلى المكان، فهو جزءٌ منه، وسرٌّ من أسراره، وهو مكان تتجلَّى فيه مشاعر الطُّمأنينة والأمان، حيث يشعُّ النور من أرجائه، كما يشعُّ النور من قلْبِ الشَّاعر ووجدانِه، وهُنا نرى تجاوُبًا متوازيًا مع نفسيَّة الشَّاعر، فالنُّور المنبعِث من المكان يتوازى مع النُّور المنبعث من قلْبِ الشَّاعر، والشَّاعر في البيتَيْن الأوَّلَين يمزج مشاعِرَه الخاصَّة (داري - المسكن - الوطن - سر الهوى - روحي - وجداني - مدينتنا) بالمشاعر العامَّة (طيبة النور - دار الرسول - النبي - المسجد النبوي).

أمَّا بداية قصيدة الشَّاعر المكي، فإنَّها تبدأ بالمشاعر الذَّاتية التي تعبر عن الشَّوق والحنين إلى الوطن، الوطن الذي يقصده الشَّاعر هنا هو الممْلكة العربية السعودية بكلِّ ربوعها وأصْقاعها، وقد ورد ذكر الوطن بصيغة (بلادي)، وقد فصَّل القول في ذِكْر الأماكن ذات الارتِباط به كجدَّة - مسقط رأس الشَّاعر - ومكَّة في قدسها وجلالها، وبيت الله الحرام، وما يُحيط به من جبال ووهاد، وطَيْبة ومسجد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والعقيق، والطَّائف، ووجه وغير ذلك، بينما عبَّر الشَّاعر المدني عن وطنِه مجسَّدًا في المدينة المنوَّرة فقط، دون ذِكْر أسماء أُخْرى تتَّصل بالوطن السُّعودي ككُل.

ومن هنا نَلْحظ ترْكيز الشَّاعر المدني على المكان بوصْفِه مكانًا دينيًّا، بيْنما عند الشَّاعر المكِّي بوصفه وطنًا آهِلاً بالسُّكَّان، ومحلاًّ للإقامة والعيش، ولم يكُنْ ترْكيزُه منصبًّا على الجانب الديني في هذا الوطَن، بيْنما أفاض الشَّاعر المدني في وصف المكان وصفًا يكشف عن مكانتِه الدينية عنده وعند المسلمين، ففي المدينة يُوجد المسجد النبوي الشَّريف، وقد ضمَّت المدينة فضائل الأجيال، وبِها سر الجلال، والله كرمها بالوحي والقرآن، كما وصف المكان بأنَّه دنيا الطهر والنور.

ومن الموضوعات الجزئيَّة التي تناولها الشَّاعر المكي: مصر[4]، وأبناؤها الأبرار، وآدابها، وثقافتها، وأماكنها، وليلها، وبكل ما فيها من مظاهر تدْعو إلى الإعجاب والافتتان:


بِكُلِّ رَقِيقِ الحُسْنِ فِيهَا مُنَوَّعًا يَفِيضُ بِهِ الرُّوحُ الطَّلِيقُ البَوَادِرِ


وعلى الرَّغم من ذلك فإنَّها لم تُنْسِه وطنه، بل تزيده تعلُّقًا ومحبَّة بربوع الوطن، بينما جاء ذكر مصر عند الشَّاعر المدني سريعًا، وتلميحًا، وإن اتَّفق مع الشَّاعر المكي في أنَّ مصر وما فيها تَزيدُه حبًّا وعشقًا لموطنه، وأنَّه لا يرتضي بدلاً عن موطنه وإن كانت مصر[5].

وقد وفِّق حافظ في جذْب الانتِباه، وتحريك المشاعر وإثارتها، عندما عرض مشاعر زوجته في غربته، واستعجالها له في سرعة العوْدة، فهي تقول له - وفي أضلاعها لهب - متى تعود؟ ويردُّ الشاعر قائلاً: بل كلنا شوق! ثم عرضه لسؤال الأطْفال عن أمه (جَدَّتهم)؛ حيث عرفوا فيها الودَّ والحبَّ، ومثل هذه الأمور الخاصَّة زادت من صدق الشَّاعر، وألهبت مشاعره، وأضفت على القصيدة مسحة الصِّدق الواقعي فضلاً عن الصدق الفني.

وقد أجاد الشَّاعران في تصوير عاطفة الحبِّ والشَّوق للوَطَن، ومن حيثُ اللغةُ والأسلوب فإنَّ لغة الشَّاعرَين تَجنح إلى السُّهولة واليُسْر، وإن كان القنديل أكْثَرَ ارْتِباطًا باللغة القديمة، والتمسُّك بأصالة الألفاظ القديمة على حساب الألْفاظ السَّهلة عند "حافظ "، ومن ذلك: (احتِقابه - الوالغ الدامي - الشانئ اللاحي - شُكول - آكام - وامق)، بينما عند "حافظ" تَمتاز بالسهولة والرقَّة والتدفُّق، وكأنَّها لغة العامَّة مع تركيز المعنى، ومع ذلك فأسلوب الشَّاعرين واضح، وألفاظُهما سلسة، ابتعدا فيها عن الوحشيَّة والغرابة.

أكثرَ حافظ من الأسلوب الإنشائي الاستِفْهامي؛ حيث ورد الاستِفْهام في القصيدة ثمان مرَّات، معظَمُها جاء متتابعًا في الأبيات من الرَّابع إلى السَّابع، وكلها استفهام لإظهار مشاعِرِ الشَّوق والحنين إلى الوطن، وتُفيد التمنِّي في العودة إلى الوطن، بينما خلا أسلوبُ القنديل من الاستِفْهام، واستعاض عنه بالأسلوب الخبري لبيان شدَّة شوقه وتَحنانه.

جاءت معظم صور القنديل الفنِّيَّة متأثرةً بالبيئة الصحراوية مثل: وصفه للسهول والجبال والوهاد الداوية بصوت الكواسِر، ويتجلَّى ذلك في قوله:

إِلَى المُنْحَنَى أَجْبَالُهُ وَوِهَادُهُ وَرُوَّادُهُ مَا بَيْنَ ثَاوٍ وَسَائِرِ

فالصورة الغالِبة على البيت تمتاح من البيئة الصحراوية أكثر من غيرها، بينما جاءت معظم صور حافظ تقترب من الصور الحياتيَّة المعهودة لدى الناس، كتصويره للمسْكن بالحاني الشَّفيق على أبنائه، وتصويره للمدينة المنوَّرة بأنَّها عامرة بالزوَّار، بها الحياة الحقَّة وفيها الخير خيران، والآثار الإسلاميَّة على جانِبَي المسجد النبوي تشِي بِجلال المكان وقدسيَّته، وهي جميعًا صور حيَّة نابضة بالحركة، على عكْس صور القنديل التي تنمُّ عن الجمود والثبات.

ومِمَّا يميز أسلوب القنديل: اعتماده على التكرار، حيث كرَّر بلادي مرَّتين في البيت الثالث، وهو تكرار له وجاهتُه؛ لأنَّه كان بمثابة الطَّلقة السَّريعة التي أوضح فيها سبب أرَقِه وألمه، وانشغال فكره، كاشفًا بواسطتِه عن انكِشاف اللَّبس والغموض الذي أشاعَه في البيتَيْن الأوَّلين، كما كرَّر حرفَ النَّفي (لا) خمس مرَّات في الأبيات من الرَّابع إلى الثامن، والفعل (ذكرْتُك) في بداية البيت التَّاسع، والثَّاني عشر، والثَّالث عشر، والحادي والعشرين من القصيدة، وكذلك تكرار حرف (الباء) ثَماني مرَّات بصورة متتالية من البيت الثَّالث عشر إلى العشرين، لبيان فضل مصر وأبنائها وعلمائها، وترابها، و...، وكذلك أيضا تكرار حرف الجر (إلى) ثلاث مرَّات، مضافًا إلى كاف الخطاب إحدى عشْرةَ مرَّةً، مضافًا إلى أسماء الأماكن الموجودة بالمملكة؛ لبيان شوقه إليها.

ومن الملاحظ أنَّ القنديل اعتمد على الأسماء دون الأفعال[6]، فقد جاء استخدامه للأسماء بشكل لافت، وهذا يدلُّ على جُمود الصورة وثباتِها، بينما جاء استِخْدام حافظ للأفْعال بشكل أكثر منه عند القنديل، حيث ورد استخدام الفعل ما يقرُب من خَمسين فعلاً، يجيءُ في مقدمتها استخدام الأفعال المضارعة التي تدلُّ على التجدُّد والحدوث والاستِمْرار؛ لاستحضار الصورة، وتقريبها في خيال المتلقِّي.

ومع هذا فقد أجاد الشَّاعران في رسْم صورة صادقة عن شوْقِه وحنينه إلى الوطن، ولم يكن امتِطاء كلٍّ منَ الشَّاعرَين لبحْرٍ موسيقي مغاير عن الآخَر عائقًا عن إبْراز عاطفتِه تِجاه الوطن، فالبحر البسيط والطويل كلاهما استطاعا أن ينْقلا مشاعرَ صادقةً، وأحاسيسَ نابضة، كذلك لعبتِ القافية عندَهُما دورًا أساسيًّا في تصوير هذه المشاعر، وإن كانت عند الشَّاعر المدني أكْثَرَ توفيقًا ومواءمةً لتصوير جانبٍ من جوانب الألم الذي ينتابُ الشَّاعر عند اغترابه.

الموازنة الثَّانية: حول "الشكوى والملل واليأس" بين شاعرِنا والشَّاعر حسين سرحان[7]
فيقول عبدالسلام هاشم حافظ في قصيدة "قطرة دم[8]":

أَيَأْتِيَ يَوْمٌ بِعُمْرِي تُحَقَّقُ فِيهِ أَمَانِي الحَيَاهْ؟
وَيَبْسِمُ لِي قَدَرِي بِالرِّضَا عَنْ شِفَاهٍ وَلا كَالشِّفَاهْ
وَيغْمُرُ فَجْرُ الجَمَالِ مَدَايَ وَيَأْتِي عَلَى مُنْتَهَاهْ؟
وَيَحْظَى سَجِينُ الضُّلُوعِ بِبَعْضِ الرُّؤَى وَالسَّنَا مِنْ مُنَاهْ؟
قَضَيْتُ الشَّبَابَ بِغَيرِ شَبَابٍ أُحِسُّ بِرُوحِي نَدَاهْ
وَعِشْتُ حَلِيفَ الهُمُومِ بِقَلْبٍ شَرِيدٍ يَقِيءُ صِِبَاهْ
وَحِرْمَانُهُ الظِّلَّ وَالطَّلَّ يَجْعَلُهُ يَسْتَطِيبُ شَقَاهْ
فَأَصْبَحْتُ لا أَحْسَبُ الدَّهْرَ يُرْجَى لِطَرْدِ الضَّنَى عَنْ سمَاهْ
مَضَتْ خَمْسَةٌ بَعْدَ عِشْرِينَ عَامًا وَقَلْبِي يُعَانِي أَسَاهْ
وَفِي النَّفْسِ مَا فِي جَوَانِحِهَا مِنْ لَهِيبٍ يُذِيبُ الحَصَاهْ
وَيَطْغَى عَلَى الأَمَلِ العَذْبِ حَتَّى أَرَى الكَوْنَ دَامِي الجِبَاهْ
وَيُسْفِرُ وَجْهُ الطَّبِيعَةِ عَنْ مَنْظَرٍ سَاخِرٍ لا يَرَاهْ
سِوَايَ، وَمَنْ كَانَ مِثْلِي بِأَحْلامِهِ ضَارِبًا فِي مَتَاهْ
تَظُنُّ السَّوَادُ بِأَنِّي سَعِيدُ الجُدُودِ رَضِيُّ الإِلَهْ
رَضِيُّ الإِلَهِ نَعَمْ، فَالإِلَهُ بِرُوحِي وَفِكْرِي أَرَاهْ
وَأَمَّا السَّعَادَةُ، فَالهَوْلُ دُونَ لِقَاهَا وَإِلاَّ لِقَاهْ
تُغَلْغِلُ فِي مُهْجَتِي لَوْعَتِي، وَالمَنَايَا تَزِفُّ الأَسَاهْ
أَعِيشُ غَرِيبًا عَنِ النَّاسِ أَهْوَتْ عَلَيْهِ الدُّجَى فِي ضُحَاهْ
أُجَامِلُ فِي بَسْمَتِي وَابْتِهَاجِي، وَظُلْمِي طَوِيلٌ مَدَاهْ
وَحَوْلِيَ أَشْبَاحُ شُؤْمٍ وَمِعْوَلُ دَهْرٍ يَفُلُّ الصَّفَاهْ
فَحَتَّى مَتَى أَجْرَعُ الكَأْسَ سُمًّا، وَلا مِنْ شَرَابٍ سِوَاهْ؟
وَهَلْ يَأْتِيَ اليَوْمُ، يَوْمٌ أَرَى فِيهِ سِرَّ جَمَالِ الحَيَاهْ؟
أَمِ العُمْرُ يَبْقَى بِمَعْصَرَةِ الزَّمَنِ الوَغْدِِ فِي مُصْطَلاهْ؟
تَحَيَّرْتُ، وَالحِسُّ تُشْغِلُهُ قَطْرةٌ طَفِرَتْ فِي الصَّلاهْ

أما الشاعر حسين سرحان فيقول في قصيدة "ملل ويأس وأفكار سوداء"[9]:

خُلِقْتُ مَلُولاً لَوْ رُزِقْتُ سَعَادَةً وَدَامَتْ لَسَاءَتْ لِي مَرَاحًا وَمُغْتَدَى
وَلَوْ مُدَّ مِنْ حَبْلِ الحَيَاةِ قَصِيرُهُ لأَشْفَقْتُ مِنْهُ أَوْ فَزِعْتُ إِلَى الرَّدَى
وَلَوْ جَاءَ هَذَا المَوْتُ قَبْلَ أَوَانِهِ لأَلْفَى إِلَى ُروحِي السَّبِيلَ مُعَبَّدَا
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الحَيَاةِ جَمِيعَهَا فَلا أَبْتَغِي جَدًّا وَلا أَشْتَهِي ودا
وَجَرَّبْتُ أَخْلاقَ الوَرَى فِي شَبِيبَتِي فَمَا سَاءَنِي بُخْلٌ وَلا سَرَّنِي نَدَى
وَأَجْدَبَ قَلْبِي مِنْ غَرَامٍ مُخَامِرٍ وَضَاقَ شُعُورِي وَهْوَ مُنْفَسِحُ المَدَى
فَلا الشَّمْسُ فِي إِشْرَاقِهَا تَبْعَثُ الهَوَى وَلا الطَّرْفُ إِذْ يَرْنُو وَلا الطَّيْرُ إِنْ شَدَا
لَئِنْ كُنْتُ فَرْدًا إِنَّ فِيَّ لَعُصْبةً عِدًى أَوْ هُمُو أَقْسَى عَلَيَّ مِنَ العِدَا
نَقِيضَانِ مِنْ قلبٍ وَنَفْسٍ تَبَرَّمَتْ بِهِ فَعَتَا عَنْ أَمْرِهَا وَتَمَرَّدَا
وَلَوْ كَانَ لِي عَقْلٌ نَصِيحٌ مُسَالِمٌ لأَصْمَاهُمَا حَتَّى يَبِينَ لَهُ الهُدَى
• • •
يَرَى النَّاسُ مِنِّي بَيْنَهُمْ طَيْفَ عَابِرٍ يَرُوحُ وَيَغْدُو مِثْلَ مَنْ رَاحَ أَوْ غَدَا
تَحَيَّفَهُ دَهْرٌ شَدِيدٌ شِمَاسُهُ وَأَبْدَى لَهُ وَجْهًا مِنَ المَقْتِ أَرْبَدَا
وَلَوْلا بَقَايَا مِنْ صَلِيبِ إِرَادَةٍ لأَعْوَزَنِي صَبْرِي وَعِفْتُ التَّجَلُّدَا
لَقَدْ طَالَمَا أَقْدَمْتُ فِي غَيْرِ طَائِلٍ أَيَجْمُلُ بَعْدَ الآنَ أَنْ أَتَرَدَّدَا
ضَحِكْتُ مِنَ الأَيَّامِ ضِحْكَةَ مُرْهَقٍ تَكَبَّدَ مِنْ آلامِهَا مَا تَكَبَّدَا
وَمَا كَانَ ضِحْكِي عَنْ حُبُورٍ وَإِنَّمَا لأَجْمَعَ مِنْ شَمْلِ المُنَى مَا تَبَدَّدَا
سُرِرْتُ بِأَشْتَاتِ المُنَى إِذْ تَأَلَّفَتْ وَلَكِنَّهَا مِنْ شِقْوَتِي ذَهَبَتْ سُدَى
تَقَلَّبْتُ مِنْهَا وَسْطَ رَوْضٍ مُنَمْنَمٍ فَأَضْحَى كَصَحْرَاءَ مِنَ الأَرْضِ أَجْرَدَا
وَكَمْ مَنْزِلٍ يَمَّمْتُهُ مَا أَغَاثَنِي بِمُرْتَشَفٍ أَشْفِي بِهِ غُلَّةََ الصَّدَى
• • •
لَقَدْ خَلُقَتْ نَفْسِي وَرَثَّتْ شَمَائِلِي وَذَا الدَّهْرُ مَا يَزْدَادُ إِلاَّ تَجَدُّدَا
وَمَا الكِبَرُ العَاتِي عَرَانِي وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ طَبْعِي أَوْ تَحَوَّلَ جَلْمَدَا
وَكُنْتُ كَطَيْرٍ عَاشَ فِي غَيْرِ سِرْبِهِ فَأَمْضَى أُوَيْقَاتَ الزَّمَانِ مُغَرِّدَا
يُخَفِّفُ عَنْهُ الشَّدْوُ أَثْقَالَ هَمِّهِ وَيَطْرُدُ عَنْهُ بَثَّهُ وَالتَّوَجُّدَا
وَعِنْدِي لأبْنَاءِ الزَّمَانِ حَقَائِقٌ يَظَلُّ لَهَا وَجْهُ الغَزَالَةِ أَسْوَدَا
سَأُضْمِرُهَا حِينًا وَلَوْ قَدْ أَذَعْتُهَا لَمَا عَدِمَتْ بَيْنَ الأَنَامِ مُفَنِّدَا
يُكَذِّبُهَا عَبْدٌ لِيَكْسِبَ زُلْفَةً وَيُنْكِرُهَا حُرٌّ لِيُصْبِحَ سَيِّدَا
• • •
وَقَوْمٌ يَوَدُّونِي وَلِكنْ إِذَا رَأَوْا بُرُوْزِي عَلَيْهِمْ أَصْبَحُوا لِيَ حُسَّدَا
وَمَا حَسَدٌ يُدْنِي مِنَ المَرْءِ نَائِيًا وَلَوْ رَاشَ مِنْهُ سَهْمَ غِلٍّ مُسَدَّدَا
يُضِيفُ بِهِ هَمًّا إِلَى هَمِّ نَفْسِهِ وَيُضْرِمُ فِيهِ الجَاحِمَ المُتَوَقِّدَا
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يُضْمِرُ الغِلَّ لامْرِئٍ وَلَوْ أَنَّهُ أَبْدَى العَدَاءَ المُجَرَّدَا
سَيَنْدُبُنِي صَحْبِي وَكُلُّ مَنِ الْتَوَى بِحَبْلِ وِدَادِي إِنْ وَهَى أَوْ تَأَيَّدَا
كَمَا لَوْ قَضَوْا قَبْلِي جَمِيعًا نَدَبْتُهُمْ وَأَذْرَفْتُ جَمَّ الدَّمْعِ أَسْوَانَ مُفْرَدَا
وَإِنِّي لَمَفْطُورٌ عَلَى ذَاكَ لا أَنِي وَأَمْسِي وَيَوْمِي فِيهِ قَدْ أَشْبَهَا الغَدَا
وَمَا كَانَ مِنِّي غَيْرُهُ فَمَظَاهِرٌ تَعَوَّدْتُهَا يَا صَاحِ فِيمَنْ تَعَوَّدَا
خَلائِقُ نَفْسِي فِي اتِّضَاعٍٍ وَرِفْعَةٍ فَلِلَّهِ مَا أَشْقَاكِ نَفْسًا وَأَسْعَدَا


كان سرحان أسبق إلى النَّشر من حافظ، فقد نشر قصيدته في صحيفة "صوت الحجاز" بتاريخ 27/11/1355هـ، أمَّا "حافظ" فنشرها سنة 1403هـ الموافق 1983م ضمن ديوان "وحي وقلب وألحان"، ولكنَّه ذكر أنَّ القصيدة كُتِبَت سنة 1373هـ، مِمَّا يعني سبق حسين سرحان على "حافظ" في نشر قصيدته.

البداية من العنوان: عنوان حافظ أقرب إلى الشِّعر منه إلى النثر، قصير، موجز، مركَّز، يحتوي على الإثارة والتَّشويق المطلوبين في العنوان؛ لأنَّه قد يعني أنَّ الشاعر ربَّما يتحدَّث عن قضيَّة كبرى تمسُّ وجدان الأمَّة، كالقضيَّة الفلسطينيَّة، أو غيرها من القضايا ذات الصِّلة، بينما باستِقْراء القصيدة يتبيَّن لنا أنَّه يتكلَّم عن دمعة حارَّة اندلعت من عينيه حزنًا على نفسه، وبكاء على نفسيَّته، ومن هنا فالعنوان معبِّر عن القصيدة أيَّما تعبير، أمَّا عند سرحان فالعنوان أقرب إلى النَّثر منه إلى الشعر "ملل ويأس وأفكار سوداء" وكان يكفيه الجزء الأوَّل فقط "ملل ويأس" أو الجزء الثاني فقط (أفكار سوداء)، أمَّا أن يَجمع بينهما في عنوان واحد، فهذا مُخلٌّ بِمبدأ التَّركيز.

الموضوع عند حافظ إبْراز مشاعر الأسى والحزن الذي غشَّى أفقه، واليأس من الحياة إلى الحدِّ الذي جعله يُظْهِر الابتسام والابتهاج مجاملة للناس، ومحاولة استعجال النهاية:فَحَتَّى مَتَى أَجْرَعُ الكَأْسَ سُمًّا، وَلا مِنْ شَرَابٍ سِوَاهْ؟

وهو نفس الموضوع عند سرحان، وربَّما اشترك الشَّاعران في بعض الأفكار الجزئية، كفكرة نظرة الناس إليهما على أنهما سعداء، وهي في الحقيقة سعادة وهمية، يغلب عليها التظاهر بالسعادة والمجاملة، وقد تناول سرحان بعضًا من صفاته الخُلُقية؛ كحبه الخير للناس، وعدم الحقد والحسد على أحد، وأنه قد جُبل على مثل هذه الصفات، وربَّما سببت له هذه الصفات شقاء وألمًا.

ومن حيث اللغةُ والأسلوب، فقد جاءت لغة حسين سرحان قويَّة، جزلة، خالية من حوشيِّ الكلام، تَميل إلى لُغَةِ البداوة في متانتها "تَحَيَّفَهُ دَهْرٌ شَدِيدٌ شِمَاسُهُ"، وترى أثَرَ البداوة واضحًا في ألْفاظِه وبعض صُوَرِه:

تَقَلَّبْتُ مِنْهَا وَسْطَ رَوْضٍ مُنَمْنَمٍ فَأَضْحَى كَصَحْرَاءَ مِنَ الأَرْضِ أَجْرَدَا

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 143.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 141.38 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]