
06-04-2021, 05:45 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,185
الدولة :
|
|
مصنع القنابل الأسرية
مصنع القنابل الأسرية
هناء الحمراني
-أخبرني عن امرأة تستطيع القيام بأعباء المنزل دون أن تتحول في آخر النهار إلى غوريلا!
- ها..ها..ها..غوريلا مرة واحدة؟ وماذا لو قلت لك بأن هناك نساء قادرات على أن يجمعن بين تلك الأعباء والمحافظة على مظهرهن وإنسانيتهن؟
- هه! في الجنة يا رجل.. اطلب ربك!
- أظننا في حاجة إلى تجديد دماء الزوجية.
- وكيف؟
- سنرعبهن! نجعلهن يتذكرن بأن هناك كائن حي اسمه (زوج) وهو بحاجة إلى كائن حي اسمه (زوجة).. فمن يبادر؟
- أخبرنا بماهية المبادرة فقط.
- سأتزوج عليها!
- هيه يا رجل! أنا من يشتكي فما شأنك بذلك؟
- أريد أن أشجعك.. ولذلك سأقوم بالخطوة الأولى، فأرني ما يمكنك عمله بعد ذلك.
يتصاعد الضحك حتى يصل إلى عنان السماء، ويكمل الشباب سهرتهم إلى منتصف الليل بالسخرية من نسائهم، ولكنهم ينتهون بما بدؤوا به. مجرد كلام، ويعود كل واحد منهم إلى منزله وكأن شيئا لم يكن.
ولو انتقلنا إلى مجالس النساء لوجدنا مثل هذه الأحاديث حول الرجل الذي بالكاد يعلم أن الكائن الحي الذي يبحث عنه موجود أمامه، ولكنه بحاجة إلى الـ(رقي) قليلا ليكون ملائما للعيش معها.. وهنا تدلي كل واحدة بدلوها في وصف دقيق لـ(نوادر) زوجها.. وطرائفه.. ولو أفردت النساء مجلدا في ذلك فلربما فاق مجلد الرجال في اجتماعاتهم الليلية.
قد يكون الأمر سيئا، ولكنه لا يصل إلى حد الإيلام إلا عندما تتسلل أحاديث الرجال إلى مجالس النساء، أو تتسلل أحاديث النساء إلى مجالس الرجال، وهنا تنفجر القنبلة.. إن لم تكن القنابل.
-أنا غوريلا؟
يفتح عينيه فزعا، ويكتم أنفاسه: "كأنني سمعت هذا الكلام من قبل"! ويرفع رأسه إليها والشياطين تتقافز بين عينيها:
-من قال ذلك؟ كيف يمكن للقمر أن يتحول إلى غوريلا؟
-بقدرة قادر..عندما تصبح الزوجة مادة للتسلية عند أصدقاء زوجها، فستتحول إلى غوريلا بكل تأكيد.
الوضع يزداد سوءا، والزوج يشعر بالاختناق. وبعد أن يتكاثف دخان الغضب حوله يصرخ طالبا النجاة.
-من الذي قال لك ذلك؟
-إذن تعترف بأنك حولتني أمامهم إلى غوريلا؟
وتعود الكرة إلى ملعبه:
-كيف يفشون أسرارا كهذه؟ هذا كلام رجال ولا شأن للنساء به.
-ها أنت تكتشف بنفسك أن النساء قادرات على شم رائحة الخيانة على بعد دولتين وقارة!
ينسحب الزوج غاضبا، وربما لا ينسحب إلا وقد تمادى النقاش إلى أكثر من ذلك.
***
لو تأملنا القصة جيدا لوجدنا أنها تتكرر كثيرا في التجمعات التي يتم الاتفاق فيها بين مجموعة الأزواج، وزوجات هؤلاء الأزواج، خاصة بين الأقارب أو زملاء العمل أو جيران الأحياء. وتلعب ثقافة الأفراد في هذه التجمعات ومستوى وعيهم دورا مهما في جعل مثل هذه التجمعات سلاح هدم أو بناء للعلاقات الأسرية.
فالزوج الذي يقوم بفرد عضلات لسانه أمام أصدقائه، ويتندر بزوجته، أو يقلل من قدرها بهدف إضحاك (الجمهور)، أو إبعاد (عين الحاسد) عن عشه الهانئ، أو لأي سبب كان؛ يعتبر العضو الأول في تركيبة القنبلة الأسرية.
والزوج الآخر الذي يقوم بمهمة (رويتر) أو (واس) ويخبر زوجته بما قاله صاحبه يمثل العضو الثاني في هذه التركيبة.
وزوجة الآخر والتي تستكمل ما بدأه (واس) فتقوم بنقل (الطرفة) إلى زوجة الأول مع بعض الإضافات أو بدونها؛ تمثل العضو رقم ثلاثة. وعدد الأعضاء هنا قابل للزيادة ما دام الأمر قد خرج من تلك الجلسة.
وأخيرا تمثل زوجة الأول مفتاح القنبلة التي تنفجر في وجه الزوج، وقد تسيء إلى علاقتهما معا إن لم يتعلما مما حدث درسا يجب ألا ينسى.
إن العلاقات الأسرية ليست نادرة يتندر بها، وأفرادها ليسوا ممثلي كوميديا يتحركون أمام كاميرا الآخرين فيلتقطون ما شاؤوا ليضحكوا ويُضحكوا. وعادة ما يغفل الأزواج والزوجات عن مثل هذا الخطأ حتى يروا بأعينهم كيف تتحول السخرية إلى كارثة.
والأمر ينطبق على الزوجة كما انطبق على الزوج، هذا إذا لم يكن الوضع أكثر سوءا، باعتبار أن الزوج أقدر على اختيار العقوبات وإنفاذها.
لسنا مجبرين على الحديث إذا كانت الإساءة إلى أقرب الناس هي الوسيلة الوحيدة لفتح أفواهنا، وتحريك ألسنتنا للقيام بدور (فاعل) و(نشط) في المجموعة. و"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". و"من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة".
مهلا!
ما أخبار الزوج الذي رفع يده بمبادرة الزواج من ثانية؟
إنه يرمم منزله بسبب آثار القنبلة التي صنعها بيده، وفتحتها زوجته بيدها!
***
كل ما قيل أعلاه لا يرفع الحرج عن بقية أعضاء القنبلة، ولنتأمل معا دور كل واحد ومسؤوليته تجاه الموضوع.
الزوج الأول: اصمت من فضلك أو تحدث في أمور أخرى.
فإن فعل لم تبدأ القنبلة بالتشكل.
وإن لم يفعل وتسربت ثرثرته إلى مسامع الآخرين.. يأتي دور الزوج الثاني.
الزوج الثاني: أنت تعلم أن النسوة يسعدن بمثل هذه الأخبار، ففضلا، اصمت، ولا تحمل ما سمعته إلى زوجتك.
فإن فعل أفسد صناعة القنبلة، وإن تكلم أكمل العمل. وهنا يأتي زوجة الثاني:
زوجة الثاني: من فضلك، أنت تعرفين عاقبة النميمة وما فيها من مفسدة، فقد أشعلت حروبا، وأزهقت أرواحا.
فإن صمتت كان بها، وإن لم تصمت انتهى الأمر، وأصبحت القنبلة جاهزة للانفجار.
وهنا يأتي دور زوجة الأول:
سيدتي! لو قالها في وجهك لهان الأمر، ولكنه جعلك أضحوكة بين الناس. أنت أمام عدة خيارات: أن تكوني مثلا لعبة في أيدي الآخرين فينقلون لك ما شاؤوا من أقاويلهم، وأنت تتحركين غضبا كزنبرك تبعا لأقوالهم فتفسدين حياتك.
أو أن تقطعي الأمل على الجميع بتجاهل ما يقولون، وإيقافهم عن نقل أخبارهم المقيتة عن زوجك.
وبالتفاهم معه في أن ما يقوله يصلك ويؤلمك. وهو في نظرها أكثر مروءة من أن يجعلك أضحوكة مجلسه.
وبذلك يمكن للوعي والحكمة أن تهدم مصنع القنابل الأسرية. بإذن الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|