
04-04-2021, 10:28 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,180
الدولة :
|
|
حياة زوجية أم مصارعة؟
حياة زوجية أم مصارعة؟
هناء الحمراني
تعتمد غالب الأسر في تعاملاتها على نُظُمٍ وأساليبَ محدَّدة.. تتَّخذها نهجاً لها، وتُوَرِّثُهَا أبناءها، مع أنَّها قد لا تكون مُجدِيةً، أو قد تقوم بدور التهدِئة فقط، وربما القمعِ؛ للهروبِ من مسئولية التفاهم والتعاطي بين أفراد العائلة..
ومن الأساليب التي تتعامل بها الأسر: أسلوبُ أو لغةُ القوةِ، وهي بلا شك أداة فعَّالة؛ إما سلباً، أو إيجابياً، ولنا أن نتساءل:
هل لغة القوَّة فنٌّ؟
ما الإيجابيَّات التي يمكن أن نحصل عليها باستخدام هذه اللغة؟
ماذا عن ميزان القوَّة؟ وما الذي يحدث عندما تَرجح كفَّة القوَّة لدى أحد الزوجين دون الآخر؟
وأخيراً.. هل يمكن أن تَلُّمَ القوَّة شعث الأسر المتفكِّكة، أم أنها تحوِّل الأسر المتماسكة إلى أشلاء تعاني من المشاكل النفسية المزمنة؟
اللُّغة الأمُّ:
يتعامل بعض الأزواج مع لغة القوَّة كلغة أم، وكأوَّل دواء لأيِّ مشكلة يمرُّ بها، بل ويستخدمها أيضاً كتلويحٍ استباقيٍّ أمام الطرف الآخر؛ ليجعله يفقد الأمل في أيِّ محاولة لرفع رأسه أو إبداء رأيه، أو بثِّ شكواه، أو مشاركته في القرارات الأسرية؛ حتَّى يصبح الطرف الآخر خاضعاً ذليلاً، وسلبياً، وربَّما غير فعَّال في تربية الأبناء ومساعدتهم على التميُّز والعطاء..
ومن المصطلحات المستخدمة في قاموس القوَّة: الضرب، والتعدي على الآخر بسلب ما يملكه وحرمانه، مستخدماً منطق الصلاحيَّة وخلط الأمور ببعضها، فلأنها لم تُعِدَّ طعام العشاء؛ ستعاقب بحرمانها من الذهاب إلى والدتها في عطلة نهاية الأسبوع، ولأنه لم يُحضر لها الفستان لمناسبة الشهر القادم؛ فلن تغسل له ثيابه طيلة هذا الشهر!
وشتان بين حرمان وآخر!! فقد يتمكَّن أحد الأطراف من تعويض ما افتقده في زوجه، بينما قد يتحوَّل طرف -وهو غالباً ما يكون المرأة- إلى سجين يحصل على احتياجاته متى شاء السجَّان، ويحرم منها متى تكدَّر خاطره وتبلبل مزاجه!!
عندما تصبح القوَّة هي اللغة الرئيسة -وربما الوحيدة التي يُتقِنُها الفرد الأقوى في العائلة- فإن الحياة تصبح جحيماً لا يطاق، وتتحوَّل العشرة الزوجية إلى مسلسل من المعاناة والتضحيات، ما لم يفكِّر هذا الفرد الديكتاتوري في تعلم (لغات) جديدة تحلُّ محلَّ هذه اللغة، أو تقوم بتلطيف استخدامها، وتجعلها كآخِر الحلول في سلَّم المحاولات لتسيير دفَّة الأسرة.
لغة موحَّدة:
يا للهول! لا أعني هنا أن يكون هناك جوٌّ من التفاهم والود بكل تأكيد.. بل أعني أن تصبح لغة القوَّة هي اللغة الوحيدة التي يستخدمها الزوجان في تحاورهما مع بعضهما، وتسيير شئون حياتهما.
ولأن القوى متساوية، ولأن لكل واحد منهما مقدار لا بأس به من الصلاحيات، وإنْ كانت مختلفة وربما متشابهة؛ تتحوَّل الجلسات العائلية إلى مزيج من الصراخ والضرب، والحرمان المتبادل، وربما الكيد والإيذاء بكل الطرق المتاحة، فما أن يجد طرف منهما فرصة للنيل من شريكه؛ تجده ينتهزها، بل ربما أَبْدَعَ في ذلك، واختلق هذه الفرص!
بعكس الجو الأسري السابق الذي يصبح فيه أحد الطرفين مخذولاً، نجد هنا أن جميع الأطراف متوترة -بما فيهم الأبناء- ويصبح منطِق القوَّة سلوكاً متأصلاً في تعاملهم مع بعضهم، فضلاً عن تعاملهم مع الآخرين خارج المنزل، ويصبح (العفو عن المقدرة) كلاماً غريباً غرابة المثاليات؛ لتحلَّ محلَّه عبارة: (ابطش به قبل أن يتمكَّن منك).. وكأننا هنا لا نتحدث عن أسرة بقدر ما نتحدث عن دولتين متصارعتين، والقوَّة هي الأساس في التعامل بينهما..
هنا يصعب على أحد الزوجين تغيير سلوكه لتخفيف التوتر الناشئ عن تصرفاتهما؛ لأن أي محاولة للتفاهم تعني التنازل، وأي تنازل مهما كان طفيفاً يعني الغلبة للآخر، وربما تمكِّنه من ممارسة اضطهاده دون رادع..
القوة.. للتقويم:
لأن القوة فن، ولأن لها الكثير من المصطلحات التي يمكن للفرد استخدامها في مواجهة التحديات التي تواجهه؛ فهي ضرورية لتقويم ما لا يمكن تقويمه بالحكمة، والتعامل الهادئ، وعندما يصبح استخدامها اضطرارياً وعارضاً؛ فإنَّ الطرف الآخر سَيعِي بأنَّ الأول لديه القدرة على اتخاذ القرار، واستخدام صلاحياته؛ لحماية الأسرة من الانهيار، أو عند تجاوز الخطوط الحمراء، أو استمرار التجاهل واللامبالاة؛ وبذلك يعيده الأمر إلى جادة الصواب.
وفي جميع الحالات لا شك أن للآخر دوراً مُهِمَّاً: إذا استطاع بالحكمة والمشورة أن يعادل كفة الميزان، ويتسلَّل إلى هذا (المارد) من خلال نقاط ضعفه؛ ليحوِّله إلى كائن متفهِّم قادر على التعامل بأساليب أخرى أكثر مرونة..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|