
04-04-2021, 10:23 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة :
|
|
قهوته على طريقتها
قهوته على طريقتها
نُـور الجندلي
يوم تزوجا كانت تدرك أن لكل منهما طباعاً مختلفة، وطريقة محددة في الحياة تعجبه وهو راض بها، وأن أمامها طريق طويلة لتخلق شيئاً من الانسجام يقرّبُ القلوب ويصنع في الحياة طعماً أشهى...
حتى القهوة، كانت تعرف أنه يفضلها مختلفة عنها، مغلية جيداً مع نصف ملعقة متوسطة من السكر، ولذلك، فقد كانت كل صباح تعدّ القهوة بطريقتين، الأولى كما يفضلها هو، والثانية بقشوة دون سكر كما تحب تناولها هي...
أعوام مضت على زواجهما، انقضت ما بين مدّ وجزرٍ على صعيد القلب، لم تتخيل يوماً أن تحدث هي في نفسه أدنى تغيير أو تأثير كصديقة ورفيقة درب وشريكة حياة، وقنعت به كما هو بصفاته التي قد لا تعجبها، وفي نفس الوقت لا تملك خياراً في تغييرها، وسرى شيء من اليأسِ إلى قلبها، وانتاب عواطفها النعاس. حتى أتى يوم فوجئت فيه بزوجها يجيبُ نادل المطعم، وقد سأله عن قهوته المفضلة، فأجاب دون تردد...
- أفضلها بقشوة دون سكّر!!
في الأعوام الأخيرة كان فنجان القهوة طقساً لا يغادرانه هو أو هي بحالٍ من الأحوال، فهو بمثابة فرصة ذهبية لتبادل الأخبار أو الطرائف أو حتى الشجارات الصغيرة العابرة، والتي تسمى بهارات الحياة. ومع انغماسها في أعمال البيت المرهقة والاهتمام بالأولاد، أصبحت تحضر القهوة بالطريقة الأسهل، وكما تفضلها هي، وهو يطلب السكر أو يضيفه بنفسه إلى فنجانه أو يشربها كما تقدم له دون تعقيب. فظنت هي أنه يتناول فنجانه على مضض، وبكثير من امتعاض!
لكن في تلك اللحظة التي أجاب النادل فيها، ما كانت تتوقع أبداً أنه بات يفضل ما تفضل هي، ويحب ما تحب! فليس عليه أن يجامل فيما يفضله، وأن يطلب ما لا يحلو له، ومع ذلك فقد فضل أن يحتسي قهوته على طريقتها، وهذا الأمر قد أثر في نفسها كثيراً، فلكم تحايلت في الأزمنة الماضية عليه ليشاركها بعض أفكارها أو هواياتها، وأن يحبّ الأشياء التي تحب، ودون جدوى كانت كل محاولتها تبوء بالفشل، ولم تدرك أنها مع مرور الزمن تتركُ شيئاً من روحها في قلبه، كما يترك شيئاً منه في قلبها، فيمتزجان معاً، ويتحدان في أمور كثيرة، ويتفقان، بعد أن كان التنافر هو الصفة الغالبة على حياتهما.
لم يخطر ببالها أبداً أن يجمعهما اتفاقٌ وتغيير، فتلتقي العيون مجدداً قبل الكلمات، ويُسمع لخفقات القلب صوتٌ قبل اللغة، وتحدثُ شجارات كثيرة يتبعها صلحٌ وودّ ورحمة وحنان...
ذلك الموقفُ أيقظ قناعاتها مجدداً، ودفعها لأن تكافح من جديد لتحقيق أمور أخرى كبيرة، وعلى أصعدة كثيرة، فلا يتسلل يأس إلى قلبها، ولا يعتري حياتها بؤس ما دامت قد خُلقت لتبني وتُعمر ، ولذلك فقد قررت منذ ذلك الوقت أن تفتح الصفحة الجديدة التي فكرت دائماً ألا تفتحها، وأن تكتب فيها عن الأشياء الجميلة التي تعلمتها خلال فترة زواجها، والصفات التي اكتسبتها، وتلك التي أكسبتها زوجها وأولادها...
في تلك اللحظات شعرت أن أيام العمر جميلة، بكل ما اعترضها فيها من عقبات، وكل المشكلات التي واجهتها فانتصرت عليها، والأخرى التي لم تتغلب عليها بعد...
فهمت أخيراً أن الحياة عبارة عن مواقف، وكل موقف فيها لابد وأن يؤثر، والتأثير قد يكون إيجابياً أو سلبياً، فعقدت العزم على أن تتحول في مواقفها إلى شخصية إيجابية وأن تنحي السلبية جانباً ما دام ذلك بالإمكان.
لقد تأكدت في ذلك اليوم أن فنجان القهوة ذاك لم يكن مجرد منبه يحتوي على نسبة من الكافيين المنشط والمجدد للطاقة، والمبدد للإرهاق، لكن مفعوله في ذلك الوقت سرى إلى ما هو أبعد في الدماغ، وأيقظ عن طريقه كل الحواس النائمة داخلها، وقضى على المشاعر الباهتة، وعلى كثير من اليأس الذي احتلها، ليتحول إلى إرادة وفعل دافعهما الحب... ولذلك فقد ظل موعد شرب القهوة هو الموعد الأجمل لأنه يذكرها دائماً بأن الحياة لا تحلو إلا بالتفاعل والمحبة والعطاء الأمثل بلا حدود...
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|