|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ميلادي في شهر نانسي خلف إنه يوم مولدي، ومِن عادة الأهل والأصدقاء أن يفاجئوني ويُدخلوا السرور إلى قلبي في يومٍ أحزن فيه لانقضاء سنة من عمري، وشعور مِن القلق يتملَّكني مع مائة سؤال وسؤال: ماذا قدَّمت؟ وماذا حققت وقِطار الحياة يَمشي مُسرعًا والمحطات كثيرة؟ وليس هذا تشاؤمًا مني، ولا أردت مِن كلامي أن أنقل لكم مشاعر سلبية، ولكنه واقع الأيام التي تَمضي، ومع هذا فما يُهمُّني الآن هو يوم مولدي، فسأعود إلى هذا اليوم، وهذه المرة - وعلى غير عادة - لا أشعر بأية بوادر من أصدقائي وأهلي للاحتفال به؛ فالكل مَشغولٌ بنفسه، وأصبحت الأيام تمرُّ بسرعة البرق، وسواء كنتُ ممن يعنيني موضوع الاحتفال بمولدي أو لا، إلا أنني لا أخفي عليكم سعادتي بأني حزتُ منهم الاهتمام، وحظيتُ في ذاكرتهم بمكان. ولكن يَبقى هاجس الخوف عندي: ماذا فعلت بعمري؟ وماذا سأفعل؟ وهل سيكون لي عمرٌ كافٍ لما أريد أن أحقق؟ أسئلة كثيرة، ومَخاوف كبيرة. إلى أن جاء هذا اليوم العظيم، هذا الشهر الكريم، ومعه ثلاثون يوم ميلاد لمن استثمرَها واستغلَّها، ثلاثون يوم ميلاد تَغلِب الخوف من فوات الأيام ومرور الزمان، فتُزيل ما مضى من سواد ذنوبها ونُكَتِ تقصيرها، أيام ولادتنا المعنوية هي مَن قال عنها نبينا صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفِّرات ما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر)). مَن قال: إن يوم ميلادنا هو يوم ولدتْنا أمهاتُنا؟! ومَن قال: إن مِن رحم الأمهات فقط تولد الحياة؟! بل من رحم رمضان، رمضان الرحمات أيضًا! إنه الشهر التاسع من العام، وفي الشهر التاسع يولد الإنسان، نولد مِن جديد أنقياء أصفياء بلا شوائب، بلا أكدار، ولا خوف من المستقبل كما هو الحال في يوم ميلادنا الرقمي؛ حيث تتوالى السنون وتكبر الأعداد. إنه مولد معنويٌّ يلغي ذاك المولد الرقميَّ، بل ويعيدهإلى مرحلة الصفر؛ لتبدأ وأبدأ من جديد صفحة بيضاء، أُولد من جديد مع رحمة ومغفرة وعتق من النار، وهل مِن اطمئنان يضاهي بعد ذلك هذا الاطمئنان؟ فمهما تزيَّنت ليوم ميلادك لن تكون كزينتك لرمضان، لباب الريان؛ فالأفواج تتهافتُ على باقي الأبواب، ولكن يبقى باب الريان لا يدخله أحد إلا الصائم كائنًا من كان، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِقَ فلم يدخل منه أحد)). وحتى السماء تزينت لرمضان، لشهر ميلادك إن كنت من الصائمين بالجوارح واللسان، ومِن العاملين والمُثابرين فيه، تتنافَس على هذه الحسنة، وتتسابَق إلى معروف وصدقة، تعفو عن هذا، وتُسامح من آذى. فحتى السماء تزيَّنت لميلادك في رمضان، فإذا دخل شهر رمضان ((فُتحت أبواب السماء، وغلِّقت أبواب جهنَّم، وسُلسلَت الشياطين)). وما زلت في يوم ميلادك تنتظر الهدية، ولكن دعني أصارحك، مهما حصلت على هدايا في يوم ميلادك، فلن تكون كتلك التي قال عنها الله عز وجل: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به)). ((إنه لي)) وعد تتبعه ثقة واطمئنان بما عنده جل وعلا؛ فالموضوع عنده، والمسألة بيده، وهو صاحب الجزاء ومالك العطاء الوهاب. وإن كنت تمنَّيتُ أن يكون لعمري عمر ثانٍ لأعمل وأجتهد وأحقِّق ما أريد، فمع رمضان جاءت الفرصة، جاءت المِنحة، وأنا طالبة في مدرسة الحياة، أجتهد وأُثابر، ولكن لا بدَّ مِن مِنحة تدعم مسيرتي، وتُثبت عزيمتي، منحة جعلتني أقول: مِن أرحام أمهاتنا خرجْنا لهذه الحياة. وفي يوم ميلادنا نحزن لعامٍ من عمرِنا قد فات. ولكن مَن قال: إن من الأرحام فقط تولد الحياة؟ وها هو رمضان أقبل ومعه ثلاثون يوم ميلاد؛ ليُضيف إلى أعمارنا أعمارًا جديدة. وفيه ليلة هي خير من ألف شهر.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |