|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
العفو الكريم جل جلاله السيد مراد سلامة الخطبة الأولى أما بعد: حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون مع اسم من أسماء الله الحسنى، هذا الاسم له أثر كبير في حياة الكائنات، وخاصة بني الإنسان، إن ذلك الاسم هو العفوُّ (جل جلاله)، فعفوُه قد شمل الكائنات وعمَّ البريات المؤمنين والمؤمنات، أهل الطاعة والإحسان، وأهل الكفر والبهتان؛ يقول ابن القيم رحمه الله: وهو الحيي فليس يفضح عبده ![]() عند التجاهُر منه بالعصيان ![]() لكنه يُلقي عليه سترَه ![]() فهو السِّتِّير وصاحب الغُفران ![]() وهو الحليم فلا يُعاجِل عبدَه ![]() بعقوبةٍ ليتوب من عصيان ![]() وهو العفوُّ فعفوه وسع الورى ![]() لولاه غار الأرض بالسكان ![]() وهو الصبور على أذى أعدائه ![]() شتموه بل نسبوه للبهتان ![]() قالوا له ولد وليس يعيدنا ![]() شتمًا وتكذيبًا من الإنسان ![]() هذا وذاك بسمعه وبعلمه ![]() لو شاء عاجلهم بكل هوان ![]() لكن يعافيهم ويرزقهم وهم ![]() يؤذونه بالشرك والكفران[1] ![]() فهيَّا إخوة الإيمان لنعيش في معية العفوِّ (جلَّ جلالُه) لنتعرَّف على ذلك الاسم العظيم، وكيف ننال عفوه جل جلاله؟ معنى العفو: اعلم بارك الله فيك أن معنى العفو هو: الذي يترك عباده، ولا يعاقبهم على ما صدر منهم؛ قال الخليل: "العفو: تركك إنسانًا استوجب عقوبةً، فعفوت عنه تعفو، والله العفو الغفور"[2]. واعلموا أن عفو الله عن عباده ليس ناتجًا عن استحقاقهم لذلك؛ وإنما عفوه صادرٌ عن كرمه وجُوده (جل جلاله). قال ابن فارس: "وقد يكون أن يعفو الإنسان عن الشيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق؛ ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((عفوتُ عنكم عن صدقة الخيل))[3]. فليس العفو ها هنا عن استحقاق، ويكون معناه: تركت أن أوجب عليكم الصدقة في الخيل"[4]. أي: إنه لا يشترط للعفو عن شخص ما أن يكون مستحقًّا لذلك، فالعفو هو التجاوُز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله: المحو والطمس. والعفو سبحانه هو الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها، يعفو عن المسيء كرمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلًا وإنعامًا، حتى يزول اليأس من القلوب، وتتعلَّق في رجائها بمقلب القلوب[5]. ثبوت اسم العفو لله تعالى: إخوة الإيمان، سمَّى الله عز وجل نفسه العفو على سبيل الإطلاق في قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]، وقوله: ﴿ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 99]، وقوله: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [الحج: 60]. عفو الله العفوِّ عن المذنبين عفو الله عن بني إسرائيل لما اتخذوا العجل: ومن عظائم الذنوب التي ارتكبها قوم موسى عليه السلام، اتخاذهم العجل، وعبادتهم إيَّاه، ومع عظم ذلك الذنب إلا أن العفوَّ (جل جلاله) قد عفا عنهم، وغفر لهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [البقرة: 51]، هذه لا تكفيها توبة عادية؛ ولذلك قال بعدها: ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 52]. عفو الله تعالى عن الذين تولوا يوم أحد: ومن كبائر الذنوب التولِّي يوم الزحف، ومع أنها كبيرة إلا أن رحمة الله العفوِّ الغفور نالت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد يوم أن تولَّوا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران: 155]. أما قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران: 155]، فالعفو فيه غير العفو في آية الشورى، ذلك عفو عام، وهذا عفو خاص، ذلك عفو يُراد به: أن من سنة الله في فطرة البشر أن تكون بعض هفواتهم وذنوبهم غير مفضية إلى العقوبة بالمصائب في الدنيا والعذاب في الآخرة، وهذا العفو خاصٌّ بالمؤمنين يُراد به أن ذنبهم يوم أحد الذي كان من شأنه أن يعاقب عليه في الدنيا والآخرة قد كانت عقوبته الدنيوية تربية وتمحيصًا، وعفا الله عن العقوبة عليه في الآخرة؛ ولذلك قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 155] لا يعجل بتحتيم العقاب. ومن آيات مغفرته لهم وحلمه بهم توفيقهم للاستفادة مما وقع منهم وإثابتهم الغم الذي دفعهم إلى التوبة حتى تمحص ما في قلوبهم، واستحقوا العفو عن ذنوبهم[6]. لولا عفو الله تعالى لهلكنا: إخوة الإيمان، لولا عفوه سبحانه وتعالى عنا، لهلكنا ولعاقبنا؛ ولكنه الرحمن الرحيم، العفو الغفور، قال (جل جلاله): ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]. عن علي، رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل، وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض، أو عقوبة، أو بلاء في الدنيا، فبما كسبت أيديكم، والله تعالى أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا، فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه))[7]. محبة الله تعالى للعفو والعافين: اعلموا علمني الله تعالى وإياكم: أن الله تعالى يحب العفو، ويحب العافين عن الناس؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى عفو يحب العفو))[8]. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن أول رجل قطع في الإسلام أو من المسلمين، رجلٌ أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، إن هذا سرق، فكأنما أُسِفَّ وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمادًا، فقال بعضهم: يا رسول الله؛ أي يقول: ما لك؟ فقال: ((وما يمنعني وأنتم أعوان الشيطان على صاحبكم، واللهُ عز وجل عفُوٌّ يحبُّ العفو، ولا ينبغي لوالي أمر أن يُؤتى بحدٍّ إلَّا أقامه)) ثم قرأ: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22][9]. روي عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: ((تقولين: اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعْفُ عنِّي))[10]. عفو الله تعالى العام: ومن عفو الله عفوه العام عن كل من ارتكب خطيئة أو بارزه بمعصية، فإن الله تعالى فتح له باب عفوه بشرط أن يتوب عنه، وتلك من رحمات الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 - 71]. فتأملوا أيها الأحباب تلك هي أمهات الكبائر، ومع ذلك فتح لهم باب التوبة والمغفرة، ونالهم عفوُه متى تابوا إليه (جل جلاله). عن طويل شطب الممدود رضي الله عنه، "أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلها، فلم يشرك بالله تعالى شيئًا، وهو في ذلك لا يترك حاجةً أو داجةً إلا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبة؟ قال: ((هل أسلمت؟))، قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((نعم، تفعل الخيرات، وتترك الشرَّات، فيجعلهن الله عز وجل للخيرات كلهن))، قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: ((نعم))، قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى"[11]. عفو الله عن عباده يوم القيامة عفو الله تعالى عن الآباء والأمهات بشفاعة الأبناء: ومن عجيب عفو الله تعالى وجُودِه يوم القيامة، أن يعفوَ عن الآباء والأمهات بشفاعة أبنائهم يوم القيامة؛ فعن شرحبيل بن شفعة، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سمِع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة))، قال: ((فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا))، قال: ((فيأتون))، قال: ((فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم مُحْبَنْطِئِينَ، ادخلوا الجنة))، قال: ((فيقولون: يا رب آباؤنا))، قال: ((فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم))[12]. العفو العام لأمة خير الأنام صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: عن أبي سعيد الخُدْري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فو الذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجُّون، فيقال لهم: أخرِجُوا مَنْ عرَفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير، فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدًا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير، فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا))، وكان أبو سعيد الخُدْري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، فيقول الله عز وجل: ((شفعت الملائكة، وشفع النبيُّون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضةً من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قطُّ، قد عادوا حممًا، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟))، فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: ((فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدَّموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه، فهو لكم، فيقولون: ربنا، أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا))[13]. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |