خطبة قصيرة عن الموت - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السنة في ليلة العرس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مسّ الحائض والجُنُب المصحف بِلا حائل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حُكم التعزية قبل الدفن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحلال والحرام في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          السّجود للتلاوة على غير السّجادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الزكاة على العملات القديمة أو الجديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          إعادة صلاة الجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          اصطفاف أهل الميت عند باب المقبرة لتلقي التعازي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 7848 )           »          الذكاء الاصطناعي في خدمة العلوم الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-03-2021, 12:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,772
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة قصيرة عن الموت

خطبة قصيرة عن الموت
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي





الْخُطْبَةُ الْأُولَى
عِبَادَ اللهِ! حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ سَاعَةٍ وَلَحْظَةٍ حَاسِمَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ، سَيَمُرُّ بِهَا كُلٌّ مِنَّا، شَاءَ أَمْ أَبَى! إِنَّهَا سَاعَةُ الْـمَوْتِ! وَالِانْتِقَالُ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، قَالَ اللهُ - جَلَّ فِي عُلَاهُ -: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]؛ فَالْمَوْتُ نِهَايَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ:
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ *** يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ

فَسَاعَةُ الْمَوْتِ، سَاعَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ - كَائِنًا مَنْ كَانَ - أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ لِسَاعَةٍ، حَتَّى يَتَدَارَكَ مَا فَاتَهُ، وَيُصَحِّحَ مِنْ أَوْضَاعِهِ، قَالَ اللهُ: ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [يس: 50]؛ فَهِيَ تَأْخُذُهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ فِي جِدَالِـهِمْ وَخِصَامِهِمْ فِي مُعْتَرَكِ الْحَيَاةِ، لَا يَتَوَقَّعُونَهَا، وَلَا يَحْسِبُونَ لَهَا حِسَابًا، فَإِذَا هُمْ مُنْتَهُونَ، كُلٌّ عَلَى حَالِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوصِيَ لِـمَنْ بَعْدَهُ، وَلَا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُوصِيهِمْ بِمَا فِيهِ مَصَالِـحِهِ وَإِنْقَاذِ نَفْسِهِ.

وَهَذَا إِنْذَارٌ لِأَهْلِ الْغَفْلَةِ الَّذِينَ غَفَلُوا عَنِ الْمَوْتِ، وَشَغَلَتْهُمُ الدُّنْيَا عَنْ تَذَكُّرِهِ، فَفَاجَأَهُمُ الْمَوْتُ؛ فَلَا يُسْعِفُهُمُ الْوَقْتُ لِيُصْلِحَ مَا يُمْكِنُ إِصْلَاحُهُ؛ فَالْمَوْتُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَبْطِئَهُ مِنَّا أَحَدٌ؛ فَلَا أَحَدَ يَعْلَمُ مَوْعِدَ رَحِيلِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ عَمَلٍ وَلَا تَوْبَةٍ وَلَا اسْتِدْرَاكِ شَيْءٍ وَلَا تَصْحِيحِ وَضْعٍ.

سُبْحَانَ اللهِ! إِذَا نَزَلَ الْمَوْتُ لَا يَسْتَطِيعُ الْوَاحِدُ مِنَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ، فَكَيْفَ إِلَى فِعْلٍ يَحْتَاجُ إِلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَرَدِّ الْـمَظَالِـمِ، وَاخْتِيَارِ التَّوْصِيَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْكَلِمَاتِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَهَمِّ الْكَلِمَاتِ؛ فَإِنَّ الْحَاجَةَ فِي وَقْتِ الْـمَوْتِ إِلَى التَّوْصِيَةِ أَمَسُّ وَالتَّنْكِيرَ فِي التَّوْصِيَةِ لِلتَّعْمِيمِ؛ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَوْصِيَةٍ مَا، وَلَو كَانَت بِكَلِمَةٍ يَسِيرَةٍ، وَلأَنَّ التَّوْصِيَةَ قَدْ تَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ، فَالْعَاجِزُ عَنْهَا عَاجِزٌ عَنْ غَيْرِهَا، قَالَ - تَعَالَى -: ﴿ وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾، بَيَانٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّوْصِيَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَرْجُو الْوُصُولَ إِلَى أَهْلِهِ قَدْ يُمْسِكُ عَنِ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ مَعَ الْحَاجَةِ دَلَّ عَلَى غَايَةِ الشِّدَّةِ.

وَقَالَ - تَعَالَى -: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، فَسُؤَالُ الرَّجْعَةِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْكَافِرِ، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مُفَرِّطٍّ، فَيُخْبِرُ اللهُ - تَعَالَى - عَنْ حَالِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، مِنَ الْمُفَرِّطِينَ الظَّالِمِينَ، أَنَّهُ يَنْدَمُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، إِذَا رَأَى مَآلَهُ، وَشَاهِدَ قُبْحَ أَعْمَالِهِ فَيَطْلُبُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، لَا لِلتَّمَتُّعِ بِلَذَّاتِهَا وَاقْتِطَافِ شَهَوَاتِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 100] مِنَ الْعَمَلِ، وَفَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ. ﴿ كَلَّا ﴾، أَيْ: فَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَلَا إِمْهَالَ، فَقَدْ قَضَى اللهُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ، ﴿ إِنَّهَا ﴾، أَيْ: مَقَالَتُهُ الَّتِي تَمَنَّى فِيهَا الرُّجُوعَ إِلَى الدُّنْيَا، ﴿ كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ﴾، أَيْ: مُجَرَّدُ قَوْلٍ بِاللِّسَانِ، لَا يُفِيدُ صَاحِبَهُ إِلَّا الْحَسْرَةَ وَالنَّدَمَ.

﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 100]، أَيْ: حَاجِزٌ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفِي هَذَا البَرْزَخِ، يَتَنَعَّمُ الْمُطِيعُونَ، وَيُعَذَّبُ الْعَاصُونَ، مِنِ ابْتِدَاءِ مَوْتِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَلْيَعُدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، وَلْيَأْخُذُوا لَهُ أُهْبَتَهُ.

فَفَكِّرْ يَا عَبْدَ اللهِ! فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ شَهْوَتِكَ وَمَحَابِّكَ، وَانْقَطَعَتْ عَنْكَ فُرْصَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَهَجَمَتْ عَلَيْكَ الشَّدَائِدُ الْعِظَامُ، وَوَقَعْتَ فِي الْأَخْطَارِ الْجِسَامِ، فَنَادَيْتَ عِنْد ذَلِكَ نَادِمًا: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100] فَلَمْ يُجَبْ نِدَاؤُكَ، وَلَمْ تُعْطَ سَاعَةً وَاحِدَةً تَتُوبُ فِيهَا إِلَى اللهُ - تَعَالَى - وَتَسْتَرْضِيهِ.

وَلْيَكُنْ يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا النِّدَاءُ ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ عَلَى بَالِكَ طَالَمَا أَنَّكَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ؛ لَا تَغْفَلْ عَنْهُ أَبَدًا؛ فَإِنَّهُ إِذَا بَاشَرَ الْقَلْبَ أَحْدَثَ فِيهِ خَوْفًا شَدِيدًا؛ فَحَصَّلَتْ بِعَوْنِ اللهِ -تَعَالَى - التَّقْوَى، وَانْخَلَعَ الْعَبْدُ مِنَ الْمَعَاصِي، وَبَادَرَ بِالصَّالِحَاتِ سَاعَةَ الْأَجَلِ.

وَقَالَ - تَعَالَى -: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾ [المنافقون: 11]، فَالْآجَالُ لَا مَجَالَ فِيهَا لِلتَّأْجِيلِ؛ فَهِيَ مَحْتُومَةٌ، مُحَدَّدَةٌ مَوْقُوتَةٌ، فَكُلُّ غَافِلٍ وَمُفَرِّطٍ يَنْدَمُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، نَدَمًا لَا يُجْدِي، وَيَسْأَلُ أَنْ يُطَالَ فِي عُمُرِهِ، وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ؛ لِيَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَهُ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! وَكَانَ مَا كَانَ، وَأَتَى مَا أَتَى وَكُلٌّ بِحَسَبِ تَفْرِيطِهِ، وَمُحْتَضِرٌ يَفِيقُ إِفَاقَةً وَيَنْتَبِهُ انْتِبَاهًا لَا يُدْرِكُهُ مَنْ حَوْلَهُ، انْتِبَاهٌ لَا يُوصَفُ، وَيَقْلَقُ قَلَقًا لَا يُتَصَوَّرُ، وَيَتَلَهَّفُ حَسْرَةً عَلَى زَمَنِهِ الْمَاضِي، وَيَتَمَنَّى لَوْ تُرِكَ كَيْ يَتَدَارَكَ مَا فَاتَهُ بِإِعْلَانِ تَوْبَةٍ، لَعَلَّهَا تُنْقِذُهُ وَمِنْ عَذَابِ اللهِ تُخَلِّصُهُ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! لَقَدْ فَرَّطَ فِي زَمَنِ الْعَمَلِ، وَتَسَاهَلَ فِي فَتْرَةِ الزَّرْعِ، مَعَ أَنَّ النَّذِيرَ قَدْ جَاءَهُ وَالتَّحْذِيرَ قَدْ وَصَلَ إِلَى مَسَامِعِهِ، وَلَكِنَّ التَّسْوِيفَ وَالتَّأْجِيلَ وَطُولَ الْأَمَلِ وَالْخُضُوعَ لَإِبْلِيسَ، حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ وَسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ وَالرَّجْعَةِ!

وَلَوِ اسْتَشْعَرَ الْعَاقِلُ وَهُوَ فِي أَوَانِ عَافِيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ، لَحَصَلَ كُلُّ مَقْصُودٍ، وَنَالَ كُلَّ مَطْلُوبٍ، فَطَالَـمَا نَعْلَمُ أَنْ سَنَنْدَمَ عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِي جَنْبِ اللهِ، وَأَنَّنَا سَنَتَحَسَّرَ عَلَى ذُنُوبِنَا؛ فَلِمَاذَا لَا نُبَادِرُ قَبْلَ الْفَوَاتِ؟ وَنَسْتَعِدُّ لَهُ غَايَةَ الِاسْتِعْدَادَ.

أَحْسَنَ اللهُ بِنَا أَنَّ الْخَطَايَا لَا تَفُوحُ

فَإِذَا الْمَسْتُورُ مِنَّا بَيْنَ ثَوْبَيْهِ فَضُوحُ

كَمْ رَأَيْنَا مِنْ عَزِيزٍ طُوِيَتْ عَنْهُ الْكُشُوحُ

صَاحَ مِنْهُ بِرَحِيلٍ طَائِرُ الدَّهْرِ الصَّدُوحُ

سَيَصِيرُ الْمَرْءُ يَوْمًا جَسَدًا مَا فِيهِ رُوحٌ

بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ حَيٍّ عَلَمُ الْمَوْتِ يَلُوحُ

كُلُّنَا فِي غَفْلَةٍ، وَالْمَوْتُ يَغْدُو وَيَرُوحُ

كُلُّ نَطَّاحٍ مِنَ الدَّهْرِ لَهُ يَوْمٌ نَطُوحُ

نُحْ عَلَى نَفْسِكَ يَا مِسْكِينُ إِنْ كُنْتَ تَنُوحُ

لَتَمُوتَنَّ وَلَوْ عَمَّرْتَ مَا عَمَّرَ نُوحُ


الَّلهُمَّ أَحْسَنْ خَاتِمَتَنَا وَتَوَفَّنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا غَيْرَ غَضْبَانَ، الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
عباد الله! عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ حَقَّ الِاسْتِعْدَادِ، وَأَنْ نَصْحَى مِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةِ وَنَفِيقُ مِنْ هَذِهِ الْغَفْوَةِ، وَقَدْ نَبَّهَنَا اللهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، فَالْآيَاتُ فِيهَا النَّذْرُ وَالْحَسْرَةُ مِنَ الظَّالِمِ عِنْدَ اقْتِرَابِ الْمَوْتِ وَرُؤْيَةِ الْعَذَابِ تَتَابَعَتْ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 44]، فَيَا لَهُ مِنْ مَرْأًى وَمَنْظَرٍ فَظِيعٍ وَصَعْبٍ شَنِيعٍ، بِظُهُورِ النَّدَمِ الْعَظِيمِ، وَالْحُزْنِ الَّذِي لَا يُضَاهِيهِ حُزْنٌ عَلَى مَا سَلَفَ، يَا لِعِظَمِ تَعْبِيرِ الْقُرْآنِ: ﴿ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ﴾، أَيْ: هَلْ لَنَا مِنْ طَرِيقِ أَوْ حِيلَةٍ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ طَلَبٌ مُحَالٌ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَجَارَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ ذَلِكَ.

فَأَدِمْ - أَيُّهَا الْمُسْلِمُ - التَّفَكُّرَ فِي الْمَوْتِ، وَاجْعَلْ تَحْتَ نَاظِرَيْكَ النَّارَ، وَسَتَرَاهَا عَيَانًا يَنْخَلِعُ مِنْهَا الْقَلْبُ؛ فَأَنْتَ - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ - موقنٌ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتَعَلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَتَيَقَّظْ قَبْلَ أَنْ يُفَاجِئَكَ هَوْلُ الْمَوْتِ وَسَكْرَتُهُ، وَيَحُلُّ بِكَ أَلَمُ الْفَوْتِ وَحَسْرَتُهُ، وَتُوضَعُ فِي حُفْرَةٍ، إِمَّا أن تكون مُنِيرَةً أَوْ مُظْلِمَةً، إِنَّ هُنَاكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُحِبُّ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَلَا ذِكْرَ الْقُبُورِ، وَذَاكَ وَرَبِّي مِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ، حَتَّى يَعِيشَ فِي غَفْلَةٍ؛ لِذَا: يَقُول الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْه - فِي الحَدِيث الصَّحِيح: «فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ»؛ فَلَا يَعْبَثَنَّ بِكَ الشَّيْطَانُ، فَالْقَبْرُ لَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَهُ شِئْتَ أَمْ أَبِيْتَ؛ فَلَا تَخْدَعْ نَفْسَكَ، وَلَا تَغُضَّ الطَّرْفَ عَنْ حَقِيقَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَاثِلَةً أَمَامَ عَيْنَيْكَ.


أَحْسَنَ اللهُ خَاتِمَتَنَا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.41 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]