زوجي يتهمني بالغش بسبب حروق في جسدي

[ابوالوليد المسلم]

زوجي يتهمني بالغش بسبب حروق في جسدي
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي


السؤال

♦ ملخص السؤال:
استشارة من امرأة أُصيبتْ بحروقٍ في جسدها وهي صغيرة، وأَخبَرَتْ زوجها بذلك قبل العقد، لكن بعد الزواج اتَّهَمَها بالكذب والغشِّ.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُصبتُ منذ سنوات بحرقٍ في جسدي ترَك ندوبًا مؤلمةً، ولم أكنْ أخبرتُ أهلي بذلك؛ لما لمنظرها مِن أثَرٍ على النفس، وقررتُ بعدها ألا أتزوَّج!


أجريتُ عمليات جراحية لإزاله الندوب، وتحوَّل جسمي إلى خريطةٍ مِن الجروح، واشتريتُ مراهم باهظة الثمن وأخذتُ حُقنًا وعلاجات، وعولجتُ بالليزر، وكلُّ ذلك لم يؤثِّرْ على الندوب، بل زادتْ!


كان الخطَّاب يتقدَّمون للزواج مني، وكنتُ أرفض، وأصبتُ بنوبات الهلَع والخوف بسبب هذا الحرق، إلا أنَّ ضغوط الأهل وتدخُّل أطراف كثيرة لإقناعي جَعَلَتْني أوافِق في النهاية على شابٍّ مِن المتقدمين للخطبة.


أخبرتُ الخاطب أن الزيتَ سقَط على ساقي وبعض جسمي، وأُصبتُ بحرقٍ، والأثرُ موجود، لكنه قال: لا تهتمِّي، فلن يراه غيري.


رفضتُ إتمام الزواج بسبب حالتي النفسية، لكنه أَصَرَّ على إتمام الزواج، وتم العقد الرسمي، وأخبرتُه بأن يتراجَع حتى لا يتهمني بالغش، فلم يُوافق، بل حزن كثيرًا.


تزوَّجنا وفي ليلة العرس لم يهتم كثيرًا، لكن بعد فترة لاحَظَ أن أحد الثديين يَختلِف عن الآخر، وبه آثارُ ندوب، فغَضِبَ واتَّهمني بالكذب، وقال: هذا ليس حرقًا، واتَّهَمَني بالكذب والغش أنا وأهلي!


حدَّثْتُه بلُطفٍ وقلتُ: بإمكانك تركي، وأنا مُتنازِلةٌ عن حقوقي الشرعية وكلِّ ما أنفقتَه عليَّ مِن تكاليف، فرفض، ثم أبدى الرضا، لكنه وقت الغضب يُكرِّر نفس الكلام.


فأفيدوني، ماذا أفعل؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فتَعلمين أيتها الأخت الكريمة أن التدليس في الزواج هو: كتم العيب المنفِّر، وهو حرامٌ شرعًا، ويُوجب الخيار للزوج، فمقصودُ الزواج هو حُصول الرحمة والمودة، فإن كان العيبُ خَفيًّا، فيرجع الزوج على الزوجة لا على الولي؛ لأنَّ التغرير والتدليس منها وحدَها.


غير أنك قد أخبرتِ زوجَك قبل العقد أن يَتراجَع عن إتمام الزواج؛ حتى لا يتَّهمك بالغش، فلم يوافقْ، وأنت وإن كنتِ لم تقولي الحقيقة كاملةً، إلا أنه علم أن هناك عيبًا، فالأمرُ لم يكن مفاجئًا له بصورةٍ كاملةٍ، وأيضًا أنت عرَضتِ عليه أن يتركك وتتنازلي عن حقوقك الشرعيَّة، وتَرُدِّي إليه ما أنفَقَه عليك، والشارعُ الحكيمُ لم يُكلِّفك أكثر مِن هذا، غير التوبة النَّصوح.


والذي يَظهر مِن تصرُّف زوجك أنه مُتمَسِّك بك، ولا يريد فراقك، لكنه غاصبٌ مِن عدم إخباره بالحقيقة كاملة، وهذا الغضب سيقلُّ مع الأيام شيئًا فشيئًا حتى يتلاشى، ومن رحمة الله تعالى أن الإنسانَ مُوكل به النسيان والغفلة، ومِن أجود ما قال الجاحظ في رسائله: "فليس للإنسان مِن الخيرة في الذكر شيء، إلا وله في النسيان مثلُه".
وقال الشاعر:

ستَمضي مع الأيامِ كلُّ مُصيبةٍ
وتحدُث أحداثٌ تُنَسِّي المَصائبَا

فانظري للأمام، ولا تلتفتي للخلف، وتفاءلي بالخير تجدِيه، وأخْرِجي مِن ذهنك كلَّ فكرٍ سلبي، واستبدلي به أمورًا إيجابية، مثل العمل على تحقيق السعادة الزوجية، ودعاء الله أن يُحببك لزوجك، وأحسني معامَلته، وارفُقي به تملكي قلبه، وتذكَّري دائمًا أن هناك أنواعًا كثيرة مِن الجمال مُقدَّمة على جمال الجسد وحُسن الصورة، فهناك جمالُ النفس، وجمالُ الروح والعقل والأدب، بل هذه هي التي تبقى كما قال الشاعر:

غيرُ باقٍ في الكونِ إلاَّ جمالُ ال
روح غضًّا على الزَّمانِ الأبيدِ

والله أسأل أن يُبارك لكما، وأن يبارك عليكما، وأن يَجمعَ بينكما على خيرٍ