مخاوِف الفصل الدراسي ولطمة معلمتي

[ابوالوليد المسلم]

مخاوِف الفصل الدراسي ولطمة معلمتي


أ. عائشة الحكمي





السؤال

عندما كنتُ طفلةً صغيرةً كنتُ جريئةً، أشاركُ في الحصص دون خَجَلٍ، ثم انتقلْنَا إلى مدينةٍ أخرى وكان عمري 8 سنوات، وكنتُ أيضًا بنفْس الجُرأة، لكن قلَّتْ ثِقَتي بنفسي عندما صفَعَتْنِي المعلِّمةُ بلَطْمةٍ على وجْهي؛ لعدَم مَعرفتي الإجابة!

عندما كبرتُ قليلاً درَّسَتْ لنا مُعلمةٌ كنتُ أشعُر أنها تكرهني، وتَحْتَقِرني، فلَمْ أُشاركْها في حِصَصِها، ثم تغيَّرَتْ علاقتي بها فأحببتُها كثيرًا، لكن كنتُ اعْتَدْتُ على ألاَّ أجيبَ أثناء الحصَص، وإذا بَدا لي أنِّي أُريد أنْ أجيبَ عنْ سؤالٍ، يخفق قلبي بشدَّة، وكثيرًا ما تقول لي المعلِّمة: أنتِ خجولة!

الآن أنا كبرتُ وزاد الأمرُ، فعندما تدخُلُ مُعلمةُ مادَّة ما الحصةَ، أشعُر بتوتُّرٍ شديدٍ جدًّا، وقلقٍ، وبُرُودةٍ في الأطراف، وشُعُور بالغثَيان، وكراهية الحِصَّة، وكراهية موْت المعلِّمة!

كرِهْتُ هذه المعلمة؛ لأنَّها جاءتْ إليَّ، وقالتْ: لِمَ لا تُجيبين عنِ الأسئلةِ؟! قالتْها وهي تنظُر إليَّ باحتقارٍ، فحبَسْتُ دُموعي ونظرتُ إلى أسفل!



ماذا أفعل أفيدوني، فقد كرهْتُ المعلِّمة، مع أنِّي أحبُّ مادتها، وكذا زميلاتي لا يُحبُّونها.




الجواب

بسم الله الموفق للصواب

وهو المستعان



(خجل): الخاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وتردُّد؛ "مقاييس اللغة"؛ ابن فارس.

أيتها العزيزة، لقد حددتِ بدقَّةٍ أسباب مُشكلتكِ، فذاكرتكِ الحسيَّة لَم تزلْ تحتفظ بألَم اللطمة التي طبعتْها مُعلمتكِ على وجنتكِ الصغيرة عندما كنتِ طفلةً في الثامنة، وهنا مَكْمَنُ العُقدة النفسيَّة، فحين لَم تعرفي الجوابَ عُوقِبْتِ عِقابًا صارمًا لا يجوز شرْعًا، ولا يصحُّ تربويًّا، فأصبح لديكِ شُعُورٌ بالخوْفِ والقلَق منَ الخطأ والغلَط؛ فاحتمَيْتِ بالصمْتِ وعدم المشارَكة في الفصْل؛ كي لا تتلقَّيْ عقابًا جسديًّا مرةً أخرى، ومع مُرُور الزمَن ارتبطَ الصمتُ بالحماية الذاتيَّة من العقاب، حتى أصبحَ عادةً تُعَبِّر عنْ خجلكِ، رغم أنكِ في الأصل "قويَّة وجريئة"!

وحين كبرتِ، استمرَّ وُجودُ هؤلاءِ المعلِّمات في مِشواركِ العلميِّ، فكان الخوفُ هو الاستِجابة الغريزيَّة لأُسلوبِ التَّرهيب الذي تنْتَهجُه مُعلماتكِ في المدرسة، ولكنه خوْفٌ مرَضيٌّ يُسَمَّى بـ: مخاوِف الفصل الدراسي Classroom Phobias.

والخوفُ لا يُعالَج بالتزام الصمْت، والانكفاء تحت الذات، والاختباء داخل القلْعة الذاتيَّة المحصَّنة بالسكوت، بل بالمُواجَهة والشجاعة، وعدم الالْتِفات إلى المشاعِر الداخليَّة المضطربة، وخفقات القلب المتسارِعة، فحتى أشجع الناس قد يشْعرون بالرهبة قبل دقيقةٍ واحدة مِن دُخُولِهم ساحةَ المعركة؛ لذلك لا بُدَّ مِن الإقْدام على الخطوة الأولى لكَسْر القِشرة اليابسة منَ الخجَل التي تغلِّف قلبكِ الصغير، يقول كريم الشاذلي في كتابِه: "ما لَم يخبرني به أبي عن الحياة": "لعلك لا تعلم أن الصاروخ يحرِق في مرحلة الإقلاع المخزونَ الأكبر مِن وقُودِه، نعم، قبْلَ أن يغادِرَ سماءنا يكون قد أحرق جلَّ طاقتِه، حتى سيارتك إذا ما أحببتَ قيادتها صباحًا، فإنها تحتاج أن تنتظرَ عليها قليلاً قبل أن يتهيَّأ موتورها، وتصبح جاهزةً للانطلاق، إنها الخطوة الأولى في كلِّ شيء، بسيطة، صغيرة، غير منظورة، لكنَّها في غايةِ الأهمية؛ لذا فإنَّنا يجب أن نثبتَ أعيُنَنَا على الغاية الكبرى التي نسير إليها؛ كي نستمدَّ منها الحماسة، ولا نستصغر الخطوات الأولى بل ننمِّيها، ونقَوِّيها بخطوات أخرى تُعَزِّز من رسوخها".

ادعمي ثقتكِ بنفسكِ عبر التركيز على مَواهبكِ وإبرازها في المدرسة، مِن خلال المشارَكة في الفعاليَّات، والإذاعة المدرسيَّة، والأنشِطة اللا صفِّيَّة، واجعَلي مِن صديقاتكِ المقرَّبات عصا الضرير التي تدعم هذه الخطوات، فكلما ظهَر الجهدُ جماعيًّا، خفَّ شُعُور القلَق والتوتُّر لدَيكِ.

أمَّا الأعراضُ الفسيولوجيَّة للرهاب؛ كالخفَقان، وبرودة الأطراف، والدوار، فيُمكن ضبطُها من خلال حاصرات بيتا Beta Blockers، وهي تُصرف دوائيًّا، لكنِّي سأعطيكِ البديل الطبيعي لها، فمذهبي في العلاج: تقديمُ العلاج الطبيعي على العلاج الدوائي، ما دامت المشكلةُ غير ذهانيَّة، وما دام العلاجُ الطبيعي مُمكنًا ومتاحًا ومُفيدًا.



حاصرات بيتا الطبيعيَّة:

1- شاي البابونج.

2- الشاي الأخضر.

3- عصير الرمان.

4- L-arginine؛ وهو حمضٌ أميني، تعدُّ بذور السمسم والشوكولاتة مِن أهم مصادِرِه.

5- GABA؛ وهو حمضٌ أميني، يوجَد في السبانخ غير المطبوخة، واللوز، والجوز، والحمض من الفواكه.

6- Tryptophan؛ وهو حمضٌ أميني يوجَد في اللحوم الحمْراء، وصدور التركي، والمحار، ولحم التونة.

7- البوتاسيوم؛ ومِن أغنى مصادره: الموز، والبطاطا، والفاصوليا البيضاء، والزبيب، وعصير البرتقال.

8- تمارين التنفُّس العميق.

اشربي عصير الرمَّان الطبيعي، أو عصير البرتقال الطبيعي قبل ذَهابكِ إلى المدرسة، وشاي البابونج قبل النَّوْم، وحاوِلي إضافة بقيَّة الأطعمة إلى غِذائكِ اليوميِّ، مع الحِرْص على التنفُّس العميق داخل الفَصْل.


واسعَيْ إلى تحسين علاقتكِ بمُعلمتكِ، وبناء علاقة قائمةٍ على الثِّقة والاحتِرام، مِن خلال التبسُّم لها داخل الفَصْل وخارِجه، وجَمْع الدفاتر، ومَسْح السبورة والتحضير للدرس، وكتابة الواجب، ونحو ذلك، فإنْ خفَّ شُعُور القلق فكلِّميها على انفرادٍ، واشرحي لها حاجتكِ إلى دعْمِها، فإنِ استصعبتِ الأمرَ فاشرحي مُشكلتكِ إلى المُرشِدَة الطلابيَّة، وهي ستتصرَّف - إن شاء الله تعالى - بحُكم خبرتها ومعرفتها بالمعلِّمات، والله يوَفِّقك ويُعافيكِ ويسعدكِ في الدارين، آمين.



والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب