|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حرب الأحياء الشعبية (قصة) سواري العروسي وقفْنا وجلَسْنا على شكل حلقة بشرية واسعة على ضفَّة الوادي الخضراء المُبرقعة هنا وهناك بالتراب الأحمر، الحلقة ضيِّق صفُّها الداخلي بجلسة قرفصاء الكبار، متحرِّك ومُتناثر بعض محيطها، كانت مكوِّناتها ذكرية فقط، الأعمار دون العشرين، وكنتُ أنا من فئة الأطفال الحاضرين المتحمِّسين. كان أخي من الفتيان الشباب، ولم يَعترض اليومَ على مرافقتي له ولأقرانه كما جرَت العادة، عادةً كل فئة عمرية تستقلُّ عن الفئة العمرية الأخرى بتجمُّعها كاملةً وعلاقاتها ولعبها، وبالمناسبة، المطلوب من الأطفال تحمُّل مسؤوليتهم والقيام بدورهم كاملاً، فاليوم وما يَليه من الأيام العشرة القادمة على الأقل أيام استثنائية، ولا مجال لإقصاء أحد؛ إنها أيام الحرب المُعلَنة بين الأحياء الشعبية. كانت هذه الحرب موسمية الاندلاع بمدينتِنا، ويُختار لها الأيام الأولى من عطلة الدراسة الصيفية، ولم يكن للآباء ولا للأمهات رأي أو دخل فيها، كانت أهدافها أحيانًا واضحةً؛ كالسَّيطرة على بعض البرك المائية بالوادي، واستغلالها للسباحة أو صيد الأسماك، أو بسط النفوذ على بعض المناطق العارية إلا من بعض الأشجار، وأحيانًا أخرى يكون الهدف غامضًا لا يجد تبريرًا إلا ممارسة العنف والانتقام الذي لا نهاية لوجوده. جلس القائد وسط الحلقة يشرَح خطة الحرب، كانت الأعين شاخصةً على مركزها، الكلُّ كان يستمع كما يجب، كان يستعمل قضيبًا من القصب ليرسُم معالم ساحة الوغى، بقضيبه ذلك كان يحدِّد على التراب الأحمر المواقع، ويَختار لها من المتحلِّقين أصحابها. أثناء تقديمه للخطة كان يَستدير بجسده ويتنقَّل ببصره باحثًا عمَّن يقترح تعديلاً أو يُبدي وجهة نظر أخرى، إذا لم يَحدُث شيء من هذا، كان يَمحو آثار شرحه، وينتقل إلى شرح آخر. أخي كان هو قائدَ حيِّنا، وكنت واثقًا أن خطته ستكون ناجحةً؛ لأنه استطاع أن يستقي - بشكل غير مباشر - معلومات هامة عن الخصم عن طريق ابن خالتي الذي يَقطن بحيِّ "أعدائنا". بدأتِ الحرب، كانت الأحجار المختلفة الأحجام تَنهال على الجهتين اللتين كانت تَفصلُهما مساحة فارغة، كان المحاربون مسلَّحين بالمقلاع وراجمات الأحجار الصغيرة، وكان السلاح الأول يصنع من مكوِّن الحبل (خيط الصابرة)، والثاني من أعواد الأشجار ومَطَّاط عجلات الدرَّاجات، ومن لم يكن مسلَّحًا بأحدهما، كان عليه التقدُّم إلى الأمام والهجوم بإلقاء الحجارة بيده على الخصم. كانت الحرب تدوم لأيام، وكانت الخسائر تتمثَّل دائمًا في إحداث بعض الجروح الخفيفة أو العميقة التي تكون خاصَّةً في الرأس، وفي مثل الحالة الأخيرة يُملأ الجرح بالفلفل الأحمر، ويلفُّ على رأسه بمنديل ينزع عنه بمجرد دخوله الحي، وكان الفريق المنتصِر يَحتفظ بمكسب الحرب ماديًّا ومعنويًّا إلى حين اندلاعها من جديد. الحرب التي شنَّها أبطال حيِّنا على جيرانهم انتهَت لصالحنا، تمتَّعنا طيلة الصيف بالسباحة في البرك التي تنازعنا حولها واصطدنا منها الأسماك وشَوَيْناها على ضفة الوادي فوق صفائح من حديد، دون أن يصاب أيٌّ مِنا بأذى الصدأ، لكن كنا دائمًا متوجِّسين من وقوع هجوم مُباغت يَكسرنا ويسحب من بين أيدينا مكاسبنا، كان أخي شجاعًا تجمَّعت في شخصيته كل سمات الأبطال، حينما كنتُ أسأله عن سرِّ انتصاره كان يقول: "يَنبغي عليك أن تكون عربيًّا بأنف طويل"، فهمت فيما بعد. عندما كبرتُ عدت إلى الماضي فاستغربتُ كيف كانت تُدقُّ طبول الحرب في كلِّ أحيائنا؟! وكيف كانت الأحقاد تُغرَس في قلوبنا وعقولنا إزاء جيرانِنا دون أن تتدخل السلطات العمومية التي كانت تُزكي الظاهرة بصمتِها؟! كان بالإمكان أن نتواصل ونتعايش ونستغلَّ الماء والأرض كلنا بحب وسلام، ونوفِّر طاقة الحرب لأعمال تفيد!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |