كلمة "الأيد" ومشتقاتها في القرآن الكريم وكلام العرب

[ابوالوليد المسلم]

كلمة "الأَيْد" ومشتقاتها في القرآن الكريم وكلام العرب


د. أورنك زيب الأعظمي

جاءت كلمة "الأَيْد" ومشتقاتها إحدى عشرةَ مرةً في القرآن الكريم. قال الله تعالى:

﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 17، 18].

﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 47، 48].

ومنه (أيَّدَ أحدًا يؤيِّدُه)؛ أي: قَوَّاه. قال تعالى:
﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].

﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26].

استخدمها الشعراء العرب في كلامهم؛ فقالت الخنساء:

فلم أرَ مِثلَه رُزءًا لجنٍّ
ولم أر مثلَه رزءًا لإنسِ

أشدَّ على صروف الدهر أَيْدًا
وأفصلَ في الخطوب بغير لَبْسِ[1]

وقال حسان بن ثابت الأنصاري:

وغَدَوا علينا قادرين بأَيْدِهم
رُدُّوا بغيظهم على الأعقابِ

بهبوبِ مُعصِفةٍ تَفرَّقَ جمعُهم
وجنودُ ربِّك سيِّدِ الأربابِ[2]

وقال ابن قيس الرقيَّات:

إنْ سمتَه الخسفَ منك أنكَرَه *** إنكارَ أيدٍ في سيفه عَلَقُ[3]

وقال الفرزدق:

دعوتَ الذي سَوَّى السمواتِ أَيْدُه *** ولَلهُ أدنى مِن وريدي وألطَفُ[4]

وقال هدبة بن الخشرم العذري:

وقد عَلِمتْ سُليمى أنَّ عُودي *** على الحَدَثان ذو أَيْدٍ صليبُ[5]

وقال رؤبة بن العجاج:

أنت إذا ما عُدَّ ذو الدَّسِيعِ

تَنْمِي مِن الأَعْياصِ في مَنيعِ

مُثرِي الأصول أَيِّدِ الفروع[6]

ففي كلٍّ من هذه الشواهد تعني كلمة (الأَيْد) القوّة.

وهي من الفعل آدَ يَئيدُ أيدًا: قَوِيَ واشتَدَّ، كما قال امرؤ القيس يصف نخيلًا:

فأثَّتْ أعاليه، وآدتْ أصولُه *** ومال بقِنوانٍ من البُسرِ أحمَرَا[7]

ومنه (إيَادٌ): ما يقوَّى به من الجانبين، وكذا التراب الذي يجعل حول الحوض أو الخباء الذي يقوَّى به أو يمنع ماء المطر، كما قال العجاج:

عن ذي إيادَينِ لهامٍ، لو دسَرْ

برُكنِه أركانَ دمخٍ، لانقَعَرْ[8]

وقال يصف الثور:

كأنَّ تحتي ناشطًا مُجَأفَا

بات إلى أرطاة حِقفٍ أحقفَا

متخذًا منها إيادًا هدفَا[9]

وقال ذو الرمة:

ذعَرْناه عن بِيضٍ حسانٍ بأجرع *** حوى حولَها من تُربه بإيادِ[10]

ومنه (أيَّدَ أحدًا يؤيّدُه) أي قَوَّاه، قال أبو بلال بن مرداس أديَّة:

ويسِّرْ لنا خيرًا ولا تحرمَنَّنا
لقاءَ ذوي الإلحاد في عددٍ دَثْرِ[11]

وقال أعشى أبو ربيعة:

الله ربي لم أشركْ به أحدًا
وكلُّ شيء باطلٌ عزر

والعرشُ يحمله رهطٌ ثمانيةٌ
موكَّلون به ما مثلهم نَفَرُ

له مطيقون قوَّاهم وأيَّدهم
ربي فما ضعُفوا عنه ولا فتَروا[12]

ومنه (أيِّدٌ) لذي قوة؛ قال عبيد بن الأبرص:

كم فيهم من سيِّد أيِّد *** ذي نَفَحاتٍ، قائل فاعل[13]

وقالت الخنساء:

وجودي بدمعكِ واستعبري
كسحِّ الخليج على الجدول

على خيرِ مَنْ يندب المُعوِلون
والسيِّدِ الأيِّدِ الأفضل[14]

وقال الشاعر:

إذا القوسُ وتَّرها أيِّد *** رمى فأصاب الكلى والذُرا[15]

ومنه (المُؤْيد) أي الشديد؛ قال طرفة بن العبد:

تقول وقد ترَّ الوظيفُ وساقُها *** ألستَ ترى أنْ قد أتيتَ بمُؤْيِدِ[16]

وقال المثقب العبدي:

ينبي تجاليدي وأقتادَها *** ناوٍ كرأس الفدَنِ المُؤْيَدِ[17]

ومنه (المؤيَّد) لمن تمّ تعضيده، كما قال طرفة بن العبد:

كأنَّ كِناسَيْ ضالَةٍ يَكنُفانِها *** وأَطْرَ قِسِيٍّ تحت صُلْبٍ مؤيَّدِ[18]

وقال خلَف بن خليفة:

عدلتُ إلى فخر العشيرة والهوى
إليهم وفي تعداد مجدهم شغلُ

إلى معدنِ العزِّ المؤيَّد والندى
هناك هناك الفضلُ والخُلُق الجزل[19]

وبالجملة فكلمة "الأيْد" أصلها قوة وشدة. وهذا المعنى الأصلي يوجد في كافة مشتقاتها بصورة أو أخرى.

المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم

2- أساس البلاغة؛ لأبي القاسم الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م.

3- أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد؛ للعلامة سعيد الخوري الشرتوتي، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران، 1374هـ.

4- تاج العروس من جواهر القاموس؛ للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبدالستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1965م.

5- جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام؛ لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق: محمد علي البجادي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، د.ت.

6- ديوان الخنساء، اعتنى به وشرحه: حمدو طمّاس، دار المعرفة، بيروت، 2004م.

7- ديوان العجاج، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق، 1971م.

8- ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م.

9- ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحَّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م.

10- ديوان حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي، شرح: محمد العناني الضابط بالحربية، مطبعة السعادة، مصر، د.ت.

11- ديوان ذي الرمة، تقديم وشرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م.

12- ديوان شعر المثقب العبدي، تحقيق وتعليق: حسن كامل الصيرفي، جامعة الدول العربية، معهد المخطوطات العربية، 1971م.

13- ديوان طرفة بن العبد، شرح وتقديم: مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 2002م.

14- ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، تحقيق وشرح: د. محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، د.ت.

15- ديوان عبيد بن الأبرص، بشرح: أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994م.

16- شرح ديوان الحماسة للعلامة التبريزي، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى.

17- شرح ديوان رؤبة بن العجاج، تحقيق: د. ضاحي عبدالباقي محمد، جمهورية مصر العربية، مجمع اللغة العربية، ط1، 2011م.

18- شعر الخوارج، جمع وتحقيق: د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1974م.

19- شعر هدبة بن الخشرم العذري، صنعة الدكتور يحيى الجبوري، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، ط2، 1986م.

20- الصبح المنير في شعر أبي بصير، مطبعة آدلف هلزهوسنين، بيانة، 1927م.

21- الصحاح للجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1984م.

22- كتاب الألفاظ لابن السكيت يعقوب بن إسحاق، تحقيق: الدكتور فخر الدين قباوة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، ط1، 1998م.

23- كتاب العين للخليل الفراهيدي، ترتيب وتحقيق: الدكتور عبدالحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003م.

24- لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.

25- المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءاته للدكتور أحمد مختار عمر، مؤسسة سطور المعرفة، الرياض، ط1، 2002م.

26- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، د.ت.

27- موسوعة الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم للشيخ الدكتور أحمد عبيد الكبيسي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 2017م.

[1] ديوانها، ص 72.

[2] شرح ديوانه، ص 20.

[3] ديوانه، ص 73.

[4] ديوانه، ص 385 ويروى: دعوت الذي سوَّى السماءَ بأيده جمهرة أشعار العرب، ص 697.

[5] ديوانه، ص 60.

[6] شرح ديوانه، 3/143-144.

[7] ديوانه (هامش)، ص 60، ولسان العرب: أيد.

[8] ديوانه (هامش)، 1 /22-23، وكتاب العين والصحاح ولسان العرب: أيد.

[9] ديوانه، 2 /235.

[10] ديوانه، ص 70.

[11] شعر الخوارج، ص 51.

[12] الصبح المنير في شعر أبي بصير، ص 278.

[13] ديوانه، ص 94.

[14] ديوانها، ص 98.

[15] الصحاح ولسان العرب: أيد.


[16] ديوانه، ص 28.

[17] ديوان شعره، ص 23.

[18] ديوانه، ص 22.

[19] شرح ديوان الحماسة، 2 /361.