|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أثر الواقع على اجتهاد العلماء ميسون سامي أحمد من أهم خصائص الدين الإسلامي أنه دين واقعي، يعالج مشاكل البشر بحكمة وموضوعية مراعيًا طبيعة النفس البشرية وما تتعرض له. ومن ذلك تشريعه لأحكام استثنائية مراعاة للمصلحة وواقع الناس. ومفهوم الاستطاعة والوسع من المفاهيم التي ترتبط بالواقعية، يقول تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]. وقد واءم النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بين المثالية المبدئية والواقعية العملية فيخاطب الناس: (من دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) (تاريخ الطبري، ص 435) فمع كون الإسلام دين المساواة بين الناس جميعًا لا فرق بين شريف وضعيف، ومع كون أهل مكة مشركين حين دخلها النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الواقعية السياسية تقتضي الاعتراف بمكانة أبي سفيان السياسية والاجتماعية وما سيكون لها من أثر إيجابي على أهل مكة كلهم (الحركات الإصلاحية بين المثالية والواقعية، د. حاكم المطيري). يقول ابن القيم رحمه الله: نوعان من الفقه لا بد للحاكم منهما فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ولا يجعل الواجب مخالفًا للواقع (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية 1/ 7). لابد من فقه النص وفهم الواقع الذي يراد للنص أن يقومه وينزل عليه، ففقه النص لا يتوفر على حقيقته إلا بفهم الواقع، وفهم النصوص وتطبيقها على الوقائع متوقف على معرفة مقاصد الشريعة وحفظ مصالح الناس، ولما كان الإنسان يتوسط بين الوحي والواقع يصبح هو الفاعل فيه، عندئذ يصبح فهم الواقع الإنساني شرطًا (الإسلام الممكن دراسة تأصيلية في فقه المسافة بين فهم النص وتطبيقه، ص 31، 68). ومن فهم الواقع معرفة مكونات حياة الأمة وما طرأ عليها من تغييرات وما يحتمل أن يطرأ عليها في إطار احتكاكها بالأمم الأخرى وتدافعها مع غيرها (تكوين ملكة المقاصد، د. يوسف حميتو، ص 52). الفقه الإسلامي - عمومًا - هو اجتهاد بشري، وصياغة بشرية يزدوج فيها الفهم والاستنباط من نصوص الوحي مع النظر في الواقع تكييفًا له وتنزيلًا للأحكام المستنبطة عليه (العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية، ص 58). وهذا التكيف يكون في الأدوات والوسائل المباحة وليس في المفاهيم الشرعية التي لا يجوز العبث بها أو تفريغها من مضامينها عبر تأويلات مستحدثة أو لغة عائمة لديها مشكلة كبيرة مع الوضوح والشفافية (الدين والهوية إشكالات الصدام والحوار والسلطة، ص 126). الفقه هو الفهم والفهم والتفهم ممارسة بشرية وهي عملية وساطة يكون الفقيه فيها وسيطًا بين الوحي والواقع، فالوحي ثابت والواقع متغير والفقيه وسيط بينهما (العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية، ص 58). والفقه يتشكل من ثلاثة عناصر: الوحي أو الشرع المنزل، والواقع المعيش، وذات الفقيه المستنبِط، وإذا كان الوحي معصومًا في نصوصه وأحكامه ومقاصده فإن فهمه والاستنباط منه ليس عملًا معصومًا بل هو اجتهاد وكسب بشري يصيب ويخطأ (مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي، د. أحمد الريسوني، ص 11). من المعلوم أن مساحة الاجتهاد البشري في الشريعة الإسلامية كبيرة جدًّا ومن الأحكام القابلة للتغيير أو التطور هي المستنبطة بطريق القياس أو المصلحة المرسلة أو العرف وذلك في نطاق المعاملات أو الأحكام الدستورية والإدارية والعقوبة التعزيرية مما يدور مع مبدأ إحقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد (الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، د. عبد المجيد السوسوة الشرفي، ص 116). والعمل بالمصلحة المرسلة لا يجري إلا في باب المعاملات لأنها معقولة المعنى ولا تجري في أبواب العبادات لأنها غير معقولة المعنى ولا في العقوبات لأن أغلبها تشريعات مقدرة والمقدرات لا مجال للاجتهاد فيها (المدخل إلى السياسة الشرعية، ص 153). والاستحسان والقياس والمصلحة والعرف مع علميتها ومنهجيتها وموضوعيتها إلى حد لا بأس به إلا أنها تبقى عملية بشرية غير معصومة، خاضعة للنقد والمراجعة (العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية، ص 59، 67). لذلك لا ينبغي المطابقة بين الوحي واجتهادات البشر في فهم نصوص الوحي وإنزال معانيها على الواقع لأن الواقع المعيش تتفاوت في إدراكه وتشخيصه وتكييفه عقول الناس وتقديراتهم بمن فيهم الفقهاء (مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي، ص 11). وكل بيئة تفرض على فقهائها وعلمائها نوازل تخصها ويشيع فيها ما لا يشيع من نوازل في بيئة أخرى، ولذلك يقرر العلماء أن فقهاء كل بلد أعلم ببلدهم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |